المحتويات
الضلع الأول: صحة عقيدة ولي الأمر
الضلع الثاني: تصحيح الفقه التراثي
المقدمة
اعتمدت السلفية الجهادية منذ ولادتها مطلع التسعينات حتى يومنا هذا أسسًا محددة في إستراتيجيتها؛ لتحقق حلمها بتطبيق شرع الله في أرضه. ومن هذه الأسس أن يكون لها منطلق جغرافي تبدأ منه رحلة جهادها ضد العالم، ووسيلة تمثلت بإعلان الجهاد العالمي على الآخر المختلف معها، وصولًا إلى دولة الخلافة الإسلامية التي تنفذ فيها الشريعة الإسلامية وتطبقها.
ولقد حققت شيئًا من هذا عندما تم إعلان إمارة طالبان في أفغانستان عام 1996، التي احتوت الشباب المجاهد المؤمن بأيديولوجية السلفية الجهادية من كل مكان في العالم؛ وبدأت رحلة الجهاد العالمي.
أدخلت السلفية المعاصرة تعديلات على المنهج السلفي التراثي القديم؛ فباتت تختلف في أيديولوجيتها عن السلفية الحنبلية والسلفية الوهابية، وأصبحت بعد خلافها الشهير مع الإدارة الأميركية والحكام العرب في أثناء حرب الخليج الأولى، ترى أن جهاد الطلب، واجب على كل مسلم، وتعلل ذلك أنّ العالم غدا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي متفرغًا لمحاربة الإسلام؛ فنادت بالجهاد العالمي، وتغيرت أيديولوجية السلفية المعاصرة عمومًا والسلفية الجهادية خصوصًا في موضوع شرعية الحاكم ولي الأمر من جهة، ومن مفهوم الجهاد وتمثيله على أرض الواقع من جهة أخرى. ([1])
إذ أصبحت السلفية الجديدة تقوم على مثلث مهم، لا بد من تحقق أضلاعه الثلاثة في الواقع المعاش.
الضلع الأول: صحة عقيدة ولي الأمر
لا يجوز أن يتولى السلطة والحُكم في البلدان الإسلامية إلا مَنْ كان ذا عقيدة صحيحة، ولا يوجد اعتقاد إسلامي أصح من الاعتقاد السلفي بحسب وجهة نظرهم، وكل حاكم يكون اعتقاده سلفيًا فهو حاكم شرعي، والعكس صحيح.
الضلع الثاني: تصحيح الفقه التراثي
الفقه الذي انتجته المذاهب الفقهية السُنية الأربعة؛ تشوبه أخطاء كثيرة في العبادات والمعاملات وغيرهما، ولا بد من تصحيح لتلك الأخطاء؛ فتولى تصحيحَ هذه المسائل الفقهية هيئةُ كبار علماء في السعودية؛ فأصبحت فتاواها في كل شيء المرجع الأساس في السلوك السلفي شعائريًا وعباديًا، وساهم في ذلك إلى حدّ كبير الشيخ ناصر الدين الألباني والشيخ عبد القادر أرناؤوط وهما دمشقيان من أصول ألبانية.
الضلع الثالث: جهاد الطلب
حتى الآن لا مشكلة لأنظمة الحكم في الخليج مع السلفية الجديدة في ذلك التصحيح، إلا أن السلفية الجهادية اختلفت مع حكام الخليج وعلماء السلفية المعاصرة في مفهوم الضلع الثالث وتطبيقه.؛ ما أدى إلى قطع شعرة معاوية بينها وبين السلفية الجديدة وعلمائها وأتباعها؛ ومن خلاله نفهم سر الخلاف ما بين ابن لادن والحكومة السعودية بعد عودته من افغانستان؛ حيث أعلنت السلفية الجهادية أن الضلع الثالث يتمثل بجهاد “الطلب” أي الجهاد العالمي وبه تجاهدُ العالمَ كله، وقسمته إلى فسطاطين؛ فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان!. ([2])
ونتذكر كيف خاطب “أسامة بن لادن” أتباعه في كل مكان في العالم معلنًا الجهاد العالمي بعد أن مارسه تنظيم القاعدة دون أن يتبناه إذ قال: إنّ هذه الحوادث قد قسمت العالم بأسره إلى فسطاطين: فسطاط إيمانٍ لا نفاق فيه!، وفسطاط كُفْرٍ!! أعاذنا الله وإيّاكم منه، فينبغي على كلّ مسلم، أنْ يهبّ لنصرة دينه، وقد هبّت رياح الإيمان، وهبّت رياح التّغيير لإزالة الباطل، مِنْ جزيرة مُحَمد صلى الله عليه وسلم. ([3])
وبالتالي، فإن أي نظام حكم في أي بلد مسلم؛ إنْ حقق الضلعين الأوليين للمثلث السلفي؛ ولم يحقق الضلع الثالث كما تطرحه السلفية الجهادية، فقد شرعيته؛ ووجب الخروج عليه، في حين أن علماء السلفية الجديدة لم يجدوا أن ذلك الضلع واجبًا شرعيًا؛ إنما الجهاد أمر طارئ لا بد من أن يقرره ولي الأمر.
وحتى تتحقق مشروعية الجهاد العالمي؛ هناك بيعتان للخليفة ([4]) لا بد من تحققهما؛ حتى يكون وليًا شرعيًا مطاعًا؛ الأولى هي البيعة الخاصة، والثانية هي البيعة العامة. أما البيعة الخاصة: فيجتمع لها أهل الحلّ والعقد؛ ليقرّوا بمشروعية تولي هذا الحاكم السلطة في البلاد؛ حيث يتوجب أن تتوفر فيه شروط أربعة: البلوغ والعقل والإسلام وأن يكون ذا اعتقاد سلفي. فإن توافق أهل الحل والعقد على مرشح ما؛ بايعوه؛ ولكن يجب أن يبايعه بقية المجتمع. هنا تأتي البيعة العامة التي يقوم بها أفراد المجتمع من العامة؛ بمبايعة مَنْ بايعه أهل الحل والعقد. من هنا نجد أنّ “داعش” ترى خليفتها البغدادي هو الخليفة الشرعي لكل المسلمين في العالم؛ ومَنْ لا يقبل ببيعته يعدُّ محاربًا لها في أيديولوجيتها.
بيعة البغدادي جرت يوم 30 حزيران/ يونيو2014 حيث كان عدد أهلّ الحلّ والعقد في دولة العراق والشام الإسلامية نحو 500 فردٍ، توافقوا على ترشيح وبيعة أبي بكر البغدادي خليفة للمسلمين في كل مكان، ثم عُرض ذلك على عناصر التنظيم وقُدِر عددهم آنذاك نحو ثمانية آلاف فرد؛ فبايعوه ليغدو الخليفة الشرعي لكل المسلمين في كل مكان. وتم إلغاء مسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، واعتمدوا اسم دولة الخلافة الإسلامية. وبذلك أصبح جهاد الكفار جهاد طلب واجبًا على كل المسلمين الذين بايعوه. ولا يمكن أن يتنازلوا عن مبدأ جهاد الطلب؛ لذلك قرروا الجهاد العالمي، ليدخلوا مع العالم كله في حربٍ مفتوحة، أباحوا فيها جميع أساليب القتل.
ومن المنظرين المعاصرين لذلك أبو مصعب السوري، الرجل الثالث من حيث القيمة الفكرية لدى السلفية الجهادية، الذي لاقت تنظيراته الجهادية المبتكرة اهتمام جميع مراكز الأبحاث والدراسات المعنية بالظاهرة السلفية في العالم كله من خلال كتابه “دعوة المقاومة الإسلامية العالمية” وهو كتاب ضخم يزيد على 1600 صفحة؛ نُشر في عام 2004، وما من خلية جهادية اعتُقلت في السنوات الأخيرة في أي بلد من البلدان العربية إلا وذكرته؛ وكذلك أبو محمد المقدسي، الذي أطّر للجهاد العالمي من خلال كتابه “ملّة إبراهيم” الذي يؤسس لمفهوم الولاء والبراء من الآخر. إضافًة إلى أبي قتادة الفلسطيني، الذي نظّر للفكرة في كتابه “تأملات في المنهج”. ([5])
أما المرجعية التاريخية والرمزية في هذا الأمر فلا شك أنّه “ابن تيمية” الذي نظّر لفقه الجهاد بصورة مفصّلة، وقام بنفسه بالجهاد ضد المحتلين. إلا أنّ أطروحات “سيد قطب” تعدّ الملهم لأيديولوجية السلفية الجهادية في الجهاد العالمي؛ لما قدمه من صوغ في حقبة الستينيات وطرحه لفكرتي الجاهلية والحاكمية والسلاح للتغيير في عُقب خلاف “جمال عبد الناصر” مع الإخوان المسلمين؛ حيث يقول في إعلانه للجهاد العالمي حتى قيام “مملكة الله” في أرضه أي الخلافة:
“قيام مملكة الله في الأرض، وإزالة مملكة البشر، وانتزاع السلطان من أيدي مغتصبيه من العباد ورده إلى الله وحده، وسيادة الشريعة الإلهية وحدها وإلغاء القوانين البشرية. كل أولئك لا يتم بمجرد التبليغ والبيان؛ لأن المتسلطين على رقاب العباد، والمغتصبين لسلطان الله في الأرض، لا يسلمون في سلطانهم بمجرد التبليغ والبيان، وإلا فما كان أيسر عمل الرسل في إقرار دين الله في الأرض! وهذا عكس ما عرفه تاريخ الرسل- صلوات الله وسلامه عليهم- وتاريخ هذا الدين على ممر الأجيال”. ([6])
هنا يعلن قطب صراحة أن آيات التبليغ والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة؛ منسوخة، وليس لها مكان في أيديولوجيتهم، وآية السيف هي القائمة والعاملة والحاضرة بوجود هؤلاء الناس على كوكب الأرض؛ وبذلك ينسف ويعطل أكثر من 130 آية قرآنية في البيان والتبليغ والدعوة ومراعاة ظروف المجتمع، ويرفض بشكل مطلق سنة التدرّج القرآنية. وعلى هذا اعتمدت السلفية الجهادية في رؤيتها لتطبيق الشريعة الإسلامية جملًة واحدة، من دون أن تأخذ في الحسبان التدرّج في تطبيق الأحكام؛ إنما يجب على المجتمع أن يقبلها ويعمل بها من دون تأخير، ولا قيمة لفقه الأولويات في ذلك.
والحقيقة عندما تُراجع آراء فقهائهم ومرجعياتهم الذين يجيزون جهاد الطلب تجدها متقاربة جدًا في توصيفه؛ فابن القيم الجوزية أحد أهم مراجع السلفية بكل مدراسها يقول في ذلك:
وأما جهاد الطلب الخالص فلا يرغب فيه إلا أحد رجلين: إما عظيم الإيمان يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، وإما راغب في المغنم والسبي. ([7])
في حين يتحدث أبو محمد المقدسي، عن شمولية أيديولوجية السلفية الجهادية وعالميتها الجهادية بقوله: “بعض الحركات السلفية تقزّم وتقصر دعوة التوحيد على شرك التمائم والقبور، ولا تتعرض من قريب أو بعيد إلى شرك الحكام والمشرعين والقصور، بل قد تكون ممن يسير في ركاب الحكام ويعمل على تثبيت عروشهم. كما أن بعض الحركات الجهادية “تبوتق” جهادها وتحصره في منطلقات وطنية؛ وترفض رفضًا حازمًا وحاسمًا أن تتعدى بجهادها حدود الوطن. فالتيار السلفي الجهادي يخالف هؤلاء وهؤلاء؛ ومن أجل ذلك فهو يدعو إلى التوحيد بشموليته وفي كل مكان. فحيث وجد الخلق شرعت دعوتهم إلى التوحيد بشموليته. وحيث وجدت هذه الدعوة وجد الجهاد من أجلها وفي سبيلها [….] ولذلك فأنت ترى أن هذا التيار لا يحصر جهاده في بقعة معينة من الأرض من منطلقات قومية أو أرضية، بل ميدانه هو الأرض كلها فتجد أبناءه يجاهدون في شتى بقاع الأرض”. ([8])
ويحضر دائمًا سيد قطب، ليكون مرجع المعاصرين في هذا الأمر؛ حيث يرفض أن يكون الجهاد في الإسلام جهاد الدفع فقط؛ بل لا بد من جهاد الطلب “عالمي”؛ ويبرر ذلك بقوله:
أما محاولة إيجاد مبررات دفاعية للجهاد الإسلامي بالمعنى الضيق للمفهوم العصري للحرب الدفاعية، ومحاولة البحث عن أسانيد لإثبات أن وقائع الجهاد الإسلامي كانت لصد العدوان، من القوى المجاورة، على “الوطن الإسلامي” – وهو في عرف بعضهم جزيرة العرب – فهي محاولة تنم عن قلة إدراك لطبيعة هذا الدين، ولطبيعة الدور الذي جاء ليقوم به في الأرض. كما أنها تشي بالهزيمة أمام ضغط الواقع الحاضر، وأمام الهجوم الاستشراقي الماكر على الجهاد الإسلامي. ([9])
ومن هذه الرؤية وهذا التوجه انطلقت السلفية الجهادية متمثلًة بدايًة بتنظيم القاعدة ثم جاء بعدها تنظيم “داعش” لجعل الجهاد العالمي واقعًا من خلال عمليات في أرض الآخر. بدأ جهادهم بتفجيرات راعبة طالت دول الخليج العربي، أشهرها تفجير الخُبر بالسعودية في 25 تموز/ يوليو 1996 حيث تم استهداف مجمع سكني؛ يُؤوي جنودًا أجانبًا بالقرب من شركة النفط الوطنية (آرامكو) في الظهران بشاحنة مفخخة.
ثم تفجيرا سفارتي الولايات المتحدة الأميركية في دار السلام عاصمة تانزانيا السابقة، ونيروبي عاصمة كينيا؛ في وقت واحد 7 آب/ أغسطس 1998 بالتزامن مع الذكرى السنوية الثامنة لقدوم القوات الأميركية إلى المملكة العربية السعودية. وجاء تفجير مجمع المحيّا 2003، حيث قام أفراد من جماعة تنظيم القاعدة بمهاجمة مجمع المحيا السكني، الذي يقطنه الآلاف من الجاليات الأميركية والأوروبية والعربية غربي العاصمة الرياض بسيارة مفخخة، كانت حصيلة ذلك الهجوم 18 قتيلًا و122جريحًا وباتت عمليات التفجير تأخذ طابعًا وحشيًا، لم تألفه المجتمعات من قبل؛ وكان تنظيم القاعدة يعلن مسؤوليته عن تلك التفجيرات.
وبلغت المواجهة مداها عندما ارتكبت الحادثة الأخطر والأشهر المتمثلة بحوادث أيلول/ سبتمبر 2001، ومن ثم تفجيرات مدريد 2004 ولندن عام 2005.
وجاء دور “داعش” لتتابع جهادها العالمي في أوروبا، بعد أن نكّلت بالسوريين ذبحًا وتشريدًا، فقامت بنقل معركتها إلى قلب أوروبا؛ حتى تكسب متعاطفين معها كارهين للغرب من ذوي الهوى السلفي الجهادي، إذ وقعت هجمات باريس في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2015 شملت عمليات إطلاق نار جماعي وتفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن، اقتحم المسلحون خلالها مسرح “باتاكلان” وأطلقوا النار بشكل عشوائي، واحتجزوا رهائن، ومن ثم داهمت الشرطة المسرح، وأنهت عملية الاحتجاز، حيث فجّر ثلاثة من المهاجمين أنفسهم، وتعدّ الهجمات الأكثر دموية في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية.
ثم واصلت جهادها المزعوم في بلجيكا من خلال سلسلة تفجيرات في22 آذار/ مارس 2016، حيث وقع في مطار بروكسل الدولي تفجيران، وحدث تفجير ثالث في محطة مترو “مالبيك” ببروكسل، والغريب أنّ التفجيرات؛ وقعت بعد يوم من إلقاء القبض على صلاح عبد السلام المشتبه به الرئيسي في هجمات باريس التي تبنتها داعش.
ومــــاذا بعد؟
من خلال كل ما تقدم؛ نلاحظ أن كل ما وقع سابقًا بكل حيثياته؛ ينمُّ عن عدم وعي ديني وسياسي، فلو أردنا أن نقوّم ذلك سنجد ما يلي:
1- الإصرار على الانفراد بالقرار الإسلامي من خلال ترجيح رأي فقهي على آخر من قبل أناس لا أهلية لهم في ذاك الباع؛ فعندما يرجحون القول بجهاد الطلب (الجهاد العالمي) فهم ضربوا بالأدلة القرآنية عرض الحائط، واعتمدوا أدلة تاريخية غير متفق عليها؛ دون أي اهتمام بمآل الفعل ذاته، وما ينتج عنه من خراب ودمار.
2- ذهاب آلاف الأبرياء ضحية لهذا الرأي نتيجة عملياتهم التفجيرية؛ لا علاقة لهم بهذا الاجتهاد؛ وليسوا خصومًا حقيقين في هذا المعركة؛ ولا شك في أن حرمة الدماء لها مكانتها الأولى في أي اجتهاد ديني؛ والإسلام واضح في ذلك.
3- فشل وخراب عدة دول عربية وإسلامية نتيجة تبني هذه الأيديولوجيا كالصومال وأفغانستان وسورية واليمن.
4- دعم حملة “الإسلام فوبيا” في الغرب ضد الإسلام والمسلمين عمومًا والعرب خصوصًا؛ في حين كان الأولى إثبات بطلانها من خلال تقديم الإسلام الأخلاقي الإنساني الدعوي؛ وتأسيس ثقافة التشاركية مع الآخر التي أكدها القرآن الكريم:
“وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”. المائدة:2.
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”. الحجرات:13.
لا ثقافة القطيعة والاقتتال والحروب.
5- الخاسر الأكبر والمتضرر من هذه الأيديولوجيا هو سمعة الإسلام، وقد أدّى ذلك إلى حالة اضطهاد للمسلمين والعرب نتيجة تلك الهجمات غير الأخلاقية والإنسانية المرفوضة شرعًا.
6- بما أن القاعدة الفقهية تقول: الأمور بمقاصدها. والضرر يزال. وقاعدة النظر في المآلات وأثرها في الحياة. فإن ما ذهبت إليه السلفية الجهادية مرفوض أخلاقيًا وإنسانيًا وقرآنيًا وبالتالي دينيًا.
7- مُنِحت الأنظمة الاستبدادية العربية الذريعة لتصفية التيارات الإسلامية المعتدلة والديمقراطية واضطهادها بذريعة محاربة الإرهاب المتوافق عليه مع النظام الدولي.
8- تراجع الحقوق والحريات تحت مسمى محاربة الإرهاب وخصوصًا في الشرق الوسط وآسيا عمومًا وكثيرًا من الدول الغربية.
ختامًا نقول: إن الشعوب تحب وتحترم مَنْ يحقق لها الأمن والسلام لا مَنْ يُشعل الحروب، وتُخلد مَنْ يحقق لها التحرير والاستقلال والحرية لا مَنْ يجرّ البلاد والعباد نحو التدمير والتهجير؛ وصدق رسول الله عندما نصح أحد أصحابه قائلًا: نفسٌ تُحييها خيٌر من إمارة لا تحصيها. ([10])
[1] ـ راجع كيف نشأت السلفية الجهادية: الأسباب والدوافع في سلسلة مقالات على شبكة جيرون الإعلامية بعنوان (بدأ عصر الذبح).
[2] ـ هناك نوعان للجهاد في كتب التراث وأقوال الفقهاء وهما (جهاد الطَلَب) و(جهاد الدفع) أما الثاني: فذكره وأقره القرآن والسنة النبوية والقوانين الوضعية ويتمثل بالدفاع عن الوطن والدين والأرض والعرض إذا تم الاعتداء عليها وهذا لا ينكره عاقل. ويسمى بالمصطلح الشرعي (دفع الصائل) الخلاف بين الفقهاء حول جهاد الطلب بين مجيز ومانع وتعريفه عندهم: هو طلب العدو في بلاده وقتاله فيها، وهو فرض كفاية، والمقصود بفرض الكفاية، إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين. وهو فرضٌ مع الإمام المسلم، سواء كان الإمام برًا أو فاجرًأ، برًأ يعني: صالحاً مطيعًا، وفاجراً: عاصيًا فاسقاً، بشرط إذن الوالدين.
[3] ـ من كلمة أسامة بن لادن الشهيرة بعد حوادث أيلول/ سبتمبر التي بثها للعالم في 7 تشرين الأول/ اكتوبر 2001.
[4] ـ هذان النوعان من البيعة تقول بهما كل التيارات والمدراس السلفية المعاصرة بما فيها السلفية الجهادية؛ ولكن السلفية الجهادية تضيف إليهما شرطًا آخر أن يكون ولي الأمر من المجاهدين.
[5] ــ أبو مصعب السوري هو مصطفى بن عبد القادر بن مصطفى بن حسين الرفاعي. وتعرف عائلته اليوم “بست مريم” نسبة إلى جدة الأسرة “مريم”. ولد في مدينة حلب عام 1958 ودرس في كلية الهندسة الميكانيكية في جامعة حلب. التحق بتنظيم “الطليعة المقاتلة” الذي أسسه مروان حديد في سورية لقتال النظام. وتلقى عدداً من الدورات العسكرية بإشراف ضباط فارين من الجيش السوري في الأردن وضباط من الجيش العراقي والمصري في بغداد والقاهرة. تخصص في علم هندسة المتفجرات وحرب عصابات المدن والعمليات الخاصة وعمل مدربًا في قواعد الجهاز العسكري لتنظيم الإخوان المسلمين في الأردن وفي معسكراته ببغداد. في أثناء معارك حماة عينت قيادة تنظيم الإخوان المسلمين المقيمة في بغداد الشيخ أبا مصعب عضواً في القيادة العسكرية العليا بإمارة الشيخ سعيد حوى ونائبًا للمسؤول عن منطقة شمال غربي سوريا.
إثر دمار مدينة حماة وانهيار برنامج المواجهة مع النظام أعلن انفصاله عن تنظيم الإخوان المسلمين احتجاجًا على إبرامهم “التحالف الوطني” مع الأحزاب العلمانية والشيوعية والفرع العراقي لحزب البعث وذلك لأسباب عقدية منهجية واحتجاجاً على الفساد وسوء الإدارة لدى الإخوان واعتبرهم مسؤولين عن دمار حماة وفشل وإجهاض الثورة الجهادية. ذهب إلى أفغانستان حيث تعرف في بيشاور على عبد الله عزام الذي أقنعه بالانضمام إلى تجمع المجاهدين العرب ليضع خبراته العسكرية في تدريب الوافدين الجدد إلى أفغانستان. التحق بتنظيم القاعدة في بداية تأسيسه وقد كان قبل ذلك من المقربين من أسامة بن لادن خلال مرحلة الجهاد الأفغاني. سافر إلى بريطانيا فمكث في لندن وعمل مع الخلية الإعلامية الداعمة للجهاد الجزائري وكتب في نشرة الأنصار الجزائرية وغيرها من نشرات الجماعات الجهادية التي كانت تصدر من أوروبا خلال تلك الفترة. بعد نجاح حركة طالبان في إقامة الإمارة الإسلامية هاجر إلى أفغانستان وبايع ملا محمد عمر في قندهار وشكل مجموعة مجاهدة عملت ميدانيًا مع الطالبان كما عمل أبو مصعب مع وزارة الإعلام وكتب في جريدة “الشريعة” الناطقة الرسمية باسم الإمارة وشارك في إعداد برامج إذاعة كابل العربية. أسس في أفغانستان “معسكر الغرباء” في قاعدة “قرغة” العسكرية الشهيرة في كابل بتعاون مع وزارة دفاع الطالبان، وقد تعرض هذا المعسكر إلى تدمير الطائرات الأميركية بالكامل في أثناء هجومها إثر حوادث سبتمبر. اعتقلته السلطات الأميركية مصادفةً في باكستان في عام 2005 ورحلته إلى سورية ضمن برنامج الترحيل السري لوكالة المخابرات الأميركية وفي مطلع عام 2012م ويقال إن السلطات السورية أطلقت سراحه انتقامًا بعد تأييد الخارجية الأميركية للثورة السورية في بداياتها.
[6] ـ سيد قطب. معالم في الطريق: ص:37.
[7] ـ ابن القيم الجوزية: كتاب: الفروسية:(1/ 189)
[8] ـ أبو محمد المقدسي: ملّة إبراهيم: ص:16.
[9] ـ سيد قطب. معالم في الطريق. ص:40.
[10] ـ حديث نبوي رواه البيهقي وآخرون.