تدرّج إعلام النظام الأسدي خلال سنوات الثورة في نشر أكاذيبه متناغمة مع الأحوال العامة في سورية، حيث بدأ أكاذيبه بادعاءات المؤامرة الكونية، وجعل التظاهرات دعاءً جماعيًا لهطول المطر، ثم انتقل إلى موجة “سوريا الله حاميها”، وختم سيرورة دعايته الكاذبة بشعار “الأزمة انتهت”!
والحقيقة أن مهندسي دعاية النظام كانوا يقصدون الثورة، في قولهم “الأزمة انتهت”. لكن الأزمة الفعلية كانت قد بدأت مع نهاية سنة 2018، عندما أقام النظام احتفالات محدودة بالانتصار، لم تمنع الشارع من الشعور بالمرارة التي استفحلت يومًا بعد يوم، فأيّ انتصار مع بلدٍ مدمّر، واقتصاد وصل إلى درجة الانهيار، والعملة الوطنية فقدت خمسين ضعفًا من قيمتها (كانت قيمة الدولار سنة 2010 نحو خمسين ليرة سورية، وبلغت 2900 ليرة سنة 2018، وهي نحو 14 ألف اليوم)، وهناك ما لا يقلّ عن مئة وخمسين ألف قتيل، يشكّلون ثلث عدد الشباب في الساحل السوري، وعشرات آلاف الأرامل، وآلاف المعوقين.
الأزمة الخانقة
لم ينفع الانتصار وتراجع الأعمال القتالية إلى الحدّ الادنى في منع تفاقم الأزمة المعيشية، فابتداءً من سنة 2018، بدأت أوضاع السوريين الاقتصادية، لا سيّما في الساحل، بالتراجع، بسبب تراجع الكتلة النقدية التي كانت تضخّها إيران بشكل أساسي في اقتصاد النظام، وتراجع حجم المساعدات العينية، والتهم التضخم والفساد كل زيادات الرواتب التي كانت تُسحب من جيوب السوريين عبر زيادة الأسعار، وبلغ انهيار الليرة السورية أمام الدولار مداه. ويضاف إلى ذلك مسألة ينفرد بها الساحل، تزيد أوضاع سكانه بؤسًا؛ فالساحل يُعدّ أقل منطقة في سورية في عدد اللاجئين خارج البلاد، وهو المنطقة الوحيدة التي لا تدعم سكانها حوالاتُ اللاجئين.
مفرد بصيغة الجمع
وسط هذه المأساة، انطلقت أصوات ساحلية تحتجّ على الواقع، هكذا فعلت الشاعرة سوزان علي، في أواخر سنة 2020، التي أثارها انتشار صورة لابن الملياردير رامي مخلوف (الموضوع رهن الإقامة الجبرية)، مع عارضة أزياء إسرائيلية في الولايات المتحدة (1)، وكانت بالفعل صورة فيها كثير من المفارقات؛ فالنظام حكم السوريين بقوة كذبة الصراع مع العدو، وبتخوين أي صوت سوري يحتجّ أو يعارض، وبهذه الذريعة نهب ثروات سورية وصدّرها إلى بنوك الخارج، ليستمتع بها ابنُ ملك الاقتصاد السوري مع صديقته الإسرائيلية.
وعبر رسالة انتحارية، وجّه ابن ريف جبلة الشجاع أمين صقر حسن (الذي لا يُعرَف مصيره حتى اللحظة) اتهامات خطيرة جريئة جدًا إلى بشار الأسد وأجهزة مخابراته ونظامه، واتّهمه بأنه يحكم سورية بتوجيه مباشر من أجهزة المخابرات البريطانية والإسرائيلية.
أما فراس غانم، ابن بلدة العنازة في ريف طرطوس، فقد اعتُقل شهرين، بسبب تعليق ساخر كتبه على شكل سؤال موجّه إلى وزارة الخارجية السورية، بخصوص بيانٍ انتقدَت فيه الوزارة تعامل الحكومة الفرنسية مع الاضطرابات في باريس (2)، ولم يخرج غانم من المعتقل حتى تعهّد لدى جهاز الأمن بعدم كتابة بوستات ناقدة على صفحته.
في السياق ذاته، هاجمت الإعلامية الموالية السابقة لمى عباس إتاوات حواجز الفرقة الرابعة التي تتبع لماهر الأسد، كما هاجمت إتاوات المكتب السرّي التابع لأسماء الأخرس/ الأسد، والاحتكار المرتبط بالمجلس السرّي الذي تديره (3)، وتواردت في الآونة الأخيرة أخبارٌ عن اعتقالها.
في المقابل، لعب بشار برهوم دورًا خطيرًا، بقيادة جهة أمنية وجّهته ليكون أداة تنفيس لغضب الشارع الساحلي، إذ بدأ بالهجوم على حزب البعث والفساد (4)، ورفع سقف التطاول على الحكومة، إلى التطاول على البلاد، من دون الاقتراب من الرئيس طبعًا، حينما راح يتغزل بإسرائيل، متمنيًا لو أنها تحتل سورية، إذا كان ذلك يجعل راتب المواطن السوري معادلًا لراتب الإسرائيلي. لكن برهوم ما إن تلقّى إشارة الصمت حتى صمت، تحديدًا بعد 3 آب/ أغسطس، تاريخ لقاء الأسد في قصره في القرداحة مع رجال دين محسوبين على المخابرات، لمطالبتهم وتحذيرهم من أيّ صوت معارض في الساحل، ومما قاله الأسد في ذلك الاجتماع أنه هو ووالده حافظ حميا العلويين من الإبادة الطائفية (5)!
وذهب الناشط أحمد إبراهيم اسماعيل إلى أبعد من ذلك، حينما طرح حلولًا تعدّ محرّمات في عُرف مصالح النظام، وهي تطبيق القرار الدولي 2254، وتنفيذ مصالحة حقيقية مع باقي فئات الشعب السوري (6)، وقد تمت عملية اعتقاله بطريقة خبيثة، بالتواطؤ مع مدير المؤسسة التي يعمل فيها.
وأما أيمن فارس، فقد أطلقت ضده حملات أمنية لاعتقاله، بسبب فضحه لقضايا فساد (7)، فتوجه إلى دمشق، ومن ثم إلى السويداء، بقصد الاحتماء في جبل العرب، لكنه اعتُقل هو وشاب كان يرافقه عند حاجز أمنيّ جنوب دمشق. واعتقلت أجهزة الأمن الشاعر حسين حيدر، بعد هجائه بقصائد زجلية لبشار ونظامه وعائلته في بثّين متتالين عبر صفحته على (فيسبوك)، حيث اتّهم عائلة الأسد وعائلة الأخرس بنهب البلاد، ودعا إلى الثورة (8). إن هذه الأصوات، وإن كانت قليلة، تعبّر عن تيّار بدأ يتسع في أوساط الساحل الشعبية.
ولم يقتصر أمر الحراك في الساحل على تلك الأصوات المنفردة، بل عرف أيضًا العمل الجماعي، حيث ظهرت حركة “الشغل المدني” التي انطلقت منذ 2018، وعاودت نشاطها في آب/ أغسطس 2023 عبر مجموعة شباب، بِعرض صوَرٍ من الساحل تُظهر أوراقًا كتبت عليها شعارات معارضة للنظام، وتحذّر من حرب الكبتاغون التي يشنها النظام، وكذلك توجهت الحركة برسالة تضامن إلى السويداء (9).
وكذلك ظهرت “حركة الضباط العلويين الأحرار” الذين أعلنوا بدء نشاطهم، عبر بيان مصور من ريف القرداحة، تحدّوا فيه النظام وطالبوا برحيله (10)، الأمر الذي دفع أجهزة الأمن إلى إطلاق حملة تفتيش واسعة النطاق، بنصب حواجز على الطرقات، وقام الأمن بحرق مساحة لا تقلّ عن خمسين دونمًا من الغابات، في المنطقة التي تم فيها تصوير فيديو الضبّاط المتمردين، لكن هذا الأمر لم يمنع حركة الضباط من بثّ فيديو على غاية من الخطورة، يظهر في مواقع يستخدمها الحرس الثوري وحزب الله، وكذلك تصوير مركز استجمام يتردد إليه بشار الأسد، ومركزًا لصناعة الكبتاغون، ومركزًا إيرانيًا للتجسس على القوات الروسية، وأخيرًا قام النظام باعتقال أحد عشر ضابطًا في دير الزور، ادّعى أنهم على علاقة بالمجموعة.
حركة 10 آب
في الذكرى العاشرة لانطلاق حركة “نحل الساحل” 2013، وفي الخامس من آب/ أغسطس، أعلنت حركة (10 آب) عبر بيان على صفحة فيسبوك انطلاقتها (11). الأمر الذي قضّ مضاجع النظام، فعمدَ إلى تعزيز حجم الانتشار الأمني في بعض النقاط داخل مدينة اللاذقية، ومختلف مدن وبلدات الساحل. ولاقى بيان الحركة ترحيبًا منقطع النظير؛ إذ حظي بنحو أربعة آلاف إعجاب، وشكل البيان في بنوده العشر لحظة منتظرة من سوريين، في لحظةٍ تشبه تلك التي رافقت ثورات تونس وليبيا ومصر، حينما خرج كلٌّ من رامي نخلة وهيام جميل، على تطبيق فيسبوك، في كانون الثاني/ يناير 2011، لإعلان اعتصام في شباط من ذلك العام.

أنعشت تلك الدعوة قلوب السوريين، وعززت آمالهم بالالتحاق بثورتي تونس ومصر، وأثارت غضب النظام السوري، فشنّ حملة إعلامية واسعة عبر تلفزيون (الدنيا)، اتهم بها رامي وهيام بتعاطي الحشيش.
تأتي أهمية حركة (عشرة آب) من ثلاثة عوامل فارقة، تمنح الحركة فرادتها، فهي تأسست في الداخل، مؤسسوها شباب وشابات، وهي حركة مطلبيّة وسياسية. فتأسيس حراك ذي طابع سياسي في داخل سورية ليس بالأمر الهين، وسط توحّش أجهزة النظام الأمنية وجيوش مخبريه ومخابراته المنتشرين في مناطق النظام في كل مدينة وقرية، وعند كلّ زاوية وشارع وفي كلّ مرفق ومؤسسة، وقد زادت فعالية الأجهزة الأمنية والمخبرين في الشهور الأخيرة، مع خروج الاحتجاجات الفردية إلى العلن، وزادت الشتائم أيضًا، لتتعدى الحكومة إلى رأس النظام، لأول مرة، على إثر استفحال الأزمة المعيشية وتراجع القيمة الشرائية لليرة السورية وتوالي موجات الغلاء. ومع ذلك، تعلن الحركة أنها انطلقت من الداخل: “نتكلم من الداخل، وستشهدون في الأيام القادمة على صدق كلامنا”(12).
إن تصدّي شباب وشابات لعمل مطلبي سياسي، من دون مرجعية سياسية معارضة ومن دون تسليم أمرهم إلى قيادة سياسية معروفة أو مكرّسة تاريخية، أمرٌ ليس بالسهل، وهو جديد تمامًا؛ فهي ترفض أي وصاية من أي جهة في الخارج: “نرفض الوصاية من أي طرف خارجي، مهما كان”.
أما الميزة الثالثة في حركة العاشر من آب، فهي تمازج كل من العامل المطلبي بالعامل السياسي، وهناك يمكن أن نميّز بوضوح أن المطلبي ليس سوى سبب مباشر دافع، لكن جوهر الحراك وغايته سياسي بامتياز، أي أن المطلبي حجة لما هو سياسي، وهو ما تكشفه مقدمة البيان: “نحن الشابات والشباب السوري في الداخل نعلن عن تشكيل حركة 10 آب، لإنهاء معاناتنا من سوء إدارة شؤون البلاد وتجاهل الدولة لمستقبل الشعب”(13).
كان ذلك الإعلان ذا معنًى، وسط هذه الأجواء المعيشية الصعبة، فمع انكسار حاجز الخوف، أعلنت حركة العاشر من آب نفسها، وطالبت النظام بتقديم موعد لإنهاء الحالة المعيشية السيئة وإيقاف التراجع المستمر في تقديم الخدمات الأساسية: “لدينا مطلب واحد صريح وواضح، لا يوجد أي بديل عنه…. قابل للتحقيق، فهو لا يحتاج إلى أي موارد، إنما فقط إلى التزام من طرف الدولة السورية، المطلب هو أن تقوم السلطة السورية، وعلى لسان رئيس جمهوريتها أو رئيس مجلس وزرائها حصرًا، بإصدار بيان علني وعبر القنوات الرسمية، يحدد من خلاله جدول زمني واضح مع تواريخ محددة بالشهر والسنة، لزيادة الرواتب، وإعادة الكهرباء، وإعادة دعم الخبز والمازوت والبنزين، وإصدار جوازات سفر لكل السوريين”.
هوية الحركة
تأخرت الحركة في التعريف عن نفسها وعن غاياتها إلى ما بعد البيان الثاني لها، ففي العشرين من آب/ أغسطس، نشرت الحركة عبر صفحتها على (فيسبوك) تعريفًا بنفسها وبأهدافها، عرفت الحركة عن نفسها باقتضاب: “نحن شباب سوري لا انتماء لنا إلا لسوريا”، وقالت إنها ستعمل “لأجل إحداث تغيير سياسي واجتماعي شامل بشكل سلمي، بهدف إعادة سلطة الشعب للشعب” (14).

أهداف الحركة
كشفت الحركة في منشورها الثالث، في العشرين من آب/ أغسطس، عن أهدافها. وهي في مجملها أهداف يمكن القول إنها أهداف إستراتيجية، وفي مقدمة تلك الأهداف تحقيق العدالة الاجتماعية، والعمل على تطبيق القرار الأممي 2254، ومعرفة مصير جميع المعتقلين السياسيين والمطالبة بهم، والقضاء على الطائفية والعنصرية عبر تكريس مفهوم وحدة المصير، وتشجيع ورعاية أي حوار سوري – سوري حقيقي يمثل جميع أطياف المجتمع، والعمل على توفير بيئة آمنة لعودة جميع المهجرين، وإنهاء معاناتهم بالمخيمات.
إضافة إلى أهداف تبدو جديدة وغير متداولة عمومًا من قبل المعارضة السورية، في الداخل والخارج، “تتعلق بإنهاء معاناة المجندين الشباب بالخدمة العسكرية الإجبارية، وتصحيح البوصلة الأخلاقية والوطنية لأفراد القوى العسكرية السورية على اختلاف تبعيتهم”، والعمل على محاسبة مجرمي الحرب من جميع أطراف الأزمة السورية.
مطالب الحركة
تتعلق مطالب الحركة بالجانب المعيشي والخدمي، وقد أعقبتها بسلسلة مطالب حقوقية وسيادية تتعلق بتحديد تواريخ لإطلاق سراح كافة المعتقلين من النساء والأطفال أولًا، ثم إخراج كافة المعتقلين السياسيين. وطالبت الحركة بتحديد “تاريخ لإعلان قانون يكفل التوقف عن بيع أملاك الدولة للقطاع الخاص الأجنبي بشكل تام”، كما طالبت بـ “تحديد مدة خدمة قوات الاحتياط والخدمة الإلزامية في الجيش”.
وحذّرت الحركة النظامَ، في حال عدم التجاوب لمطالبها تلك، بأنها ستقوم بعدد من التحركات في الداخل ابتداءً من التاريخ نفسه (العاشر من آب)، ووجّهت الحركة نداء ناشدت فيه أفراد الجيش عدم التعرض للحركة: “ندعو إخوتنا من الجيش العربي السوري وأجهزة الأمن، إلى عدم التعرض لنا. فنحن أبناء هذه الأرض، ومطالبنا تصبّ في مصلحة جميع أهلنا” (15).
في بيانها الثاني، في التاسع من آب، أعلنت الحركة أن النظام لم يتجاوب لمطالبها، بخصوص الإعلان عن تواريخ حل الأزمة المعاشية أو تواريخ تنفيذ المطالب السياسية، وعزت الحركة ذلك إلى لامبالاة النظام بمطالب الشارع … بل إن النظام خلال تلك الأيام رفع الأسعار مجددًا..
ولو ناقشنا تلك المطالب وقدرة النظام على التجاوب معها، لظهرت استحالة تجاوبه في موضوع المخدرات مثلًا، لأنها على ما يبدو المصدر الوحيد لتمويله، ودفع أجور موظفيه. أما إطلاق سراح المعتقلين أو حتى الإعلان عن موعد لإطلاق سراحهم، فهو أصعب على النظام من موضوع محاربة المخدرات، لأن تقديم أي وعود أو التزام بتاريخ محدد يعني انكسار شوكته، وهو عامل نفسي بقي النظام حريصًا على عدم التفريط به طوال عقود، فكيف يمكن أن يكون نظامًا قهريًا ثابتًا غير قابل لأي نوع من أنواع الإصلاح، إذا قدّم للشعب أي نوع من أنواع التنازلات، سياسيًّا أو أمنيًا أو اقتصاديًا (16)؟
تمهيد لحراك السويداء
في بيانها الثاني، تحدثت الحركة عن تسريبات من السلطة بخصوص” تسهيل أي تحرك من قبل شباب السويداء، ومنع القبض على أي شخص منهم”. وهو ما عزته الحركة إلى محاولة لـ “إثارة النزعة المناطقية بين مكونات سورية، فيخرج البعض متسائلًا: لماذا أهل السويداء يمتلكون مساحة من حرية التعبير لا نمتلكها في مناطقنا؟ فينتشر الشك وترتفع الأصوات وتسود التفرقة بين إخوة بلدنا”.
وانتهى البيان بتوجيه رسالة تحدٍّ للنظام: “وأخيرًا وتسهيلًا لمهمة من يريد منعنا من ممارسة حقنا بالتعبير ورفض سوء الإدارة الحالية لشؤون البلاد، نريد مساعدتكم بتحديد مواقعنا مسبقًا”، “ستجدوننا في المكان الذي لا تتوقعوننا فيه، أنتم مُخترقون”.
وبالفعل، بدأت الحركة نشاطها منذ اليوم التالي الموعد الذي حددته، أي في 10 آب، بتوزيع منشوراتها في السويداء، حيث ظهر أفراد من الحركة يستقلون دراجات نارية ويلقون قصاصات ورقية في الشارع، ونشرت الحركة مقطع فيديو من مدينة جبلة، يظهر فيه مجلس مدينة جبلة وقصاصة ورقية كتب عليها. ونشرت الحركة عبر صفحتها: “مع بداية الدقيقة الأولى من 10 آب، انتشر شباب و شابات حركة 10 آب في معظم شوارع محافظات البلاد، وقاموا بكسر حاجز الخوف، وأفشلوا الاستنفار الأمني الذي كان يسيطر على المناطق كلها.”

التنمّر وتخوين الحركة
بسبب رفع الحركة سقف مطالبها في بيانها الثاني، وكان بيانًا سياسيًا بامتياز، لا سيّما مع مطالبتها النظام “بإرجاع الحكم والسلطة للسوريين بشكل سلمي، وذلك عبر تطبيق القرار الأممي 2254 وتحت إشراف دولي”؛ سارع النظام والإيرانيون إلى تحفيز الجماعات الالكترونية عبر (فيسبوك) لتخوين الحركة، فيما تولى قسمٌ من تلك الجماعات عملية التنمّر على الحركة، عبر التعليق على ما تنشره في صفحتها الرسمية. وانقسمت التعليقات إلى قسمين: الأول يتهم الحركة بالعمالة للأمن بشكل مباشر أو بالتلميح، والثاني يحاول نشر الاحباط واللاجدوى من عمل الحركة وتسخيفه.
لكن النظام مضى في تلفيق الاتهامات للحركة، هذه المرة لأنها تعمل من الخارج وبتمويل خارجي، فقد نشر موقع (سناك سوري) التابع للنظام في 4 أيلول/ سبتمبر 2023 تحقيقًا عن محاولة الحركة التواصل مع مذيع في التلفزيون السوري، يُدعى طارق علي، تحت عنوان “بآلاف الدولارات.. الصحفي طارق علي يكشف محاولة حركة 10 آب تجنيده”. وذهب الموقع إلى أن العرض يشمل راتبًا بـ 5 آلاف دولار، مقابل منشورات عن الفساد والقيادة السياسية(17).

خاتمة وخلاصة:
يمكن القول إنّ حراك الساحل، خلال ثلاث سنوات، كان يسير ببطء، لكنّه بات يتقدّم نوعيًّا من مستوى الأصوات المنفردة إلى مستوى العمل الجماعي، وهو في المستوى الأول يزداد جرأة وتأثيرًا، وقد انتقل في المستوى الثاني، من المنشورات مع حركة (نحل الساحل) قبل عشر سنوات، إلى مقاطع الفيديو مع حركة (عشرة آب) التي لم تقتصر على الساحل، بل توسّعت إلى أكثر من بلدة ومدينة سورية. وهذا ما يوحي بتطلعات شباب الحراك في الساحل، ليكون حراكهم سوريًّا، وليس مناطقيًا فحسب.
من المتوقع خلال السنة القادمة، انتقال حركة الاحتجاج في الساحل من السريّة، إلى شبه العلنية، مع استفحال الأزمة الاقتصادية التي ستضرب أجهزة القمع نفسها، وتجعلها أكثر ضعفًا ولامبالاة من توسّع حركة الاحتجاج، ومع التعاطف الشعبي الواسع مع الحركة في الساحل، وهو ما يؤهلها لتصبح حركة علنية على شاكلة حراك السويداء، على الرغم من المخاطر التي ستبقى ماثلة، بل ستزداد عمقًا واتساعًا، فلن يستسلم النظام الأسدي في الساحل تحديدًا، وسيقاتل حتى آخر شبيح وضابط أمن.
وإذا كانت دمشق العاصمة هي مركز القرار السيادي والمرجعية الدولتية للنظام الحالي ولأي نظام قادم، فإن الساحل بالنسبة إلى الأسد ونظامه لا يقلّ أهمية عن العاصمة، فإليه تعود معظم القيادات الأمنية، وفيه تتركز عصبوية جهوية-مذهبية ارتبطت بالنظام، ولذلك ستكون في الساحل معركة كسر العظم، وستشترك فيها إيران وروسيا من جهة، وحاضنة جائعة غاضبة لا بدّ أن تنفلت من عقالها في اللحظة التي تزول معها أوهامها ومخاوفها.
…..
المصادر
(1) فيديو عبر منصة يوتيوب للشاعرة سوزان علي من اللاذقية تهاجم عائلة الاسد ورامي مخلوف وابنه محمد بسبب صورة جمعت الاخير مع عارضة ازياء اسرائيلية في امريكا https://tinyurl.com/2yjvmbf
(2) اعتقال الناشط فراس غانم بسبب بوست انتقدت فيه وزارة الخارجية السورية https://tinyurl.com/kyun2nb
(3) فيديو الإعلامية السابقة الموالية لنظام الاسد لمى عباس تهاجم فيه حواجز الفرقة الرابعة https://images.app.goo.gl/1uyV3WXBoQpvpm35A
(4) بشار برهوم يهاجم حزب البعث https://www.youtube.com/watch?v=pKoIkTgnWYo
ويهاجم المندسين في الحكومة https://www.youtube.com/watch?v=gduF1_z3XDI
(5) اليوتيوبر كمال رستم ينشر تفاصيل لقاء بشار الأسد مع مشايخ المخابرات في القرداحة في 3 آب 2023 https://www.youtube.com/watch?v=6Aa-Pp6oJfA
(6) الناشط المعارض أحمد إبراهيم إسماعيل يهاجم النظام ويرفع السقف ويمدح مناطق المعارضة التي تتوفر فيها الكهرباء https://www.youtube.com/watch?v=gFX8o20BR0M
(7) أيمن فارس يهاجم بشار الأسد ويتحدى الأجهزة الأمنية https://www.youtube.com/watch?v=SYQdJTxb25Y
(8) الشاعر الشعبي حسين حيدر ينتقد الأوضاع المعيشية والنظام الحاكم ويدعو إلى الثورة https://www.youtube.com/watch?v=aUynN8RSLDg
(9) حركة الشغل المدني تواجه تحية من الساحل لحراك السويداء https://tinyurl.com/2s4hcewv
وكرتونة من الساحل باسم الحركة ضد عصابات المخدرات وحرب الكبتاغون https://tinyurl.com/5xjke3rn
(10) حركة الضباط العلويين الأحرار. آب 2023 تدعو التطبيق القرار 2245 وطرد إيران، وإطلاق سراح المعتقلين https://www.youtube.com/watch?v=BKOtE1nWj8c
(11) البيان الأول لحركة 10 آب https://tinyurl.com/yjc5wfn5
(12). نثبت لكم صدق أفعالنا نحن موجودون في الداخل
(13) البيان الأول للحركة، مصدر سابق.
(14) المصدر السابق.
(15) حركة 10 آب. بيان بعنوان “من نحن” https://tinyurl.com/yc5fktrp
(16) حركة. البيان الثاني https://tinyurl.com/bdhkk4df
(17) الصحفي طارق علي يدعي أن الحركة حاولت تجنيده https://tinyurl.com/365aut6c