سامي داود

باحث وناقد، يحاضر في الفلسفة ونظرية الفن. شارك في عدد من المؤتمرات حول الحوار الثقافي والعلمانية والهوية في بغداد والبصرة وتركيا وبيروت وعمان.

 

في استراتيجية تورية والتفاف على اللوائح الدولية التي صنفت حزب العمال الكردستاني حركةً إرهابية؛ أعاد الحزب تسمية نفسه مسمّيات لم تغيّر شيئًا في اسمه، ولا في تصنيفه. وأعاد هيكلة فروعه الكردستانية بأسماء مختلفة في أجزاء «كردستان» الأربعة. ظهر في إثر ذلك حزب الاتّحاد الديمقراطي في «كردستان سورية» سنة 2003 ـ ولم تكن عبارة الديمقراطية ملحقة بأسماء الأحزاب الكردية جميعها إلّا «برستيج تسمية» ليس أكثر. وما لبث أن تحول إلى ضحية الاتفاقات الأمنية السورية التركية التي زجّت بكثيرٍ من قياداته في أقبية السجون السورية.  ولم تكن «كردستان سورية» في البرنامج النضالي لحزب العمال الكردستاني، ولم تتحول أيضًا بعد التغييرات التاريخية الجذرية إلى برنامج نضالي للحزب. ظل هذا الجزء من «كردستان» منصة. بعيدًا عن استخدام ديمستورا لهذا التوصيف لضرب العدوّ التركي في شمال «كردستان». محاولة لتسخير الجغرافيا الكردستانية خدمة للهدف الأوحد المتمثل في المبدأ الذي تضعه هذه الحركة في قائمة أولوياتها النضالية، وهو الذي يرى أنّه «لن يتحرّر الشعب الكردي ولا شعوب الشرق الأوسط إلا بتحرير أوجلان»([1])، لذلك التبس على المنضوين تحت رسالة هذا الحزب وعلى المراقبين له، تنسيقهم الأمني مع نظام حزب البعث في سورية، على الرغم من رفضهم له.

مع «انتفاضة الكرد» في سورية 12 آذار/ مارس 2004، ضد البعث. تكثفت الحياة السياسية في المجتمع الكردي الذي أدرك بوضوح أن حراكه السياسي لأجل حريته وحقوقه في «كردستان سورية»، ليس جزءًا من هموم العمال الكردستاني الذي كان غائبا كليًّا، ومغيبا سياسيًّا عن الواقع النضالي الكردي في سورية. واستمر هذا الحزب في تنظيم فاعلياته التقليدية المأخوذة بيوميات قائد الحزب المسجون في سجن إميرالي التركي. وظلَّ الحزب رغم اتفاقية أضنة 1998 الأمنية، ورقة على طاولة الخلافات التركية السورية. فالحزب حريص حتى هذه اللحظة على نسيان سورية البعث والتركيز على تركيا الأردوغانية. إذ ما زال الثقل الأمني لطهران ودمشق متحكمًا في تحديد هوية العدو من الحليف. منذ تأسيس حزب الاتحاد الديمقراطي (2003- 2011) لم يظهر لهذا الحزب أي نشاط سياسيّ أو عسكريّ يذكر في سورية. سنوات معطلة تمامًا. حتى إن الاعتقالات التي شملت قياداته كانت متعلّقة بمسوغات تركية، وليست سورية. بينما يتفرع الحزب الآن لتنظيم عسكري من عشرات الهيئات الشعبية والأمنية، من دون أن يفرق بينها اختلاف تنظيمي أو إداري.

بعد 2011، تغيّر كل شيء. جنون تحرري أصاب الناس لأجل كرامة مستلبة. لم تعد الناس تخشى الموت في سبيل إنسانيتها. هذه الجسارة تقف أمام البعث وكل من سيأتي بعده. بدأت التظاهرات بقيادة التنسيقيات الشبابية الكردية، ومشاركة الأحزاب الكردية التاريخية المناضلة بأدواتها البسيطة والصريحة ضد حزب البعث. لم يكن لحزب الاتحاد الديمقراطي سورية أي حضور جماهيري في التظاهرات. على حين غرة أسس لنفسه «مجلس شعب غرب كردستان». تابعت على قناتهم «روناهي» مجريات الانتخابات؛ محيط الغرف مزين بصور القائد، وصندوق الانتخابات ملون بألوان الحزب، والمنتخِبون يضعون أوراقهم في الصناديق بالهتاف «لا حياة من دون القائد». هذه الهزلية الانتخابية لا تقبل التشريح بلغة القانون، فالأحزاب تنتخب لنفسها مكتبًا سياسيًّا ومكاتب فرعية للحزب، لكن لا يجوز لها أن تؤسس برلمانًا من أعضائها الحزبيين، ثم أدت عسكرة الثورة السورية التي جردتها من ثوريتها، وفتحت باب المقاولة الدولية في الملعب السوري. وظهرت بيادق إرهابية كانت تحضّر في الحاضنات الاستخباراتية السورية والتركية والعراقية، فتعرض الشعب الكردي للقصف في مدينة رأس العين من جانب أحرار الشام وجبهة النصرة، من دون أن يدين المجلس السوري المعارض ذلك. ثم ظهر تنظيم «داعش» من عمق الأرض ولم يهبط من السماء، بل من العمق التاريخي لطبيعة السلطة الهمجية، ولعمق الجهل المستشري في هذه المجتمعات التي توافرت شروط تحولها إلى رأسمال بشري لتمويل الإرهاب بالمجرمين، فالتففنا كردًا خلف عسكرنا الوحيد «قوات حماية الشعب الكردية» التي ترفع لواء الحياة المدنية للكرد ولغيرهم. إلى هذه اللحظة لا يتعرض هذا الجسم العسكري داخل هيكلية حزب العمال الكردستاني لأي نقد بل أصبحت صور مقاتليه رموزًا لهوية كردية ممكنة. غير أن السياسات الغامضة لحزب العمال الكردستاني تقصم رمزية صورة هذه القوات، فبعد أن أعلنت إدارة هذا الحزب في «غرب كردستان» الفيدرالية الكردية التي قبلها حتى خصومهم من السياسين الكرد، وبدأت في كتابة دستور غير متجانس يتضمن موادًا تتفق مع المثل الشعبي «من كل وادي قصبة»، دستور يقدس حرية التعبير والضمير والاعتقاد. ظهرت إلى جانب هذه المواد الدستورية مؤسسات لا يمكن تصنيفها إلا في قوائم العصابات؛ من مثل مؤسسة غوغاء شبيبة الثورة، وبيوت الشعب والشهداء. وتندرج مسميات هذه التنظيمات برمزيتها في المعجم البعثي، لذلك تمثّل استعادتها إلى الفضاء الكردي، ومن جانب الكرد ضد الكرد رمزية قمعية مضاعفة.

 

مصادفة فحسب، ثمة تتطابق بين النظام الداخلي([2]) لحزب الاتحاد، والدستور الذي وضع لبناء ما يطلقون عليه «المجتمع الأخلاقي السياسي الأيكولوجي». هذه الخلطة التي تأخذ عبارات مجنونة من مثل «طبيعة ما بعد الكون» للمجتمع الكوانتي. تظهر مستوى الجهل في خلط المفردات. فالفكرة المتعلقة بتطابق السياسي والأخلاقي تعود إلى لحظة مغلقة خاصة بتجربة أثينا في المرحلة الهيلينية، عندما كان أرسطو وأفلاطون ينظران إلى ذاتية مطابقة بين المواطن والوطن. وانتهى ذلك التطابق بدحر ألكسندر المقدوني على الحدود الفارسية، وتراخي علاقة الأطراف الملحقة بالإمبراطورية الإغريقية مع المركز الذي كانت أثينا تمثله. حتى إن مُنَظِّرًا كبيرًا بمثل «ماكس فيبر» يعدّ جوهر السياسة غير أخلاقي. كأنها -أي السياسة- معطًى براغماتي لتداول المنفعة الطبقية ليس أكثر. ولم يؤدِّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى تطعيم السياسات الدولية بالفضيلة؛ فكيف يمكن لحزب عسكري كردي أن يؤسس لمجتمع أخلاقي، وهو أكثر حزب يعادي النقد وحرية التعبير.

لذلك لا يجوز منهجيًّا أخذ هذه العبارات على محمل الجد، لكنها تؤلّف المدخل الأساس لفهم الطبيعة النفسية المتحكّمة بشمولية النظام القائم. من باب التذكير، ومن دون أن يتعلق ذلك بنسيان ٍ ما؛ فقد كانت المادة الثامنة من دستور سورية الأسد تتناغم مع النظام الداخلي لحزب البعث الذي اختزل المجتمع إلى بعثيته التي دمرت المجتمع، ومازالت تدمره.

أحد أكثر مؤشرات الذهنية الشمولية التي تحول الأفراد إلى أشياء عادية، هو التخلي الجماعي عن استخدام العقل الذاتي والابتهال أمام كلام «شيخ الجبل» بتعبير بودلير. المجتمع في «كردستان سورية» خبير في قراءة القمع. وفي فهم الكيفية التي تحول بها البشر إلى حزبيين وغير حزبيين، وقد تجذَّر الرفض في كيانه؛ إذ لم يعد هناك ما لم يرفضه. قد يقتل واضعو دستور الديمقراطية وحرية التعبير في «كردستان سورية» كل من ينتقدهم، إلا أن ذلك لن يوقف رفض الناس لإدارتهم التي تستعير من الطغيان أسلوب حكمها.

تحولت هذه الإدارة من «فدرالية غرب كردستان» إلى «إقليم شمال سورية» تحولات دراماتيكية غير مفهومة حتى من جانب واضعيها. وذلك كله يحدث على وقع ظهور ترامب، وبداية ظهوره أوروبيًّا عبر اليمين المتطرف في المجر والنمسا وهولندا، قبل ظهوره رئيسًا للولايات المتحدة. تفكر الذهنية الترامبية بالقضاء على داعش في الرقة والموصل بالوسائل الناجعة لها والأقل في كلفتها البشرية، فالتكلفة تقتصر على الإنسان الغربي وحده فقط، أما أولادنا فهم الذين ينطبق عليهم ما قاله ستالين لكوريا الشمالية في حربها الأهلية «أنتم لم تخسروا سوى البشر».

وبعد الانتصار الذي غير معه مجريات الحرب على داعش، أصبحت كوباني رمزًا عالميًّا في الصعد جميعها، إذ التفت الحركات النسوية العالمية وحركات اليسار واليمين كلها حول رمزية ما حدث في «غرب كردستان». الحركة الوحيدة التي لم تستثمر هذا الاحتفاء إلا على نحو عسكري يعيد موضعتها في منزلة الجنود بالوكالة، هي منظومة الاتحاد الديمقراطي. لم تتصالح مع صورتها الجديدة في الإعلام الغربي، لتحرج اللائحات التي صنفتها بالحركة الإرهابيّة. ولم تنفتح على المجتمع الكردي بل تحوّلت إلى هستيريا شمولية راعبة تصطدم بالجميع.

 

عنف اللغة

هول العنف اللغوي الذي تعتمده هذه «الإدارة» في مواجهة خصومها السياسيين، يوضّح مستوى الرعب الذي باتت تمثله مؤسسات هذه المنظومة. ولا يوجد فرق في ذهنية مؤسساتها، الإعلام والمحاكم والترخيصات والسياسيون، جميعهم في قلب كلمة واحدة: «أيخانت». العبارة التركية الملفوظة بأبشع طريقة ممكنة، وهي كلمة خُلاسية مأخوذة من كلمة الخيانة العربية، ومستعادة من التركية بالصيغة الآنفة، ولدى الكرد في أجزاء «كردستان» كلها تاريخ مرير مع الذهنية التخوينية. لطالما اعتمدت هذه الذهنية لتسويغ إبادة الكرد، ومازالت معتمدة.

كرّرنا من دون ملل أن شرعية أي قضية تتحق في داخلها، ومن غير المقبول تحويل «داعش» أو غيرها إلى مسوغ لفرض سياسة معينة على المجتمع، فهل نتحدث عن شرعية المؤسسات في منطقة مطحونة بالحرب، وتجذّر فيها إرهاب السلطة عقودًا، حتى بات التسلط عبر القوة العصبية طبيعة لحكم هذه البلاد. وبمثل ما يشير إليه مايكل فيلدا في كتابه «العالم العربي من الداخل» إلى أن العرب يحبون القوة لا الحكمة، لذلك يحذون حذو قادةٍ قَتَلةَ.

أليست هذه المعطيات السابقة كافية لتأسيس تماهي الكرد مع شعوب المنطقة وقياداتها الطغيانية. ألا نتعرض نحن المثقفين الكرد لضغوطات مشابهة لتلك التي تعرض لها المثقف العربي لإنتاج طبقة وعاظ للسلاطين. من في إمكانه أن ينتقد قائدًا كرديًّا من دون أن يتعرض للتصفية الجسدية أو للتنكيل الأخلاقي؟ لا يختلف موقف القادة الكرد من المثقفين المستقلين عن موقف ستالين وصدام؛ فثمة معاداة صريحة وممنهجة لإزاحة المثقف عن الحياة العامة، وتسهيل الجنايات السياسية المعممة عبر الإعلام. كان الفيلسوف الفرنسي «كاستورياديس» يقول إنه بمحض التفكير في ذائقة ستالين كان ذلك كافيًا لمعرفة أنه مجرم. ينطبق هذا التفصيل على القادة جميعهم، وفي كل مكان. والكرد ليسوا استثناءً، فخطاب القيادة المتحكمة في «كردستان سورية» مجبول من أعنف العبارات وأكثرها تناقضًا؛ حيث التكرار البليد لكلمتي الحرية والديمقراطية في المجتمع الأيكولوجي الأخلاقي، تكرار تسنده جرائم «شبيبة الثورة» و«بيوت الشعب» الحزبية، فأيُّ جهل هذا الذي يجعل الإجرام نشوة جماعية.

علينا الاعتراف بأننا -بصفتنا كردًا- نعمّق أزمتنا الحقوقية والهوياتية داخليًّا وخارجيًّا؛ فالشرخ الاجتماعي الذي أحدثه الاتحاد الديمقراطي في «كردستان سورية» لن يُردَم لعقود من الجهد المدنيّ؛ فالمعجم التخويني بين الأطراف المتنازعة أنتج حالًا أجنبية داخلية، ففي العائلة الواحدة انقسم الانتماء بين الإحساس بكردية أفراد وأوجلانية أفراد. لا تمتلك «الإدارة الذاتية» الكادر البشري المؤهّل لفهم عنف اللغة المؤسس للمدخل الطبيعي إلى الحرب الأهلية، بل تؤجج هذه الإدارة عوامل الاحتقان الأهلي، غطرسة عسكرية وحلول أمنية لكلّ شيء، مع طقوس دينية في المعابد التي باتت تتكاثر تحت مسميّات شعبوية وديمقراطية وأممية…إلخ. وبمثل ما أشار «أنطون مالتيه» في دراسته عن الأزمات التي ينتجها العمال الكردستاني([3])، فإن الطبقة المتعلمة في «كردستان سورية» اختارت المنفى على البقاء في كنف الحوكمة العقائدية العسكرية للعمال الكردستاني. أتفق مع مالتيه في توصيفه لهذه الحوكمة بالهشة المفتقرة إلى الدعم الاجتماعي، وخلوها من الفئات المتعلمة في الإدارة. لذلك فهو يجر جميع مشاكله إلى دائرة العنف المسلح. وانطلاقًا من نقطة العنف المحض، يمكن بناء بديل من الحال السياسية القائمة.

بدائل

تدفع اشتراطات الحرب إلى تمجيد القوة الغاشمة، والانجذاب نحو الكاريزما العسكرتارية، وتتقهقر هوية الناس إلى الالتصاق بالحاجتين البدائيتين؛ الأمن والغذاء. وتختزل سمات الناس إلى أقصى درجات الحدة المرتبطة بضرورات الحرب، ولاء وبراء حدّيَّين، استعدادًا للرفض الجذري وللقبول الجذري. لذلك ترتبط الحلول السياسية بالميزان العسكري؛ ما يجهض باستمرار إمكان نجاح كل تفاوض، وهو ما نعيشه باستمرار في المفاوضات المتعلقة بالوضع في سورية وفي «غرب كردستان» التي خاضت مفاوضاتها الخاصة بين قوة سياسية ممثلة بالمجلس الكردي، وقوة عسكرية ممثلة بالاتحاد الديمقراطي.

من نافلة القول، إن البحث في فشل أي تفاوض يجمع ذهنيتين متناقضتين كالذهنية العسكرية والذهنية السياسية، فيجد العسكري منفعته في الحرب وحريته في السلاح. بينما يجد السياسي هذا افتراضًا من داخل علم السياسية في إدارة الصراع، منفعته في القوانين، وحريته في المؤسسات المدنية. لذلك سيحاول حزب الاتحاد الديمقراطي بجميع السبل الممكنة، أن يجر خصمه السياسي إلى دائرة العنف التي تمده بشرعية لا شرعية له خارجها. وإن ذهب المجلس الكردي إلى هذه الحرب بقواته المفترضة في «جنوب كردستان»، فإنه سيكون شريكًا في تدمير الشعب الكردي برمّته.

نظرًا لوجود المنطقة الكردية بين نيران المجموعات المدعومة تركيًّا من جهة، من مثل جماعة نور الدين الزنكي (التي انضمت مؤخّرًا إلى هيئة تحرير الشام/ فرع القاعدة السوري)، ولواء السلطان مراد، وغيرهما من المجموعات المنضوية تحت ما يطلق عليه درع الفرات، والنظام البعثي من جهة أخرى، ونظرًا لوجود «قوات حماية الشعب» في جبهتين؛ واحدة أميركية على أطراف الرقة، وأخرى كردية في محيط المدن الكردية، فإن الخيارات تزداد تعقيدًا أمام المجلس الكردي والشعب الكردي في «غرب كردستان». وبما أنّ الاقتتال الذي حدث في شنكال بين قوات تابعة للطرفين في 3 آذار/ مارس 2017، وترجمت تداعياته مباشرة إلى فتح جبهة داخلية ضد المجلس الكردي، عبر قضية الترخيص بالعمل السياسي لهذه الأحزاب، فإن ذلك يمثّل فرصة جوهرية للمجلس الكردي وللجماهير الكردية في سورية لإعادة تأسيس كيان سياسي وعسكري كردي حقيقي بالآتي:

  • تحويل قضية الترخيص الإداري للأحزاب الكردية إلى قضية شرعية الجهة التي تطالب بالترخيص، فمن رَخّصَ وجودها حتى تطالب الآخرين بالترخيص؟ وكيف نؤسّس مؤسسات شرعية تكون قادرة على التواصل مع المؤسسات الدولية الحقوقية على أقل تقدير؟
  • تعزيز النضال المدني ضد هذه الإدارة، ورفض محاولاتها جميعها لعسكرة الصراع السياسي معها، والاعتماد في هذا النضال على الجاليات الكردية في أوروبا؛ نظرًا لعبثية مواجهة هذا النظام في «كردستان سورية» المحاصرة بالعصابات. حتى وإن كان أثره محدودًا؛ نظرًا لسهولة تحويل الجبهة الداخلية إلى صراع عسكري. وهو ما تتمناه هذه الإدارة، وتجيد التعامل معه.
  • بناء مؤسسة سياسية مشتركة بين المجلس الكردي والمثقفين الكرد المستقلين، للتحضير لمرحلة ما بعد «داعش».
  • خروج المجلس الكردي من الائتلاف السوري المعارض، مع بقائه جزءًا من المعارضة الوطنية السورية، ومشاركته بصفته طرفًا سياسيًّا كرديًّا في المفاوضات التي تديرها الأمم المتحدة. على أن تكون هيئة التفاوض مشتركة بين المجلس والشخصيات الثقافية الكردية؛ إذ يمثّل الائتلاف السوري في الشارع الكردي امتدادًا للسياسية التركية التي برمجها أردوغان لتكون مناهضة للكرد. لذلك سيمثّل الخروج من البوتقة التركية أساسًا لثقة الكرد بالجسم السياسي الجديد. من دون ذلك، سيبقى كل جسم كردي تحت مظلة «الائتلاف الترك-سوري» هشًّا وغير قادرٍ على التحرك في الشارع الكردي، ومواجهة خصمه في إدارة شمالي سورية.
  • البحث عن قيادات وطنية عقلانية بين «قوات حماية الشعب YPG»، وهي موجودة بالفعل، غير أننا نتحفظ على ذكرهم حفظًا لسلامتهم الشخصية، والتنسيق معها لتحرير هذه القوات من عقائديتها وتحويلها إلى قوة وطنية، ودمج قوات «بيشمركة روج آفا» بها، وإيجاد اسم بديل يشملهما. قد يكون هذا الأمر طوباويًا، غير أن الطوباوية الممكنة لم تنفصل يومًا عن تاريخ التحرر. وفي التعقيدات الآنفة وتناقضاتها الحادة. ما من سبل كثيرة متاحة لإنقاذ الناس من التداعيات الكارثية التي تتسبب فيها سياسة الأحزاب الكردية العسكرية.

وعلى الرغم من ترهل الذهنية السياسية الفاعلة داخل الأحزاب الكردية السورية، وغياب جدوى اللغة التي تقدم بها القضية الكردية في المحفلين الدولي والمحلي، إلا أنها تبقى مع ذلك منفتحة على الحلول السياسية. مع ضرورة تغيير قيادتها الحالية التي تفتقر إلى القدرات التفاوضية والمعرفة السياسية واللغوية لإدارة الصراع مع إدارة شمال سورية وخلافاتها الجوهرية مع الائتلاف السوري.

الشعب الكردي شانه شأن غيره من شعوب المنطقة، ضحية -وحسب- للصراع الذي تديره القوى التقليدية السياسية والدينية في المنطقة. يتوقف دوره على تقديم أبنائه قرابين للسياسات التي تنفّذ باسمه، ولأجل طبقة أوليغارشية تُديم الصراع، وتتغذى به.

 

أحيرًا، ليست الحرب مجالًا للحريات، والتاريخ السياسي البشري يؤكد على القيمة العسكرية في القضاء على الحقوق السياسية وعلى الحياة الكريمة التي أساسها العدل الاجتماعي.

ولا يُبجَّل العنف إلا في المجتمعات غير السوية، فإن كانت هذه السنوات كلها من النضال الكردي، والقرابين التي لم تتوقف من أبنائنا طلبًا للحرية والكرامة الإنسانيتين؛ فعلينا إذًا، أن نختار سبيلنا بكل وضوح، عبر قيم ورموز إنسانية توفرها من دون شك شرعية الحقوق التي تمثل القضية الكردية، وتتمثل فيها.

([1]) http://www.hawarnews.com/pyd-لا-حرية-للشعب-الكردي-وعموم-شعوب-الشرق/

([2]) http://pydrojava.com/النظام-الداخلي/

([3] )http://www.arab-reform.net/ar/node/1023