المحتويات
خامسًا: العلمانية والديمقراطية
سادسًا: النظام السوري هل هو نظام علماني؟
مقدمة
لعل البحث في موضوع العلمانية وتطبيقاته المختلفة بوصفها “نظام حكم” من القضايا الإشكالية والشائكة؛ لما أفضت إليه من حساسيات اجتماعية وثقافية وسياسية، من حيث أن المبدأ السائد عن العلمانية هو فصل الدين عن الدولة.
إن الأساس الذي بنيت عليه العلمانية هو فصل الحكومة أو السلطة السياسية أو الحياتية عن سلطة الدين أو عن تدخلات رجال الدين، ومن ثمّ، فإنها تسعى إلى قيام الدولة من دون إجبار على اعتناق أيّ معتقد من المعتقدات أو تبنّيه، فهي تقف على مسافة واحدة من الأديان والإثنيات.
لقد سعت العلمانية إلى فصل الدين عن السلطة الدنيوية، بوصف الدين ثقافةً خاصة، خاضعة للمعتقدات واختلافاتها، ومن ثمّ، فالأنشطة البشرية والقرارات والسياسات يجب أن تكون غير خاضعة لتأثير الدين ورجالاته، إذ أن الحياة تحكمها وتنظمها مجموعة من القواعد التوافقية التي تضمّ أفراد الدولة كلّهم في عقد اجتماعي واحد، ولذلك نظرت إلى الدين كحالة اجتماعية غير قادرة على استيعاب جميع الأفراد الذين ينضوون تحت سلطان الدولة، على اختلاف آرائهم وثقافاتهم وأيديولوجياتهم.
هل تتعارض العلمانية حقيقة مع الدين؟ وهل يُعدّ الإسلام دينًا خاصًا في علاقته بالدولة، كما حصل في أوروبا؟ لقد جاءت العلمانية في أوروبا نتيجة تسلط رجال الدين على الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية، وإنشاء سلطة إقصائية تحارب كل فكر لا ينضوي تحت عباءتها، وكان لا بدّ للتطور أن يأخذ مجراه بعد قرون من سلطة الكنيسة ورجالاتها، لتتأسس العلمانية نظامًا سياسيًّا وحياتيًّا لأوروبا الجديدة.
لكن الأمر يبدو أكثر تداخلًا وتعقيدًا عند الحديث عن مجتمعاتنا العربية، فتطبيق العلمانية في بلادنا العربية واجه العديد من العراقيل، وساهم في عدم مشروعيته استغلالُ النظم الفاسدة مفهوم العلمانية، وتصدير خطاب سياسي يدّعي تمثيل العلمانية نظامَ حكمٍ وحياة، وقد كانت هذه الأنظمة هي الأكثر فسادًا وقمعًا واستبدادًا ولا سيّما النظام السوري.
أولًا: الإطار المنهجي للدراسة
1. إشكالية الدراسة وأهميتها
نشأت العلمانية نظامًا حياتيًّا وسياسيًّا مناقضًا لتحكم المؤسسة الدينية، في الحياة السياسية والاجتماعية في أوروبا لقرون طويلة، وكان الهدف من الانتقال إلى نظم الحكم العلمانية يستهدف الفصل بين الدينيّ من جهة والسياسي والاجتماعي من جهة أخرى، وإعادة الاعتبار إلى خصوصية المؤسسات المختلفة التي يتكون منها المجتمع، فخلّصت العلمانية الدين من مهمّاتٍ ليست مهمّاتِه في قيادة الدولة وشؤونها المختلفة، وأعادته إلى حضن المؤسسة الدينية، وفصلته عن الحياة السياسية، مقدمة بذلك نموذجَ حكمٍ تقوم المؤسسات المختلفة فيه بأدوارها المُناطة بها، من دون التداخل والسيطرة من واحدة على أخرى، فلم يتعدَّ في هذه الحالة السياسيُّ على الديني، والعكس بالعكس في إطار حرية المعتقد والأيديولوجيا والممارسة السياسية والدينية.
انتقلت العلمانية من حيث هي نظام حكم، إلى خارج حدود نشأتها الأوروبية، في محاولة من القوى السياسية في مجتمعات العالم الثالث -عمومًا- الانتقال بمجتمعاتها من النظم التقليدية إلى الحديثة، في محاولة لنزع السيطرة الدينية على مقدرات الحياة السياسية، وتفنيد العلاقة الشائكة -عمومًا- بين الديني والسياسي. وكان للتجربة السياسية العربية نصيب من استجلاب أنظمة الحكم المختلفة، وتطبيقها على الواقع العربي من دون أن تصيب في ذلك النجاح المأمول. فصدّرت بعض الأنظمة نفسها على أنها ذات نظام علماني، مثل النظام السوري، ولا يزال يقدم نفسه بناء على هذا التصور.
استغل النظام السوري، في سبيل تثبيت سلطته وديكتاتوريته، كثيرًا من الشعارات المتعلقة بالحرية والديمقراطية، فقدم نفسه على أنه نظام حكم يستلهم التجربة الاشتراكية، وقدم خطابًا سياسيًا داخليًا وخارجيًا عرف به نفسه، على أنه نظام علماني. وهو إذ قدم نفسه كذلك، إلا أنه غالى في القمع والاستبداد و تبني الإقطاعية السياسية والطائفية، حيث بات مفهوم العلمانية -بوصفه نظام حكم وأسلوب حياة- مرتبطًا بالنموذج الذي قدمه هذا النظام، وهو ما يستدعي البحث في تلك العلاقة الزائفة -التي كرسها النظام- بالعلمانية، ولا سيّما أن خيارات شكل الدولة ونظام الحكم المطروحة اليوم، بعد خمس سنوات على انطلاق الثورة السورية، باتت تستبعد إلى حدّ كبير النظام العلماني للحكم، بسبب استغلال النظام السوري مفهوم العلمانية وتصديرها بعدّها نظام قمع وإجرام وإلحاد.
استنادا إلى ما سبق، تبدو أهمية هذه الدراسة في نقطتين:
- ضبط مفهوم العلمانية والتباس مفهومها وتطورها عبر التاريخ والمجتمعات.
- توضيح العلاقة الزائفة بين النظام السوري والعلمانية كنظام حكم.
2. أهداف الدراسة
تتمثل أهداف الدراسة بما يأتي:
- البحث في العلمانية ثقافةً وأيديولوجية.
- مقاربة بين العلمانية فكرًا والعلمانية سياساتٍ وتطبيقًا.
- دراسة حالة النظام السوري من حيث هي نظام حكم يبني خطابه على العلمانية.
3. أسئلة الدراسة
- هل تتعارض العلمانية مع الدين والمعتقد.
- هل يعد الإسلام دينًا خاصًا مختلفًا في علاقته بالدولة.
- هل يمكن للأنظمة العسكرية أن تكون علمانية.
- هل يمكن عدّ النظام السوري علمانيًا.
- هل يمكن أن تكون هناك علمانية من دون ديمقراطية.
4. مفاهيم الدراسة[1]
الديمقراطية (Democracy): شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة، والديمقراطيّة في هذا المعنى الأوسع هي نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع، ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة، وأخلاقية معيّنة تتجلى فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلميًا، وبصورة دورية.
الأيديولوجية (Ideology): مجموعة منظمة من الأفكار تشكل رؤية متماسكة شاملة، وطريقة لرؤية القضايا التي تتعلق بالأمور اليومية، أو تتعلق بمناحي فلسفية معينة سياسية بشكل خاص، أو قد تكون مجموعة من الأفكار التي تفرضها.
الإثنيات (Ethnicities): مجموعة بشرية لها خاصيات مميزة، تحددها الثقافة المشتركة والهوية، وتربط بعض أعضائها ببعضهم الآخر، على أسس مشتركة، وتنال اعتراف الآخرين كمجموعة متميزة، لها أسس مشتركة ثقافية ولغوية ودينية، أو سمات سلوكية أو بيولوجية.
الإلحاد (Atheism): في معناه الواسع رفض الاعتقاد أو الإيمان بوجود الإله. وفي المعنى الضيق، يعدّ موقف الإلحاد على وجه التحديد أنه لا يوجد إله.
الثيوقراطية (Theocracy): تعني حكم الكهنة أو الحكومة الدينية أو الحكم الديني، وهي نظام حكم يستمد الحاكم فيه سلطته مباشرة من الإله، حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين الذين يُعدّون موجهين من الإله، أو يمتثلون لتعاليم سماوية، وتكون الحكومة هي الكهنوت الديني ذاته، أو -على الأقل- يهيمن رأي الكهنوت عليها.
الشيوعية (Communism): نظرية اجتماعية وحركة سياسية، ترمي إلى السيطرة على المجتمع ومقدّراته لصالح أفراد المجتمع بالتساوي، ولا يمتاز فرد عن آخر بالمزايا التي تعود على المجتمع. وتُعدّ الشيوعية الماركسية تيارًا تاريخيًا من التيارات المعاصرة، الأب الروحي للنظرية الشيوعية هو كارل ماركس، ويعدّ فلاديمير لينين، من أهم من توغل في النظرية الشيوعية، وأسهم في الكتابات والتطبيق فيها.
الليبرالية (Liberalism): فلسفة سياسية، أو رأي سائد، تأسّست على أفكار الحرية والمساواة، وتشدّد الليبرالية الكلاسيكية على الحرية، في حين أن المبدأ الثاني -وهو المساواة- يتجلى بوضوحٍ أكثر في الليبرالية الاجتماعية.
الطائفية (Sectarianism): انتماء إلى طائفة معينة، دينية أو اجتماعية، ولكن ليست عرقية، فمن الممكن أن يجتمع عدد من القوميات في طائفة واحدة، بخلاف اوطانهم أو لغاتهم. وهي وحدة بنيوية تنظيمية ثقافية واجتماعية.
5. منهج الدراسة
تعتمد الدراسة في سبيل تحقيق أهدافها على منهجين هما:
- المنهج التاريخي: تستند الدراسة إلى هذا المنهج من خلال سرد التسلسل التاريخي لمفهوم العلمانية، ووصفها وتحليلها ومناقشتها وتفسيرها، والاستناد في هذا الوصف إلى مدى استيعاب هذا المفهوم في وقتنا الحاضر على ضوء الماضي والتنبؤ بالمستقبل.
- المنهج المقارن: المقارنة بين العلمانية مفهومًا، والعلمانية تطبيقًا، متخذة النظام السوري نموذجًا.
ثانيًا: المفهوم والنشأة
1. في مفهوم العلمانية
العلمانية لغةً: لم يرد لفظ العَلمانية في معاجم اللغة العربية القديمة، إنما ورد في بعض الحديث منها:
ورد في معجم المعلم البستاني[2]: العلماني: العامي الذي ليس بإكليريكي، أي ليس خادمًا للكنيسة كالقسيس والأسقف، وبتعبير مرادف ليس دينيًا، ولا محسوبًا على الكنيسة[3]. وفي المعجم العربي الحديث عَلماني: ما ليس كنسيًا ولا دينيًا[4]. وفي المعجم الوسيط: العلماني نسبة الى العَلم بمعنى العالم، وهو خلاف الكهنوتي[5].
كلمة العلمانية هي ترجمة لكلمة سيكيولاريزم (secularism) الإنكليزية، وهي مشتقة من كلمة لاتينية وتعني العالم أو الدنيا، وتوضع مقابل الكنيسة، وقد استخدم مصطلح “سيكولار secular” لأول مرة مع توقيع صلح وستفاليا عام 1648، الذي أنهى أتون الحرب الدينية المندلعة في أوروبا، بداية ظهور الدولة القومية الحديثة، أي الدولة العلمانية، مشيرًا إلى علمنة ممتلكات الكنيسة، بمعنى نقلها إلى السلطات غير الدينية، أي إلى سلطة الدولة المدنية، وقد اتّسع المجال الدلالي للكلمة على يد جون هوليك، الذي عرّف العلمانية أنها: الإيمان بإمكانية إصلاح الإنسان، من خلال الطرائق المادية من دون التصدي لقضية الإيمان سواء بالقبول أو الرفض.[6] وتقول دائرة المعارف البريطانية: “secncicrim” “هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها، وهي تُعدّ جزءًا من النّزعة الإنسانيّة الّتي سادت منذ عصر النّهضة؛ الدّاعية إلى إعلاء شأن الإنسان والأمور المرتبطة به، بدلًا من إفراط الاهتمام بالعُزوف عن شؤون الحياة والتّأمّل في الله واليوم الآخر، وقد كانت الإنجازات الثّقافيّة البشريّة المختلفة في عصر النّهضة أحد أبرز منطلقاتها، فبدلًا من تحقيق غايات الإنسان من سعادة ورفاهٍ في الحياة الآخرة، سعت العلمانية في أحد جوانبها لتحقيق ذلك في الحياة الحالية” [7] وتقول دائرة المعارف الأمريكية “الدنيوية” عنها: هي نظام أخلاقي أسس على مبادئ الأخلاق الطبيعية، ومستقل عن الديانات السماوية والقوة الخارقة للطبيعة[8]
والتعبير الشائع في الثقافة العربية هو “العلمانية” والتي تم اختزالها إلى فصل الدين عن الدولة، وهو في الحقيقة لا يعطي المدلول الكامل لها، من السماح للمعتقدات الفردية والجمعية “دينية كانت أم أيديولوجية” بممارسة قناعاتها بحرية ومن دون قمع.
2. العلمانية نظام حكم
نشأت العلمانية في أوروبا في سياق النهضة الحديثة، وكانت من أبرز معالم فلسفة التنوير الوضعي الغربي، التي جابه بها فلاسفة عصر الأنوار في القرنين السابع عشر والثامن عشر سلطة الكنيسة الكاثوليكية، بعد أن تجاوزت هذه الكنيسة الحدود التي رسمت لها النصرانية، وهي خلاص الروح ومملكة السماء، وترك ما لقيصر لقيصر، والاقتصار على ما لله.
لقد تجاوزت الكنيسة حدود رسالتها واختصاصها، فبعد عصور من سيادة نظرية “السيفين” Theory of the tow swords- – أي السيف الروحي أو السلطة الدينية للكنيسة والسيف الزماني، أي السلطة المدنية للدولة، جمعت الكنيسة السلطتين معًا، فضمّت القيصر إلى الكنيسة واللاهوت، في ظل نظرية السيف الواحد [9]Theory of one sword.
سعت الكنيسة في العصور الوسطى لتكريس سلطانها الديني والدنيوي، من خلال معتقدها أن الانسان مكوّن من روح وجسد، وأن خلاص الإنسان الروحي والجسدي يكون عن طريق سلطان الكنيسة ورجالاته الدنيوية، وبهذا كانت الكنيسة هي السلطة العليا والمسؤولة عن كل شؤون الدولة، ورأت نفسها سلطانًا على الملوك والأمراء، من حقها خلع الملوك غير الصالحين -من وجهة نظرها- وتنصيب الملوك الذين يتوافقون مع مصالحها.
استطاع رجال الكنيسة والباباوات في أوروبا التسلط على السلطة السياسية، من خلال ما امتلكوه من مفاتيح القوة، وهي منح ما وافقهم في الرأي والاتجاه صكوك الغفران، ومعاقبة من يخالفهم؛ حيث أخذ رجال الدين المسيحي بمنح صكوك الغفران لمن يؤيدهم من الأمراء والملوك عما اقترفته أيديهم من آثام، ما داموا موّالين لرجالات الدين، ومنضوين تحت لوائهم، من هنا تحولت الكنيسة من منقذ للبشرية إلى سلطة دينية استبدادية.
وفي نهاية القرون الوسطى بدأ تمرد الملوك والأباطرة على سلطان الكنيسة، وأصبحت السلطة الدنيوية مشتركة بين الملوك والكنيسة، في اتفاق مصالح بين المؤسّستين لإحكام السيطرة على مقدرات الحياة العامة. وأمام هذا التحالف بين السلطة الزمنية والسلطة الدينية، كان لا بدّ من ثورة تضرب هذا التحالف عن طريق تفكيك هاتين المنظومتين، وهو ما حصل عبر سلسلة من الانتفاضات التي زعزعت تلك السلطتين.
كانت العلمانية إحدى ثورات العقل ضد سلطان الدين ورجالاته، وقد بدأت أولى مراحل تكوين هذا الفكر في أوروبا، حيث اقتنع رجال النهضة أنه لا يمكن السّير في اتجاه التطور والنهضة بالمجتمع، إلا باستبعاد رجال الدين عن مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع حصر الدين ومجالاته داخل جدران المعابد والكنائس.
برزت العلمانية في أوروبا ردّةَ فعلٍ على هذا الطغيان الذي مارسه رجال الكنيسة، لكنّها لم تبقَ بعد ذلك من هذا المنظار فحسب، بل طوّرت العلمانية نفسها عن طريق مفكريها، ساعية أن تكون نظامًا حياتيًا يضبط إيقاع حركة البشر. فسعت إلى بلورة الأفكار، ووضع الخطط التي تجعل فيها بديلًا صالحًا لحياة سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية.
ثالثًا: توسع مفهوم العلمانية
لا شك في أن العلمانية بما تحمله من قيم وأفكار وسياسات، تشمل مناخ الحياة المتعددة، قادرة على جعل معانٍ أوسع، وصيغ مختلفة، تتعدّى تسميتها التي تعني فصل الدين عن الدولة أو الحكومة الدنيوية، وإبعاد الدين ورجالاته عن السياسة ومساراتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، والتي تكرس مبدأ (ما لله لله وما لقيصر لقيصر) والذي حاولت العلمانية عبر قرون متعددة تكريسه طريقًا وحيدًا، يجمع شتات الأمم ويلملم شعث المجتمعات، بطوائفها ومعتقداتها كافّة، بما يضمن للجميع حقوقًا متساوية تحت مظلة الدولة التي تنظر إلى الأفراد كجوهر، من دون عدّ العرق أو اللون أو الدين أو المعتقد أو الاتجاه السياسي.
“وهناك وثيقة أعدّها علامة فارقة في تاريخ العلمانية وهي الإعلان العالمي عن العلمانية في القرن الحادي والعشرين، والذي أطلقه سنة 2005، أساتذة جامعيون من 22 بلدًا، وفي الحقيقة ليس لهذه الوثيقة طبيعة قانونية بل رمزية فحسب، لكن أهميّتها تكمن في توسيع مفهوم العلمانية، وعدم التقيد بالتسمية، وعدّ العلمانية قيمة كونية لا تقتصر على حضارة بعينها، أو زمن بذاته، حيث ينص البند الخامس من هذه الوثيقة التي صدرت بلغات مختلفة، “أن العلمانية ليست حكرًا على أي ثقافة أو أي أمة أو أي قارة، إنها يمكن أن توجد في سياقات لم تستعمل فيها هذه الكلمة تقليديًا، وإن مسارات العلمنة وجدت ويمكن أن توجد في ثقافات وحضارات مختلفة، من دون أن تطلق عليها هذه التسمية”.[10]
إن هذا الإعلان بما يحمله من رمزية غير ملزمة، كونه ليس قانونيًا، ولا يمتلك قوة القانون، إلا أنه يكشف اللثام عن أمر غاية في الأهمية، وهو أن الأصل في العلمانية أفكارها وأيديولوجيتها، لا مجرد تسميات جوفاء لا قيمة لها، خالية من مضمونها بالكلية.
كم من المجتمعات التي تدعي الممارسة العلمانية، لكن مع إمعان النظر والتدقيق، تلحظ أنها لا تطبق من العلمانية إلا الاسم فحسب، لتسويق لنفسها بين المجتمعات المتحضرة، إذًا؛ نحن لسنا في حاجة إلى أن نتمسك بالشعارات والأسماء من دون المضامين والسياسات، لسنا في حاجة إلى أن نتغنى بالعلمانية من دون تطبيق لها، فكم من أفراد وجماعات تدعي العلمانية وأفكارها، لكنها كمن “يدعي وصلًا بليلى/ وليلى لا تقر له بذاك”.
يجب أن تكون العلمانية سيرورة تاريخية وحضارية، وجهادًا في سبيل الدنيا، كما حاول الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، أن يكرس في أثناء حكمه؛ حيث طرح شعار (الجهاد الأكبر) وأراد منه جهاد البناء المجتمعي والاقتصادي والوعي الثقافي الذي عليه ستبنى الدولة وكياناتها المؤسسية، ومن ثمّ، يكون لكلمة الجهاد معنى علمانيّ آخر غير معناه الذي تطرحه الكتب المقدسة.
ومما يسمح لنا بتوسيع مفهوم العلمانية هو تحريرها من النماذج الأوروبية المعروفة، والتي تدعو إلى تنحية المقدس جانبًا وجعله ثانويًا في حياة الأفراد، بل من الحاجة بمكان أن تتطوّر العلمانية حيث تجعل المقدس على مسافة معينة من الأفراد والجماعات، من دون تنحيته جانبًا، بديلًا مقبولًا في المجتمعات التقليدية، ومن ثمّ، لا تتنازل العلمانية عن جوهرها، وإنّما تطور هذا الجوهر، وتنشئ له صيغًا جديدة، يمكن من خلالها أن يكون مقبولًا على نطاق أوسع في البلد الأم الذي كانت فيه نشأتها الأولى، وتستقطب، من ثمّ، عددًا أكبر من الأفراد والجماعات التي تنظر إلى العلمانية عدوًّا لأفكارها ومعتقداتها، من خلال القوالب الجاهزة المستوردة التي تطرح فيه العلمانية في المجتمعات التقليدية.
إن توسيع مفهوم العلمانية حاجة ملحة وخاصة في مجتمعاتنا العربية التي تعيش ظروفًا استثنائية، فلا بدّ من مفاهيم جديدة، وصيغ جديدة تطرح عبرها العلمانية، لتكون أكثر قبولًا وأعظم استقطابًا لشرائح وأفراد وجماعات، شريطة ألّا يمس هذا التطور وهذا التوسع في مفهومها الإدلال بجوهرها الذي قامت عليه، وهو النظر إلى جميع أفراد المجتمع بالتساوي، وعلى مسافة واحدة من جميع الأفكار والمعتقدات، حيث تضمن للجميع قدرًا متساويًا من الأهمية والقدرة على إبداء الرأي، في جوٍّ من الاحترام المتبادل من الجميع، تحت سقف المجتمع الذي يتبنى هذه الأفكار.
لا بدّ من إخراج العلمانية من قالبها التاريخي الضيق، لتصبح أكثر مسايرة لواقع المجتمعات والجماعات، ومن ثمّ يمكن طرحها كمنهج حضاري وقالب مطاطي، يتسع لجميع المجتمعات والأفراد على اختلاف أفكارهم ومعتقداتهم وأيديولوجياتهم، من دون تنحية بعضهم لحساب الآخرين، وعليه؛ تكون العلمانية مطلبًا للجميع ولأجل الجميع.
رابعًا: السجال المستمر
لا شك في أن العلمانية بما تحمله من أفكار وثقافة وسياسات، تقوم أساسًا على فصل الدين عن الدولة، وتنحية رجال الدين عن المنصة السياسية، ستقف أمام أصحاب الفكر الديني، ولا سيّما الإسلامي المتشدد، الذي عدها منذ البداية خطرًا على الأمتين العربية والإسلامية، هدفها زرع الإلحاد والرذيلة في جسد الأمة ومقاومة التيارات الإسلامية التي سعت إلى ربط هذا الإيمان بمنظومة أخلاقية تنظم حياة البشر.
أشارت العلمانية إلى اتجاه أيديولوجي مقابل للتيار الثيوقراطي -وهو نظام حكم يستمد حاكميته وقوّته من الإله، وتكون فيه الطبقة الحاكمة من رجالات الدين- لذلك سعى أصحاب هذا الفكر منذ اللحظة الأولى لمقاومة هذه الأفكار التي عدوها دخيلة لا أساس لها ولا مبرر في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، حتى قال أحد منظري هذه التيارات: “العلمانية فكرة مستوردة لا يشك في ذلك أعداؤها ولا يماري أحد من دعاتها، ومعنى ذلك بداهة أنها ليست من صميم الإسلام، ولا هي نتاج المنتسبين إليه، ولذلك وجب قبل كل شيء -أن ننظر إليها نظرتنا إلى أيّ بضاعة مستوردة من جهة حاجتنا إليها أو عدمها[……] وبتطبيق هذه البديهية على العلمانية نجد أنها بضاعة نحن في غنى تام عنها”[11]. وإذا بحثنا في الأسباب الكامنة وراء هذا العداء المستحكم، ما بين التيارات الإسلامية والعلمانية، لوجدنا في ذلك أسبابًا متعددة، يمكن أن نجملها فيما يأتي:
- يعدّ أصحاب الأفكار الدينية الإسلامية أن هذه الفكرة لم تأت إلا بعد غزو الاستعمار الغربي للبلاد العربية الإسلامية، ومن ثمّ، لا يمكن الثقة بمنتج هو أصلًا من صناعة المغتصب الذي أذاق الأمة ويلات الذل والخنوع والإهانة والتجويع والتفقير. كما أعطى العلمانيون انطباعًا سلبيًا عن العلمانية في سلوكهم، وذلك من وجهة نظر محيطهم الاجتماعي، فمعظم العلمانيين العرب لا يلتزم بتعاليم الدين من صلاة وصيام، أو الامتناع تعاطي الخمور، أو إقرار حجاب المرأة، في ظل مجتمع متدين تحكمه تعاليم الدين والعادات الاجتماعية، وهنا يحق لنا التساؤل؛ كيف ينظر أفراد المجتمع إلى تصرفات شخصية تندرج في إطار الحرية الفردية البحتة؟ وما الانطباع الذي تتركه لديه عن العلمانية فكرًا؟
- المجيء بقوالب علمانية جاهزة يتعذر تطبيقها؛ فالأسباب التي دعت إلى الثورة العلمانية في أوروبا، غير الأسباب التي تدعو إلى وجود هذا الفكر في مجتمعاتنا، ومن العبث أن يحاول بعض العلمانيين فرض علمانية أوروبية محض على مجتمعاتنا العربية المسلمة، والتي كان الإسلام فيها حاكمًا مطلقًا لقرون مضت، إضافة إلى نظرة العلمانيين إلى الدين بطريقة سلبية مبالغ فيها ربما لدرجة التطرف، إذ يحملونه سبب تخلف المجتمع وانتشار الفقر والجهل والاستبداد.
وعند التوقف عند دساتير بعض الدول الأوروبية (العلمانية) نجد أن هناك قيمة للدين ومكانته فيها، فعلى سبيل المثال في الدانمارك “ينص دستور الدنمارك في المادة 4 أن الكنيسة الانجيلية اللوثرية هي الكنيسة الرسمية للدولة، وفي المادة 6 أن الملك يجب أن يكون منتميًا للكنيسة الإنجيلية، المادة 66 تنص على أن دستور الكنيسة الرسمية يجب أن يطبق القوانين الكنيسة الإنجيلية اللوثرية، وهي الهيئة الدينية الوحيدة في البلاد التي لها حق الحصول على إعانات مالية أو تمويل مباشرة من خزينة الضرائب في الدولة”[12]، كذلك في بريطانيا ينص القانون البريطاني (على الرغم من عدم وجود دستور في بريطانيا كما هو متعارف عليه) على أنه “ليس هناك مانع على أساس ديني من تقلد المناصب العامة ما عدا منصب السيادة العليا للدولة (الملك أو الملكة) الذي يجب أن يكون صاحبه بموجب القانون بروتستانتيًا، يكون صاحب السيادة العليا (الملك أو الملكة) في بريطانيا هو الحاكم الأعلى للكنيسة الإنجيلية ومن صلاحياته تعيين الأساقفة ورؤسائهم، ينص القانون أيضًا على أن كنيسة انكلترا وكنيسة إسكتلندا هما الكنائس ‘الرسمية’ المقررة لمراسم الدولة ذات الطابع ديني، ولا يحصل أعضاؤها مع ذلك على أي ميزة بكونهم أعضاءها”[13] وغيرها من النصوص التي تثبت أن حتى الدول العلمانية ليست علمانية بالمطلق كما يراها بعض العلمانيين العرب.
- الانهيار الأخلاقي الذي يشهده العالم الغربي، “ففي ظل العلمانية وجدنا أن هناك محاولات مستمرة لرؤوس العلمانية، من أجل القضاء على منظومة الأخلاق التي رسختها الأديان، مثل تحريم الزنا والشذوذ وغرس القيم السلوكية التي تسمو بالإنسان، ولكن بعد غرق العالم الآن في تيه العلمانية وجدنا أن الزنا يجتاح العالم الغربي تحت مظلة الحرية الشخصية، ما ترتب عليه انتشار أمراض جنسية لم تكن في أسلافنا من أبناء البشرية مثل الإيدز وغيرها من الأمراض الجنسية العديدة، بل وصل الأمر ببعض أصحاب الفكر العلماني مباركة زواج الشواذ من الرجال والنساء وإجبار بعض الكنائس على الموافقة على هذه النوعية من الزواج الذى يخالف الطبيعة الإنسانية، و أصل وجود البشر “[14].
- تحديد نطاق عمل الذات الإلهية، فإذا كانت الأفكار العلمانية تسعى إلى بلورة نظم تقوم على أساس أن مهمة الذات الإلهية مقتصرة على الخلق وحده فقط، من دون تدبير شؤونهم ومعاشهم وأن ذلك موكولٌ إليهم، وإلى ما يتفقون عليه من أنظمة تراعي مصالحهم، هذا الفكر الذي هو موجود أصلًا في فلسفة تشريع الرومان، التي جعلت مقاصد التشريع تحقيق المنافع والمصالح الدنيوية، من دون ربطها بالأخلاقيات الدينية أو القيم الإيمانية أو السعادة الأُخروية.
لكن هذه النظرة إلى نطاق عمل الذات الإلهية لا تتفق أبدًا مع أفكار التيارات الإسلامية التي ترى “أن نطاق عمل الذات الإلهية يتعدى حدود الخلق للمخلوقات إلى حيث يكون الله سبحانه وتعالى أيضًا الراعي والمدبر لكل عوالم وأمم وعمران المخلوقات “[15].
- تتبنى العلمانية مبدأ الحاكمية في النظم والتشريعيات التي تنظم علاقة الأفراد بعضهم ببعض، وعلاقتهم بمجتمعاتهم، الحاكمية في ذلك كله هي الفرد نفسه لأنه هو صاحب المصلحة الحقيقية، فما اتفق عليه الأفراد كالأنظمة والقوانين يكون هو الأولى بالتطبيق، سواء اتفق أم اختلف مع النظم التي تتبناها الأيديولوجية الدينية.
أما التيارات الإسلامية فتتبنى جميعًا مبدأ الحاكمية -سواء في الأمور الأُخروية أو الدنيوية- لله سبحانه وتعالى وحده، ومن ثمّ لا بدّ لكل الأنظمة والتشريعات ودعمها لا بدّ أيضًا أن تتوافق مع النصوص الدينية الحاكمة لذلك وإلا فإنها ستكون مرفوضة، بل لا تتفق المصالح باطنًا وإن حققتها ظاهرًا.
ظهرت في الثقافات الشرقية، ومنها العربية، تيارات علمانية جديدة، بعضها وجد للدين -بفعل الامتداد التاريخي له في المنطقة- أثرًا كبيرًا في المجتمعات فحاول إنشاء تيار لا يصطدم مع الدين في كل النواحي الحياتية، بل حاول أحيانًا أن يتقرب من الدين ورجالاته محاولًا إظهار الاحترام للمعتقدات الدينية كأمر واقع لا مفر منه، فظهرت تفسيرات جديدة لمصطلح العلمانية الذي هو -وإن كان يقوم على أساس فصل الدين عن الدولة- إلا أنه يحترم الممارسات الدينية ويقبلها في بعض النواحي الثقافية والاجتماعية بفعل رضوخ أفراد تلك المجتمعات للتعاليم الدينية، بل اجتذب هذا التيار كثيرًا من رجالات الدين الذين انهمكوا في التنظير لهذا التيار الذي وجد له أثرًا كبيرًا بين العامة والخاصة، فصارت المصالح متبادلة بين هذا المسار للعلمانية المعتدلة كما يحلوا لبعضهم تسميته –والتيارات الدينية المعتدلة أيضًا كما يحلو لبعض المراقبين تسميته – فكلّ منهما يعطي الآخر قدرًا من الاحترام وقسطًا من السعة.
في حين برزت تيارات علمانية أكثر تشددًا وأشد ضيقًا في نظرتها، فحاولت تطبيق النظرة الأوروبية للعلمانية بكل ما تحمله من أبعاد تاريخية وسيرورة حياتية قد تتفق مع طبيعتها وواقعها، حاولت أن تنقل ذات التجربة دون تعديل أو تحويل، فطرحت الأفكار ذاتها ودعت للثقافة ذاتها، و سوقت لتنفس الأيديولوجيا العلمانية الأوروبية، فحاولت إقصاء كل ما هو ديني عن جميع مناحي الحياة، بل أكثر من ذلك نشرت كتابات ومقالات تهاجم الدين ورجالاته، والذات الإلهية، محاولة قصر الدين على المساجد والكنائس، حيث لا يخرج عن جدرانها، وإن استطاعت أن تفعل أكثر من ذلك لفعلت، لذلك واجهت تلك التيارات صعوبات عديدة جعلتها منبوذة اجتماعيًا و بشكل واسع. فهناك تيارات طرحت العلمانية كحلٍ لما تعيشه الأمة من تخلف على الأصعدة كافّة، وأخرى طرحت العلمانية بديلًا عن الدين.
إذًا، فللعلمانية تيارات متعددة، والذي كتب له بالنجاح هو ذلك التيار القادر على المواءمة بين الفكر العلماني وبين الواقع الزماني والمكاني الذي يعيشه، بينما لم يكن للآخر هذا القدر من النجاح، بل كان محطًا لسهام النقد من أصحاب التيار الأول، فضلًا عن التيارات الأخرى الإسلامية والتقليدية.
إن الامتداد التاريخي الذي تمتلكه العلمانية منذ القرن السابع عشر والثامن عشر وحتى يومنا هذا، أعطى الفكر العلماني تنوعًا واسعًا، هذا التنوع نشأ نتيجة اختلافات الأمكنة والأزمنة والأحوال، فربَّ علمانية تصلح في مكان ما لا تصلح في مكان آخر، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأزمنة والأحوال، لكنها على الرغم من تنوع العلمانية وتياراتها الفكرية إلا أنها ظلت محتفظة بالأساس الذي نشأت عليه، وهو الفصل بين الدين ورجالاته وبين المصالح الدنيوية، لكن بعضهم وسّع دائرة العلمانية لتشمل أكثر من هذا الأساس، بل حاول أن يجد سبلًا أكثر نجاعة لتطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة، تيارات أخرى حاولت أن تكتفي بفصل الدين عن الدولة من الناحية السياسية، أو سياسية واقتصادية من دون بقية النواحي الأخرى.
خامسًا: العلمانية والديمقراطية
يعتقد بعض الباحثين والكتاب أن العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية هي علاقة اللازم بالملزم، وعلاقة الفرد بأصله، بينما يخالفهم آخرون فيفصلون ما بين الديمقراطية والعلمانية. وفي الحقيقة الخلاف بين هذين الفريقين إنما هو نتاج الخلاف في مفهوم الديمقراطية نفسها، إذ للديمقراطية مفاهيم وحدود كثيرة، فمن نظر إلى الديمقراطية من إحدى زواياها وجدها ملازمة للعلمانية ومتفرعة عنها، ومن نظر إليها من منظار آخر وجد أن الديمقراطية لا تستلزمها العلمانية، والعلمانية ليست بملزوم الديمقراطية، وعليه كان لا بدّ لنا -لتكوين فكرة عن هذه العلاقة- أن نستكشف هاتين النظرتين لتحديد نوعية الارتباط بين العلمانية والديمقراطية.
إن تعريف الديمقراطية هي حكم الشعب نفسه بنفسه، أو أنه حكم الأغلبية بغض النظر عن حريات الأفراد، فإنها بلا شك لا تكون لازمة للعلمانية. إن العلمانية لا تقتضي الديمقراطية، إذ لا يترتب على هذا التعريف للديمقراطية أن يتحقق الركن الأساس للعلمانية، والذي هو فصل الدين عن الدولة، إذ -وبكل سهولة- من الممكن أن يختار الشعب أو الأغلبية نظام الحكم الديني الذي يعتقدون أنه سيحقق مصالحهم، ومن ثمّ ستكون الديمقراطية -إذا ما حصل ذلك- على الطرف الآخر المقابل للعلمانية، الأمر الذي يعني أن العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية ليست عملية لزوم أبدية، وكيف لا وهذه الديمقراطية يمكن أن توصل أصحاب الفكر الثيوقراطي إلى الحكم بحسب اختيار الأغلبية الشعبية، وهذا الاختيار لاشك أنه ممارسة ديمقراطية، لأنه ينسجم مع تعريف الديمقراطية بأنه حكم الأغلبية أو حكم الشعب نفسه بنفسه.
لكن في هذا التعريف نفسه للديمقراطية، يمكننا أن نلمح بذور العلمانية وأفكارها، وذلك لأن هذا التعريف للديمقراطية يجعل الحاكمية بيد الشعب أو أغلبية الشعب، فيما تختاره الأغلبية -وإن كان معارضًا للنصوص المقدسة- سيكون هو السائد، وما ترفضه الأغلبية الشعبية، – وإن كان موافقًا لنصوص المقدسة- سيكون غير فاعل في المجتمعات التي تعتمد النهج الديمقراطي.
فالديمقراطية -بناء على هذا التعريف- تقوم على إسناد السلطة والسيادة إلى الأغلبية الشعبية، بمعنى أن الكلمة العليا في جميع النواحي الحياتية إنما هي للشعب لا للنص المقدس، وعلى هذا يمكننا أن نقول إن الديمقراطية هي التعبير السياسي عن العلمانية، لأن الديمقراطية تسمح -ومن خلال نظمها- أن يمارس الشعب حريته بعيدًا عن السلطة الدينية، فتكون له الحاكمية المطلقة في نواحي الحياة كافة سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا، وهذا يتعارض مع المنطق الديني الذي يجعل الحاكمية له وحده عن طريق النص المقدس، ويتفق مع المبدأ العلماني الساعي إلى فصل الدين عن الدولة.
وبناء على ذلك؛ فالناظرون إلى ما قد تنتجه الديمقراطية، من خلال إعطاء الحاكمية للأغلبية الشعبية، من إيصال الثيوقراطية إلى سدة الحكم في المجتمعات، قالوا بعدم العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية، والذين نظروا إلى روح الديمقراطية التي يعطي الحاكمية للأغلبية، سواء وافقت النصوص المقدسة أم خالفتها، أي أن الحاكمية للشعب لا للغيبيات ولا للنصوص الدينية، قالوا إن بين الديمقراطية والعلمانية تلازمًا لا ينفكّ.
وفي الحقيقة، إن الناظر إلى التطبيق الديمقراطي اليوم، يرى بما لا يرقى إليه الشك أن الديمقراطية ملازمة للعلمانية، وذلك لأن الديمقراطيات العالمية هي ديمقراطيات ليبرالية، أي أنّها تقوم على قيمتي الحرية والمساواة، وهذان المبدآن اللذان يعطيان جميع أفراد المجتمع -على اختلاف مناهجهم وأفكارهم ومعتقداتهم وميولهم ورغباتهم- حق إبداء الرأي، متساوين مع غيرهم تحت سقف العقد الاجتماعي المتفق عليه بين أبناء الأمة الواحدة أو المجتمع الواحد، وهذا الأمر هو ما يقرّب الديمقراطية من أصلها الذي هو العلمانية، إذ لا يمكن أن نطبق هذين المبدأين إلا من خلال العلمانية، أي عن طريق مبدئها القائل بفصل الدين عن السياسة، ويتساوى الجميع، من ثمّ، في المشاركة السياسية وإن اختلفوا في العقيدة و المنهج. إن الديمقراطية تكون بذلك الوليد الشرعي للعلمانية والوجه السياسي لها، فالعلاقة بينهما علاقة اللازم بالملزوم، والفرع بأصله.
سادسًا: النظام السوري هل هو نظام علماني؟
لا بدّ لنا بداية من تحديد ماهية الدولة العلمانية لنتمكن من تفسير مفهومها.
هناك معياران أساسيان لأي نظام علماني، هما:
- التساوي القانوي في المواطنة بغض النظر عن الدين أو المذهب أو الجنس أو العرق.
- دولة حيادية غير أيديولوجية، بمعنى أن الدولة غير مطبوعة بأي ملمح أيديولوجي أو ديني، بحيث تقف أجهزتها على مسافة واحدة من جميع الأيديولوجيات والمعتقدات أو الأديان والأحزاب والجماعات، ما يجعل منها دولة وطنية لجميع مواطنيها أيًا كان الحزب الحاكم الممسك بالسلطة.[16]
شاعت فكرة العلمانية السياسية والاجتماعية في سورية بشكل واسع بعد الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي عام 1946. فقد كان رئيس الوزراء آنذاك ينتمي إلى الطائفة المسيحية (فارس الخوري) ومع ذلك كان يتمتع بتأييد شعبي منقطع النظير فقد عدّه الشعب السوريّ الرجل الوطني الكبير، وأحد رواد الاستقلال. و من ثمّ، فإننا نجد أن الوطنية و الإخلاص كانتا المعيار الأساس في تلك الفترة من تاريخ سورية، وربما كانت فترة ذهبية على مستوى التناغم السياسي والتعايش الاجتماعي بين مكونات المجتمع السوري الطائفية و العرقية، “لقد فقد الإسلام إلى حد بعيد وظيفته السياسية جزئيًا ووظيفته الاجتماعية أيضًا قبل الثامن من آذار من عام 1963 عندما وصل حزب البعث إلى السلطة بوقت طويل”[17] وبعد مضي ثماني سنوات على تولي حزب البعث السلطة، أصبح “حافظ الأسد” رئيسًا للبلاد 1971 عشية انقلاب عسكري سمي حينها “بالحركة التصحيحية” وهنا قل شأن العلمانية لتتحول إلى أداة سياسية وواجهة لأيديولوجية، هدفها استبدادي في الدرجة الأولى: “ما من علمانية بالمعنى الأوروبي في سورية فهي جزء من أيديولوجية الدولة، فضلًا عن وجود تقليد عريق للتسامح والتعددية الدينية في البلاد يتجاوز إلى حد بعيد الاستيلاء على السلطة من عناصر حزب البعث الاشتراكي والعلويين بما هم طائفة شيعية ليبرالية”[18]
بدأ العلويون بتقوية نفوذهم في السلطة واستلام المناصب، وحاول الأسد الأب إلغاء بند في الدستور _ يشترط أن يكون رئيس الجمهورية العربية السورية مسلمًا سنيًا- لكنه لاقى معارضة شديدة وما لبث أن تراجع عنه، وبدأ باتخاذ سياسية جديدة أخذت منحى آخر لتهدئة نفوس المسلمين المحافظين، مبتدئًا بإعلان تحوله إلى المذهب السني على المنبر، كما اتّبع سياسة لإرضاء رجال الدين وكسبهم إلى صفه من خلال بناء المساجد حيث يؤكد مؤرخون أن العلويين في ظل حكم الأسد بنوا من الجوامع أضعاف ما بُني في فترات سابقة من تاريخ حكم سورية، و قد حرص الأسد على الحضور إلى المسجد في المناسبات الدينية و إقامة صلاة العيد، كما تم السماح بعرض البرامج الدينية في الإذاعة والتلفزيون السوري، و قام بتأسيس مراكز لتحفيظ القرآن، و قد سميت “مراكز الأسد لتحفيظ القرآن” فضلًا على أنه أصدر قوانين دينية، كتحريم تناول الطعام في أثناء الصيام، وكذلك كانت خطاباته لا تخلو من التعابير الدينية.
“لم تشهد التيارات الإسلامية في عهده، تسهيلًا لمهمّاتها، وعطفًا من الدولة أكثر كما شهدته في تاريخها، فقد كانت البرامج الدينية في الإذاعة مثلًا، تحتل نسبة تتجاوز ربع البرامج، وكان التلفزيون السوري يخصص ساعاتٍ عدّة لهذه البرامج، منها ساعة كاملة أسبوعية للمرحوم الدكتور سعيد البوطي، يقول فيها ما يشاء، وينتقد العلمانية والليبرالية والاشتراكية والقومية، بل ويهاجم من خلالها المتنورين الإسلاميين، هذا فضلًا عن مهادنة السلطة ما يسمّى (القبيسيات) وهن داعيات ترأسهن السيدة القبيسي، ودعوتهن ليست محافظة فحسب، بل رجعية ومغرقة في رجعيتها وتقليديتها، ومعاداتها لأي تنوّر أو تطوير أو تحديث في الخطاب الإسلامي، ولكي ندرك أهمية القبيسيات نشير إلى أن عددهن كما يقول البعض يتجاوز ستين ألف داعية.”[19]
حرص النظام السوري على الظهور أمام العالم بمظهر الدولة العلمانية اللا دينية لكنها كانت علمانية مزيفة رفُعت شعارًا، وقناعًا أخفت من خلالها البعد الطائفي. لذلك؛ يمكن تسمية النظام السوري بأنه نظام طائفي ذو لبوس علماني، تولّى السلطة في سورية منذ خمسين عامًا واختطف الدولة تحت عباءة السلطة. وقد عمد خلال فترات حكمه إلى تحييد سلطة القانون وفرض الأحكام العرفية، وعمل على تعزيز الاصطفاف الطائفي داخل المجتمع السوري وبذلك نقض كل المعايير التي يتأسس عليها أيّ نظام حكم علماني، حتى إن تحالفات النظام السياسية والعسكرية تجاوزت مفاهيم التحالف المتعارف عليه بين الدول، ليصبح ذا سمة طائفية واضحة، حيث دعم الأحزاب الطائفية في بعض الدول، وتحالف مع النظام الإيراني ذي الأيديولوجية الطائفية القمعية، والذي يقوم أساسًا على ولاية الفقيه، التي تعطي المرشد السلطة المطلقة لإدارة البلاد، ويقوم على تقديم العنصر الفارسي على جميع أطياف الدولة وأعراقها، ويعدّ المذهب الشيعي الجعفري الإمامي هو مذهب الدولة، وهذا ما يتناقض مع فكر حزب البعث العلماني القائم على تجسيد الوحدة العربية، ويحترم علمانية الدولة اللا دينية. ولا بد من الإشارة إلى دعم النظام السوري للنظام الإيراني الطائفي الديني، في حربه ضد العراق العربي البعثي العلماني، كما ارتبط النظام السوري بعلاقة إستراتيجية مع حزب الله اللبناني الطائفي، المرتبط بالنظام الإيراني، في تفاضل واضح عن باقي الأحزاب اليسارية والناصرية والقومية.
كما ارتبط النظام السوري بتحالف متين مع حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس، وكلاهما خرج من رحم “الإخوان المسلمين” التي حاربها النظام السوري بقوة، ولا يزال يتهمها بالوقوف وراء ثورة الشعب السوري للمطالبة بالحرية، فإذا كان هدف النظام دعم القضية الفلسطينية؛ فلماذا حارب منظمة التحرير الفلسطينية، وأحجم عن دعم حركة التحرر الوطني الفلسطيني غير الدينية؟ “كان في إمكان النظام السوري أن يتحالف حركات التحرر الوطني الفلسطيني غير الدينية وغيرها من الحركات المقاومة على الساحة الفلسطينية، لكن الشعار الديني دائمًا أكثر بريقًا ولفتًا للأنظار ومن الممكن استخدامه لاحقًا للتهويل والترهيب كما هو الحال اليوم”[20].
هذا على الصعيد السياسي أما على الصعيد الاقتصادي، فما زالت علمانية النظام تعني تحكم النخبة في جميع مقدرات الوطن، حيث تركزت رؤوس الأموال في يد طغمة طائفية عائلية، ذات واجهة اقتصادية وإعلامية من طوائف أخرى، لتستحوذ على شركات التجارة والاستيراد والاتصالات والطيران والسياحة والفنادق والمعامل، في انحراف واضح عن مبادئ العلمانية.
إلا أن أبرز وجوه الطائفية في نظام يدعي العلمانية تجلت في تكوين الجيش السوري وجميع الأجهزة الأمنية، وبحسب إحصائيات تبلغ نسبة الضباط من الطائفة العلوية أكثر من ثمانين في المئة في الجيش السوري، وهنا نذكّر بالعمليات الأمنية في مدينة حماة في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، التي اتسمت بالعنف والدموية، وارتكبت فيها مجازر ذات صبغة طائفية.
لم يسعَ النظام السوري لإنشاء جيش وطني حقيقي، فقد منح معظم الرتب العالية لطائفته ليضمن هذا النظام (الطائفي ذو اللبوس العلماني) ولاء قيادات الجيش وسيطرته المطلقة، حتى غدا الجيش السوري بتركيبته الطائفية من أشد العقبات أمام إقامة نظام علماني حقيقي، يكون فيه جميع أبناء الوطن سواسية، يحكمهم عقد اجتماعي يضمّ جميع أطيافهم، على اختلاف معتقداتهم، ومناطقهم، وخصائصهم الثقافية.
أما في الناحية الاجتماعية؛ فقد سعى النظام لإذكاء الطائفية؛ حيث أظهر نفسه حاميًا للأقليات التي عاشت في البلاد، قبل وجود النظام بآلاف السنين، من دون أن تتعرض لأي انتهاكات تذكر، سواء لوجودها أو لمعتقداتها الدينية، وسعى لشغل معظم وظائف الدولة، و خصوصًا المهمّة منها، لمن ينتمون إلى طائفته، فضلًا عن ممارسة الاستبداد بحق جميع مكونات المجتمع، وخصوصا أغلبيته السنية، بذريعة المحافظة على علمانية الدولة ومدنيتها، حيث عمد إلى اعتقال مئات الألاف، و قتل عشرات آلاف السوريين، تحت شعار مكافحة الإرهاب و حماية العلمانية والأقليات، كما مارس النظام سياسة التهجير و الإبعاد القسري لملايين المواطنين من الطائفة السنية تحديدًا، كما سعى النظام للشروع في عملية تغيير ديمغرافي واضح، في عدد من المناطق ضمن خطة معينة باستجلاب عناصر غير سورية تنتمي إلى مكوّن طائفي معين، فالناظر في بنية النظام وسياسته لا يشك مطلقًا في أنه نظام طائفي، يتخفى تحت عباءة العلمانية والدفاع عنها.
إن ما سبق يعطينا فكرة وافية عن العلمانية ومفهومها وطبيعتها وتياراتها واختلاف نظرة مفكريها، لكن الجميع متفق على جوهرها وأساسها الذي قامت عليه، وهو الفصل الحقيقي بين الاتجاه الديني والاتجاه الدنيوي، وبتعبير آخر فصل الحكم الديني عن السلطة الزمانية، مع ضمان حق الجميع شعوبًا وأفرادًا على اختلاف أيديولوجياتهم ومعتقداتهم في التعبير عن آرائهم وأفكارهم، وبذلك يظهر لنا جليًا بعد النظام السوري في ادعائه تطبيق العلمانية بمفهوم غريب لا يمت إلى حقيقتها وجوهرها بصلة، علمانية شوه غايتها كم الأفواه وزج معارضيها (العلمانيين) قبل غيرهم في السجون والمعتقلات.
سابعًا: استنتاجات عامة
إضافة الى ما حملته الدراسة من شرح مفصل عن العلمانية وتياراتها، يمكن إضافة بعض الاستنتاجات العامة:
- العلمانية والتباس مفهومها
لعل في مقدمة الإشكاليات التي تطول العلمانية هي التباس مفهومها، والخوف منها على أنها فكر لإلغاء الدين، لاتزال فكرة العلمانية مرفوضة ومستنكرة لدى الأغلبية داخل البنية العربية والإسلامية حتى الآن، ويعود ذلك لأسباب عدّة:
- لا تزال فكرة العلمانية محصورة في نطاق ضيق جدًا، سواء كان على نطاق الأوساط التي تؤمن وتدعو لها، أم من حيث تأثير العلمانية داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
- التربية الدينية والثقافية المحافظة إلى درجة عدم تقبل فكرة العلمانية.
- واقع الفكر العربي غير القابل لاستقبال عناصر الفكر العلماني، بمعنى أن هناك معركة بين الأفكار الحديثة والأفكار الأصولية، وغالبًا ما يكون الحسم للأفكار الأصولية المتغلغلة في أغلبية الشعب.
- تقتصر هذه الدعوات (فكرة العلمانية) في أسسها على مجرد الخيال التاريخي المبالغ فيه، وتتجاهل معطيات الواقع، وما يتضمنه هذا الواقع من حقائق إنسانية وجغرافية وتطورية.
- على الرغم من ارتباط فكرة العلمانية بفصل الدين عن الدولة أو السياسة (الاستعمال الشائع) فإن تلك الظاهرة لها دلالات أخرى متصلة بذلك الفصل؛ فهي تعني لدى بعض المؤرخين والمفكرين على أنها نزع القداسة عن العالم، وتحويل اهتمام الناس عن الأخروية واهتمامهم بالدنيا.
- فكرة العلمانية في مفهومها الأصلي أن الدولة تعامل جميع الناس على قدم المساواة أيًا كان دينهم أو مذهبهم، إنها لا تنظر إليهم من خلال أديانهم ومذاهبهم أو أعراقهم، وذلك يقتضي من القيم الأخلاقية في المجتمع المدني أن تكون واقعية ومرنة وبعيدة عن الخيال التاريخي، ومرتبطة بالحياة العملية للإنسان.
- علاقة العلمانية بالإلحاد
استطاعت العلمانية في أوروبا أن تأخذ النخب من كل المستويات، وأن تجمعها تحت فكرة واحدة التي هي أساس العلمانية في أوروبا المسيحية، والتي هي فصل سلطة رجال الدين عن السلطة السياسية والحياتية، لما مثّلَه رجال الدين في ذلك الوقت من نظام دكتاتوري مخيف، أما في مجتمعاتنا فكثير من النخب التي تمارس العلمانية تسعى من تحت الطاولة أو من فوقها إلى عدم إظهار هذا الفكر لتكون أقرب إلى المجتمعات التي مازالت الفكرة الدينية تستولي على عقول كثيرين فيها، وهؤلاء ينظرون إلى العلمانية كظاهرة إلحادية تسعى لمحاربة الدين والقضاء عليه، كما جاء في الموسوعة العربية العالمية: “ويمكن اعتبار ظاهرة “العَلمانية” جزءًا من التيار الإلحادي بمفهومه العام” [21].
وعلماء النفس العلمانيون أمثال فرويد، وبافلوف وغيرهم، إضافة إلى علماء مسلمين أمثال الغزالي وابن سينا لم يكونوا ملحدين أبدًا، ومن هنا نستطيع أن نقول إن مسألة العلمانية هي حركة علمية ثقافية، وليس لها أي علاقة لا من قريب أو بعيد بالحركة الإلحادية. وعليه، فالفكر العلماني في المجتمعات المسلمة سيعاني أكثر بكثير مما عانته العلمانية في أوروبا، حين كانت تحت سلطة رجال الدين المسيحي.
- ربط مفهوم العلمانية بمفهوم الشيوعية
العلمانية تختلف تمامًا عن مفهوم الشيوعية في مبادئها وأفكارها التي تقوم على رفض الدين تمامًا، كما فعل ستالين في الاتحاد السوفياتي حين منع الناس من دخول الكنيسة الأرثوذكسية لأداء الصلاة أو حضور القداس.
فمن الأخطاء الشائعة عدّ العلمانية جزءًا من التصنيفات الفكرية، فمن الممكن أن تكون إسلاميًّا علمانيًّا، مسيحيًّا علمانيًّا، ماركسيًّا علمانيًّا….إلخ.
- النظام السوري نظام غير ديني وغير علماني
فهو نظام ارتدى لبوس العلمانية وسلك سلوكًا طائفيًّا، لم يعبر يومًا عن مصلحة شعبه، واختياره لأركانه لم يكن عشوائيًّا، إنّما كان منظّمًا بشكل طائفي ليتمكن من توطيد حكمه، فكيف لنظام أمسك بجميع مفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بيد طائفته ألّا يكون طائفيًا؟ وكيف لنظام سمح لأبناء طائفته بالتمادي والتسلط على باقي مكونات الشعب ألّا يكون طائفيًا؟
وقد تجلّت الطائفية كشكل سياسي اتبعه الأسد للسيطرة على جميع مكونات المجتمع السوري، ونجح الأسد في جعل فكرة الثورة على السلطة القمعية هجومًا ضد الطائفة العلوية، وليست ضد نظامٍ قمعيٍّ ديكتاتوري. ويؤكد على ذلك تحالفاته الطائفية مع إيران وحزب الله، وإنّ ما يجري اليوم من جرائم يرتكبها هذا النظام الطائفي الديكتاتوري بحق شعبه، وهذه المشاهد التي نراها اليوم، هي نتاج طبيعي للظلم والتمييز والطائفية والتفرقة العنصرية.
قائمة المراجع
كتب عربية:
- السيد أحمد فرج، جذور العلمانية، الجذور التاريخية للصراع بين العلمانية والإسلامية في مصر منذ بداية حتى عام 1948، ط3 (دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة)، ص154.
- سفر عبد الرحمن الحوالي، العلمانية، نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة، ص/647/.
- عبد الوهاب المسيري، الإسلام والعلمانية في عالم متغير، العلمانية.
- كارستين ويلاند، سورية الاقتراع أم الرصاص، الديمقراطية والإسلامية والعلمانية في المشرق، ترجمة د. حازم نهار، مراجعة د. رضوان زيادة، ط1، (رياض الريس للكتب والنشر)، أيار2011، ص/186/.
- محمد عمارة، العلمانية بين الغرب والإسلام، ط1، (1417هجري- 1996 م)، ص17
مقالات:
- حازم نهار، فهم التجربة التركية، (مدونة، Faroukit)، 6/4/2014
- حسان القطب، هل صحيح أن النظام السوري علماني، اوبزرفر بيروت، (مغرس)،27/5/2011
- حسين العودات، علمانية النظام السوري الزائفة، (مغرس)، 26/3/2013
- رجاء بن سلامة، رد العلمانية إلى العلم، فتح العلمانية على الممكن، (الأوان)، 7/3/2010
- عبد الوهاب المسيري، الإسلام والعلمانية في عالم متغير، العلمانية، (إسلام أون لاين.نت).
- محمد عمارة، العلمانية ونشأتها، (إسلام. ويب).
- هاني صلاح الدين، آثار العلمانية المدمرة للعالم (اليوم السابع).
المعاجم:
- بطرس البستاني، محيط المحيط، مادة علم، مكتبة لبنان، بيروت ط1987، ص628.
- المعجم العربي الحديث، د. خليل الجسر.
- المعجم الوسيط: الصادر عن مجمع اللغة العربية في القاهرة، مادة علم، ص624
الموسوعات:
- ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
[1] تم ضبط المفاهيم بالاستناد إلى ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
[2] بطرس البستاني، محيط المحيط، مادة علم، مكتبة لبنان، بيروت ط1987، ص628.
[3] الدكتور السيد أحمد فرج، جذور العلمانية، الجذور التاريخية للصراع بين العلمانية والإسلامية في مصر منذ بداية حتى عام 1948، ط3 (دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة)، ص154.
[4] الدكتور خليل الجسر، معجم العربي الحديث.
[5] معجم الوسيط: الصادر عن مجمع اللغة العربية في القاهرة، مادة علم، ص624
[6]عبد الوهاب المسيري، الإسلام والعلمانية في عالم متغير، العلمانية.
http://www.arabphilosophers.com/Arabic/adiscourse/aeast-west/asecularism/Secularism_Elmessiri.htm
[7] العلمانية (بالإنكليزي)، الموسوعة البريطانية، 28 نيسان 2011.
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9
[8]http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?2648-%C7%E1%DA%E1%E3%C7%E4%ED%C9-%DD%ED-%C7%E1%E3%D5%C7%CF%D1-%C7%E1%DB%D1%C8%ED%C9دائرة المعارف الامريكية ،
[9] د. محمد عمارة، العلمانية ونشأتها،
http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=28855
[10] رجاء بن سلامة، رد العلمانية إلى العلم، فتح العلمانية على الممكن، 7 آذار/ مارس 2010
[11] سفر عبد الرحمن الحوالي، العلمانية، نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة، ص647.
[12] ويكيبيديا – دستور 1953 للدنمارك
http://en.wikisource.org/wiki/Constitutional_Act_of_Denmark,_5_June_1953
[13] ويكيبيديا – دستور المملكة المتحدة (فبراير 2011)
http://en.wikipedia.org/wiki/Constitution_of_the_United_Kingdom
الموقع الرسمي للأمم المتحدة – شبكة الأمم المتحدة للإدارة العامة – دستور المملكة المتحدة
http://unpan1.un.org/intradoc/groups/public/documents/un-dpadm/unpan040717.pdf
[14] هاني صلاح الدين، آثار العلمانية المدمرة للعالم،
[15] د. محمد عمارة، العلمانية بين الغرب والإسلام، ط1، (1417هجري- 1996 م)، ص1
[16] حازم نهار، فهم التجربة التركية، 6 نيسان/ أبريل 2014 http://faroukit.blogspot.qa/2014/04/06042014.html
[17]هانس غونترلوبمير، 1995، ص115
[18] كارستين ويلاند، سورية الاقتراع أم الرصاص، الديمقراطية والإسلامية والعلمانية في المشرق، ترجمة حازم نهار، ط1، (رياض الريس للكتب والنشر)، أيار/ مايو 2011.
[19] حسين العودات، علمانية النظام السوري الزائفة،
http://www.masress.com/alahaly/26819
[20] حسان القطب، هل صحيح أن النظام السوري علماني، اوبزرفر بيروت، 27 أيار/ مايو 2011.
http://www.maghress.com/hibapress/30103
[21] الموسوعة العربية العالمية، جزء (أ) فقرة (الإلحاد).