تاريخيًا، على الرغم من الانقلابات العسكرية المتتالية في سورية، لم يسعَ المشرعون الدستوريون، نساء ورجالًا، إلى ضبط العلاقة المدنية – العسكرية في النصوص الدستورية، حيث كانت النصوص إما مقتضبة، مثل (المادة 30) الواردة في دستور 1950 التي تنص على أن “الجيش حارس الوطن، وتنحصر مهمته في الدفاع عن حدود الوطن وسلامته”، أو فضفاضة/ مرنة، تتيح تأويلًا وتفسيرًا وانقضاضًا على أي تحرك سياسي محتمل، مثل (المادة 11) في دستور 1973، في الباب الأول (الفصل الأول)، التي تنص على أن “القوات المسلحة ومنظمات الدفاع الأخرى مسؤولة عن سلامة أرض الوطن، وحماية أهداف الثورة في الوحدة والحرية والاشتراكية”، والتي ساوت بين الجيش ومنظمات الدفاع الأخرى، غير المذكورة، في المسؤولية عن سلامة أرض الوطن، وأوكلت إليهم حماية أهداف الثورة في الوحدة والحرية والاشتراكية، من دون قيود أو ضوابط أو توضيح حول كيفية حماية تلك الأهداف، وماهية تلك الأهداف. وتركتها عبارة مطاطة وذريعة ليتدخل الجيش ومنظمات الدفاع الأخرى في الحياة السياسية، وجعلت من الجيش جيشًا عقائديًا وغير حيادي، ولاؤه لحزب البعث “قائد المجتمع والدولة” (المادة الثامنة في الدستور).

وفي نص (المادة 11) من دستور 2012 التي جاء فيها “الجيش والقوات المسلحة مؤسسة وطنية مسؤولة عن الدفاع عن سلامة أرض الوطن وسيادته الإقليمية، وهي في خدمة مصالح الشعب وحماية أهدافه وأمنه الوطني”، دُعم انحياز الجيش السوري إلى النظام الحاكم وحماية أمنه، وقيامه بالقمع والقتل والتدمير بشتى صنوف الأسلحة حتى المحرّم منها دوليًا. وافترضت عبارة “خدمة مصالح الشعب وحماية أهدافه وأمنه الوطني” أن الشعب كتلة صماء، وله أمن ومصالح عقائدية واحدة، وأن هناك جيشًا عقائديًا يجب عليه حماية تلك المصالح والأهداف. وهو نصّ يحتمل التأويل حول المقصد من مصلحة الشعب وأهدافه، وحول المسؤول عن تحديدها!

إن النصوص الدستورية الدقيقة والواضحة التي تقيّد الجيش، دستوريًا، كما في دساتير العديد من الدول التي نصت على حياده، والرقابة المدنية عليه من قبل مجلس الشعب/ البرلمان، وتبعيته لحكومة منتخبة ديمقراطيًا، غيرُ كافية دون التنصيص على استقلال القضاء، وفصل السلطات، ومنع المحاكم الاستثنائية بعد حلّها، وتفعيل المحكمة الدستورية، وإلغاء القوانين والمراسيم التي تكرس الإفلات من العقاب.

 يتيح الاطلاع على بعض القيود الدستورية المتعلقة بالجيش، في عدد من الدساتير، المناقشة لتحليل ما يناسبنا في دستور المستقبل؛ فالجيوش غير الحيادية تسبب الكوارث، حين تنحاز إلى طاغية أو إلى حزب سياسي، أو حين تقود انقلابًا أو تدعم انقلابًا.

بعض القيود الدستورية على أفراد القوات المسلحة في العديد من الدساتير:

الترشح في الانتخابات والتعيين كوزراء:

ورد في دستور الإكوادور[1]: “لا يجوز ترشيح الأشخاص المذكورين لانتخابات عامة: (أعضاء القوات المسلحة وقوة الشرطة الوطنية القائمون على رأس عملهم).

كما قيّد الدستور[2] أحقية أعضاء القوات المسلحة وقوة الشرطة القائمين على رأس عملهم، بأن يصبحوا وزراء، كما يلي: “لا يحق للأشخاص المذكورين أن يصبحوا وزراء دولة: (أعضاء القوات المسلحة وقوة الشرطة الوطنية القائمين على رأس عملهم)”.

ونصّ الدستور الإسباني[3] على ما يلي: “يحدد قانون الانتخابات أسباب عدم أهلية النواب وأعضاء مجلس الشيوخ، وأسباب تنافي تقلدهم لمهام أخرى وعضويتهم بالبرلمان، وهي تخص في جميع الأحوال من يلي ذكرهم: (العسكريين المحترفين وأعضاء قوات وهيئات الأمن والشرطة خلال تقلدهم لمناصبهم)”.

وأجاز الدستور الإيطالي[4] وضع قيود على العسكريين وضباط إنفاذ القانون، وعلى الحق في المشاركة بالعضوية في الأحزاب السياسية كما يلي: “يجوز للقانون وضع قيود على حق المشاركة بالعضوية في الأحزاب السياسية، بالنسبة إلى القضاة والعسكريين في الخدمة، وضباط إنفاذ القانون، والممثلين الدبلوماسيين والممثلين القنصليين في الخارج”.

واشترط دستور البيرو[5] عدم جواز انتخاب أفراد القوات المسلحة والشرطة الوطنية الموجودين في الخدمة، ما لم يكونوا قدموا استقالتهم من مناصبهم قبل ستة أشهر من الانتخابات، كما يلي: “لا يجوز انتخاب هؤلاء الأشخاص، كأعضاء في البرلمان الوطني، ما لم يكونوا قدّموا استقالتهم من مناصبهم قبل ستة 6 أشهر من الانتخابات: (أفراد القوات المسلحة والشرطة الوطنية الموجودين في الخدمة الفعلية)”.

الحياد السياسي، وعدم جواز استخدام أسلحتهم أو مناصبهم أو وظائفهم للتدخل في الأمور السياسية:

نص الدستور البرتغالي[6]على أن “تخدم القوات المسلحة الشعب البرتغالي، وليس فيها أي مجال للانتماءات الحزبية. ولا يجوز لأفرادها استخدام أسلحتهم أو مناصبهم أو وظائفهم للتدخل في الأمور السياسية على أي نحو“.

كما نص الدستور التونسي[7]على أن “الجيش الوطني جيش جمهوري، وهو قوة عسكرية مسلحة قائمة على الانضباط، مؤلفة ومنظمة هيكليًا طبق القانون، ويضطلع بواجب الدفاع عن الوطن واستقلاله ووحدة ترابه، وهو ملزم بالحياد التام. ويدعم الجيش الوطني السلطاتِ المدنية وفق ما يضبطه القانون”.

ونص دستور جنوب إفريقيا[8] على أنه”لا يجوز للأجهزة الأمنية، ولا لأي من أفرادها، في سياق ممارستهم لمهامهم، الإخلالُ بمصلحة لحزب سياسي، تكون مشروعة بموجب الدستور؛ أو دعم أي مصلحة لحزب سياسي، بطريق الانحياز إليه”.

أما دستور فنزويلا[9] فقد نص على ما يلي: “يتمتع أفراد القوات المسلحة الوطنية القائمين على رأس عملهم، بحق التصويت بموجب القانون، ولكن لا يجوز لهم الترشح لمنصب يتم شغله بتصويت شعبي، أو المشاركة في أعمال الدعاية السياسية، أو القتال ضمن ميليشيات، أو التبشير الديني“.

عدم التمييز بين أفراد القوات المسلحة وقوة الشرطة، وعدم استفادتهم من امتيازاتهم على حساب حقوق الاشخاص:

ورد في دستور الإكوادور[10] عددٌ من النقاط المهمة:

  • “لا يجوز التمييز في عملية قبول من يرغب في الانضمام إلى القوات المسلحة أو قوة الشرطة. وينص القانون على الشروط المحددة للحالات التي تتطلب مهارات أو معارف أو قدرات خاصة.
  • يخضع أفراد القوات المسلحة وقوة الشرطة الوطنية لقوانين محددة، تنظم حقوقهم والتزاماتهم وترفيعاتهم وترقياتهم على أساس معايير الجدارة والإنصاف الجنساني. وأمنهم الوظيفي وتطورهم المهني مكفولان.
  • لا يجوز حرمان أفراد القوات المسلحة وقوة الشرطة الوطنية من رتبهم ومعاشاتهم التقاعدية وأوسمتهم وثناءاتهم، إلا للأسباب المنصوص عليها في هذه القوانين، ولا يحق لهم الاستفادة من الامتيازات الناجمة عن رتبهم على حساب حقوق الأشخاص”.

جندرة اللغة الدستورية:

استخدم دستور المغرب[11] لغة جندرية: “يُساهم كل المواطنات والمواطنين في الدفاع عن الوطن ووحدته الترابية، تجاه أي عدوان أو تهديد“.

الخضوع للدستور ولسلطة مدنية، والمسؤولية عن الأوامر المعطاة، ومسؤولية المرؤوسين في تنفيذها:

ورد في دستور الإكوادور[12] ما يلي: “تمتثل القوات المسلحة وقوة الشرطة الوطنية للأوامر، ولا تناقشها، وتؤدي مهمتها بدقة، وتخضع للسلطة المدنية والدستور.

سلطات القوات المسلحة وقوة الشرطة الوطنية مسؤولة عن الأوامر المعطاة. ولا تعفي إطاعة أوامر الرؤساء المرؤوسين الذين ينفذونها من المسؤولية”.

قيود على المشاركة في الأنشطة الاقتصادية:

ورد في دستور الإكوادور[13] أيضًا ما يلي: “لا تشارك القوات المسلحة إلا في أنشطة اقتصادية تتعلق بالدفاع الوطني، ويمكن أن تقدِّم وحداتها دعمًا للتنمية الوطنية، بموجب القانون”.

حظر الخدمة العسكرية الشخصية، وأداء الخدمة بكامل كرامة الشخص واحترامه:

حظر دستور الباراغواي[14] الخدمة العسكرية الشخصية كما يلي: “تُحظر الخدمة العسكرية الشخصية التي لا ينصّ عليها القانون، أو الخدمة العسكرية المنظَّمة لفائدة أو ربح أشخاص أو كيانات خاصة”. ونصّت الفقرة ذاتها على أنه “يجب أن يكون أداء الخدمة العسكرية بكامل كرامة الشخص واحترامه، وألا تتجاوز مدتها 12 شهرًا في زمن السلم”.

طوعية الخدمة المدنية العسكرية، وحظر التجنيد القسري:

ورد في دستور الإكوادور[15] “الخدمة المدنية العسكرية طوعية، وتؤدى في إطار احترام التنوع والحقوق، وتُدعم بتدريب بديل في مجالات مهنية مختلفة تسهم في تنمية الفرد ورفاهية المجتمع. ولا يجوز اصطحاب من يشارك في هذه الخدمة إلى مناطق ذات أخطار عسكرية كبيرة. وتحظر كافة أشكال التجنيد القسري”.

المستنكفون ضميريًا عن الخدمة العسكرية:

نص دستور الباراغواي[16]على ما يلي: “على المستنكفين ضميريًا أن يؤدوا خدمة تفيد السكان المدنيين، من خلال مراكز لتقديم المساعدة يحددها القانون وتخضع للولاية المدنية. وينبغي ألا يكون تنظيم هذا الحق أو ممارسته ذا طابع عقابي، أو أن يفرض أعباءً تفوق تلك التي تفرضها الخدمة العسكرية”.

قيود على وزير/ة الدفاع:

نص دستور هندوراس[17] على أن:يكون وزير الدولة [ذكرًا/ أنثى]، في مكتب الدفاع الوطني، مواطنًا [ذكرًا/ أنثى] يفي بالمتطلبات التي يحددها هذا الدستور والقوانين الأخرى؛ ويرأس القيادة المشتركة الرئيسة للقوات المسلحة قائدٌ أو مسؤول كبير، برتبة عقيد في القوات أو ما يعادل هذه الرتبة، في الخدمة الفعلية، ويتمتع بالمزايا وبالقيادة، ويكون هندوراسيًا بالولادة، ويفي بالمتطلبات التي يحددها القانون. ولا يجوز لأحد أقرباء رئيس الجمهورية أو من يحل مكانه قانونًا، من الدرجة الرابعة من القرابة والثانية من المصاهرة، أن يكون رئيسًا للقيادة المشتركة الرئيسة“.

إن النقاش المجتمعي، حول دور الجيش وكسر قدسية حساسيته (التي رسخها الأسد الأب) لا يقلّ أهمية عن رفض تسويق التسوية المفروضة، من خلال كتابة دستور لنا، قبل انتقال سياسي حقيقي، وهو يؤول بالضرورة، إلى إخراج جذر الصراع من الحل السياسي مع النظام الحاكم، كما تمّ إخراجنا، كسوريين/ات، من ملكية العملية السياسية.

ختامًا، إن إعادة هيكلة القطاع الأمني (الجيش، الأجهزة الأمنية، الشرطة…) من خلال عدالة انتقالية تحولية بعد انتقال سياسي حقيقي، هي فرصة جوهرية لتفكيك بنية الاستبداد وبناء دولة ديمقراطية تلتزم بحقوق الإنسان.


[1] – دستور الإكوادور، 2008 (المعدل في 2015)، في الباب الرابع، الفصل1، القسم 6، المادة 113.

[2] – دستور الإكوادور، الباب الرابع، الفصل 3، القسم 1، المادة 152.

[3] – دستور إسبانيا، 1978 (المعدل عام 2011) في الباب الثالث، الفصل الأول، المادة 70-1.

[4] – دستور إيطاليا، 1947 (المعدل في عام 2012) في الجزء الثاني، الباب الثالث، القسم الثاني، المادة 98.

[5] – دستور البيرو، 1993 (المعدل في عام 2009) في الباب الرابع، الفصل الأول، المادة 91.

[6] – الدستور البرتغالي: 1976 (المعدل في عام 2005)، في الجزء الثالث، الباب العاشر، المادة 275.

[7] – دستور تونس: 2014، الفصل 18.

[8] – دستور جنوب أفريقيا، 1996 (المعدل في عام 2012) في الفصل 11- 199.

[9] – دستور جنوب أفريقيا، 1996 (المعدل في عام 2012) في الفصل 11- 199.

[10] – دستور الإكوادور، 2008 (المعدل 2015)، في الباب الرابع، الفصل 3، القسم 3، المادة 160.

[11] – دستور المغرب، 2011، الباب الثاني، الفصل 38.

[12] – دستور الإكوادور، فيالباب الرابع، الفصل 3، القسم 3، المادة 159.

[13] – في الباب الرابع، الفصل 3، القسم 3، المادة 162.

[14] – دستور الباراغواي، 1992 (المعدل في عام 2011) في الجزء الأول، الباب الثاني، الفصل الحادي عشر، المادة 129.

[15] – دستور الإكوادور، الباب الرابع، الفصل 3، القسم 3، المادة 161.

[16] – دستور الباراغواي، 1992 (المعدل في عام 2011) في الجزء الأول، الباب الثاني، الفصل الحادي عشر، المادة 129.

[17] – دستور الهندوراس، 1982 (المعدل في عام 2013) في الباب الخامس، الفصل العاشر، المادة 279.