مقدمة
لا تكون الحرية حقيقية إلا بالاختيار عن وعي وإدراك، فمن وُلد على مُعتقدٍ ديني معين، مثلًا، لا يمكن اعتباره وكأنه قد اختاره بحريّة، لأنه لا يكون قد اختار ما أراد هو، بل يكون ببساطة قد قبِلَ بما تم اختيارُه له. وهذا لا ينطبق على الأديان فقط، بل على جميع العقائد والأفكار، وعلى القيم والعادات والتقاليد التي يجدها المرء أمامه وحوله، فينشأ فيها ويتفاعل معها دون أن يختار ذلك.
بعض الأديان تمنع الخروج منها، تحت طائلة المروق والكفر، فيجد المرء نفسه تحت خطر التعرض للعقاب الدنيوي بالحرمان الديني أو بتطبيق حدّ الردّة، وهذا يجعل البشر أحرارًا فقط قبل اعتناق هذه الأديان. مما يؤدي إلى القول بأنّ هذا الدين يمنحك الحرية ما دمت خارجه، لكنه يسلبك إياها بمجرد دخولك إليه!
فهل هذه رسالة الله إلى البشر؟ بالتأكيد لا، فالله عزّ وجلّ يقول في كتابه الكريم: {وقُل الحقُّ من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} الكهف 29. فلا يمكن لأي دين حقّ أن يلغي الحرية، لأن مناط الإيمان هو حقُ الضمير في الوصول إلى إرادة الله، ولا يتجلى هذا الحق إلا بالحرية المطلقة، فالمُطلق، وإن كان لا يُدرك بالمحدود، لا يمكن مقاربته بمعزلٍ عن العقل، والمنطق، والبحث، والتفكير، وعن الإرادة الحرّة.
هذه ليست مغالطات منطقية، إنها منطق يحاول أن يجد الحلّ لهذا التناقض بين الحرية والإيمان، الحرية بما هي حاجة بشرية، والإيمان بما هو إرادة بشرية. من هنا كان الحق طريقًا من بين طرق متعددة للوصول إلى هذا الحل، فبالحق المنصوص عليه قانونًا والمؤيّد بالروادع الجزائية؛ يمكن للبشر أن يطمئنوا على سلامة ضمائرهم في اختيار ما يناسبها بعيدًا عن كل جبر أو إكراه.
المحور الأول: الجزء النظري
تعريف الحق والحرية
اختلف فقهاء القانون بتعريف الحقوق بين مذهبين:
المذهب الشخصي الذي يعرّف الحق بالنظر إلى صاحبه، وهو الإرادة أو القدرة التي يخولها القانون لشخص من الأشخاص في نطاق معلوم.
المذهب الموضوعي الذي يعرّف الحق بالنظر إلى موضوعه، بغض النظر عن شخص صاحبه، وهو عبارة عن مصلحة مادية أو أدبية يحميها القانون.
وهناك من القانونيين من جمع بين المذهبين الشخصي والموضوعي، بحيث أخذ من كل منهما جزءًا ليكمل به التعريف.
“الحق هو قدرة الفرد على التصرف بطريقة معينة، مع وجود حماية قانونية تكفل احترام هذه القدرة، بمعنى أنّ الحق هو عبارة عن سلطة يعطيها القانون لشخص معين والتي يستطيع من خلالها أن يقوم بأعمال معينة ليحقق مصلحة أقرها القانون”[1].
أما الحرية، فلها تعريفات كثيرة، لكنها بمجملها لا تخرج عن نطاق رسم حدود الحركة والتصرف للأفراد. وقد عرّفت المادة الرابعة من الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن لعام 1789 الحرية، بالقول: “الحرية هي حق الفرد في أن يفعل كل ما لا يضر بالآخرين، وأن القيود التي تفرض على هذه الحرية لا تجوز إلا بالقانون”.
أمّا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، فقد نص على أنه: “يولد جميع الناس أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلًا وضميرًا، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضًا بروح الإخاء”.
وجاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 النص على أنه: “لكل فرد الحق في الحرية والسلام الشخصيين، ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا على أساس من القانون وطبقًا للإجراءات المقررة”.
ويعرّف بعضُ القانونيين الحريّة بأنها: “الحرية هي مجموعة من الحقوق الأساسية التي لا يستغني عنها الإنسان في حياته، والتي تكفل الدولة الاعتراف بها وتنظيمها وحمايتها”[2].
من المفيد أن نستحضر هنا ما قرره الآباء الأميركيون المؤسسون بشأن الحرية، حين رفعوا شعارها التالي: “إنّ الحريّة عطيّة أو نعمة إلهية غرسها الله في قلوب الأميركيين، مما يُرتب عليهم مسؤولية الدفاع عنها والحفاظ عليها ومسؤولية نشرها كإرث إنساني مشترك بين الناس”.
وقد ورد في أحد نصوص إعلان الاستقلال: “إنّ الحرية تساوي الحياة، وإننا نؤمن أنّ الناس خُلقوا سواسية، وأنّ خالقهم قد حباهم بحقوق معينة هي جزء من طبائعهم لا يتجزّأ، ومن هذه الحقوق الحق في الحياة والحرية والسعادة”.
لكن الحريّة وحدها لا يمكن أن تعيش كقيمة عليا بدون عدالة ومساواة، وهذا ما بينته الحرب الأهلية الأميركية. إنّ رفض الولايات الجنوبية لمبدأ تحرير العبيد انطلق أساسًا من أنّ قيمة الملكية الخاصة كانت لديهم وبنظرهم أعلى مرتبة من قيمة الحرية، خاصّة أنها ترافقت مع النظرة العنصرية للأفارقة بأنهم أدنى درجة في مستوى التطور الحضاري، وبالتالي فإنّ مفهوم الحرية يجب ألا يشملهم. وبعد انتصار الاتحاد الفيدرالي بقيم الجمهورية في الحرب الأهلية، ازدادت معاناة السود المحررين من ربقة العبودية، بسبب انعدام أسس المواطنة الكاملة، وخاصة قيم العدالة والمساواة.
حسب هيغل، فإنّ الدولة هي التي تحرر الإنسان من شروط وجوده الطبيعية، فهي بالنسبة إلى البشر الإطار الذي يخلق لهم حيّز الحركة العامة ومجال الترابط خارج حدود المجتمع البيولوجي، أي هي الساحة التي يفترقون فيها عن مملكة الحيوان.
أمّا الأديان، أو رجال الدين بالأحرى، فغالبًا ما كانوا يعتبرون حرية الإنسان كامنة في طاعة الخالق، والخالق لا يتجسّد لكلّ إنسان على حدة، وبالتالي فإنّه لا بدّ من تفسير إرادة الله، ومن يقدرون على هذه المهمة هم ذاتهم الذين يرسمون الحدود، حدود الطاعة والإيمان والحرية، أي هم ذاتهم رجال الدين الذين وصفوا أنفسهم -ليرفعوا قدرهم في عيون عامّة الناس- بالعلماء، ثم أضافوا عليها صفة جديدة أكثر قداسة، عندما اعتبروا “العلماء ورثة الأنبياء”. وعندما استطاع بعضُ البشر وليس كلهم التحررَ من هذه المفاهيم، استطاعوا معرفة حقيقة حريتهم، وكان هذا عندما بدؤوا بالنظر إلى الحياة وفق قوانينها الخاصة، لا وفق قوانين الميتافيزيقيا الخارجة عنها والكامنة في الغيب.
“تعني الحرية الدينية، في القانون الدولي، حق الإنسان في أن يختار الدين الذي يشاء، بل وأن يختار ألا يكون مؤمنًا بأي دين كان، أي حق (الإلحاد)، وهذا لا يتوفر إلا في ظل اتخاذ الدولة موقفًا محايدًا من الدين، وهي حالة تُسفرُ عنها الوضعية القانونية، الموصوفة بعلمانية الدولة، كما يُخضع الغربُ حرية ممارسة الشعائر الدينية لمقتضيات المصلحة العامة، وحفظ النظام”[3].
الحقوق والحريات العامة والخاصة
ويقصد بالحقوق والحريات العامة تلك التي تنظمها القوانين الداخلية للدول، وغالبًا ما تحدد علاقة الأفراد ببعضهم وعلاقتهم بالدولة. ومن أمثلتها الحق بالتملّك والحق بالسكن والحق بالتنقل والحق بالعمل والمساواة بشغل الوظائف العامة، وحرية الاعتقاد والتعبير وحرية ممارسة الشعائر الدينية، وحرية تشكيل المنظمات والجمعيات والأحزاب والحق بالمشاركة السياسية في المجال العمومي، كالترشح والانتخاب. أي هي الحقوق والحريات التي يكتسبها الأفراد بوصفهم مواطنين في دولة معينة وأعضاء في مجتمع محدد وجماعة سياسية واضحة.
أما الحقوق الخاصة فهي التي تولد مع الإنسان بوصفه إنسانًا، بغض النظر عن قوميته أو دينه، أو عرقه، أو جنسه، أو لونه، فهي من الحقوق اللصيقة بالإنسان، ولا يجوز التنازل عنها، ولا تسقط بعدم الممارسة. ومن أمثلة الحقوق الخاصة، الحق في الحياة، والحق في الحرية، والحق في المساواة والكرامة الإنسانية، والحق في السلامة الجسدية وعدم التعرض للتعذيب، والحق في طلب اللجوء، والحق في المساواة أمام القانون، والحق في التمتع بالجنسية.
بمعنى آخر: الحقوق الخاصّة هي بشكل عام الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي العهدين الدوليين والبروتوكولات التكميلية الملحقة. وميزة هذه الحقوق أنها متطورة بشكل دائم، ففي العقود الأخيرة، تم النص على اعتبار كثير من المسائل حقوقًا للإنسان، بينما كانت تُعتبر قبل ذلك من قبل الشذوذ أو الخروج عن الطبيعة، مما كان يرتّب على ممارسة بعضها الملاحقة الجزائية أو الوصم والعار الاجتماعي أو الحرمان الديني أو حتى التكفير.
الحقوق والحريات العامة تنظّمها قوانين الدول الداخلية، بينما حقوق الإنسان تنظّمها الإعلانات العالمية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية وكذلك الأعراف والممارسات المستقرة بين الدول، وتشكل بمجملها ما يمكن أن يُطلق عليه مجموعة قوانين حقوق الإنسان الدولية.
حقوق الإنسان أوسع وأشمل من الحقوق والحريات العامة، وهي موجودة حتى قبل وجود الدولة ذاتها، لأنها تنبع من إنسانية البشر لا من انتمائهم إلى الدولة. مع ذلك، هناك تداخل واضح بين هاتين الفئتين من الحقوق، يجعل التمييز بينهما أقرب إلى التمييز النظري منه إلى التمييز الفعلي.
الشرعة الدولية لحقوق الإنسان
تُعرّف الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بأنها: الحقوق التي يتضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكولين الاختياريين، أو بمعنى آخر هي مجموعة الأنظمة والاتفاقيات والمعاهدات المشكلة للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
أولًا: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
هو وثيقة حقوقية جاءت ثمرة لجهود عدد كبير من الشخصيات السياسية والقانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم. وقد أصبحت تسمى هذه الوثيقة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بعد أن اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948، في العاصمة الفرنسية باريس، وقد حدد الإعلان للمرة الأولى حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها على مستوى العالم بأكمله.
يُعدّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان معيارًا مشتركًا لمختلف الدول والأمم لقياس إنجازاتها على صعيد حقوق الإنسان، ولتحديد مدى التزامها بموجب قوانينها الداخلية وممارسات أجهزتها الحكومية الفعلية باحترام هذه الحقوق. مع ذلك لا يتضمن الإعلان صفة الإلزام القانوني الجبري، فلا يوجد مؤيدات جزائية تضمن التزام الدول به، بل إنّ إلزامه من النوع الأدبي فقط لا غير، والدول الديمقراطية هي الأكثر مخافة على سمعتها من الاتهام بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان على أراضيها، لذلك نجدها الأكثر التزامًا بمبادئ وقواعد هذا الإعلان.
ثانيًا: العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية
“تم اعتماد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 كانون الثاني/ ديسمبر 1966، ودخل حيز النفاذ في 3 كانون الثاني/ يناير 1976. يتكون العهد من ديباجة وواحد وثلاثين مادة، موزعة على خمسة أجزاء. ضمن كلٌ من الجزء الأول والثاني الأحكام العامة المشتركة للعهدين، مثل حق الشعوب في تقرير المصير والتصرف الحر في ثرواتها. أما الجزء الثالث فقد ضمن الحقوق التي نص عليها الميثاق، وهي حقوق كان قد نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولكن قام العهد بتوضيحها وتفسير كيفية تنفيذها. فقد نص العهد على الحق في التعليم، وقام بتوضيح آلية تنفيذ ذلك، فنصّ على جعل التعليم الابتدائي إلزاميًا وتعميم التعليم الثانوي، بالإضافة إلى إنماء شبكة مدرسية على جميع المستويات.
شمل الجزء الرابع الإجراءات الخاصة بالإشراف الدولي على تطبيق العهد، مثل النص على تقديم الدول الأطراف في العهد تقارير للأمين العام للأمم المتحدة عن الإجراءات التي تتخذها لتطبيقه. وأخيرًا شمل الجزء الخامس إجراءات التصديق على العهد”[4].
ثالثًا: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وعرضته على الدول للتوقيع والتصديق والانضمام في 16 كانون الأول/ ديسمبر 1966، ودخل حيز التنفيذ ابتداءً من 23 آذار/ مارس 1976.
أنشأ العهد لجنة خاصة تحت مسمى لجنة حقوق الإنسان، وظيفتها الإشراف على تنفيذ هذه الحقوق ودراسة التقارير التي تقدمها الدول الأطراف في العهد للأمين العام للأمم المتحدة. ويتضمن العهد إضافة للحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي حقوقًا جديدة وشروحات وتفصيلات إضافية، كما يتضمن وسائل دولية لحماية حقوق الإنسان، أهمها اللجنة المذكورة أعلاه.
يشكل العهدان ضمانة لحماية الشعوب من الاستعمار والاستغلال، كما يتضمنان قواعد قانونية إضافية غير واردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويتضمنان أيضًا شروحات تفصيلية وأدوات تنفيذية لحماية هذه الحقوق.
رابعًا: البروتوكولان الإضافيان الأول والثاني لاتفاقيات جنيف
في 8 يونيو/حزيران 1977 تم اعتماد البروتوكول الأول والبروتوكول الثاني، وهما معاهدتان دوليتان إضافيتان إلى اتفاقيات جنيف لعام 1949، والهدف منهما توفير حماية قانونية أكبر للمدنيين أثناء النزاعات المسلحة الدولية والداخلية.
تكمن أهمية الشرعة الدولية لحقوق الإنسان في أنها التجسيد القانوني الدولي الأسمى للقيم والمبادئ العليا التي اتفقت عليها الدول بشأن توفير أكبر حماية ممكنة للبشر، ومن ضمنها إرساء قواعد تضمن حقوقهم وحرياتهم، ووضع آليات لمراقبة الانتهاكات ومساءلة الجهات المسؤولة عنها.
صحيح أنّ الشرعة الدولية لا تتوفر على الإلزام المؤيد بالقوة التنفيذية، إلا في ما يتعلق بالقانون الإنساني الدولي حين يُفرض تطبيقه على نزاعٍ معين تحت بنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إلا أنّ قيمتها الأدبية كبيرة جدًا في نظر واعتبار الدول جميعًا. وصحيحٌ أنّ الدول الأكثر احترامًا للشرعة الدولية هي الدول الديمقراطية، لكنّ قيمتها وأهميتها تكمن أيضًا في أنّ الدول المحكومة بأنظمة غير ديمقراطية تحاول باستمرار تفادي المواجهة مع منظومة القيم التي تمثلها هذه الشرعة. وعلى الرغم من الاستخدام السياسي لقيم حقوق الإنسان الواردة في الشرعة الدولية، خاصّة من قبل الدول العظمى، كما حصل أخيرًا من إعلان الولايات المتحدة الأميركية مقاطعتها الدبلوماسية لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية المقرر إجراؤها في العاصمة الصينية بكين، في شهر شباط / فبراير من عام 2022، بسبب سجل الصين الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان، فإنّ الشرعة الدولية ما زالت تحافظ على قيمتها وأهميتها في الحد من هذه الانتهاكات.
اتفاقية سيداو
هي مجموعة من القواعد القانونية التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان، والقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، في ما يتعلق بالحقوق الاجتماعية والسياسية، والمدنية، والثقافية، والاقتصادية. أجازت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية في 18 كانون الأول/ ديسمبر 1979، وأصبحت سارية المفعول في أيلول/ سبتمبر 1981. ويذكر أنّ عددًا من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لم تصدق على اتفاقية سيداو أو تنضم إليها، وهي: إيران، وبالاو، والصومال، والسودان، وتونغا، والولايات المتحدة. أما الدولة الوحيدة التي ليست من ضمن أعضاء الأمم المتحدة، والتي لم تنضم إلى الاتفاقية، فهي الكرسي الرسولي/ الفاتيكان.
وباعتبار أنّ غالبية الدول في العالم قد انضمت وصادقت على اتفاقية سيداو، فإننا سنحاول في هذا الحيّز أن نورد الحجج التي أوردها عددٌ من الدول الإسلامية في معرض رفضها لبعض بنود الاتفاقية.
ترى وجهة النظر الرافضة لبعض بنود الاتفاقية أنّ الأجواء الثقافية والاجتماعية العامة، في النصف الشمالي من الكرة الأرضية والتي أنتجت الاتفاقية، مغايرةٌ لمجمل الثقافة العامة لشعوب ودول القسم الجنوبي منه، وخاصّة الدول الإسلامية والعربية. وترى هذه النظرة أنّ بعض القيم والأفكار الواردة في الاتفاقية، غير قابلة للاستنبات ولا للنمو في مجتمعات المحكي عنها. فعلى سبيل المثال، تورد وجهة النظر المعارضة للاتفاقية على أساس تناقضها مع القيم الإسلامية، تحفّظها على بعض المصطلحات المستخدمة فيها، ومن هذه المصطلحات:
أولًا: الجندر
تعرّف منظمة الصحة العالمية للهوية الجندرية، الجندر بأنّه: (المصطلح الذي يفيد استعماله في وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة، كصفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية). مما يعني أنّ “الهوية الجندرية ليست ثابتة بالولادة، بل تؤثر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهوية الجندرية، وهي تتغير وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية كلما نما الطفل. كما أنه من الممكن أن تتكون هوية جندرية لاحقة أو ثانوية لتتطور وتطغى على الهوية الجندرية الأساسية، حيث يتم اكتساب أنماط من السلوك الجنسي في وقت لاحق من الحياة، إذ إن أنماط السلوك الجنسي وغير النمطية منها بين الجنس الواحد أيضًا تتطور لاحقًا” [5].
ويقوم الخلاف الأساسي من وجهة النظر المخالفة حول مفهوم الحياة غير النمطية كسلوك اجتماعي، والذي ترى فيه الدول المعارضة محاولة لفرض أنماطٍ من العائلة غير تلك التقليدية المتعارف عليها، بين ذكر وأنثى ينجبان الأولاد، وترى فيه تشجيعًا على العلاقات الجنسية غير الطبيعية، أو الشاذة، من وجهة نظرها بين البشر.
ثانيًا: الصحة التناسلية والصحة الجنسية
تعتبر النظرة المعارضة لهذين المصطلحين الواردين في المعاهدة أنّ جعلها حقوقًا إنسانية عامة غير مقصورة على المتزوجين زواجًا شرعيًا، وأنها كالغذاء، حاجات طبيعية، وحقوقًا لكل الأفراد من كل الأعمار دون ضوابط من أي شرع أو دين، هو بمنزلة دعوات للانحلال الأخلاقي المفسد لبنية الأسرة والمجتمع.
ثالثًا: الأسرة
تعتبر وجهة النظر المعارضة للاتفاقية أنّ تعدد أنماط الأسرة الوارد فيها يتناقض مع مفهوم الأسرة الطبيعية المؤلفة من ذكر وأنثى، بموجب عقد زواج رسمي بهدف إنشاء الحياة المشتركة بينهما، وبغاية الإنجاب لحفظ النسل، وباعتبارها الوحدة الرئيسية المكونة للمجتمع. ترى هذه المنظومة المعارضة أنّ الاتفاقية تشجّع على العلاقات الجنسية المحرمة دينيًا، لافتقادها لعنصر الشرعية خارج إطار الزوجية، أو لأنها تقوم بين أجناس متماثلة، مما تراه هي حرامًا أو شذوذًا.
رابعًا: الحياة الجنسية غير النمطية
يرى معارضو هذا المصطلح أنه يهدف إلى حماية ما يعتبرونه شذوذًا في العلاقة بين البشر، فالدعوة إلى فرض التعليم الجنسي الشامل بشكل إلزامي، والمترافقة مع وجوب إعطاء المتعة الجنسية والثقة والحرية عن التعبير الجنسي والسلوك غير النمطي، هي دعوة للانحلال المجتمعي والأخلاقي.
خامسًا: الأدوار النمطية
يتركز الخلاف مع هذا المصطلح على أنه يجعل من الأسرة الفطرية محل جدل، فهو يعتبر أنّ الأدوار التي يقوم بها الرجال والنساء في الأسرة ليست أدوارًا بيولوجية، بل هي أدوارٌ اجتماعية. بمعنى أنّ المرأة ليست وظيفتها ومهمتها الأساسية هي الأمومة، بوصفها مرتبطة بصفاتها الفيزيولوجية، بل من حقها أن تقوم -مثل الرجل على قدم المساواة- باختيار العمل خارج المنزل كوظيفة اجتماعية. وهذا يعني -من وجهة النظر المعارضة- هدمًا للأسرة الفِطرية المعتمدة من قبل جميع الأديان التي تمثل غالبية البشر.
سادسًا: الاستحقاقات الأسرية
والمقصود به المساواة الكاملة في الإرث بين الذكور والإناث، وتعتبر بعض وجهات النظر المعارضة أنّ ذلك يخالف الشرائع السماوية التي تحتكم إليها.
ومن حيث النتيجة، ترى وجهة النظر المعارضة للاتفاقية أنّ الحجج التي توردها ليست فقط مهمّة، بل غير قابلة للنقاش، لمخالفتها نصوصًا قطعية الدلالة واردة في شرائعها الدينية، مثل الميراث والقوامة والأحكام المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية بشكل عام. فهذه القضايا تحكمها الشرائع السماوية، فهي ليست عُرضة للتغيير والتبديل على مرّ الأزمان والعصور، وبالتالي لا يمكن الحديث عن تطورها كبنى وعلاقات مجتمعية، لأنها خارج السياق التاريخي للتطور.
إنّ أخذ وجهة النظر هذه بالحسبان، عند مناقشة اتفاقية سيداو، لا يعني تبنيها، كما لا يعني بالمقابل رفضها. والسبب الرئيس في ذلك يعود إلى اعتبار أنّ نمط الحياة والثقافة الغربيين نمطًا أعلى للسوك البشري، قياسًا على التطور الكبير الذي حققته مجتمعات هذه الدول في المجالات الصناعية والتكنولوجية، هو اختصار واختزال وتقزيم للإنسانية وللإنسان، وهو يتناقض ومبدأ التنوّع واحترام حقوق البشر أساسًا. لأنّ فرض قيمٍ محددة تتناسب وتطور مجتمعات معينة على مجتمعات أخرى، لم تمرّ بهذا السياق التاريخي من التقدّم، هو بحد ذاته قسر لآليات التطور المجتمعية وتنميط لها باتجاه واحد يستلهم النمط الغربي كمثال أعلى وصحيح ومناسب للجميع بلا استثناء.
والحقيقة أنّ وجهة النظر المؤيدة للمفاهيم والقيم الواردة في الاتفاقية، تقول بأنّ النص على حقوق تخص فئات بشرية موجودة في عالمنا، لا يعني فرضها على الآخرين، بل يعني قبول وجودها وعدم محاربتها والتمييز ضدها، وهذا يشكل احترامًا لحقوقها، مهما كانت هذه الفئات قليلة العدد أو الحجم، أو قليلة التأثير في المجتمعات البشرية. أي أنّ النقطة الأساسية تتمحور حول القبول بمبدأ وجود فئات مختلفة واحترام حقوقها، لا فرض هذه الفئات وفرض قيمها على الجميع.
المحور الثاني: الجزء العملي
هل نحتاج في سورية إلى تبني الشرعة الدولية لحقوق الإنسان؟
الإجابة الأولية هي بالطبع نعم، نحتاج في سورية إلى تبنّي الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، بكل مفرداتها، فهي تمثل قمّة ما توصل إليه الفهم البشري حتى الآن من قيمٍ إنسانية مشتركة لحماية الإنسان من ذاته. يُخطئ من يعتبر أنّ القيم التي تتبناها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان هي قيمٌ غربية بحتة، إنّ هذا الفهم ينسى أو يتناسى مساهمات الدول والمجتمعات المختلفة في صياغة بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين والبروتوكولين الملحقين باتفاقيات فيينا من جهة، كما يقفز أيضًا على الحقائق الثابتة باشتراك البشر بالمفاهيم والقيم الإنسانية العليا، وعلى ما بات واضحًا من أنّ الثقافة البشرية كلٌّ متكاملٌ قائم على التبادل والتلاقح والتدافع والتجاذب.
لم تكن الحضارة في أي يومٍ من الأيام حكرًا على شعبٍ دون آخر، ولا نتيجة لفعلِ مجتمعٍ دون آخر، ولا نتاج تطورِ قومٍ بمعزلٍ عن باقي الأقوام، والنظريات الشوفينية أو المتعصبة التي تقول بغير ذلك بات مكانها في مزبلة التاريخ. صحيح أننا نعاني في نصف الكرة الجنوبي عمومًا، وفي الشرق خصوصًا، من النظرة الغربية الاستشراقية الاستعلائية المجحفة لمساهماتنا في صناعة وإنتاج الحضارة البشرية، لكننا بالمقابل نصدّر بعض النظريات العنصرية التي تتجاهل مساهمات باقي الشعوب والمجتمعات بهذه الحضارة، أو حتى ننزع عنها أي قيمة إنسانية لمجرد عدم توافقها مع بعض معتقداتنا أو شرائعنا.
نعم، لدينا موروثٌ ضخمٌ ومهمٌ جدًا من القيم والمبادئ الإنسانية التي نفتخر ونعتزّ بها، لكن لدينا بالمقابل سجلٌّ حافلٌ أيضًا بانتهاكات حقوق الإنسان وبالتمييز ضدّ بعضنا على أسس دينية وطائفية ومذهبية وقومية وعرقية. وكي نكون منصفين وعادلين في نظرتنا للتاريخ وللواقع، علينا أن نرى وجهي العملة كليهما، لا أن نقتصر على ما يناسبنا ويدغدغ مشاعرنا ويرضي غرورنا.
وفي سورية تحديدًا، لا يمكننا أن نتجاوز تاريخنا الحافل بالصراعات والنزاعات وتشتت الهُويّة الوطنية، وأن نكتفي بالقول إنّ قيمنا الثقافية المنتمية إلى الفضاءين العربي والإسلامي كافية لنا من القبول بالشرعة الدولية، والسبب في ذلك أنّ كثيرًا من مكونات الشعب السوري لا ترى هذا الأمر حقيقة، خاصّة بعد ما أفرزته الحرب الدائرة في سورية من نتائج لا يمكن إغفالها لكل ذي عينٍ ترى. لم يعد هناك ثقة بين السوريين بأكثرياتهم المُفترضة وبأقلياتهم المُعلنة، وقد خلقت حربُ النظام الاستبدادي على ثورة السوريين شروخًا لا يمكن إنكارها، وأنتجت مظلوميات جديدة تُضاف إلى المظلوميات التاريخية المتراكمة منذ مئات السنين.
إنّ غضّ الطرف عن المشكلة لا يؤدي إلى حلها، بل إلى تفاقمها وازديادها. ونحن نعيش مجموعة متراكبة من المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي لم تنتج عن الاستبداد فقط، بل عن منظومة متكاملة من مجمل هذه الأسباب والمؤثرات، والتي يجب للخروج منها الالتزام بقيمٍ عليا غير تميزية وبعيدة كل البعد عن العنصرية والتشنج والتعصب، وهذا ما نجده في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
التدرّج في تبني المنظومة العالمية لحقوق الإنسان
على الرغم من الاستبداد الضارب جذوره في بنية مجتمعنا السوري ودولتنا، فإننا لم نكن معزولين بالمطلق عن المنظومة العالمية لحقوق الإنسان. وصحيح أنّ الاستبداد قد قطع أشواطًا طويلة في إزاحتنا عن جوهر قيم ومبادئ هذه المنظومة، إلا أنّ مجتمعنا لا يزال قادرًا على العودة إليها، حالما توفرت له الشروط والإمكانيات اللازمة.
والسؤال الذي يجب البدء منه هو سؤال الأولويات بالطبع، ففي ظل مجتمعٍ ممزق يفتقد الهوية الوطنية الجامعة، وفي ظل تحديات فقدان الأمن، والحاجة إلى عودة المهجرين، وفي ظل فاجعة الدمار الهائل بالبنى التحتية للدولة وتحديات التمويل والتخطيط المتوازن والعادل لإعادة الإعمار، لا يمكن البدء مثلًا بطرح حقوق المثليين، أو الحديث عن ضرورة إلغاء قوانين الأحوال الشخصية التي يرى فيها البعضُ -وخاصّة الحركات النسوية- ضرورة قصوى وأولوية لا يسبقها شيء. فهذه القضايا تحتمل التأجيل قليلًا، فلم تستطع مجتمعات أكثر انفتاحًا من مجتمعاتنا، وأقلّ تعقيدًا من النواحي الدينية والطائفية والمذهبية والقومية، وأكثر تقدمًا في الجوانب الصناعية والتقنية وغيرها، تحقيق ما تصبو إليه من مساواة وعدالة دفعة واحدة.
من لا يتعلم من التاريخ لن يتعلم أبدًا، وهذه مسيرة التمييز العنصري ضد الأميركيين الأفارقة تعطينا أوضح درسٍ بذلك، فما بين إلغاء العبودية رسميًا وإطلاق حركة الحقوق المدنية وحصول هؤلاء على بعض حقوقهم، مرّت مئة عامٍ على الأقل، ولم يصل الأميركيون بعد للتخلّص الكامل من التمييز على أسس عرقية. في فرنسا التي أطلقت ثورتها الشهيرةُ أولَ إعلانٍ لحقوق الإنسان، ما زالت النساء يعانين التمييز الفعلي في الحياة الواقعية على أساس الجندر، أوليس في هذا مثالٌ واضحٌ على إمكانية التدرّج، أم مطلوبٌ من السوريات والسوريين أن يكونوا خارقين للطبيعة البشرية!
معوّقات تبني المنظومة العالمية لحقوق الإنسان
إنّ معوّقات تبني منظومة حقوق الإنسان العالمية كثيرةٌ وكثيرةٌ جدًا، لكنّ أهمها وعلى رأسها الاستبداد السياسي، فهو الأسّ والأساس لكل تخلّفٍ وتفرقة سلبية وتمييزٍ عنصري. لكن هناك بالطبع معوقات أخرى لا تقل أهمية عن الاستبداد، ومنها -على سبيل المثال لا الحصر- أنماطُ التديّن المختلفة، وهذه ليست محصورة بدينٍ معيّن، بل تشمل جميع الأديان بمذاهبها المختلفة. وأنماطُ التديّن هذه ليست منفصلة عن الموروثات الثقافية والاجتماعية، بل هي جزء مؤسس فيها، وعنصرٌ مؤثرٌ ومتأثر ضمن علاقة جدلية تبادلية لا يمكن فك تشابكاتها بسهولة.
إنّ قضيّة الحرمان من الإرث مثلًا ليست حكرًا على أتباع دين دون آخر، وهي بالأساس ليست مسألة نابعة من نصوص دينية، بل من مخالفة الموروث الاجتماعي لهذه النصوص. ففي بيئة ريفية تعتمد الزراعة وسيلة أساسية للإنتاج، يصبح تقسيم الأراضي مشكلة جوهرية تؤثر على نمط الإنتاج كله، فتأتي عمليات حرمان النساء المتبادلة من الإرث خلافًا للتعاليم الدينية التي يعتبرها البعض الآن غير منصفة وغير عادلة. يدلّ هذا الترابط على أنّ العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية متداخلة بشكل كبير في بناء التحديات والمعوّقات أمام تبنّي منظومة حقوق الإنسان بشكل كاملٍ ودفعة واحدة، وهذا يعيدنا إلى ضرورة التدرّج في ذلك والبدء بالأولويات التي يمكن تمريرها دون الوقوع في تصادمات قد تزيد الطين بلّة.
نقاط تصادم منظومتنا الثقافية مع المنظومة العالمية لحقوق الإنسان
لا شك في أنّ جدل التناقض بين الخصوصية المحلية والعمومية العالمية هو مما يمكن أن يلقي الضوء على نقاط التصادم هذه. فحقيقة أنّ الشعوب، على ما بينها من مشتركات، تبقى لها خصوصياتها الثقافية والاجتماعية التي تشمل اللغة والدين والعادات ومستويات التطور الحضاري، أصبحت ثابتة بما يكفي للتمسك بها في إطار هذا الجدل.
على سبيل المثال، كانت النساء في نظرة المجتمع الذكوري في الحضارتين اليونانية والرومانية مثلهنّ مثل العبيد، وكانت النظرة لهنّ في العصور الوسيطة قبل التنوير لا تعدو التصنيف ضمن عداد الأشياء أو حتى الظواهر السلبية في المجتمع، فالدونية التي كانت تعيشها المرأة ها هنا جعلت من المقبول حرق النساء بتهمة السحر والشعوذة، لكلّ من تتجرأ على الخروج عن هذا التنميط المرعب. حصر الإرث بأكبر أبناء العائلة من الذكور في كثيرٍ من المجتمعات الأوروبية، في العصور الوسيطة، كان متماشيًا مع نمط الإنتاج الزراعي وطبيعة الإقطاع الزراعي ونمط حكم النبلاء. والقضايا التي كانت تعانيها النساء في المجتمعات العربية قبل الإسلام، مثلًا، مسألة وأد البنات، ومن ثمّ قضايا الحرمان من الإرث وتسلّط المجتمع الذكوري المتمثّل بكثير من المفاصل الحساسة للحياة الاجتماعية، والتي أخذت بعضها صفة قانونية إلزامية مؤيدة بالروادع، مثل القوامة التي تتعلق بأهلية الزواج والتزويج والسفر والعمل.
إنّ القفزة التي حققتها المجتمعات الغربية عمومًا، نتيجة التنوير والثورتين الصناعية والتكنولوجية، جعلت المسافة بين مجتمعاتنا ومجتمعات الغرب طويلة والبون شاسع، وهذا ينعكس على مجمل السلوكيات والقيم والأخلاق والعادات والمفاهيم، وهذا ما يشكل جوهر أسباب التصادم بين منظوماتنا الثقافية الاجتماعية الراهنة، والمنظومة العالمية لحقوق الإنسان، التي هي تجسيد للقيم الإنسانية عامّة من جهة، لكنها تجسيد لأحدث وآخر القيم والمفاهيم الغربية في أجزاء كثيرة منها من جهة ثانية.
قابلية هذا التصادم للتسويات
بالطبع، يمكن لهذه التصادمات أن تتوقف، أو أن تصل إلى تسويات معينة في كثير من النواحي، فكما استطاعت المجتمعات الأوروبية تجاوز هذه القضايا فإن مجتمعاتنا قادرة على تجاوزها، أو على الأقل السير في اتجاه تجاوزها ما أن تتاح لها الشروط الأولية لذلك، وأهمها الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية.
إنّ أنماط التديّن، والعادات والتقاليد والمفاهيم المجتمعية، ليست شيئًا مطلقًا جامدًا لا يتغيّر، بل هي كذلك، نظرًا لتاريخيتها وزمنيتها، ولذلك فإنّ التقارب الإنساني بين مجموعات القيم والمفاهيم، وبالتالي التواصل بين المنظومات المحلية والمنظومات العالمية شيءٌ وارد بكل تأكيد. لكنّ الأمر يخضع لمجموعة من العوامل والظروف التي تختلف من بلد لآخر. وفي سورية المستقبل، سيؤثّرُ شكلُ انتهاء الصراع بوضوح في جميع مناحي الحياة، فكلما كان الحلُّ أقربَ إلى مفاهيم العدالة والمساواة وحفظ الكرامة والحقوق؛ اقتربنا أكثر من هذه القيم العالمية.
مجالات التسوية
لا يمكن التنبّؤ بشكل دقيق بإمكانيات الوصول إلى تسويات مُرضية، والحفاظ في الوقت نفسه على جوهر ومضمون الحريات العامة والحقوق التي تشكل لبّ منظومة حقوق الإنسان والشرعة الدولية. لكنّ ذلك يعتمد -كما قلنا من قبل- على شكل انتهاء الصراع من جهة، وعلى استعداد الفرقاء المتصارعة لتفهّم وجهات النظر المختلفة وأخذ المصالح المتباينة بعين الاعتبار.
إنّ أكثر الفئات تعرضًا للضغط في مجتمعنا هي فئتا النساء والأطفال، فصحيح أنّ ضحايا الصراع من الرجال أكثر، لكنّ النساء والأطفال لم يكونوا يومًا في مراكز صنع القرار أو في مراكز السلطة، حتى ولو كانت مجرّد سلطات وقوى أمرٍ واقع لا أكثر. ومن ثمّ فإنّ التسويات المجحفة بحق هاتين الفئتين لن تكون مقبولة ولا عادلة، لكنها قد تكون واقعية، بسبب اختلال موازين القوى لصالح الهيمنة الذكورية، التي لن تكترث كثيرًا لما لا يمكن أن تشعر به أو أن تُدرك أهميته بشكل كامل، بل قد تتوجس منه لما يمكنه أن يهدد هيمنها هذه من حيث النتيجة النهائية.
تجاوز مؤثرات الموروث الثقافي وأنماط التديّن:
أولًا: حقوق المرأة والمساواة بينها وبين الرجل في كل المجالات
سيكون من الصعب تجاوز هذه الموروثات من الإخلال بالمساواة بين الرجال والنساء والمتراكمة عبر العصور بشكل سريع وثابت في وقت واحد. يجب ألا ننسى أنّ المؤسسات الدينية المتمثّلة بالكنيسة في بولندا قد حاولت الانتقاص مما حققه المجتمع البولندي من مستويات متقدمة على صعيدي العدالة والمساواة بين الرجال والنساء خلال فترة الحكم الشيوعي الدكتاتوري، فهذه المؤسسات بسبب طبيعتها الذكورية من جهة، وطبيعتها غير الديمقراطية من جهة ثانية، لا يمكنها أن تتقبل الإزاحة بسهولة، ولذلك ستبدي أشكالًا كثيرة من المقاومة. وفي مجتمعنا السوري، نتوقع أن تقوم المؤسسات الدينية والمذهبية المختلفة بمثل هذا الدور، وستلعب كثيرًا على مخاطبة الغرائز بخطابات شعبوية بعيدة عن الرصانة لتحافظ على مصالحها ومكاسب القائمين عليها من الوضع السائد.
ثانيًا: حريّة الدين والمعتقد بكل أبعادها
(على الرغم من أن معظم الصكوك الدولية والمواثيق العالمية والإقليمية، وحتى النصوص الدستورية الوطنية قد تضمنت وتكفلت بحماية الحق في الدين والمعتقد، فإنّ جميع هذه النصوص القانونية قد جاءت خاوية من وضع تعريف محدد ودقيق لمصطلح الدين، وعلى الرغم من الجهود الدولية الكبيرة التي بُذلت في محاولات كثيرة لتعريف الدين فإنها باءت جميعًا بالفشل، وليس في هذا غرابة على المستوى القانوني الدولي، إن كانت الدساتير الوطنية للدول بدورها لم تتضمن ولم توفق في وضع تعريف مستقل للدين كمصطلح وليس كمفهوم عام، بل اكتفت فقط بالنص على الأحكام العامة المتعلقة بالحرية الدينية وبالحق في الدين والمعتقد)[6].
ثمّة من يرى في العالم الإسلامي أنّ مجموعة القيم الإسلامية قائمة بذاتها، وهي ليست بحاجة للتلاقح مع القيم الأخرى التي توصف عادة بأنها غربية من باب الوصم المحمّل أيديولوجيًا بأثقال الصراعات التاريخية، وهؤلاء ينظرون للإسلام في الدول والمجتمعات ذات الأكثرية الإسلامية عدديًا، لكنهم لا يحسبون حساب المجتمعات التي يشكل فيها المسلمون أقلية، مثل الصين والهند وأوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية وغيرها من الدول. إنّ الطلب من المسلمين، أينما كانوا، الالتزام بهذا الفهم المحدد للقيم الإسلامية، يضعهم في مأزق التناقض مع مجتمعات الدول التي يعيشون بها ومع قوانينها، إن لم تكن متوافقة مع النظرة الإسلامية.
ينصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام أو ما يُطلق عليه تسمية إعلان القاهرة حول حقوق الانسان في الاسلام، والذي تم إقراره من قبل مجلس وزراء خارجية منظمة المؤتمر الاسلامي في العاصمة المصرية القاهرة، بتاريخ 5 آب/ أغسطس 1990 على حرية المعتقد والدين بصفة خاصة من خلال المادة 10 التي تقول: (الإسلام هو دين الفطرة، ولا يجوز ممارسة أي لون من الإكراه على الإنسان أو استغلال فقره أو جهله على تغيير دينه إلى دين آخر أو إلى الإلحاد) [7].
لكنّ هذا النصّ يعترف بالحقوق والحريات باتجاه واحد، أي باتجاه الإيمان بدين الإسلام كدين فطري جبل الله الناس عليه، وهو يخاطب حاجات المسلمين من الأقليات في الدول التي يتعرضون فيه للاضطهاد مثل بورما وميانمار والصين، لكنه لا يعترف بعدم جواز الإكراه على البقاء في الدين، لمن يرغب في الخروج منه، فلا يضمن له النجاة من العقاب لو كان في بلد إسلامي يطبق أحكام الردة مثلًا.
ويرى الدكتور عبد الرزاق نعمان أنّ “سبب عدم إشارة هذا الإعلان إلى الحق في تغيير الدين، وبأنه غير مشمول في حرية الاعتقاد بشكل صريح أو ضمني، نتيجة لخصوصية الشريعة الإسلامية في دول العالم الإسلامي، والتي تعتبر أن الحق في تغيير الدين يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وبالتالي لا يجوز ذلك، وإلا فسيتعرض كلّ من غير دينه إلى القتل، لأن ذلك يعتبر ردة حسب تعاليم الإسلام”[8].
لكننا نرى ما يُخالف رأي الدكتور عبد الرزاق نعمان، لأنّ الردّة كانت حركة سياسية في التاريخ الإسلامي، ولم تكن ذات طابع ديني، فالغالبية العُظمى من القبائل المرتدّة لم تتوقف عن الإيمان بالله ورسوله، ولم تنكر فروض الإسلام وتعاليمه، بل امتنعت عن أداء الزكاة، أي الضريبة للخليفة الأول أبو بكر الصدّيق، ومما يرجّح هذا الرأي تردد كثير من الصحابة بشنّ الحرب عليهم وقتالهم لإجبارهم على فرضها، وعلى رأسهم عمر بن الخطاب.
إنّ التمسّك بمنهج ضيق متشدد من التأويل للقرآن، وضمن أطرٍ لم يتفق عليها جميعُ المختصين من أئمة المسلمين، وبعيدًا عن السياق التاريخي للتنزيل، وبعيدًا عن أسبابه، وبعيدًا عن المقاصد الكلية التي يختلف فهمها باختلاف العصور والعقول التي تنظر بها، يجعلنا -كمسلمين- نقف أمام تعارضٍ واضح وتناقضٍ محتمل مع القيم الإنسانية الأخرى، وهذا غير صحيح، لأنه بعيد عن جوهر الدين الإسلامي، كما هو بعيد عن جوهر أي دين، بما هو رسالة سماوية من الخالق للمخلوق.
حلّ هذه المعضلة في مجتمعاتنا المتعددة المتنوعة هو العَلمانية، أي فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة، ومنع السياسة من استخدام الدين لتحقيق مكاسب حزبية أو استخدام الدين في الحكم لإخضاع المحكومين أو التأثير بهم. والعلمانية هي الضمانة لاحترام حقوق الأفراد بالاعتقاد وممارسة الشعائر، لأنها تمنع الدولة من تبني أي دينٍ، وتلزمها في الوقت نفسه باحترام جميع الأديان ورعايتها وحمايتها من التغوّل والاعتداء والانتقاص.
لكنّ مصطلح العلمانية بذاته تمّ تثقيله بحمولات أيديولوجية وأخرى سياسية لا يحتملها، فبات في نظر شرائح واسعة جدًا من مجتمعاتنا الشرقية رديفًا للكفر والإلحاد، وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. إنّ النظر إلى العلمانية من منظار أيديولوجي، قد يصل بها إلى التطرّف أقصى اليمين أو أقصى اليسار. الأمثلة على التطرف في تطبيق العلمانية انطلاقًا من أيديولوجية معادية للأديان كما حصل في تركيا، هو بحجم الضرر الذي يمكن أن يلحقه التمسك بالعداء للعلمانية، كما يحصل في كثيرٍ غيرها من البلدان. ولا ننسى أنّ الدولة العلمانية المدعومة من العسكر مثلها مثل الدولة الدينية المحكومة من قبل العسكر، فكلاهما يسخّر الدين أو فصل الدين عن الدولة لخدمة الدكتاتورية.
إنّ الخلط بين العلمانية والاستبداد هو أحد الأمراض القاتلة التي أصابت مجتمعاتنا، فنظام البعث وخاصة منه نظام الأسد ووريثه يوصف خطأً بأنه نظامٌ علماني، رغم أنّه أبعد ما يكون عن العلمانية، لأنّه أكثر من استثمر في الدين وأساء إليه وإلى المجتمع معًا، في معرض تثبيت أركانه نظامًا استبداديًا معاديًا للفطرة البشرية السليمة. بالمقابل، فإنّ نظام حكم استبداديٍ آخر غير علماني، مثل النظام السوداني البائد أو الذي هو في طور الزوال، قد قام بتلك الموبقات التي توصم بها الأنظمة الموصوفة خطًا بالعلمانية. النتيجة المستقاة من هذه المقاربة هي أنّ الاستبداد هو أسّ المشاكل، واستثماره في الأديان واحدٌ من أهم أسباب التناقض مع المنظومة العالمية لحقوق الإنسان.
ضمانة الحقوق والحريات في الدستور والتشريعات:
أولًا: المبادئ فوق الدستورية
تشكّل المبادئ فوق الدستورية ضمانات لازمة، لكنها غير كافية بذاتها لحماية الحريات العامة وحقوق الإنسان. لم تكن مشكلتنا على الإطلاق في سورية بالدستور ولا بالضمانات الدستورية، بالرغم من أنّ البنية الدستورية تلعبُ دورًا مهمًا جدًا في منع أو في تكريس الاستبداد، فالطغاة لا يستهينون بالدساتير عند صياغتها، بل إنهم -كما يقول الدكتور زيدون الزعبي- يعتنون بصياغتها بشكل كبير، لأنهم يؤسسون لدول وأنظمة يحكمونها بالدساتير، لا لدول وأنظمة تحكمها الدساتير.
إنّ الدستور وما يتبعه من تشريعات متوافقة معه تشكل معًا منظومة مهمّة في مجال حماية الحقوق والحريات العامة، لكنها مع ذلك لا تكفي وحدها لذلك. إنّ الممارسة السياسية وتقاسم المصالح والنفوذ وخارطة القوى وتوازناتها تؤدي دورًا مهمًا جدًا، خاصّة في المراحل الانتقالية بعد الثورات أو الحروب الأهلية. لذلك لا بدّ من أخذ هذه النواحي بعين الاعتبار، عند بحث هذه الضمانات، وإلا فستكون النتائج متواضعة للغاية عندما نرفع سقف التوقعات دون الاستناد إلى أرضية ثابتة.
ثانيًا: النصوص الدينية والدستور وعلاقة ذلك بالحقوق والحريات
ستبقى مُعضلةُ تبنّي نصوص دينية أو أحكام دينية في الدستور من أهمّ المعضلات والعقبات أمام تجاوز أسس الصراع نحو المستقبل، فاشتمال الدستور على أحكامٍ دينية خاصّة بفئة معينة من الشعب يعني بالضرورة استبعاد الفئات الأخرى منه التي لا تدين بهذا الدين ولا تؤمن به ولا تحمل معتقداته ولا تخضع لشريعته. لذلك فإنّ الوصول إلى تسويات في هذا المجال، من خلال التحايل على اللغة المستخدمة في الصياغة، أو من خلال التفاهم بين النخب السياسية والثقافية التي تصوغ الدستور، هو الذي يمكن أن يدوّر الزوايا ويمنع الانفجارات غير المبررة.
فعلى سبيل المثال، إن طرح قضيّة دين رئيس الدولة، وإصرار الأكثرية العددية للسوريين على أن يكون الإسلام، سيضع السوريين الآخرين من غير المسلمين أمام انتقاص من مواطنتهم التي يسعون لأن تكون متساوية بالمطلق مع غيرهم من أبناء بلدهم.
كذلك عدم أخذ اللغة الجندرية بعين الاعتبار عند صوغ الدستور قد يجعل نصف المجتمع من النساء غير ممثلات فيه، أو على الأقل يمكن أن يخلق لديهنّ شعورًا بالتمييز السلبي ضدّهن، ومثال الصياغة المتعلق بمنصب رئاسة الجمهورية مثال حاضر هنا أيضًا، فوجود نص واضح يعطي النساء الإمكانية، لن يُضير المجتمع الذكوري، بقدر ما سيطمئن النساء على المنهجية المتبعة في التعامل مع القضايا التي تهمّهن بشكل كبير.
كذلك طرح قضايا الأحوال الشخصية يمكن الوصول إلى تسويات بشأنها لمن يرغب في الخضوع لها طوعًا، ومن يرغب بالخضوع للتشريعات المدنية، ففتح الإمكانية أمام الأفراد للاختيار، يعني توسيع دائرة القبول المجتمعي لا فرض أشياء على أفراد أو فئات ترفضها سلفًا.
خاتمة
لا مندوحة من القول بأنّ المنظومة العالمية لحقوق الإنسان، بما فيها من شرائع وقيم ومفاهيم، هي -بشكل أو بآخر- كلّ إنساني عامّ، يضمّ أجزاءً مختلفة من سياقات إنسانية خاصة، وإنّ التعارض في بعض النقاط واردٌ، لكنّه بالمقابل تعارضٌ غير عدمي، بل يمكن الوصول إلى تسويات بشأنه، مهما كانت نقاط الخلاف كبيرة.
إنّنا نعيش في عصر لا يعني ولادة المرء فيه ضمن أسرة تنتمي إلى دين معيّن، أن يبقى منتميًا إلى هذا الدين بالضرورة، فلا مناص إذن من فتح الأبواب على مصراعيها لتقبّل الآخرين المختلفين، ولا يعني هذا دعوة للانحلال أو الكفر أو الإلحاد، بل هو منحُ الفرص للاختيار بحريّة وإرادة واعية. إنّ عيش المرء في مجتمعات مكبوتة تفرضُ أنماطًا معينة من التدّين، مثل إيران وأفغانستان وباكستان، لم يمنع ظهور الفئات والأفراد غير المؤمنين، ولم يمنع ظهور المثليين، بل كان كلّ ما فعله أنّه منعهم من التعبير عن ذواتهم والمطالبة بحقوقهم، دون الخوف من القمع والتعرّض للعقاب الذي قد يصل للموت أحيانًا.
[1] فادي بلال عبد الله برمبو – رسالة ماجستير بعنوان: دور المحكمة الدستورية في حماية الحقوق والحريات العامة 17/9/2018 – جامعة النجاح الوطنية – نابلس – فلسطين – ص 33
[2] الدكتور أحمد حافظ نجم – حقوق الإنسان بين القرآن والإعلان – ص 13 – القاهرة – دار الفكر العربي
[3] أنور أحمد رسلان – الحقوق والحريات العامة في عالم متغير- ص 86 – دار النهضة العربية – القاهرة
[4] موقع الموسوعة السياسية الإلكتروني – تم الاقتباس في 19/12/2021 من الرابط التالي: https://political-encyclopedia.org
[5] د. زينب محمد إبراهيم كساب – بحث بعنوان: اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) ومدى تطابقها مع الرؤية الإسلامية – كلية التربية – جامعة الجزيرة – ص 6
[6] أحمد جمال الظاهر – دراسات في الفلسفة السياسية – ص 26 – منشورات مكتبة الكندي 1990 – أربيل
[7] جامعة مينسوتا – مكتبة حقوق الإنسان – تم الاقتباس من الرابط التالي بتاريخ 20/12/2021: http://hrlibrary.umn.edu/arab/a004.html
[8] عبد الرزاق نعمان – أحكام المرتد في الشريعة الإسلامية – ص 85 – دار العربية للطباعة والنشر – بيروت.