أولًا: مقدمة
بافتراض أن موضوع السياسة الأوّل والأمثل، في بلد متعدد قوميًّا ودينيًا ومذهبيًّا، هو تحويل السكان المختلفين -على هذه الأسس- إلى شعب واحد، وإلى مواطني دولة؛ فإنّ سياسة الحزب الواحد خلال نصف قرن، منها أربعون عامًا من الحكم الشخصي المطلق للأسد ووريثه، لم تفشل في صناعة الدولة كمقر عام وطني فحسب، بل وعززت الانقسامات الأهلية والطائفية كذلك، ونقلتها من بُعدها الاجتماعي والثقافي، القابل للتغير والتبدّل والتطوّر، إلى بُعدٍ سياسي قارّ ومفخّخ، ومحكوم بقابلية الانفجار، وكل ذلك في ظل كيان سياسي فتيّ، يقل عمره عن القرن، واستقلاله عن السبعين عامًا؛ الأمر الذي يحرمه من التقاليد السياسية العريقة، والتاريخ السياسي المستقل.
يتأسّس البحث على قاعدة: أنّ النظام السياسي في عهد الأسدين نظام طائفي بامتياز، إلا أنه ليس نظام طائفة بعينها في كل الأحوال؛ فقد تجلت طائفية هذا النظام من خلال تثبيته التمايز والامتيازات الطائفية، وإعادة إنتاج الوعي الذاتي الطائفي لدى جميع الطوائف، مع الاستفادة القصوى من علاقات الولاء والقرابة العائلية والعشائرية والطائفية في تثبيت الحكم “الطغموي” الفردي؛ وذلك كله ضمن سياسة “هوبزية” تستوعب “الميكافيلية”، وتتجاوزها نحو التعامل مع المجتمع السوري، ونخبه، كمجتمع من الذئاب التي يجب أن يبقى فيها “الأسد” هو الذئب الأكبر المسيطر، دون أن ينازعه سلطته المطلقة أحد.
سينطلق البحث من أنْ لا تفاضل أصليّ و”ماهوي” وقيَمي بين الطوائف، ومن أن التمايز والامتيازات الطائفية لا تعود إلى من يحكم، وإنما إلى الكيفية التي يحكم بها؛ مما يطرح للنقاش الاستراتيجيات الإسلامية الوسطية والسلفية والمتطرفة، وغيرها، في مقارعة النظام، ومقاربة التغيير السياسي المأمول، وباستخدام منهجيات متعددة، وفي ثلاثة محاور رئيسة، يتجه البحث -خلالها- من التأسيس النظري والمفهومي لمعنى الطائفية وأشكالها، نحو القراءة التاريخية لتعيّناتها السياسية في الكيان السوري الحديث، ثم يعاين في المحور الثالث الثورة السورية ، ويناقش إمكانية الخلاص السوري في عالم مغلق، وتاريخ مفتوح على الممكن والاحتمالات كافة.
لتحميل الملف إضغط على الرابط التالي
كل الشكر سلفا