كان مصير الإنسان منذ نشأته محكومًا بسلسلة من الداروينيات. لكلّ منها شروط تفرضها عوامل متعددة؛ بيولوجية، اجتماعية ونفسية ثقافية، ترتبط بإرادة الإنسان. وهذا ما آلت إليه داروينية مجتمع المعرفة، حيث البقاء فيه “للأعقل” القادر على تنمية قدراته الذهنية، وتوظيف المعرفة لتحقيق غاياته وحل مشكلاته. وتمضي سلسلة الداروينيات ليصبح البقاء من نصيب “الأكثر إبداعا” القادر على ابتكار معارف جديدة أو إعادة صياغة معارف قديمة في أشكال مبتكرة. وكثيرًا ما يكون الإبداع، في عصر المعلومات، وليد إعادة تنظيم المعلومات وتوظيفها بصورة مبتكرة. هذه النزعة الابتكارية ذات التمركز المعلوماتي فتحت الباب واسعًا أمام ممارسة الإبداع بصورةٍ لم تعهدها البشرية من قبل، بعد أن أتاحت شبكة الإنترنت فرصًا لا حدود لها، لإقامة حوار خلاّق بين الإنسان والحجم الكبير من المعلومات المتنوعة دائمة التجدد.
تلك هي داروينية مجتمع المعرفة التي تفوق في ضراوتها كل ما سبقها. وهي تستدعي، من جهة، إعداد الفرد ذهنيًا وبدنيًا منذ طفولته المبكرة حتى الشيخوخة، في مختلف مراحل التعليم، وتستدعي، من جهة أخرى، إعداد المجتمع لكي يصبح قادرًا -بالتربية- على أن يصنع من عقول أفراده عقلًا جمعيًا يفوق عقول أفراده، إن هي عملت منفردة.
مجتمع المعرفة
صنعت تكنولوجيا المعلومات مجتمعًا جديدًا مختلفًا عمّا سبقه، حيث إن معرفة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بما توفره من تغذية راجعة، تعمل باستمرار على خلق علاقات تبادلية فعالة، تتخذ طابعًا جدليًا تفاعليًا؛ “فكلّما رهفت التكنولوجيا وتسامت، كما هي الحال في تكنولوجيا المعلومات، زادت قدرتها على التغلغل في كيان المجتمع الإنساني، ومن ثم زادت قدرتها على تشكيله وإعادة بنائه”[1].
وتجدر الإشارة هنا إلى أهمية شبكة الإنترنت، التي تشكل ميدانًا لتفاعل العقول الفردية، في تكوين العقل الجمعي.
التطور التكنولوجي المستمر: خرجت التكنولوجيا من قمقمها، ولم يعد بالإمكان وقف جماح تطورها، حيث اكتسبت قدرة كبيرة على التوليد الذاتي. عندما تبلغ التكنولوجيا مستوًى ما، تجعل منه منصة نحو آفاق أعلى من التطور. على الإنسان أن يتوافق مع استمرار هذا التطور، وأن يقبل بعض آثاره السلبية.
ثلاثية تكنولوجية: التكنولوجيا البيولوجية والتكنولوجيا النانوية وتكنولوجيا المعلومات، هذه الثلاثية، لكل منها قوة إنجاز هائلة، غير أن مصدر قوتها الأكثر خطورة يكمن في تلك القدرة التضاعفية الهائلة الناجمة عن تفاعلها واندماجها[2].
لقد أصبحنا تحت سيطرة تكنولوجيا جبّارة خرجت عن سيطرتنا. لا يمكن أن نقول لا للتكنولوجيا البيولوجية الواعدة في توفير الغذاء والدواء، وفي إعادة بناء الأنسجة من الخلايا الجذعية، وإنتاج قطع الغيار البشرية. لكن كيف يمكن تجاهل تمكن الفيروسات والميكروبات المولدة صناعيًا من الخروج من أسوار المعامل والمختبرات لتأتي على كل شيء!
من الصعب رفض التكنولوجيا النانوية الواعدة بمواد جديدة، لتعويض المواد الطبيعية ومصادر بديلة للطاقة. لكن لا نستطيع أن نتجاهل إمكانية أن تصنع هذه التقنية أسلحة نانوية تفوق في قدرتها كلّ ما سبق وعرفناه من أنواع أسلحة الدمار الشامل. ولا يمكننا أن نرفض تكنولوجيا المعلومات التي تتيح لنا تعليمًا أفضل وتواصلًا أيسر وإنتاجية أوفر وقدرة أكبر على مواجهة ظواهر المجتمع الإنساني. لكن في المقابل ماذا سيحدث لو دمّرت هذه النظم الحيوية بفعل فيروسات التدمير الرقمي؟
الموقف السلطوي من التكنولوجيا
ما يميز السلطة، في سورية وفي معظم المجتمعات العربية، التبعية التكنولوجية. حيث تتميز السلطة بتبعية تكنولوجية مترسخة، إذ يتركز اهتمام السلطة على تكنولوجيا المراقبة لخدمة الأجهزة الأمنية لإحصاء أنفاس المواطنين، من دون الاهتمام في تسهيل الخدمات والحياة في مجالاتها المختلفة. هذه هي الحال بالنسبة إلى التكنولوجيا التقليدية، أما التكنولوجيا المتقدّمة، فكأنها شيء لا يخصّنا. وتأخذ المسألة أبعادًا خطيرة، إذا علمنا أن البرمجيات التعليمية – الترفيهية سوف تصبح سوقًا كبرى، في ضوء تطور التوجه نحو التعلّم الذاتي والتعلّم المستمر.
يُعدّ العقل الجمعي الركيزة الأساسية لمجتمع المعرفة، من خلال إشاعة المعرفة وحرية التعبير ومشاركة الجميع في مجتمع مفتوح، يُفضي إلى بناء مجتمع ديمقراطي خطوة خطوة، ولا يمكن أن يتحقق مجتمع المعرفة في ظل الاستبداد.
يكبر الأمل، بعد ثورات الربيع العربي، في نمو فكر ثقافي يلبّي متطلبات مجتمع المعرفة، يحطّم القوالب الجامدة ويفكّر خارج الصندوق. وهذا يوجب على المثقفين تحمّل المسؤولية، إذ يجب على المثقف أن يتمسك بدوره المصيري، وألا يُخلي الساحة لمفكري السلطة، لكي يجهزوا على الإرادة الجماهيرية في إحداث النقلة النوعية للحاق بعالم العصر وبركب مجتمع المعرفة.
أهمية المعرفة في عالمنا المعاصر
لقد جعلت تكنولوجيا المعلومات سؤال المعرفة أكثر إلحاحًا، لأن مجتمع المعرفة وليد هذه التكنولوجيا. أدت تكنولوجيا المعلومات إلى تضخم المعرفة وتداخل فروعها وتشعبها، بصورة جعلت المعرفة إشكالية معقدة، لقد أصبح المجتمع الإنساني صنيعة نظام التواصل، قبل أن يكون وليد نظمه السياسية أو الاقتصادية. ويستدعي التواصل الفعال قدرًا عاليًا من الشفافية التي تعني توافر المعلومات الدقيقة عمّا هو قائم، وتعني أيضًا استخلاص المعرفة الصافية، من ركام المعلومات الحاملة لها، فكما يمكن أن تضيع الحكمة في خضم المعرفة، يمكن للمعرفة بدورها أن تضيع في خضم المعلومات. فالمعرفة هي التي تحقق التواصل بين أفراد المجتمع، من خلال قبولهم بحقائقها واتفاقهم على معانيها ومشاركتهم في إنتاجها.
المعرفة والنمو
إضافة إلى دور المعرفة، كأداة في التواصل، فهي أداة أيضًا لكل أشكال النمو، نمو الطفل ذهنيًا ووجدانيًا، ونمو المجتمع بأسره، اقتصاديًا وثقافيًا وتربويًا. لقد أصبحت المعرفة والثقافة محور منظومة التنمية في مجتمع المعرفة، كما أصبحت التربية مرادفة للتنمية، وأصبحت المعرفة من أهمّ الموارد الاقتصادية، مما جعل مؤسسات المعرفة قائدة ركب الاقتصاد الجديد. وخير دليل على ذلك أن شركات البرمجيات، حديثة العهد، فاقت في قيمتها المؤسسات الضخمة وليدة عصر الصناعة، وإن صناعة الدواء، وما تحتاج إليه من بحوث علمية، باتت تفوق ما عداها ربحية.
إلا أن المعرفة تتعرّض لسوء الاستخدام وسوء التوزيع، باعتبارها شأنًا نخبويًا تقوم بها نخبة من أصحاب العقول لمصلحة نخب من أصحاب السلطة والمال، حيث يتم إقصاء الغالبية العظمى من المشاركة في إنتاج المعرفة، وقد حُرم كثيرون من أن ينعموا بثمارها. يتوقف مصير المجتمع الإنساني على قدرته على توجيه مسيرة المعرفة وتطورها، وعلى مواجهة نزعات احتكار إنتاجها والتحكم في توزيعها وفي طرق استغلالها.
استمرار نمو المعرفة
سيظل العقل الإنساني ينشد المزيد من المعرفة، فإنتاج المعرفة حلقات تتوالى، تبدأ بالبحث عن حلّ لمشكلة ما، وتنتهي باكتشاف مشكلات مستجدة. فأي إنجاز علمي يحمل بذور تصويبه بما يستوجب استمرار التنقيح والتصويب، مما يضمن حقّ الأجيال المتعاقبة في إنتاج المعرفة من خلال تحديثها وتصويبها باستمرار.
ولا مفرّ من مواجهة الانفجار المعرفي الآخذ في التزايد، حيث أصبحت عملية احتوائه أقسى التحديات التي تواجه الإنسان المعاصر. نجد أنفسنا أمام طوفان معلوماتي وقحط معرفي، لقد فتح الإنترنت بوابات الفيضان، وانهارت السدود أمام تيار المعلومات الجارف. اعتقدنا في البداية أن هذه الشبكة سوف توفر المعرفة وتجعلها في متناول الجميع، لكن هذا الاعتقاد تبدد عندما اتضح أن ما تقوم به الشبكة هو نشر المعلومات، لا إشاعة المعرفة. لقد كانت المشكلة فيما مضى هي قلّة المعلومات، أما الآن فإن المشكلة هي الإفراط في توفر المعلومات، فهل يستطيع عقل الإنسان أن يستخلص المعرفة من هذا الكم الهائل من المعلومات، وأن يستخدم هذه المعرفة في حلّ مشكلاته وترشيد قراراته؟
أهمية المعرفة في مجتمعاتنا
يحتاج مجتمعنا، أكثر من غيره، إلى المعرفة، فهي وحدها الكفيلة بإخراجنا من المأزق الحالي، وهي سلاحنا لترسيخ التفكير العلمي وتبديد التفكير الخرافي، وهي أهمّ ما يمكن أن نملك لاستئناف مسار النهضة، وتثبيت الوجود والمشاركة في تقدّم المعرفة وفي ارتقاء الحضارة الإنسانية، إضافة إلى أن المعرفة وسيلة لتسريع حركة التنمية والخروج من حالة التخلف، وهي ضرورة في مواجهة التضليل الإعلامي وعدم الشفافية التي تستخدمها السلطة، في مواجهة المجتمع ومطالبه بالحقوق الأساسية للبشر.
يجب التنبّه إلى استخدام مراكز البحوث الغربية أسلحة المعرفة ضد شعوبنا، حيث أصبحنا لقمة سائغة أمام هذه القوى اللينة التي تخترق مجتمعاتنا، عبر تشققاتها وتناقضاتها. في ضوء التصحر المعرفي الذي نعانيه، حيث نحتل ذيول قوائم مؤشرات إنتاج المعرفة المتعلقة بالنشر العلمي والإنتاج الإبداعي وتأليف الكتب ومعدلات قراءتها، وتسجيل براءات الاختراع واستخدامها في الإنتاج والتطوير.
ومما يزيد من مشكلة التصحر المعرفي، ما يجري حاليًا من تجريف التربة الأكاديمية عبر انتشارالجامعات الخاصة التي تجتذب أفضل الخبرات، مستغلة تدني الأجور في الجامعات العامة، إضافة إلى هجرة العقول الأمر الذي أخذ بعدًا دراماتيكيًا، بعد الثورة السورية وبعد احتلال العراق، وهو أمر يشكّل خطرًا حقيقيًا على مستقبل المؤسسات الأكاديمية التي يجب أن تبقى مرتبطة بالمجتمع، تتفاعل مع مشكلاته وتلبّي طموحاته.
كيف يمكن تفسير أسباب هذا العقم المعرفي؟ ربّما كان موقف الفقهاء وردة فعلهم السلبية إزاء الفلسفة والعلم القادم من الغرب يفسّر ذلك، إضافة إلى مظاهر العداء للفلسفة عبر التاريخ، وهي ما زالت مستمرة في حياتنا الفكرية، لا بدّ من الاستفادة من درس الكنيسة التي تصالحت مع ضحاياها من العلماء والفلاسفة، وعملت على التوافق مع التغيرات العلمية والفلسفية، مما مكنها من البقاء وممارسة بعض التأثير في المجتمعات الغربية. وهذا يطرح مسألة الوفاق بين الفكر العربي الإسلامي والفلسفة القائمة على العلم، إذا ما أردنا أن نحتفظ بموقعنا تحت الشمس، وألا نتحول إلى ديناصورات غير قادرة على البقاء.
كيف يمكن أن يُسهم العقل العربي في إنتاج المعرفة؟
تطورت في العقود الأخيرة مفاهيم تتعلق بعلم اجتماع المعرفة وعلم اجتماع التربية.
علم اجتماع المعرفة
يتناول العلاقة المتبادلة بين المعرفة والمجتمع، فالعلاقة بينهما علاقة جدلية. هناك من يؤكد أسبقية المعرفة فهي تصوغ شكل المجتمع، فمعرفة الزراعة أقامت مجتمعًا زراعيًا، ومعرفة الصناعة أقامت مجتمعًا صناعيًا، في حين ترى الماركسية أن الحاجة هي التي تولد الأفكار (المعرفة).
علم اجتماع التربية
يهتم بوضع الأسس التي يستند إليها انتقاء المعرفة وتنظيمها وتوزيعها داخل المدرسة، وتوضيح كيفية عمل آليات الصراع الاجتماعي خارج المدرسة على تقويض هذه الأسس. فمسألة المعرفة التربوية ليست مسألة موضوعية فنية فحسب، بل هي مسألة اجتماعية سياسية أيضًا. وقد “ركزت النظرية النقدية لعلم اجتماع التربية على دراسة أوضاع الفئات الاجتماعية المقهورة وتعرية آليات توظيف المعرفة اجتماعيًا، بوصفها سلاحًا أيديولوجيا، بهدف تحقيق السيطرة وتبرير ممارسات السلطة وترسيخ النظام القائم وإعادة إنتاجه”[3]. ومن أجل مواجهة هذا الخلل، تسعى النظرية النقدية إلى إيجاد أساليب بديلة للفكر وأبعاد جديدة للمعرفة وأنماط مختلفة للسلوك، مغايرة لتلك التي تدعمها التربية الموالية للسلطة الحاكمة.
أصبحت التربية، بتأثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من أهمّ محاور علم اجتماع المعرفة، كون التربية والتنمية متلازمين في مجتمع المعرفة الذي يتوقف أداؤه على قدرة أفراده ومؤسساته على استيعاب المعرفة وإنتاجها وتوظيفها. وأتيحت فرص التعلّم المستمر، ومواجهة الفجوة التربوية التي يجب أن تنشغل بها المدرسة النقدية، بصفتها أهم أسباب الفجوة المعرفية وأخطر عواقبها، وقد أصبحت من أهم أسلحة الاستبعاد الاجتماعي.
وتجدر الإشارة إلى تحوّل مجتمع المعرفة إلى مجتمع التعلّم الذي يمثل ذروة تقدّم المجتمع، حيث لم يعد التعلم حكرًا على الإنسان، بل أصبح قدرة أساسية تتمتع بها الآلات والنظم، وسيُحدث هذا تغيرًا كبيرًا في حياة البشر وأنماط سلوكهم.
بناء مجتمع المعرفة
يجب أن تتوافر مقومات متعددة في مجتمع المعرفة، تشمل مختلف مناحي الحياة: السياسة والاقتصاد والتربية والإعلام والقيم والمعتقدات والعلم والتكنولوجيا.
ربّما كانت حرية التعبير من أهمّ مقومات مجتمع المعرفة، فهي ليست مجرد شأن سياسي، بل لها أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية، فحرية التعبير وثيقة الصلة بالتنمية، ومن المستحيل إقامة مجتمع المعرفة في بيئة تقمع الحريات، ومنها حريّة الرأي التي ما تزال مقيدة في معظم المجتمعات العربية، وهي في سورية تأخذ بُعدًا قمعيًا استثنائيًا يصل إلى حد التصفية الجسدية لصاحب الرأي المختلف، ولذلك زالت حرية التعبير وحرية التفكير أيضًا.
لقد وفّر الإنترنت فرصًا متنوعة للتعبير، شكّلت منبرًا للفئات المستضعفة والمهمشة، حيث أصبح بإمكانها أن تسمع صوتها، وعلى النقيض من ذلك، يستخدم الإنترنت كأداة للرقابة على حرية التعبير، ويتفوق كثيرًا عن الوسائل التقليدية.
يقوم مجتمع المعرفة، عندما يتوفر المناخ الأكاديمي الذي ينسق البحوث في مختلف الميادين، خصوصًا في ميدان علم النفس المعرفي، وتوفير المعدات الحديثة اللازمة لإجراء هذه البحوث في شروط مناسبة. ويجب إدخال تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف الميادين.
وتجدر الإشارة إلى ضرورة تحقيق نقلة نوعية لتصبح تربية مجتمع المعرفة واقعًا، وذلك عن طريق الاهتمام بأساليب التعامل مع الطفولة المبكرة، والتخلّص من الأساليب التقليدية القائمة على التلقين، واعتماد أساليب حديثة تقوم على تحريض التفكير والتعلّم بالاكتشاف والتجربة، والعمل على أن يصبح التلميذ هو محور العمل التربوي بدلًا من المعلم. ويجب إعادة تأهيل المعلّمين وإكسابهم المهارات اللازمة لتنمية التفكير الإبداعي والتفكير النقدي عند التلاميذ.
يتميز مجتمع المعرفة بالتعلّم المستمر، وهذا يستوجب مواجهة النزوع إلى النفور من مواصلة التعليم لدى الخريجين، لعدم اقتناعهم بذلك في مجتمعٍ يشكو من لا علمية متجذرة. ولا بدّ من إنجاح عملية حملات التعليم العلاجي لتعويض القصور في بعض جوانب التعليم النظامي.
وتجدر الإشارة إلى أهمية التطور الذي عرفه التعلّم عن بعد، للتخفيف من أخطار جائحة كورونا. فمن الأهمية بمكان دراسة التجارب الناجحة في هذا المجال، وتوظيفها في تطوير التربية، وإدخال هذا البعد الذي يشكل فرصة ثمينة لتطوير وسائل التعليم واستخدام الشبكة في تعزيز التعلّم وتسهيله.
حاجة المعرفة إلى الهندسة والروبوت الآلي
تعاظم دور المعرفة، حيث أصبحت أهمّ موارد الاقتصاديات الجديدة، وهذا يفرض ترشيد دورها وزيادة فعاليتها، بواسطة الهندسة ونظمها الآلية، إضافة إلى مشكلة حمل المعلومات الزائد، بحيث تصبح الوسائل اليدوية عاجزة عن مواجهة سيل المعلومات. وهذا أدى إلى ظهور مصطلح هندسة المعرفة، بوصفه أداة للتحكم في هذه المنظومة المعقدة، لتسهيل تحويلها وتصنيفها ونشرها.
تقدّمت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى درجة أصبح من الممكن أن يحلّ (الروبوت المعرفي knowbot ) محلّ مهندس المعرفة الإنساني، وذلك بعد تزويد هذا الكائن الآلي بوسائل تمكّنه من تحليل محتوى صفحات الشبكة.
خاتمة
يجب أن يرقى مجتمع المعرفة، تدريجيًا، نحو مجتمع التعلّم الذي سيجعل المعرفة جزءًا من كيان المجتمع، وينشر المعرفة على نطاق واسع. ويتيح مجتمع المعرفة الحقّ في المعرفة للجميع، ويوفّر للجميع فرصًا متكافئة للمشاركة في إنتاجها، وبذلك تكون دمقرطة العلم واقعًا ملموسًا. ولن يقتصر إنتاج المعرفة على البشر وحدهم، بل ستشارك فيه الآلات والنظم الذكية أيضًا. وبغير امتلاك ناصية المعرفة، ستتحوّل أمتنا إلى ديناصورات غير قادرة على التكيف مع تغيرات العصر، مصيرها إلى زوال.
ما زالت الفجوة المعرفية التي تفصل العالم العربي عن العالم المتقدّم كبيرةً جدًا. وتتزايد، مثلًا، أهميّة التكنولوجيا الحيوية، وقد شكّل التعرّف إلى المادة الوراثية ثورة حقيقية، ستؤثر هذه التكنولوجيا الحيوية في تشكيل ملامح الحياة المعاصرة. والتعريف الأكثر شيوعًا للتكنولوجيا الحيوية: تلك التكنولوجيا التي تستخدم الكائنات الحية أو أجزاء منها، لتصنيع أو تحسين بعض المنتجات الطبيعية. ومن هنا، تطور العلاج الجيني وإنتاج قطع الغيار البشرية.
المراجع
رضا محمد جواد، 2005، العرب والتربية والعالم، الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية، الكويت.
عبد الدائم، عبد الله، 1988 أ، التربية قبل المدرسية ودورها في تكوين شخصية الطفل، الطفولة العربية، 14، 5 – 8.
علي، نبيل، 2009، العقل العربي ومجتمع المعرفة، عالم المعرفة (369)، الكويت.
عسكر علي و القنطار فايز )2005) مدخل إلى علم النفس التربوي، مكتبة الفلاح: الكويت، ص318
قنطار فايز، 1991، تطور سلوك الاتصال عند الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة، الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية، الكويت.
قنطار فايز، 1992، الأمومة: نمو العلاقة بين الطفل والأم، عالم المعرفة (166)، المجلس الوطني للثقافة
والفنون والآداب، الكويت.
وطفة علي، 2013، التربية والحداثة في الوطن العربي، مجلس النشر العلمي، جامعة الكويت.
Houdé Olivier, 2018, L’école de cerveau, Mardaga, Bruxelles
[1] ـ علي، نبيل، 2009، العقل العربي ومجتمع المعرفة (ص 189)، عالم المعرفة (369)، الكويت.
[2] ـ المرجع السابق ص 18
[3] ـ المرجع السابق، 188.