عنوان المادة الأصلي باللغة الإنكليزية | The Legal Analysis of Russia’s involvement in the Syrian Conflict |
اسم الكاتب | إيما كابرول Emma Cabrol |
مصدر المادة الأصلي | مركز حرمون للدراسات المعاصرة |
رابط المادة | https://harmoon.org/en/archives/7233 |
تاريخ النشر | 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 |
المترجم | أنس عيسى |
المحتويات
ثانيًا: أسباب التحالف والتدخلات
ثالثًا: المساعدة العسكرية المباشرة وغير المباشرة
رابعًا: التأثير في حصيلة الصراع
مقدمة
تشارك القوى العالمية الكبرى في الصراع السوري، وغدا مصطلح “الحرب بالشراكة” مرادفًا لطبيعة القتال في البلاد. وعلى الرغم من الطابع غير الدولي للصراع السوري، يشارك فيه بنشاط عدد من دول الطرف الثالث، سواء بدعم أفعال تهدف إلى مساندة أطراف الصراع المسلح (شراكات)، أو بتحالفاتٍ سياسية وعسكرية نشطة مع الحكومة السورية أو غيرها من الجماعات المسلحة.
كان لشراكاتٍ كتلك تأثيرٌ كبير في نتائج الصراع، من مثل زيادة عدد الضحايا المدنيين ونتائج العمليات الفردية، ولكنّ بإمكانها أيضًا أن تغير من حصيلة الصراع ([1]). للحرب بالشراكة أشكال وصيغ عدّة، كتحالفات متعددة الدول، ودعم دول منفردة لدولة أخرى، ودعم دول لجماعات مسلحة غير حكومية.
خلال الصراع السوري، كانت أكثر الشراكات أهميةً محوريةً، بخصوص كلّ من الصراع ونتائجه المحتملة، تتمثّل في التحالف الروسي السافر مع نظام بشار الأسد المتهالك. إنّ روسيا عضو دائم في مجلس الأمن؛ ولذلك تقع على عاتقها مسؤولية تعزيز القانون الدولي والدفاع عنه. ولكنّ روسيا تدعم نظامًا يرتكب باستمرار جرائم حرب فظيعة وجرائم ضدّ الإنسانية، إضافةً إلى ارتكاب روسيا نفسها جرائم خطرة، بمثل قتل مدنيين أبرياء في ضربات جوية، خلال شهري شباط/ فبراير وتشرين الثاني/ نوفمبر 2016، استهدفت عددًا من المستشفيات ومدرسة في حلب ودمرتها ([2]). ولذلك، من الضروري أن نطرح سؤال قانونية التدخل الروسي إلى جانب نظام الأسد.
أولًا: الحرب بالشراكة
بادئ ذي بدء، من الجوهري استيعاب نتائج الشراكات في أثناء الحرب. اقترحت دراسة نوعية شاملة أجراها “إبراهيم البدوي” و”نيكولاس سامبانيس”، ازدياد أمد الحروب الأهلية التي تدخلت فيها قوى خارجية ([3]). وعلاوةً على ذلك، يُظن أنّ الدول المشاركة في الصراع بالشراكات أقلّ عرضة للاهتمام بنتائج تدخلها على صعيد الخسارات البشرية المدنية؛ نظرًا إلى كون السكان المستهدفين منتمين إلى بلد آخر ([4]). في الحالات معظمها، تُركّز الدول التي تتدخل في صراعات خارجية، على أهدافها الجيوسياسية الخاصة، وتظهر قليلًا من التعاطف مع معاناة السكان المحليين. إضافةً إلى أنّ الشراكات تُعد من الجهد الرامي إلى مساءلة الأطراف عن خروق القانون الدولي، نظرًا إلى ازدياد صعوبة تحديد المسؤولية بالنسبة إلى الطرف مرتكب الاعتداء. يرى مستشارون قانونيون من اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنّه نتيجة لما ذُكر سابقًا، قد تشعر الأطراف المشاركة بالشراكة في صراع ما أنّها أقلّ تقييدًا من القانون الدولي لإدراكها صعوبة تحديد المسؤولية ([5]). ترى “آندريا بريسلين” أنّ الفشل في ضمان احترام القانون الدولي الإنساني في الصراعات قد يقود إلى “تصعيد للعنف”، الأمر الذي يهدد السلام في المنطقة، ولكنّه يؤثر أيضًا في دول ثالثة ذات المصالح في الصراع وموجودة في المنطقة عمومًا ([6]). لذلك من الواضح أنّ الفشل في منع انتهاكات القانون الدولي الإنساني سيبقى يمثّل تهديدًا للسلام الدولي والأمن. مع ذلك، لقد نوقشت، بصورة مقنعة، مسألة تحميل الأطراف الخارجية مسؤولية الجرائم التي يرتكبها شركاؤهم المشاركين في الصراع بشكل مباشر ([7]).
ثانيًا: أسباب التحالف والتدخلات
إذا كان الأمر كذلك، فمن الضروري تقويم الإسهامات الروسية في آلة حرب الأسد. بدأت روسيا حملتها الجوية في أيلول/ سبتمبر 2015([8])، بعد تمرير مجلس الأمن لقرار “2249” الذي يسمح لأعضائه باتخاذ خطوات عسكرية أحادية الجانب بهدف القضاء على تنظيم “داعش”([9]). ولذلك، استخدمت موسكو محاربة الإرهاب ذريعة لتسويغ تدخلها العسكري، لتخفي بذلك أهدافها الحقيقية في سورية. تظهر الأدلة أنّه بعيدًا عن استهداف “داعش”، كانت الضربات الجوية الروسية تستهدف بصورة منهجية قوات المعارضة التي كانت تحارب كلًّا من نظام الأسد والمنظمات الإرهابية ([10]). استهدفت أولى الضربات الجوية الروسية، في أيلول/ سبتمبر 2015، منطقة واقعة تحت سيطرة المعارضة تبعد أكثر من 49 كيلو مترًا عن المنطقة الرئيسة التي كانت تتحكم بها “داعش” في ذلك الوقت ([11]). حاولت موسكو تسويغ ضرباتها الجوية الشنيعة بادعائها استهداف منظمات إرهابية أخرى. مع ذلك، فإنّ 90 في المئة من الضربات الجوية الروسية خلال الأسبوع الأول من حملتها استهدفت مناطق تتحكم بها المعارضة عوضًا عن استهداف أراض تحت سيطرة “داعش” أو “جبهة النصرة”([12]). لذلك، من الواضح، كما قال “هوغو سبولدينغ”، بأنّ “بوتين قد اختلق رواية كاذبة عن “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ليُخفي مقاصده الحقيقية وراء تَدخل روسيا في سورية، وهو يستخدم هذه الرواية الآن ليتلاعب بالمجتمع الدولي”([13]).”
من ناحيةٍ أخرى، عدت روسيا أنّها استجابت لدعوة الأسد في التدخل، لتحترم بذلك مفهوم “التدخل بناء على دعوة ([14])“. يسمح المفهوم السابق لقوات عسكرية أجنبية بتحقيق السلام في البلد المادّ للدعوة، ولكنّه لا يتغاضى عن “استخدام القوة ضدّ وحدة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأيّ دولة كانت”، ما يُعدّ انتهاكًا محظورًا بموجب ميثاق الأمم المتحدة في مادته رقم 2 (4) ([15]). ومن ثم، من الممكن القول إنّ التدخل الروسي، وفقًا لمبدأ الدعوة، قانوني بالكامل استنادًا إلى القانون الدولي. مع ذلك، كما رأينا في قضية نيكاراغوا ضدّ الولايات المتحدة الأميركية في محكمة العدل الدولية، تكون الدعوة صالحة فقط في حال افتراض الحكومة جسدًا شرعيًا للسلطة ضدّ قوات المعارضة السياسية والعسكرية ([16]). في الحالة السورية، تعترف أغلبية واسعة من المجتمع الدولي “بائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية” ممثلًا شرعيًا للشعب السوري ([17]). ولذلك، ليس الأسد في المكان الذي يخوّله دعوة بلدانٍ إلى التدخل في الصراع، نظرًا إلى أن نظامه غير شرعي. في ضوء ما سبق، فإنّ الاستخدام الروسي للقوة في سورية هو استخدام غير ملائم لمفهوم “التدخل بناء على دعوة” ويجب إعلانه غير قانوني بموجب القانون الدولي.
ولتسليط الضوء على ازدواجية موسكو، قبل تَدخلها في أيلول/ سبتمبر 2015، قام الكريملين بتحريف القانون الدولي بقوله، إنّ التحالف الغربي ضدّ “داعش”، الذي كان ينفذ ضربات في سورية في ذلك الوقت، كان يخرق القانون الدولي لعدم تلقيه دعوة بالتدخل من الأسد، الذي كانت موسكو تعدّه السلطة الشرعية في سورية ([18]). يُمثّل ذلك برهانًا إضافيًا على قدرة بوتين على التلاعب بذكاء بالقانون الدولي والمفهومات القانونية، مستخدمًا أفعال خصومه تسويغًا وتمهيدًا لمتابعة تحقيق أهدافه الجيوستراتيجية الخاصة.
ثالثًا: المساعدة العسكرية المباشرة وغير المباشرة
عندما يُحلّل شخص ما واقع التدخل الروسي، عليه أن يطبّق القانون الإنساني الدولي. إنّ احترام القانون الإنساني الدولي إجباري على الدول كلها، وفقًا للمادة 1 المشتركة بين اتفاقات جنيف كلها والقانون الإنساني الدولي الاعتيادي ([19]). علاوةً على ما سبق، في عام 2011، طالبت الأطراف المتعاقدة السامية بشأن اتفاق جنيف الرابع الأطراف المشاركة في الصراع كلها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة باحترام الاتفاقات ([20]). ويضيف بريسلين: “هنالك الآن إجماع واسع على أن ضمان احترام الاتفاقات يستلزم مسؤولية تتجاوز السلطة القضائية المحلية،” ما يدلّ على الأهمية غير المشروطة للامتثال للقانون الدولي الإنساني بغض النظر عن المشاركة غير المباشرة أو المباشرة في الصراع ([21]).
بتوجيهها إلى ضربات جوية، تقوم روسيا بدورٍ نشط في الصراع المسلح، ولذلك فهي ملزمة، وضوحًا، بالقانون الدولي الإنساني في أفعالها هناك. نظرًا إلى استهداف الضربات الجوية الروسية الروتينية مناطقَ مدنية، وتدميرها بنى تحتية مدنية كمستشفيات ومدارس، وكونها لا تستهدف بانتظام أراضيًا تحت سيطرة “داعش”، فإنّ أفعال روسيا تنتهك القانون الدولي الإنساني، ما يجعل دعمها العسكري المباشر لنظام الأسد غير قانوني بموجب التزاماتها الدولية ([22]).
ومن الممكن التأكد من عدم قانونية الدعم الروسي بطريق تفحص مداه وتأثيره. من الواضح للمراقبين بأنّ هذا الدعم قد حافظ على قدرات قوات الأسد القتالية وعززها بصورة فاعلة. ينصّ التعقيب المرافق لاتفاق جنيف الأولى على أنّ “في حالة العمليات متعددّة الجنسيات، فإنّ المادة المشتركة 1 تطلب من الأطراف المتعاقدة السامية تجنب عملية محددة إن كان هناك أيّ توقع، استنادًا إلى حقائق أو معرفة ماضية، أن تقوم بانتهاك الاتفاقات، كون ذلك يُشكّل معونة أو مساعدة في تلك الانتهاكات ([23]).” في حالة سورية، لقد أُثبت -بنسق مثير للقلق- إثبات ارتكاب نظام الأسد جرائم حرب شديدة وجرائم ضدّ الإنسانية منذ اندلاع أعمال العنف عام 2011. ووفقًا لمستشاري اللجنة الدولية للصليب الأحمر القانونيين، فإنّ تقديم المساعدة والعون لا يعني بالضرورة قيادة عمليات عسكرية بالنيابة عن الدولة المتهالكة، ولكنّه قد يأخذ صيغ تمويل وتقديم أسلحة وخدمات لوجيستية واستخباراتية للدولة المتورطة ([24]).
إضافةً إلى مشاركتها المباشرة في العمليات العسكرية في سورية، فإنّ روسيا تحقق تلك المعايير المتعلقة بتقديم المساعدة والعون جميعها. أنشأت روسيا قواعد قوات برية وجوية في سورية وحافظت عليها ([25])، وهي تؤدي “دورًا مهمًا في إعادة بناء سورية واستثمارها”، عبر قيامها بصفقات نفط وغيرها من اتفاقات البنى التحتية، مزودة بذلك الحكومة السورية بالدعم المالي الذي تحتاج إليه بشدة ([26]). علاوةً على ما سبق، وقعت موسكو ودمشق مؤخرًا على اتفاق للإبقاء على قواعدها الجوية في سورية مدة نصف قرن، الأمر الذي سيجعل الشراكة بين البلدين دائمة من نوعها ([27]). أعاد الأسد تحريك أجزاء مهمة من قوته الجوية إلى القواعد الروسية خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي، ليظهر بذلك التعاون العسكري شديد التقارب بين البلدين ([28])، ونقل بوتين أيضًا معدات جمع معلومات استخباراتية وأجهزة تنصت إلى سورية لتزويد نظام الأسد بمزيد من المعلومات الاستخباراتية الموثوقة والفاعلة بغرض استخدامها في تنفيذ مزيد من الاعتداءات على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة ([29]).
في ما يتعلق بالدعم العسكري القاتل، فلطالما أعادت موسكو تسليح دمشق بأحدث أجهزتها العسكرية الهجومية كعربة المشاة القتالية الروسية الجديدة، وغيرها من المدرعات المتقدمة والدرونات (طائرات بلا طيار) الحديثة المسلحة، إضافةً إلى الطيارات المقاتلة والمروحيات. أظهر ذلك الأثر غير المباشر لروسيا في قدرة نظام الأسد في الانتقال من العمليات العسكرية الدفاعية إلى الهجومية بنجاح مفاجئ ([30]). وفقًا “لأنتوني كوردسمان” فإنّ أسلحة الأسد معظمها روسية الصنع، وذلك منذ هيجان الصراع عام 2011، ويقول “كوردسمان”: “ساعد نقل الأسلحة الروسية إلى سورية في الإبقاء على نظام الأسد حيًا”، وبذلك فقد كان له تأثيرًا مباشرًا في تطور الصراع المحتمل ونتائجه ([31]). لكنّ معاهدة تجارة الأسلحة تحظر بحزم في مادتها رقم 7 (1): نقل أسلحة أو أيّ معدات عسكرية أخرى إن كانت تلك الأسلحة ستُستخدم في “ارتكاب انتهاك جسيم للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني أو تيسير ارتكابه ([32])“. مع أنّ الاتحاد الروسي لم يصادق على تلك المعاهدة، إلّا أنّها قد أنشئت من قبل جسم تابع للأمم المتحدة، وتضع معيارًا لقانون دولي يهدف إلى صون السلام والأمن الدوليين والسلوك الأخلاقي. بوصفها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن، على روسيا أن تكون مثالًا للمجتمع الدولي، وأن تحافظ على صون السلام والأمن الدوليين أولوية عليا لها. وبتزويدها نظام الأسد بالمدفعية وغيرها من المعدات العسكرية، فإنّ موسكو تتعمد الإسهام في انتهاكات قانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني، وبهذا فهي لا تحترم واجبها بوصفها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي، وبدعمها النظام السوري بتلك الطريقة، في الوقت الذي يستمر فيه الأخير بارتكاب فظاعات موثقة ضدّ شعبه، فإنّ روسيا مذنبة بكلّ وضوح في تقديم المساعدة والعون المنهجيين في ارتكاب الانتهاكات، ونتيجة لذلك فهي تخترق القانون الدولي الإنساني.
علاوةً على ما سبق، يزوّد بوتين الأسد بمنظومات الأسلحة التي تخدم حصريًا في حماية النظام الدمشقي، ولا علاقة لها بمكافحة الإرهاب. وعلى الرغم من حقيقة أنّ النظام السوري هو القوة البرية الوحيدة الممتلكة لسلاح جوي، حرك الكريملين معدات حربية جوية كرادارات وأنظمة صاروخية مضادة للطيران وطائرات حربية قوية إلى المسرح السوري. تهدف تلك الأسلحة كلها إلى وضع حدّ أمام هجمات جوية تشنّها أطراف معادية، أو إلى حماية المجال الجوي لأحد الأطراف. ولكن لا يمتلك أيّ طرف من المعارضة السورية أو الجماعات الإرهابية القدرة على تحريك قوات جوية أو إمكان توجيه ضربات جوية، ولذلك، من الواضح أنّ روسيا تمتلك أجندة خفية وراء استعمال تجهيزات جوية مماثلة؛ أجندة تسمح لها بالتحكم في النطاق الجوي السوري والحد من فاعلية المجتمع الدولي في التحرك ضدّ النظام ([33]).
رابعًا: التأثير في حصيلة الصراع
يرى كورسمان أنّ غرض الوجود الروسي في سورية ليس إلّا الإبقاء على حياة النظام الدمشقي والحد بقوة من إمكان انتصار المعارضة، وتلك هي الطريقة التي يؤثر بها الكريملين في حصيلة الأزمة ومستقبل الشعب السوري ([34]). ومن ناحية أخرى، يقول “ماركوس كايم” و”أوليفر تامينغا” إنّ التدخل العسكري في سورية يعقد الوضع، ما يصعب تحدي إيجاد تفاهم بين الأسد وجماعات المعارضة، ليزداد بالنتيجة عسر إيجاد حل والتوصّل إلى اتفاق سلام ([35]). صرّح وزير الخارجية البريطاني الأسبق، “فيليب هاموند”، في العام الماضي: “هنالك شخص واحد في هذا الكوكب يستطيع إنهاء الحرب الأهلية في سورية باتصال هاتفي، ذلك الشخص هو السيد بوتين ([36]).” وفي الواقع، قيل إنّه يجب لوم روسيا على تصاعد العنف في الجمهورية العربية السورية خلال السنوات القليلة الماضية ([37]). لقد اتضح أنّ روسيا تزود نظام الأسد بالأدوات التي تمكّنه من الاستمرار في ارتكاب الجرائم، ومن استعادة السيطرة، البطيئة ولكنّ الواثقة على الأراضي من قوات المعارضة بفضل تفوقه الجوي، ما قد يؤدي إلى خروج النظام منتصرًا من الصراع، وعودته إلى فرض سلطة كاملة على الشعب السوري على الرغم من الجرائم التي لا تحصى التي ارتكبها ضدّهم. يكشف لنا هذا الأثر الكبير لشراكة الأسد- بوتين في مستقبل سورية ومدنييها. يبدو أنّ تأثير بوتين في نتيجة الأزمة السورية سيكون كبيرًا جدًا درجة يمكن معها الإشارة إلى النظامين بوصفهما كيانًا واحدًا تقريبًا. في النتيجة، إضافة إلى غياب قانونية التدخل الروسي في سورية، من الواضح أنّ موسكو مسؤولة أيضًا عن جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية التي ارتكبها نظام الأسد في سورية.
خاتمة
هنالك فجوة واضحة بين الأهداف التي يدّعيها بوتين والأفعال التي يقوم بها في سورية، ويظهر هذا حقيقة تلاعب الكريملين بالقانون الدولي واسستخذامه ذرائع (من مثل محاربة داعش) للوصول إلى أهدافه الجيوسياسية الحالية، وإضفاء الشرعية السياسية على تدخله في سورية. يكشف لنا الوضع القائم أنّ روسيا لا تركز على إيجاد حلّ للأزمة ولا على محاربة الإرهاب، وإنّما على كسب النفوذ العسكري في منطقة الشرق الأوسط. إنّ تركيز روسيا على أهدافها الإستراتيجية الأنانية يعاكس القانون الدولي والهدف من شرعة الأمم المتحدة الذي ينصّ على وجوب أن تلتزم الدول الأعضاء جميعها بالإبقاء على صون السلام والأمن الدوليين في صلب غايات سياستها الخارجية ([38]).
ولذلك، من تسويغاتها لتدخلها ودعمها للنظام الدمشقي، تقوم روسيا بخروقات صارخة للقانون الدولي. على تلك الانتهاكات أن تحاكم وأن يُدان مرتكبوها. ولكن انسحاب روسيا من اتفاق روما العام الماضي يجعل من فتح ملف روسيا في المحكمة الجنائية الدولة أمرًا مستحيلًا، إلّا عبر إحالة من مجلس الأمن ([39])، الأمر الذي يعدّ غير واقعي بسبب الحقوق الممنوحة لأعضاء المجلس الدائمين، إذ ستمارس روسيا حقها في النقض لإيقاف أي إحالة لسياستها الخارجية. لسوء الحظ، ليست هذه المرة الأولى التي تتصرف فيها روسيا بشكل مخالف للقانون الدولي (كما حصل خلال الحرب الروسية –الجورجية عام 2008، وخلال ضمّ شبه جزيرة القرم في 2014)، ولا المرة الأولى التي يجري فيها ذكر فتح محكمة دولية لروسيا ([40])، ومع ذلك، لطالما انتهكت روسيا، وحرّفت أحكام القانون الدولي لمصلحتها الخاصة، وحصنت نفسها بفاعلية من أيدي العدالة. لربما يؤكّد ذلك من جديد الظن السائد في نطاق واسع بأنّ القانون الدولي لا يخدم إلّا مصلحة الدول القوية في العالم، ولا يُنفَّذ إلّا عندما تقرر تلك الدول تنفيذه ([41]).
([1]) دروج، سي. وتاك، د. (2017). القتال مع بعض: التزامات وفرص الحرب بالشراكة- القانون الإنساني والسياسة. (على الإنترنت) القانون الإنساني والسياسة. متوافر على الرابط:
(جرى التصفح في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017).
([2]) سبنسر، ر. (2017). أطباء بلا حدود- دعمت مستشفى دُمِّر في سورية بوساطة الضربات الجوية الروسية. (على الإنترنت) الديلي تيليغراف. متوافر على الرابط:
(جرى التصفح في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2017). شاهين، ك. غراهم- هاريسون، ي. وشولو، م. (2017). آخر مستشفى في الجزء الشرقي لحلب يتعرض للتدمير بغارة جوية. (على الإنترنت) ذا غارديان. متوافر على الرابط:
https://www.theguardian.com/world/2016/nov/19/aleppo-hospitals-knocked-out-airstrikes
(جرى التصفح في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2017).
([3]) البدوي ي. وسامبانيس ن. (2000)، التدخلات الخارجية ومدة الحروب الأهلية، مجموعة بحث البنك الدولي للتنمية الإقتصادية (DECRG)، مؤتمر حو “اقتصاد وسياسات الصراعات الأهلة”، جامعة برنستون، متوافر على:
https://www.peacepalacelibrary.nl/ebooks/files/373430892.pdf
([6]) بريسلين أ. (2015)، تفكير حول الواجب القانوني لدولة طرف ثالث لضمان احترام القانون الدولي الإنساني، جريدة Conflict & security Law منشورات جامعة أوكسفورد، العدد 22 رقم 1 ص5.
([8]) إد باين، سي. (2017) روسيا تطلق أول ضربة صاروخية في سورية- CNNPolitics. (على الإنترنت). متوافر على الرابط:
http://edition.cnn.com/2015/09/30/politics/russia-syria-airstrikes-isis/index.html
(جرى التصفح في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2017).
([9]) الأمم المتحدة (2017). مجلس الأمن يدين بشكل قاطع هجمات داعش الإرهابية، متبنيًا بالإجماع النص الذي يحدد الجماعات المتشددة التي تطرح تهديدًا “غير مسبوق. تغطية لقاءات وتارير صحفية. (على الإنترنت) متوافر على:
https://www.un.org/press/en/2015/sc12132.doc.htm
(جرى التصفح في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2017).
([10]) كاساغراند، ج. (2016) خريطة الضربات الجوية الروسية في سورية، معهد دراسة احرب، محلل بحث سورية، متوافر على:
([11]) سبولدينغ ه. (2015)، رواية سورية الكاذبة عن داعش في سورية، معهد دراسة الحرب، ص2.
([12]) المرجع السابق رقم (11)، ص3.
([13]) المرجع السابق رقم (11)، ص1.
([14]) فيسر، ل. (2017). تدخل روسيا في سورية. (على الإنترنت) متوافر على الرابط:
https://www.ejiltalk.org/russias-intervention-in-syria/
(جرى التصفح في 1 تشرين الثان/ نوفمبر 2017).
([15]) ميثاق الأمم المتحدة (1945)، المادة 2(4)، سان فرانسيسكو.
([16]) القضية المتعلقة بالنشاطات العسكرية وشبه العسكرية في وضد نيكاراغوا (1986)، نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة الأميركية، ICJ, § 246
([17]) رابع لقاء وزاري لمجموعة أصدقاء الشعب السوري (2012)، استنتاجات الرئيس، مراكش
([18]) أوليفانت، ر. (2017): سينضم فلاديمير بوتين إلى تحالف الضربات الجوية ضد داعش إن وافق الأسد. (على الإنترنت) ديلي تيلغراف، الرابط:
(جرى التصفح في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017).
([19]) انظر إلى المادة المشتركة 1 لاتفاقات جنيف والقانون الإنساني الدولي العرفي.
([20]) مؤتمر الأطراف المتعاقدة السامية لاتفاق جنيف الرابعة (2001)، التصريح 4 و17.
([21]) المرجع السابق رقم (6)، ص37.
([22]) انظر إلى البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقات جنيف (1949) والقانون الدولي الإنساني العرفي.
([23]) المعاهدة الأولى لتحسين ظروف جرحى ومرضى القوات المسلحة في الميدان. جنيف، (1949). تعليق عام 2016، المادة 1: احترام المعاهدة، § 161.
([24]) دروج، سي. وتاك، د. (2017)، القاتال مع بعض والقانون الدولي الإنساني، ضمان احترام القانون وتفحص مسؤولية الانتهاكات (2/2) – القانون الإنساني والسياسة. (على الإنترنت) Humanitarian Law & Policy. متوافر على:
(جرى التصفح في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017).
([25]) ميركوريس، أ. (2017). القواعد العسكرية الروسية في سورية. (على الإنترنت)، رابط:
http://theduran.com/russias-bases-syria/
(جرى التصفح في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017).
([26]) كالكوتاوالا، ز. (2017). بينما يحتدم الصراع، روسيا تعقد صفقات نفط في سورية، OilPrice.com. (على الإنترنت) رابط:
https://oilprice.com/Energy/Energy-General/As-Conflict-Rages-On-Russia-Lands-Oil-Deals-In-Syria.html
(جرى التصفح في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017).
([27]) أوسبورن، س. (2017). بوتين يوقع اتفاقًا لإبقاء القاعدة في سورية مدة نصف قرن. (على الإنترنت) ذا إنديبندنت. رابط
(جرى التصفح في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017).
([28]) براون، ر. (2017). مسؤولو الولايات المتحدة: سورية تحرك طائرات للقاعدة الروسية. (على الإنترنت) CNN. رابط:
http://edition.cnn.com/2017/04/19/politics/syria-warplanes-russia-base/index.html
(جرى التصفح في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017).
([29]) الإكونوميست (2017). لماذا روسيا حليفة الأسد. (على الإنترنت). رابط:
https://www.economist.com/blogs/economist-explains/2015/09/economist-explains-22
(جرى التصفح في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017).
([30])براون، د. (2017) 13 صورة من “المدمرة”، العربة القتالية المدرعة التي أرسلتها روسيا إلى سورية. (على الإنترنت). بيزنس إنسايدر، رابط:
(جرى التصفح في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017)؛ أنتونوفا، م. (2017). ما هي الأسلحة التي ترسلها روسيا إلى سورية؟ (على الإنترنت). رابط:
https://www.timesofisrael.com/what-weapons-is-russia-sending-syria/
(تم التصفح في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017).
([31]) كورديسمان، أ. ه. (2015). روسيا في سورية: حرب سياسية هجينة، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، واشنطن.
([32]) مكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، معاهدة تجارة الأسلحة (2014)، المادة 7 (1).
([33]) كايم م. وتامينغا و. (2015)، التدخل العسكري الروسي في سورية: خطته العملياتية وأهدافه ونتائجه على سياسات الغرب، المعهد الألمان للشؤون الدولية والأمنية، ص4.
([34]) المرجع السابق رقم (31).
([35]) المرجع السابق رقم (33) ص.2.
([36]) عيسى، ب. (2017). 5 طق غيرت فيها الحرب الأهلية السورية العالم. (على الإنترنت): ذا اندبندنت. رابط:
(جرى التصفح في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017).
([37]) المرجع السابق رقم (36).
([38]) ميثاق الأمم المتحدة (1945)، المادة 1.
([39]) الجزيرة (2017). روسيا تنسحب من المحكمة الدولية الجنائية. (على الإنترنت) رابط:
http://www.aljazeera.com/news/2016/11/russia-pulls-international-criminal-court-161116132007359.html
(جرى التصفح في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017).
([40]) ديردن، ل. (2017). روسيا تنسحب من المحكمة الدولية الجنائية. (على الإنترنت) ذا اندبندنت. رابط:
(جرى التصفح في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017).
([41]) ميرشايمر، ج. (1995). الوعد الخاطئ للمؤسسات الدولية. International Security، 19(3) ، 5-49.