المحتويات

قراءة موجزة في الحال السياسية الكردية: التأسيس- العزلة- الانفتاح الوطني

العلاقة الكردية- العربية خصام ووئام

هوية، هويتان، ثلاث

توطين الأسئلة والبحث عن إجابات

 

قريبًا من مخاوف العرب السوريين، في ما خصّ الصعود الكردي غير المتوقع والطامح إلى نوعٍ من ((اللامركزية القومية))، تبدو ثمة مخاوف كردية لصيقة بالوضع القائم أيضًا، من خشية انحدار الآمال الكردية وتبددها، نتيجة طائفة من الأسباب والوقائع، ولعل هذه المخاوف (العربية و الكردية) على الرغم من اختلافها البيّن، تتجاور وتتنامى في آن معًا، فالثورة السورية أفرزت فيما أفرزته من نتائج انحسار سلطة المركز عن المناطق الكردية، والمناطق ذات الأغلبية الكردية، وكذا المناطق قليلة الحضور الكردي. وعليه قام حكم كردي أسس له ورعاه، وبات يتحكم في تضاعيفه كلها ومفاصله حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، فيما عرف لاحقًا بمشروع الإدارة الذاتية القائم على فكرة الكانتونات الثلاثة (الجزيرة– عين العرب/ كوباني- عفرين) تطوّرت لاحقًا إلى مشروع فدرالية روج آفا وشمالي سورية، ثم فدرالية شمالي سورية منزوعة التسمية القومية الكردية (روج آفا).

وفي إزاء مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي ثمة قاسم مشترك يجمعه، على الرغم من فيض التناقضات البنيوية والذاتية، مع منافسه أيّ المجلس الوطني الكردي، وباقي التيارات والأحزاب الكردية حول صورة الحل، إذ تصر الأطراف الكردية جميعها على اللامركزية بوجهها الفدرالي، حلًّا متقدمًا على باقي الحلول، على الرغم من حال الافتراق بين مشاريع الأطراف الكردية واختلافها، إلا أن اللامركزية (وتحديدًا الفدرالية) هي القاسم المشترك الأبرز حتى اللحظة.

ومهما يكن من أمر؛ فإن الحضور الكردي الحالي في المشهد السوري لم يكن نبتًا شيطانيًا، بل ثمة عهد أسبق كان مخفيًا عن الفضاء الوطني، وثمة أسباب أدت إلى بروز الطموح الكردي بهذه الصور المتعددة التي سنحاول البحث فيها، والتأسيس لكثير من الأفكار في هذه الورقة.

 

قراءة موجزة في الحال السياسية الكردية: التأسيس- العزلة- الانفتاح الوطني

عانت الحركة الكردية في تاريخها ومنذ تأسيسها 1957؛ العزلة  المفروضة عليها من الحكومات المتعاقبة، فكانت لحظة الحرية النسبية والديمقراطية في الأشهر القليلة التي سبقت الوحدة السورية المصرية قد سمحت بنشوء حزبٍ كردي ينتمي  إلى سورية انتماءً عضويًّا، ليتجاور والأحزاب القومية العربية في الكيان السوري، ويحاول -في تطورات لاحقة في سياسته- التحول إلى ما يشبه الحزب الوطني السوري، لولا ضياع الفرص بإصرار حكومة الوحدة ( السورية– المصرية) بقيادة جمال عبد الناصر، على ضرب الأحزاب التي رفضت حل نفسها جميعها، من مثل الحزب الشيوعي السوري، والديمقراطي الكردي في سورية، وزجّ بأعضاء الحزبين في غياهب سجون عبد الحميد السراج، رجل عبد الناصر الصارم في سورية، فأسست مرحلة السجن الأولى لما يشبه الانقسام داخل قيادة الحزب الكردي الأول، وأسهم الخلاف الفقهي والسياسي بين زعيمي الحزب الوليد؛ رئيسه الدكتور نور الدين زازا من جهة، والمؤسس والمثقف الكردي أوصمان صبري من جهة أخرى، إلى ما يشبه الانقسام الفعلي الذي  تمظهر أكثر في المحاكمات التي عقبت سجن الوجبة الأولى من قياديي الحزب الكردي الأول؛ فقد كان الخلاف بين الرجلين عميقًا، بين زازا الذي يرى في الحزب تعبيرًا اجتماعيًا وثقافيًا وسياسيًا يخص كرد سورية (كُرد دولة الوحدة بقيادة جمال عبد الناصر) وأوصمان صبري المؤمن بكيانٍ كردي واسع، لاتقف حدود سايكس بيكو عقبةً أمام مشروعيته، بمثل حال الحلم العربي في كيان عربي واحد.

وفي العودة إلى مرحلة سبقت تأسيس الحزب الكردي الأول، كان ثمة جمهرة برجوازية كردية مدينية قد تخصصت بتمثيل الكرد، ممثلةً في جمعية (خويبون) الكردية التي لم تكن تعدّ سورية أكثر من منطقة راحة للمناضلين الكرد الفارين من ظلم الجمهورية التركية، ومن انكسارات الثورات الكردية التي بدأت بثورة شيخ سعيد بيران 1925، وتناسلت منها لاحقًا ثورات عدّة، وإن كانت أقل زخمًا وتنظيمًا، ولكنها كانت تمثل فكرة الحكم الذاتي الكردي داخل الجمهورية التركية. ولهذا، لم تكن تلك البرجوازية التي استوطن رجالها معظمهم الحواضر السورية من مثل حلب ودمشق، أكثر من جسم كردي يقبل بالاندماج داخل المجتمع السوري الناشئ، وحركته السياسية المضطربة؛ فقد شهدت سورية على سبيل المثال تحالفًا بين كرد دمشق وعربها، من دون أدنى مطالب كردية خاصة.

كان الحزب الأول قد بني تمامًا على أنقاض جمعية خويبون، من دون الدخول في خلافٍ سياسي، إذ كانت الأخيرة قد هرمت، وشرعت تستسلم لواقع الدولة التركية القوي والمنيع من ناحية، والتفات رجالاتها معظمهم إلى حيواتهم الشخصية ومصائرهم داخل الجمهورية السورية التي لم تكن قد تحولت بعد إلى ((قلب العروبة النابض))،  ولا إلى حقل تجربة الوحدة العربية، في حين كان الحزب الأول قد اعتمد في بنيته على الانتشار الأفقي بين شرائح المجتمع الكردي الفلاحي والديني والعشائري، ليخرج من قلب هذا المركّب بخلطة مزجت بين الشعبوية  والقوموية، ونالت تأييد قيادات كردية خارج سورية، من مثل الزعيم الكردي ملا مصطفى البرزاني الذي أيّد هذه الخطوة– التأسيس، علاوة على دور الطلبة الكرد العراقيين في جامعة دمشق، المؤيد لفكرة إنشاء حزب كردي يحصّن كرد سورية من التيار العربي المقبل، ويخرج المجتمع الكردي في سورية، من وضعه الخامل إلى وضعه الفاعل بقوة، إلى  متن الحياة السياسية السورية، ولعلّ إسهام السيد جلال الطالباني طالب كلية الحقوق بدمشق آنذاك، في كتابة النظام الداخلي الأول للحزب الوليد، يعكس حماسة كردية فوق سوريّة لهذا المشروع الوليد.

في المرحلة اللاحقة لنشوء الحزب الكردي الأول، وقبل ظهور التيارات والأحزاب القومية العربية، كانت العلاقة الكردية- العربية محكومة بخصام أو وئام، لا يفهم منه في المطلق أنه صراع قومي، بقدر ما هو صراع على النفوذ القَبَلي، والتنافس على المساحات الزراعية والرعوية، فكان ثمة عشائر كردية تتحالف مع أخرى عربية، لرد مطامع قبائل أخرى، في مضمار تحالفاتٍ بسيطة قليلة التعقيد، ولكنها نفعيّة صرف، لا تعتمد البعد القومي، في حين كان الوئام القائم يستصحب علاقات تشدّ من أزر الصلات القبليّة والعشائرية ومتانتها، من خلال التزاوج والمصاهرة وغيرها من علاقات اجتماعية، أسهمت فيما بعد -ومن دون قصد- في التأسيس لفكرة السلم الأهلي، وتطبيقه واقعًا، على الرغم من كيد الأنظمة الحاكمة في دمشق، ورغبتها في تأليب العرب على الكرد، كما في سني الانفصال وفي مرحلة الحكم البعثيّ .

عانت الحركة الكردية عزلة مفرطة من جرّاء السياسات القومية الصلبة، التي اتبعتها حكومة الوحدة، ولاحقًا الانفصال، فالبعث؛ ما جعل الحركة الكردية التي انقسمت على نفسها مرات عدة إلى أحزاب، أنجبت أحزابًا أخرى، وتناسلت كلها من رحم الحزب الكردي الأول. ولعل العزلة كانت مفروضة على العرب والكرد سواءً بسواء، خلا التفاهمات التي جمعت الحركة الكردية، باختلاف توجهاتها بالأحزاب الشيوعية الجبهوية والمعارضة، ومع هبوب تأثيرات حرب الخليج الثانية 1990، مهّدت الأجواء الإقليمية وقتئذٍ لما أسمته بعض الأحزاب الكردية في أدبياتها ((الهامش الديمقراطي)) حين أفسح نظام حافظ الأسد، للمرة الأولى المجال لانتخابات برلمانية سمحت بالتنافس على المقاعد الخمسة المتبقية لعضوية مجلس الشعب، بما أنّ مقاعد قائمة الجبهة الوطنية التقدمية قد حُدّدت وحُرّرت سلفًا،  كما في الدورات التشريعية السابقة جميعها، فكان أن وصل ثلاثة برلمانيين كرد ممثلين لأحزاب كردية محظورة وهم: كمال درويش- عبد الحميد درويش- فؤاد عليكو إلى مقاعد البرلمان، وعبر هذا التمثيل الضئيل عدديًا، وداخل قبة برلمانٍ يدين بالولاء للأسد الأب، وللبعث المستأثر بأنفاس البرلمان والدولة قاطبة، حاول البرلمانيون الثلاثة العمل على إيصال الصوت الكردي، ومعاناة الكرد في المسألتين الملحّتين أي مسألة الإحصاء الاستثنائي، الذي جرد آلاف الكرد من الجنسية السورية العام 1962، ومشروع الحزام العربي أو ما يعرف بمسألة العرب الغمر الذين جاءت بهم الحكومات المتعاقبة إلى جوف الجزيرة السورية، بغية تغيير البنية الديمغرافية لمحافظة الحسكة، عملًا بتوصيات الملازم أول محمد طلب هلال، وغيره من منظري فكرة ((الخطر الكردي))؛ وطبيعي ألّا يثمر الجهد الذي بذله البرلمانيون الكرد في فض طوق العزلة عن القضية الكردية، وعن المطالب الحالية والضرورية الكردية، لكنه كان اختراقًا أوليًّا، وكسرًا لسردية نظام دمشق تجاه الحضور الكردي.

بدأت المحاولة الكردية الثانية بوراثة الأسد الابن الحكم عن أبيه، ووعود بالإصلاح والتغيير، والانفتاح على المعارضة، فتواصلت الأحزاب الكردية مع طيف لا بأس به من المعارضين، ليوقعوا عددًا من البيانات والنداءات، وليتوج العمل لاحقًا بإطلاق إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي 2005، ويمثل الأمر بالنسبة إلى الحركة الكردية بداية مبشرة لإيصال الصوت الكردي ومعاناته، وفك طوق العزلة عن الحركة الكردية، فكان (الإعلان) في حدوده الدنيا بالنسبة إلى السياسيين الكرد ردًا على سياسة النظام، ولا سيّما أن الأخير قد أضرم فتنة كادت أن تودي بالعلاقة الكردية- العربية  في غياهب المجهول، بُعيد ما عُرف بأحداث ملعب القامشلي 2004، وما تبعها من انتفاضة شعبية كردية عارمة، رفضًا لمنطق النظام في استباحة دماء المواطنين الكرد العزّل.

 

العلاقة الكردية- العربية خصام ووئام

هدر الكرد السوريين بأصواتهم في الشوارع الرئيسة والساحات في القامشلي وديريك- المالكيّة وعامودا وكوباني- عين العرب وعفرين، منادين بالحرية وإسقاط النظام، اتصالًا بالثورة السورية وشعاراتها التي تدعو إلى الحرية، والشعب السوري الواحد، وإسقاط النظام. وبات أمد ((انتصار الثورة)) طويلًا أكثر من التوقعات والآمال المرجوّة، لتدخل الحركة الكردية أجواء منافسة بينيّة، مردّدين شعارات ضخت في الشارع، تتمايز عن الشعارات التي كانت في بداية الحراك الشعبي، رغبةً في تعزيز كل طرف من الأطراف جماهيريته داخل الشارع الكردي،  فرفعت لافتات تنادي بشعارات قومية خالصة، تخصّ الكرد إلى جوار شعاراتٍ سورية جامعة، أسس الأمر لفكرة براغماتية، اتبعتها الأحزاب القومية الكردية، لكسب ودّ الشارع، فتعالت الهتافات مناديةً بالفدرالية، وفي بحث سريع عن مضمون الفدرالية التي ضُخّت في قلب الشارع الكردي، لن يكلفنا الأمر عناء بحث، إذ إن الشعار لم يكن موجودًا في أدبيات الحركة الكردية، وفجأة صار محور المطالب الكردية، ولعل المجلس الوطني الكردي الذي تأسس 2011، قد تبنى هذا المطلب تأثرًا بتجربة كردستان العراق من جهة، واشتغالًا على فكرة استقطاب الشارع الكردي الذي كان يخوض في منافسة بين المجلس الوطني الكردي، ومجلس غربي كردستان الذي يتزعمه حزب الاتحاد الديمقراطي.

مهّد إحلال هذه الشعار محل الشعارات التي رفعتها الحركة الكردية لانقسام حاد، بين الحركة الكردية وباقي أطياف المعارضة، ما زعزع نظرة العربي إلى الكردي، ليتطور الخلاف إلى ما يشبه الرفض العربي القاطع لمشروع الفدرالية القومية، وإلى تعنّت كردي في هذا المطلب.

بُعيد ذاك، انضوى التشكيل الكردي المنادي بالفدرالية، أي المجلس الوطني الكردي، إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، لتُرحّل موضوعة الفدرالية -بصفتها مادة مخاصَمة وخلاف بين المعارضة والقوى الكردية- إلى وقت لاحق، بحثًا عن وئام نسبي، لكنه وئامٌ قابل للتقهقر والتراجع حين يشتد الإلحاح على هذا المطلب بالتحديد.

وفي إزاء ما أدّاه المجلس الوطني الكردي من حراك وتفاعل، بدأ حزب الاتحاد الديمقراطي خطوات بدائية من خلال الإعلان عن الإدارة الذاتية في روج آفا (غربي كردستان) ضامًّا  بذلك الكانتونات الثلاثة (الجزيرة – كوباني- عفرين) إلى مشروعها في حكم المنطقة الكردية، وإشغال فراغ سلطة دمشق، ومع تنامي قدرات الحزب العسكرية وتحالفاته الدولية، من جراء مواجهاته المفتوحة مع تنظيم داعش، أحرز الحزب نقطًا عدّة، وشهرة فاقت التوقعات، ليعلن لاحقًا عن مشروع الفدرالية، ونزع عنها سمتها القومية (روج آفا) التي جاء بها الحزب ليصير ((فدرالية شمال سورية))، وعلى الرغم من محاولة الاتحاد الديمقراطي تقليل مخاوف العرب السوريين، وتركيا المتربصة بمشروع الاتحاد الديمقراطي، لحسابات تمس تحالف الأخير الفكري، إن لم نقل العضوي، مع منظومة العمال الكردستاني، وذلك من خلال حذف التسمية الكردية وإحلال تسمية أخرى عمومية وجهوية محلّها، وكذلك لم تشفع مسألة دمج أعداد غفيرة من المقاتلين العرب والسريان في داخل مؤسستها العسكرية، من التخفف من القلق السوري ((العربي)) من مشروعات التقسيم، أو من مخاوف تركيا الرسمية.

أيًّا يكن من أمر، فإن مسألة المشروعات القومية المعلنة من جانب واحد، أو المخطوطة من طرف قومي من دون آخر، قد ترتطم برفض الجهة المقابلة، ما يعزز من فرص الخصام، ويقلل من فرص الوئام، وخصوصًا حين تنتفي اللقاءات المباشرة بين الأطياف الوطنية، لمناقشة مسائل كثيرة الحساسية، وترك الأمر برمته للتفسيرات والتدخلات الإقليمية والدولية.

 

هوية، هويتان، ثلاث

تتنازع كرد سورية ثلاث هويات منفصلة لكنها متوالدة من واقع واحد، إذ ترى طائفة من الكرد السوريين أنها لا تنتمي إلى خريطة سايكس- بيكو ومن ثم هي كردستانية، ولا تدين بالولاء إلى سورية، ولا تعير حظوظ بقائها داخل سورية كبير اهتمام، فهي كردستانية بالمعنى المتخيّل لكلمة كردستان، وهي لا سورية بالقدر ذاته، وإن كانت هذه الطائفة أقلية؛ إلا أن إغفال الحديث عنها هو نوع من حجب الشمس بالغربال.

في حين تعتمد طائفةٌ ثانية، وربما تمثل الأغلبية الكردية القائلة بالتوفيق والتخليط بين الهوية القومية الكردية بمعناها العرقي، والوطنية السورية بمعناها الدولي، ولكن وفق ضوابط دستورية، ومبادئ فوق دستورية، تراعي الوجود الكردي، وفكرة ((الحقوق القومية المشروعة))، ولعل أبرز مطالب هذه الطائفة التي تعدّ الممثل الأكثر تأثيرًا وفاعليةً هو النظام الفدرالي، أو اللامركزية القومية، بمعزل عن مسمّى الفدرالية، إذ لا ضير لدى كثير منهم  في استبدال أيّ تسمية بمفردة الفدرالية، لكن المهم أن اللامركزية القومية هي محور المطلب التوفيقي.

وثمة أقلية كردية تنادي بالمساواة والعودة إلى الجمهورية السورية، بمعزل عن فكرة تحديد الحقوق بصورتها الإيجابية، أي أن تكون جمهورية المواطنة والكل الاجتماعي هي هدف المطالب الكردية والعربية بعد إلغاء السياسات الشوفينية والتمييزية كافة، وبعد إرجاع الدولة إلى عهدها السابق، حين كانت جمهورية سورية، وبذلك يكون الاعتراف السلبي بالكرد والعرب، من دون تحديد هوياتهم الفرعية أو الهويات فوق الوطنية.

 

توطين الأسئلة والبحث عن إجابات

1- هل يمكن لكرد سورية إقامة كيان قومي يتمتع بالصفاء العرقي، أو لنقل يتمتع بالأغلبية الكردية وفق الوقائع الديمغرافية والجغرافية، أي في ظل أعداد الكرد في المنطقة التي يطمحون في حكمها؟ بكلمات أخرى، هل نسب الكرد السوريين متساوية في المناطق التي يرونها كردية، وتمثل نسبةً سكانية عظمى بمثل حال كردستان العراق ومدنه وقراه، وكذلك في ظل تباعد جغرافي كبير بين الجزر الكردية الثلاث، الجزيرة وكوباني وعفرين؟

2- هل يمتلك كرد سورية قبولًا وطنيًا بخصوص إقامة مشروع قومي بإرادة رضائية وطنية، بمثل حال كرد العراق الذين تختلف خصوصيتهم كلها عن كرد سورية، سواء من خلال الجغرافية المتصلة أم الحضور الكردي الطاغي في تلك الجغرافية والاتفاقات الثنائية بين الثورات الكردية وحكومات بغداد؟

3- أليس حريًا بكرد سورية وعربها البحث عن بدائل قانونية (دستورية وفوق دستورية) والتفكير وفق خيالٍ وطني وسياسي يخرجهم جميعًا من مأزق مقبل في حال أصرَّ الطرفان على رؤيتهما التي قد تدخلنا في متاهات العدمية السياسية والمناكفات طويلة الأمد؟

4- ألا يجدر بالسوريين أن يفكروا أيضًا بمخاوف الكرد الذين يخشون عودة الدولة الشمولية، والنظام الأحادي بصيغة الأكثرية العرقية، فنرجع إلى عهد سياسات التهميش والتعريب، وأيضًا، ألا يجدر بالقوى الديمقراطية الوطنية جعل الكردية قيمة مضافة إلى العروبة، والعكس صحيح ضمن إطار التفاهم والقبول المتبادل؟

في ما يمكن أن يقال كله؛ تبقى فكرة ابتكار حلول جديدة تناسب الوضع السوري، ومنطق الوحدة في التنوع، وطرح رؤى لا تنزاح إلى سياسات الماضي، وتتطلع إلى معالجة المشكلات لا إلى تأجيلها وإرجائها إلى الأيام القادمة، هي المهمة التي تنتظر السوريين، ولعل أفكار التنادي إلى الحوارات واللقاءات المفتوحة قد تسهم بصورة كبيرة في جَسر الهوة التي تتسع وتقضم فيما تقضمه مستقبل العلاقة الكردية- العربية.

 

 

شورش درويش:

كاتب وباحث سوري، من مواليد الدرباسية بمحافظة الحسكة، حاز إجازة
في الحقوق، مشتغل في الشأن العام ومهتم بالمسألة الكردية في سورية وموضوعات
الهوية والمواطنة، له عدد من الكتابات والدراسات في جرائد وصحف عربية
وسورية.