شدّني كتاب “الحلم الأوروبي” للاقتصادي الأميركي جيرمي ريفكين، وبخاصة أنني قرأتُ له أكثر من كتابٍ ذي طابع مستقبلي، مثل “الثورة الصناعية الثالثة” و”اقتصاد الهيدروجين”، وكنتُ أعتقد أنه سيبحث في مستقبل أوروبا بعد عقدين أو ثلاثة أو أكثر، ويشرح فيه تصوراته عن مستقبل الاتحاد الأوروبي وأنظمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وعلى الرغم من أن الكتاب يحمل بُعدًا مستقبليًا، فإنه يغوص في واقع اليوم والأمس، ويغوص في تاريخ أوروبا وعصر النهضة، وينتهي بعصر ما بعد الحداثة، ويقدّم تحليلًا عميقًا وممتعًا في آن معًا، ويقارن بين الحُلمَين الأوروبي والأميركي، أي بين نوعية الحياة التي يتطلع إليها الأوروبيون، وتلك التي يتمسك بها الأميركيون، وطبيعة نظام الحكم، والأسس التي يقوم عليها كلا الحلمين/ النظامين، من الجوانب القيمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، محاولًا وضع يده على الأسباب الكامنة خلف تلك الفروقات بين الحلمين. ومن خلال تحليله، يقدّم لنا معرفة عميقة بالعقلَين الأوروبي والأميركي، وقيمهما ومعتقداتهما الراسخة، وهو يفسّر بذلك كثيرًا من جوانب السياستَين الأوروبية والأميركية، على الصعيدَين المحلي والعالمي.
ينحاز ريفكين، في هذا الكتاب الذي كتبه عام 2004، إلى الحُلم “النموذج” الأوروبي الذي بدا صاعدًا بنجاحات متتالية على مدى النصف الثاني للقرن العشرين، وانتهى باتفاقيات ماستريخت وشنجن والوحدة النقدية وإطلاق اليورو كنقد عالمي، إضافة إلى توحيد السياسة الخارجية وكثير من التشريعات الداخلية. وفي سياق الحديث عن ذلك الحلم، يقول: “إن السؤال حول مدى استطاعة الحلم الأوروبي الصاعد تقديم رؤيةٍ بديلةٍ أكثر قدرة على التكيّف مع المتغيرات الصاخبة والعنيفة التي يمرّ العالم بها اليوم، من عولمة الاقتصاد إلى ازدياد البطالة إلى انتشار الأصولية الدينية وما يرتبط بها من إرهاب، يبقى سؤالًا ينتظر جوابًا عليه” . لمناقشة هذا الموضوع، سنستعرض في الجزء الأول كيف كانت حال كلّ من الحلمين الأوروبي والأميركي سنة 2004، من خلال كتاب جيرمي ريفكين، ثم سنلقي نظرة في الجزء الثاني على موقع الحلم الأوروبي اليوم.
يمكنكم قراءة الدراسة كاملة بالضغط على علامة التحميل