المحتويات
ثائر أبو صالح: كاتب وباحث سياسي سوري، الجولان السوري المحتل.
أولًا: مقدمة
يكثر الحديث في الآونة الأخيرة، عن إعادة النظر، ومراجعة عمل المعارضة السورية ومؤسساتها، وذلك على خلفية هزيمة الفصائل المسلحة في حلب أمام النظام السوري وحلفائه من الروس والإيرانيين، وما يتبعهم من ميليشيات. وعلى الرغم أن هذه الأصوات كانت يجب أن تستبق الهزائم، لأن النتيجة التي وصلت إليها اليوم الأوضاع في سورية كانت واضحة وضوح الشمس للقارئ السياسي العادي، لكن أن تأتي متأخرًا أفضل من ألّا تأتي أبدًا. فكيف يمكن أن نتوقع انتصار الفصائل المسلحة أو تقدّمها عسكريًا في ظل التخلي الدولي عنها من القوى الفاعلة دوليًا وإقليميًا من جهة، والدعم غير محدود من جانب روسيا وإيران وميليشيات طائفية متعددة الجنسيات، للنظام من جهة أخرى.
وفي سياق النشاط النقدي لعمل المعارضة السورية، نشر مجموعة من الشخصيات السورية المعارضة نداءً لمراجعة مسارات الثورة، وعُرِض للتوقيع أيضًا، وطالب المعارضون، في ندائهم المعارضة السورية، بكياناتها السياسية والعسكرية والمدنية، ولا سيما القوى الفاعلة فيها أو المُشكِّلة لها، بإجراء مراجعة نقدية ومسؤولة لأوضاعها: خطاباتها، ومساراتها، وأشكال عملها، وعلاقاتها بمجتمعها ومع الخارج، لأن السير على الطريق ذاتها الذي سارت عليه في السنوات الماضية لن يؤدي إلا إلى تأكّل صدقية الثورة، وانحسار دورها بصفتها معارضة، وتاليًا تبديد معاناة شعبنا وتضحياته، ما يفيد النظام ويطيل أمد حياته، ودعا المعارضون إلى الاعتراف بشجاعة أخلاقية وبمسؤولية وطنية، ومن دون مواربة، بأن المآلات الخطِرة التي وصلت إليها الثورة، أثبتت عقم وإخفاق التصورات أو المراهنات، التي ارتكزت عليها(1).
كذلك عرض مركز (حرمون) للدراسات المعاصرة، رؤيا للإصلاح، عبر موقعه على الإنترنت، تحت عنوان “مبادرة من برنامج المبادرات السياسية في مركز (حرمون) موجّهة إلى التشكيلات السياسية السورية”، هذا إضافة إلى كثير من الشخصيات المعارضة المرموقة التي كان لها مداخلات في هذا الشأن عبر الفضائيات العربية مطالبة بإعادة النظر في مسار الثورة (2).
إن هذا الحراك صحّي جدًا ويجب أن يُساهم فيه جميع السوريين القادرين على ذلك، بهدف الوصول إلى الغاية المرجوة، وهي فهم وتحليل جوهر المشكلة أو المشكلات التي تنعكس على كل مجالات عمل المعارضة، وتجعلها غير قادرة على إنجاز المهمة التي وُجدت من أجلها. فلا يختلف اثنان أن التشخيص الصحيح والدقيق لأيّ مشكلة، هو المدخل المناسب لوصف الدواء المناسب. فأين بالفعل يكمن جوهر المشكلة؟ ولماذا لم تستطع الثورة السورية إقناع الدول الفاعلة دوليًا وإقليميًا في دعمها كما تدعم روسيا وإيران النظام؟ ولماذا لم تنجح الثورة في استقطاب فئات كثيرة من الشعب السوري، والذي كان يعاني بأجمعه من الاستبداد؟ هل المشكلة بالفعل في مؤسسات المعارضة وأشخاصها؟ وهل سيؤدّي إصلاح هذه المؤسسات أو تغيير القيادات إلى إصلاح مسار الثورة؟ وهناك أسئلة كثيرة أخرى يمكن طرحها إلى ما لا نهاية، ولكن يبقى هناك ما نُسمّيه جوهر المشكلة، والذي تنبثق منه باقي الأعراض، فمعالجة الأعراض لا تحل المشكلة وإنما المجدي، هو التصدي للجوهر والأساس، وأن نعالجه بصراحة ووضوح ومسؤولية مبتعدين عن اللف والدوران حوله من دون إعطائه اسمه الحقيقي.
ثانيًا: تشخيص المشكلة
لقد وضع الراحل الدكتور صادق جلال العظم إصبعه على جوهر المشكلة، ففي الحوار الذي أجرته معه جريدة “المدن” في شهر آذار/ مارس عام 2014، عندما سُئِل عن “البعد الطائفي” للصراع في سورية، من جهة النظام والمعارضة، قال العظم: “توجد أبعاد طائفية متعدّدة لما يحصل في سورية اليوم، على الرغم من المحاولات الكثيرة لإنكار ذلك. وجميع الاجتماعات والمؤتمرات التي شاركت فيها خلال السنوات الماضية كانت تتهرّب عمدًا من الاعتراف بوضوح بالأبعاد الطائفية للصراع في البلد، وكأن ذكر الشيء يجلبه، وعدم ذكره يبعده”، مشيرًا إلى أنه “من الأفضل للثورة أن تعي نفسها جيدًا بلا تورية، وأن تُصارح نفسها علنًا؛ فالثورة رفعت غطاء الطنجرة (كما نقول باللغة الدارجة) فظهرت التشقّقات المجتمعية، وظهر العفن الطائفي الذي خلّفه النظام بعد حكم نصف قرن”، وأكد أنه “لا يمكن للصراع أن يصل إلى خاتمته من دون سقوط العلوية السياسية تمامًا، كما أن الحرب في لبنان ما كان يمكن أن تصل إلى خاتمتها من دون سقوط المارونية السياسة (وليس الموارنة) في لبنان”(3).
لا شك في أن توصيف الدكتور صادق جلال العظم للواقع السوري يقترب من الدقة، فالواقع الطائفي الذي خلّفه النظام من خلال تغييبه مؤسسات الدولة، وابتلاعه حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم رسميًا واسميًا في سورية، واعتماده على لون طائفي واحد في مفاتيح القرار، خصوصًا في مفاصل الجيش وأجهزة الأمن، أدى إلى استحواذ مفضوح على مقدرات سورية من جانب طائفة واحدة، وترافق ذلك مع استبعاد الطوائف الأخرى وبالذات الطائفة السنية التي تُشكّل الأكثرية من الشعب السوري. وهذا ما قصده الدكتور العظم في طرحه مصطلح “العلوية السياسية” فمن دون إسقاط هذا النهج وليس إسقاط الطائفة العلوية، لا يمكن إيجاد حل للصراع في سورية. ولكن المشكلة تعقدت أكثر حينما توسعت وتحولت “العلوية السياسية” إلى “شيعية سياسية” تتبناها إيران، ودخلت جميع العناصر الشيعية إلى ساحة الصراع ليصبح إسقاط “العلوية السياسية” لا يتّأتى إلا بإسقاط “الشيعية السياسية” وهذه مهمة صعبة المنال في ظل موازين القوى القائمة في منطقتنا. وزاد من تعقيد الموقف التقاء مصالح “الشيعية السياسية” في هذه المرحلة مع مصالح روسيا الاتحادية، التي أرادت أن تستغل الأزمة السورية، لتعود إلى الساحة الدولية، لكي تلعب دور الدولة العظمى كما كان الاتحاد السوفياتي سابقًا.
إن تراجع الدور الأميركي في منطقتنا، في ظل إدارة اوباما من جهة، وعدم قدرة أوروبا على سد الفراغ الذي أحدثه غياب أميركا من جهة أخرى، جعل روسيا وحلفاءها ينفردون بالملف السوري، ووصل الوضع إلى ما وصل إليه اليوم، حيث أصبح شعار إسقاط النظام في سورية مرهونًا بإسقاط “العلوية السياسية” و”الشيعية السياسية” إضافة إلى فك التحالف مع روسيا الاتحادية، وهذه مهمة لا يمكن إنجازها في ظل الواقع الدولي والإقليمي والمحلي السوري، ما أدّى إلى استعصاء الملف السوري على الحل، لأن جوهر المشكلة هو إسقاط “العلوية السياسية”، وهذا يعني هزيمة النظام وحلفائه، وهذا غير ممكن حاليًا وفقًا لمعطيات الصراع السوري. فموازين القوى تميل لمصلحة النظام وحلفائه، فمن المستبعد أن تُفضي أيّ مفاوضات كانت إلى استبعاد الأسد والحلقة المقربة منه، خصوصًا في فترة الحكم الانتقالي المطروح، في ظل الواقع العسكري القائم حاليًا على الأرض وفي ظل المواقف الدولية المعلنة.
وهنا نصل إلى جوهر المشكلة التي أوصلت الحالة السورية إلى ما وصلت إليها اليوم، والتي يمكن أن نصطلح عليها اسم “السنية السياسية”. فالواقع الطائفي الذي خلفته “العلوية السياسية” أدى إلى خروج المارد الطائفي بمجرد أن تخلخلت قدرات النظام في السيطرة على سوريّة، فالتهم هذا المارد الثورة المدنية التي رفعت شعارات الحرية والكرامة وإسقاط النظام وبناء الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية، وتشكلت الفصائل السنية المسلحة، وتبنت بأغلبيتها شعارات وأهدافًا تختلف جذريًا عن أهداف الثورة المدنية التي سادت في السنة الأولى من الثورة. وأصبحت الثورة تقوم على أكتاف المجاهدين من أجل إقامة الدولة الإسلامية في سورية. فمهما اختلفت المسميات والآراء بين الفصائل الإسلامية حول سورية المستقبل، لكنها جميعًا ترغب في أن تكون دولة إسلامية بمضمونها ومحكومة بالشرع الإسلامي. ويبقى الفارق بين المتطرفين والمعتدلين في هذه المسألة تكتيكًا براغماتيًّا، يتلخص في قبول المعتدلين حسم مسألة شكل سورية المستقبل في صناديق الاقتراع، على أمل أن الأكثرية السنية ستحسم هذا الأمر لمصلحة الدولة الإسلامية.
وهكذا أُبعدت العناصر العلمانية التي سادت في بداية تأليف الجيش الحر، وقُضي على كثير من الفصائل العلمانية، واستقطبت الفصائل الإسلامية عناصر كثيرة من الجيش الحر نتيجة ضخّ الأموال على الفصائل الإسلامية من جانب الدول الإقليمية، ومنعها من العلمانيين، وساد “المشهد السنيّ” في مواجهة “المشهد الشيعي” في الحالة السورية، وانتفت الحالة العلمانية وبقيت شعارات من دون رصيد على الأرض، وفي اختصار، استغلت “السنّية السياسية” الظلم الذي وقع على هذه الطائفة وأخذتها إلى المكان الخطأ، فساعدت، من دون قصد، على إقناع العالم وقسم من السوريين أننا أمام ثورة إسلامية تريد أن تنتزع السلطة وليس أمام ثورة حرية وكرامة وبناء دولة عصرية.
استغلت السعودية وقطر وتركيا هذا الواقع الطائفي، ودخلت على المشهد السوري من خلال هذه الفصائل، كما دخلت إيران من خلال النظام، وبدؤوا ضخ الأموال مستغلين حاجتهم إلى الدعم، في محاولة للتأثير والسيطرة على هذه الفصائل لاستغلالها في الحرب ضد إيران، وتطلعاتها في المنطقة العربية، والتي تشكل خطرًا على أنظمة هذه الدول، فلا يمكن إقناع أي إنسان بسيط وحتى الساذج أن دول الخليج تسعى لإقامة نظام ديمقراطي في سوريّة، ففاقد الشيء لا يعطيه. وهكذا خرجت الثورة من إطارها السوري وأصبحت حربًا إقليمية بالوكالة. إن هذه التطورات في واقع الثورة السورية، ساهمت بلا شك في إبعاد قسم ليس بقليل من الشعب السوري عن الثورة السورية، على الرغم من معاناة أغلبية هذا الشعب من الاستبداد الذي مارسه النظام عليهم، ولكن خوف هؤلاء من النظام كان أقوى بكثير من قوة جذب الثورة، والتي أصبحت في تطلعاتها الإسلامية مخيفة لهم بقدر ما هو مخيف بقاء النظام واستمراره. وهذا لا يعني أبدًا إعطاء المبرر لأحد في دعم النظام، فالموقف من الظالم يجب ألّا يكون موضع خلاف، ولكن قد يختلف السوريون على طريقة ردة فعل المظلوم. فقد نجد مبررًا لمن لا يدعم الثورة في وجهها الحالي، ولكن لا يمكن على الإطلاق فهم كيف يستطيع إنسان يمتلك الحد الأدنى من الوعي، والحس الإنساني والوطني، أن يدعم نظامًا مستبدًا في وطن يحبه.
إن الشعار الذي رفعته المعارضة “كل من يحارب النظام فهو جزء من الثورة السورية” أثبت فشله، وتسبب في ضرر كبير في كفاح الشعب السوري ضد الاستبداد. فمن يقاتل من أجل استبدال سلطة نظام آخر على شاكلة النظام بسلطة النظام القائمة هو ليس بحليف للشعب السوري، ولا يشكل انتصاره غير إحلال استبداد جديد محلّ استبداد قديم، وطائفية سياسية أخرى محلّ طائفية سياسية قائمة، وفساد محلّ فساد، وهذا طبعًا لا يتلاءم مع أهداف الثورة التي خرج من أجلها الشعب السوري. ودليلنا على ذلك ممارسة هذه الفصائل في مناطق سيطرتهم، فقد صادروا الحريات، وقمعوا المظاهرات، وعذبوا السجناء، وقتلوا كثيرًا من الأبرياء الذين عارضوا نهجهم، ولم يكونوا أقل استبدادًا من النظام. فهل يمكن كسب المعركة عن طريق محاربة الفساد بالفساد؟ والطائفية بالطائفية؟ والاستبداد بالاستبداد؟ (4). فلكي تنتصر الثورة عسكريًا، يجب أن تنتصر أولًا أخلاقيًا، فتحارب الاستبداد والظلم بالعدل، والطائفية بدولة المواطنة المتساوية لجميع السوريين، بغض النظر عن انتمائهم الطائفي.
غيّرت “السنية السياسية” أهداف الثورة، وشكل ومضمون الدولة، التي خرج من أجلها السوريون، ورهنت نفسها لقوى إقليمية تعمل بأجندات مختلفة. فكيف يمكن أن نفسر هدوء الجبهة الجنوبية في حين كانت حلب تباد؟ ومما يزيد الطين بلة هو تناغم المعارضة السياسية مع هذا الواقع، من خلال التبني والدفاع عن مواقف المعارضة الإسلامية المسلحة من دون مراجعة نقدية لها أو محاولة تصحيح مسارها. فكلنا يتذكر حادثة خطف الراهبات، وطريقة معالجتها، والرسالة التي خرجت للعالم من خلالها (5)، وهي عينة من أحداث كثيرة مماثلة، مثل خطف سميرة خليل والحقوقية رزان زيتونة وزوجها الناشط وائل حمادة والشاعر ناظم حمّادي (6)، فعادة تأتمر القيادة العسكرية بأمر القيادة السياسية وتتبع لها. ولكن في الحالة السورية الأمور معكوسة، حيث يبدو أن المعارضة السياسية تأخذ شرعيتها من الفصائل الإسلامية المقاتلة على الأرض، لذلك تحاول مسايرتها على حساب أهداف الثورة ولا تستطيع أن تتجاوز سقفها، الأمر الذي أضر بمسار الثورة وجعل العالم لا يعطي أهمية للمعارضة السياسية الخارجية، وبدأت بعض الدول في التفتيش عن علاقة مباشرة مع المعارضة العسكرية على الأرض، لأنها صاحبة القرار، ما زاد في تهميش المعارضة السياسية.
ثالثًا: ما العمل؟
بعد هذا الاستعراض والتشخيص الذي عُرض سابقًا، يبقى السؤال المُلحّ: ما العمل؟ وكيف يمكن أن تعود الثورة إلى مسارها الحقيقي، وتستعيد أهدافها الأولى في الحرية، والكرامة، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، التي يتساوى فيها جميع السوريين في المواطنة، بغض النظر عن انتمائهم الديني أو المذهبي أو القومي؟. فالحل لا يكمن في الشكل وإنما في المضمون، فتغيير القيادات وإحداث تغييرات في مؤسسات المعارضة لن يحل المشكلة لأنها أعمق من ذلك بكثير. إن من يظن أن انتصار الفصائل الإسلامية القائمة ستحقق الأهداف المذكورة يكون واهمًا ومخطئًا، لكن وفي نفس الوقت، تُشكّل هزيمتها في هذه المرحلة، كما حصل في حلب، كارثة على الشعب السوري، لأن ذلك سيؤدي إلى سيطرة “الشيعية السياسية” سيطرة كاملة على بلاد الشام، وقد تتحول في اتجاه دول الخليج مثل البحرين أو إلى اليمن. ومما يؤكد نوايا إيران، ما أعلنه مسؤول العلاقات العامة في جهاز الحرس الثوري الإيراني العميد رمضان شريف في تصريح صحفي، عندما عدّ ما وصفه بـ” الانتصار” في حلب، سيمهد لتحرير الموصل وتسوية أزمتي اليمن والبحرين (7)، ما سيؤدي إلى تجذّر الفكر الطائفي، ودخول المنطقة العربية إلى صراع يصعب علينا تخيل طريقة الخروج منه. من هنا يجب العمل على إنجاز مرحلتين: الأولى استعادة الدولة السورية، والثانية إحياء الثورة المدنية وشعاراتها.
1- المرحلة الأولى
لا يمكن استعادة الثورة من دون استعادة الدولة، فسوريّة اليوم محتلة من جانب قوى إقليمية، ودولية ولا يملك النظام أو المعارضة زمام نفسيهما في مسألة الحرب أو السلم، فكلاهما مغيب تمامًا عن القرار. فالقوى الدولية والإقليمية هي صاحبة الأمر والنهي. إن استعادة الدولة تعني إسقاط “الشيعية السياسية” وضمنها “العلوية السياسية” وكذلك إسقاط “السنية السياسية”، أي إنهاء الاحتلال الإيراني وخروج المليشيات التابعة لها، وكذلك مغادرة جميع المقاتلين الذين دخلوا سوريّة لينضمّوا إلى المعارضة أو النظام، وذلك مقدمةً لسيطرة السوريين لاحقًا على زمام القرار، لكي يستطيعوا أن يتحاوروا حول مستقبل بلدهم، بعيدًا عن الأجندات الخارجية.
ولكن كيف يمكن أن يحصل ذلك؟ إنّ المخرج الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى هذه النتيجة هو الحل السياسي في سورية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب بين “الشيعية السياسية” و”السنية السياسية” يكون الهدف منه تحرير سورية من الغزاة بكل أشكالهم وفصائلهم وعودة اللاجئين السوريين إلى مدنهم وقراهم وبداية الإعمار، هذا إضافة إلى حل جميع الفصائل المسلحة، ودمج من يرغب منها في الجيش الوطني السوري، والذي يجب أن يصوب حرابه تجاه القوى الإرهابية بمساعدة دولية لتحرير سورية من الإرهاب. وهذا يحصل من خلال هيئة حكم انتقالي من الطرفين المتصارعين تضمن الحد الأدنى من الحريات للسوريين، لإعادة إحياء الحراك المدني السوري السلمي العابر للطوائف.
إن هذه المهمة الصعبة لا يمكن أن تتحقق من دون موافقة روسية؛ فروسيا هي الوحيدة القادرة على فرض مغادرة جميع الغرباء الذين دخلوا سورية لمساندة الأطراف المتصارعة، وفي هذه الحالة ستحصل حتمًا على دعم إقليمي ودولي في هذه المهمة، فدول الخليج وتركيا وإسرائيل لها مصلحة في خروج إيران وحلفائها من سورية، وكذلك القوى الدولية مثل أوروبا وأميركا الحريصة على عدم وصول إيران وحلفائها إلى حدود إسرائيل. من هنا وجب على المعارضة التقرب إلى روسيا لإنجاز هذه المهمة حتى لو كان الثمن غاليًا، لأنه لا يوجد أثمن من استعادة السوريين لدولتهم، وخصوصًا أن روسيا وبعد انتصار حلب تظهر رغبتها في نقل الملفّ السوري إلى المسار الدبلوماسي، لكي تستطيع استثمار ما أنجزته حربيًا لتوطيد قوتها كدولة عظمى في العالم من جهة، ولتستثمره في ملفات أخرى تهمها كالملف الأوكراني وشبه جزيرة القرم من جهة أخرى. وفي هذا السياق يجب أن نذكر أن إيران ستكون في أمس الحاجة إلى الدعم الروسي، وخصوصًا إذا بدأت الإدارة الأميركية الجديدة للرئيس ترامب تنفيذ تهديدها بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، ففي هذه الحالة ممكن أن تمتلك موسكو ورقة ضغط قوية على إيران يجعلها تستجيب لمطلب الخروج من سورية مع حلفائها.
2- المرحلة الثانية
تتمثل في إعادة إحياء الحراك السلمي المدني الديمقراطي العابر للطائفية والقومية، والذي سيؤدي إلى إعادة إحياء اللحمة الاجتماعية للمجتمع السوري بعيدًا عن الثأر والانتقام والكيدية. وهنا يجب التأكيد على أن العمل والنضال المشرك بين السوريين، من أجل بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، هو وحده القادر على جعل السوريين يتعالون على جراحهم، نتيجة الأحداث الدموية التي مرّت على سورية في فترة الحرب الدامية. لذلك، يجب على القوى الديمقراطية في المعارضة السياسية أن تنشط فورًا، من أجل صوغ جسم وطني ديمقراطي عابر لجميع المؤسسات المعارضة القائمة، واتفاقٍ على حد أدنى يجمع عليه أغلبية السوريين. هذه المهمة تتطلب توحيد جميع القوى السياسية الديمقراطية من المعارضات المختلفة، من معارضة الرياض، والقاهرة، وموسكو، والداخل السوري في إطار واحد ومخاطبة العالم بصوت واحد. هذا الجسم يجب أن يتبنى مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن يضع نصب عينيه وحدة الأراضي السورية، وبناء دولة مدنية ديمقراطية تجمع السوريين كلّهم، من خلال برنامج سياسي واضح المعالم يضع سورية المستقبل في مصاف الدول المتنورة.
إن هذا الجسم الديمقراطي، هو الذي يجب أن يقود الحراك في المرحلة الثانية من أجل تحقيق أهداف الثورة التي خرج من أجلها السوريون، وهو تحقيق حلم الحرية والدستور المدني الديمقراطي الذي يساوي بين جميع السوريين بغض النظر عن انتمائهم الطائفي أو المذهبي أو القومي. هذه المهمة ليست سهلة فنضال الشعب السوري من أجل نيل حريته سيبدأ من جديد بعد مرحلة استعادة الدولة، وسيجد له أعداء كثيرين ليس لهم مصلحة في دولة القانون. من هنا أصبح وجود هذا الجسم الديمقراطي اليوم حاجة ملحة يجب العمل على تأسيسه فورًا ومن دون أي تأخير، لينبعث الأمل من جديد في وصول الشعب السوري إلى غايته في الحرية والكرامة والعيش الكريم.
هوامش:
1-
http://www.all4syria.info/Archive/376831
2-
https://harmoon.org/archives/3486
3- انظر:
http://www.orient-news.net/ar/news_show/8179
4- انظر:
انظر أيضًا في نفس الموضوع:
http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2015/2/25/جبهة-النصرة-بريف-إدلب-قبول-ورفض-وتحفظات
5- انظر
6- انظر ما كتبه معن البياري في العربي الجديد في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2016 على الرابط التالي:
https://www.alaraby.co.uk/opinion/2016/10/20/لنقرأ-سميرة-الخليل-1
7- لمزيد من التفاصيل انظر: