ناقش باحثون ومختصون سوريون وفاعليات مدنية سورية في ندوة حوارية نظّمها صالون (هنانو) للحوار العربي الكردي في مقر فرع مركز (حرمون) للدراسات المعاصرة في مدينة غازي عنتاب التركية، الإدارة في سورية ما بعد الثورة، وعقد المشاركون جلستَي حوار، تناولتا المشروعات الإدارية والسياسية المطبقة حاليًا في مختلف المناطق السورية غير الخاضعة لسيطرة النظام السوري بإيجابياتها وسلبياتها،
وخلص المشاركون إلى مجموعة توصيات من أهمها أن المناسب لإدارة سورية المستقبل هو نظامٌ لا مركزي إداري مع وثيقة دستورية تضمن حقوق الجميع، وأن المسألة الكردية داخلية يتم حلّها عبر الحوار بين السوريين، وعدم إمكانية اعتبار الفيدرالية حلًا بذاتها والتركيز على أهمية تجاوز عقدة المظلومية مع عدم إنكارها، والعمل على وضع دستور وطني يكون ضامنًا للنهوض بالدولة، وأنه لا يمكن وضع نظام فيدرالي في منطقة جغرافية دون أخرى.
وعقد المشاركون جلستين مُطوّلتين، ترأس الأولى محمود ماضي، وتناولت المشروعات الإدارية والسياسية المطبقة حاليًا، وتطرق خلالها إلى تعريف الفيدرالية في المناطق التي تسيطر عليها (الإدارة الذاتية)، وإلى محاسنها ومساوئها، وكذلك تجربة المجالس المحلية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بما لها وما عليها.
قدّم عبد القادر عاكوب الورقة الأولى في الجلسة، وعنوانها (مشروع الإدارة الذاتية الحالي: المساوئ والمحاسن)، تطرّق فيها إلى تجربة الإدارة الذاتية في المناطق التي تسيطر عليها (قوات سورية الديمقراطية)، مقاربًا أبرز محاسنها، وكذلك مساوئها.
رأى العاكوب أنّ أبرز سلبيات الإدارة الذاتية تتعلّق بالجانب السياسي، وبالمرجعية الأيديولوجية له، وبعدم توافقه مع أهداف الثورة السورية ومبادئها، وحراك الشعب السوري نحو التغيير. في المقابل، يجد العاكوب، في الجانب الإداري والعسكري للإدارة الذاتية “شكلًا من الإدارة الجيدة وسط الفوضى، حيث إنها تمكنت من إدارة المؤسسات المدنية بشكل جيد، وحاربت الإرهاب على الصعيد العسكري”. وذكر أنّ “تجربة الإدارة الذاتية وجدت في بيئة غير منطقية، لذلك من غير الممكن أن تلتزم بالقانون، وسط الفوضى التي تعصف بالمنطقة”.
قدّم عبد الباري عثمان الورقة الثانية، وجاءت بعنوان (مشروع المجالس المحلية)، سرد فيها تجربة المجالس المحلية في مناطق النظام، وكذلك المعارضة، وقدم من خلالها رؤيته لشكل تلك المجالس في سورية المستقبل.
ذكر عثمان أنّ “نظام المجالس المحلية -حاليًا- جيدٌ، لكن تعتريه آليات تنفيذ سيئة، ويسيطر الفساد على مفاصل العمل فيه”، مشيرًا في الوقت ذاته إلى “امتداد الخلل في المجالس المحلية التابعة للنظام إلى المجالس المحلية التي شكلّها الائتلاف من فساد ومحسوبيات”. ودعا عثمان إلى “اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب، وتدعيم الجوانب الثلاث: المالي والتعليمي والقضائي؛ لأن نجاح أي مجلس يرتكز على النواحي الثلاث”.
إلى ذل، حملت الجلسة الثانية عنوان (المشروع الأنسب لسورية ما بعد الثّورة)، قدم خلالها رسطام التمو، عضو مجلس إدارة حقوقيون سوريون بلا حدود، ورقة بعنوان (الفيدرالية خيار مطروح للحل في سورية).
تحدث تمو عن موضوع الفيدرالية واللامركزية السياسية، حيث رأى أن “الفيدرالية نظام حكم يجب أن يشمل كل الدولة، ولا يمكن تطبيقه في منطقة جغرافية واحدة”. وقال: إنّ “تجربة العراق اعتمدت على نظام حكمٍ هجين، حيث اعتمد الفيدرالية في المناطق الكردية، وأبقى على الحكم المركزي في باقي المناطق”.
وجاءت الورقة الثانية بعنوان (دور الإعلام في تسويق شكل حكم الدولة)، تناول فيها مضر الأسعد دورَ الإعلام في تسويق شكل الدولة المستقبلي، وعرض خلالها أمثلة على دور الإعلام في الترويج لأي مشروع في سورية، من خلال التمثيل لها بتجارب الحكم في سورية حاليًا، من مجالس محلية، وإدارة ذاتية، والمناطق المتنازع عليها.
وأشار إلى أنّ “دمج جميع هذه التجارب سيعطي تجربة ناجحة في سورية المستقبل، من خلال تضافر جهود جميع الشعب السوري”. وخلصت الندوة إلى إحدى عشرة توصية، تلاها موسى الهايس، عضو الهيئة الاستشارية لـ (صالون هنانو)، وهي:
1- يرى المجتمعون أن المناسب، لإدارة سورية المستقبل، نظامٌ لا مركزي إداري، مع وثيقة دستورية تضمن حقوق الجميع.
2- أجمع المشاركون على أن المسألة الكردية داخلية، يتم حلّها عبر الحوار بين السوريين.
3- عدم إمكانية اعتبار الفيدرالية حلًا بذاتها، والتركيز على أهمية تجاوز عقدة المظلومية مع عدم إنكارها.
4- التأكيد على أن المبادئ فوق الدستورية معمول بها في كثير من الدول، ولا ضير من وجودها.
5- العمل على وضع دستور وطني، يكون ضامنًا للنهوض بالدولة.
6- لم يعد الكلام على مبادئ الأكثرية والأقلية، بالمفهوم المتعارف عليه اجتماعيًا، ذا جدوى، ويجب السعي لبناء هوية وطنية ديمقراطية جامعة موحدة لكل السوريين، من دون إلغاء الهويات الفرعية.
7- أكد الجميع على وجوب إقامة نظام لامركزي إداري موسع يعطي الوحدات الإدارية إدارة شؤونها، مع بعض الاستقلال المالي، والسعي لنشر مبادئ الديمقراطية .
8- لم يعد الحديث عن الدعوات المؤدلجة ذا جدوى، بسبب استغلال الأحزاب والأنظمة له.
9- لا بدّ أن يكون لسورية المستقبل برلمان منتخب، بغرفة أو اثنتين، ومجالس محلية منتخبة في كل محافظة.
10- لا يمكن وضع نظام فيدرالي في منطقة جغرافية دون أخرى.
11- وضع دستور وطني واضح يمكن أن يشكل الضمان لبناء سورية المستقبل، وهو منتج وطني سوري، والشعب السوري هو الذي يضعه.
وكان صالون (هنانو) قد عقد يوم السبت والأحد هذا الأسبوع ندوة شارك فيها خمسة عشر باحثًا سوريًا، تناولوا أربعة محاور رئيسة: الأول (الدولة السورية نظرة تاريخية)، والثاني (نماذج للحوكمة)، في حين كان المحور الثالث (المشروعات الإدارية والسياسية المطبقة حاليًا)، أما الرابع فكان (المشروع الأنسب لسورية ما بعد الثورة).
وممن شارك في الندوات أيضًا الباحث في مركز (حرمون) عبد الله تركماني، وموسى الهايس، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان فرع سورية، ورديف مصطفى، نائب رئيس رابطة المستقلين الكرد السوريين، ومروان الخطيب، عضو حركة المستقلين الأحرار، ومحمد الباشا الباحث القانوني، ورسطام التمو، عضو مجلس إدارة حقوقيون سوريون بلا حدود، وغيرهم.