لطالما كان التعليم أحد أركان التقدم في المجتمعات البشرية التي تحتكم إلى الأخلاقيات الاجتماعية والقيم الناظمة للعلاقات الشخصية، ضمن مجموعة من المعايير السلوكية الرسمية وغير الرسمية التي يجب أن يستخدمها الطاقم التربوي التعليمي، بوصفها مرجعًا أساسًا للمساهمة في بناء شخصية الطالب، ونشر العلم والمعرفة، وتنمية مداركه بالاستزادة والتطوير والإبداع ضمن أركان منظومة التعليم المتداخلة في ما بينها، تجمع المعلم والطالب والمدرسة، والأهل والمجتمع، والواجب الأخلاقي. غياب أحدها أو قصوره سيؤدي إلى ضرر كبير بالعملية التعليمية وأخلاقياتها، ويمس بمكانتها ودورها لدى الأطراف كلها.

 خضعت السياسة التعليمية التربوية -في السنوات العشرين الأولى لاحتلال الجولان- لمعايير سياسية وأمنية عليا، تخدم مصالح الاحتلال وأهدافه في السيطرة والتحكم والإقصاء وطمس الهوية الثقافية والوطنية وإلغاء ذاكرتها، واستبدال قيم ومضامين وأفكار بها لا تتوافق مع أي طرف من أركان منظومة التعليم الأساسية وإرثها وشخصيتها وقيمها، ساهمت كثيرًا في سد آفاق تطور المجتمع الجولاني من خلال فرض “منهاج التعليم الدرزي الإسرائيلي”، لاستمالة المجتمع وأجياله لمصلحة المشروع الصهيوني. إذ يُعدّ أول منهاج تعليم من نوعه في العالم، يُدرس بوصفه موضوعًا إجباريًا في المدارس. في الوقت الذي يُدرس التعليم الطائفي في دول العالم معظمها، ضمن المدارس الطائفية الخاصة فقط، لا في المدارس الحكومية. ولأول مرة في تاريخ طائفة الدروز عمومًا، يصدر كتاب تعليمي رسمي باسم تاريخ الدروز يتناول تاريخهم منذ بداياته عام 1017. إذ أُعِدّ بمنهجية لاستعمال الطلاب في المدارس الدرزية في إسرائيل، لتحقيق أغراض سياسية بحتة. ومن ضمنها معرفة تاريخ الطائفة الدرزية بغية خلق شعور بالشراكة بين أبناء الطائفة كلهم، وفهم العلاقة بين التراث الدرزي وحضارة الشعب اليهودي وتاريخه، وكيفية اندماجهما في الدولة والمجتمع، وتعزيز مكانتهما في دولة إسرائيل، وجاء في كتاب منهاج تعليمي في التراث الدرزي الصادر عام 2013 (نشوء الطائفة الدرزية “مميزات واندماج” لصفوف السابع – الثاني عشر)

هذه الخطوات بدأت فعليًا على أرض الواقع في الجولان مع تغيير المناهج السورية وتحويلها إلى مناهج إسرائيلية بعد الاحتلال مباشرة، وإقالة المعلمين المؤهلين الذين اعترضوا على تغيير المنهاج السوري، واستبدال أشخاص غير مؤهلين بهم، لم يتوفر لديهم الحد الأدنى من الشروط المطلوبة (لا يحملون شهادة تخرج ثانوي على الأقل)، للتساوق مع المرحلة الجديدة. وبخاصة حين برز دور المعلمين في الدفاع عن هوية الجولانيين، وعبروا عن رفضهم للاحتلال، وساهموا بشكل أو بآخر في تنظيم العمل الوطني والنضالي السري ضده وتأطيره، الأمر الذي جعلهم في مواجهة مباشرة مع السلطات الإسرائيلية، وفصلوا من أعمالهم بعد محاكمات قضائية، وترافق ذلك مع تشديد القبضة الحديدية على الوطنيين السوريين، وملاحقة عشرات منهم واعتقالهم، بعد كشف خلايا عدّة تابعة للمقاومة الوطنية السورية التي نشطت بعد الاحتلال، وإصدار الأحكام التعسفية في حقهم، وزجهم في سجون الاحتلال، جنبًا إلى جنب مع أحكام سيطرة الحاكمية العسكرية على الجهاز التعليمي، لإنتاج وعي سياسي متصهين، وإعادة صوغ الذاكرة الجمعية للطلبة الدروز من منطلقات الفكر الصهيوني، وبخاصة في ظل ضلوع جهاز الشاباك في إشغال وظائف التعليم ومراقبته، وبحسب رئيس “الشاباك” الأسبق يعقوب بيري، فقد كان الجهاز ضالعًا في كل شيء يجري في المدارس.

 واستطاع الإسرائيليون، نتيجة الفراغ السياسي الذي حصل في عقب ضرب الحركة الوطنية بين عامي 1973 و1976، فرض تغييرات جديدة في ساحة الجولان؛ فقد ثبّتوا مؤسسات سلطوية يديرها أشخاص متعاونون، أولها كان إقامة مجالس محلية، لتكون الوسيط لتقديم الخدمات المحلية للسكان. وتشكيل محاكم مذهبية مختصة بالأحوال الشخصية، وتعيين ضابط في الحاكمية العسكرية لتولي ملف التربية والتعليم بالتعاون مع طاقم المديرين والمعلمين، لخلق وعي ثقافي وسياسي درزي إسرائيلي انعزالي من خلال كتب التراث الدرزي والتاريخ الدرزي والنصوص الأدبية الانتقائية في اللغة العربية، وعدّ الدروز أقلية دينية وقومية مستقلة تطورت بمعزل عن محيطها العربي، لها تراثها وتاريخها وماضيها وطقوسها وعاداتها وتحالفاتها، فالجماعة التي تحفظ تراثها وتصون وحدتها وتحتفظ بميزاتها وتؤلف بين قلوب أفرادها تكون مقومات الأمة ومقومات البقاء، بحسب ما جاء في إحدى مقدمات كتب التراث. وفي السياق السياسي وُجِد “التراث” خصيصًا لترويج الفكرة الكاذبة والقائلة إن الدروز واليهود تربط بينهم “رابطة دم” تاريخية، وإن للدروز تاريخًا منفصلًا عن تاريخ العرب والإسلام في المنطقة.

تضمن تقرير الحاكمية العسكرية في الجولان عام 1982 -عن أعمال التطوير التي أجرتها الإدارة المدنية الإسرائيلية- كثيرًا من الأكاذيب بالنسبة إلى الوضع التعليمي قبل الاحتلال وبعده، في ما يخص الأوضاع التعليمية في الجولان، إذ رأى التقرير أن عدد السكان المتبقين بعد الحرب كان 9500 شخص مقابل الرقم الحقيقي الذي تذكره مصادر إسرائيلية رسمية أخرى/ وهو 7396 شخصًا. الهدف من وراء هذا التشويه هو تضخيم نسب التطور في القضايا الخاصة بالتعليم مثل نسبة الطلاب من مجموع أفراد المجتمع قبل الاحتلال وبعده. غير أن التقرير نفسه يشير إلى عكس ذلك حيث إن:

1) عدد المدارس عام 1982 عشر مدارس لم يزد عما كان عليه قبل الاحتلال. (القرى الخمس المتبقية في الجولان).

2) عدد الطلاب لكل معلم مع بداية الاحتلال كان 22 طالبًا مقابل 21 طالبًا لكل معلم عام 1982.

3) كان هناك 29 غرفة تدريسية مستأجرة في الجولان مقابل 85 غرفة ثابتة أي إن 48% من الغرف التدريسية ليست مملوكة للمدارس، إضافة إلى أنها لم تُبنَ لتكون غرف تدريس، لذلك فإنها لا تستوفي الشروط المطلوبة.

4) هناك 277 معلمًا في عام 1982، من ضمنهم تسعة فقط يحملون شهادة جامعية B.A))، أربعة تعلموا في دورات لكنهم غير مؤهلين ، 26 معلمًا تعلموا في دورات تأهيل في الجامعة، 110 معلمين تعلموا في دورات تأهيل في المدارس نفسها، وعدّتهم إسرائيل مؤهلين لكنهم فعليًا كانوا غير مؤهلين لأن هذه الدورات كانت شكلية ولا تستوفي الشروط المطلوبة ، و68 معلمًا لم يتعلموا في أي دورة على الإطلاق. توزيع هؤلاء المعلمين على المدارس يؤكد أن السياسة الإسرائيلية قائمة على التركيز على المعلمين غير المؤهلين في المدارس الابتدائية والإعدادية، وعلى التركيز على المعلمين المؤهلين في المدرسة الثانوية. فمن ضمن غير المؤهلين الـ (68) ستون مركزون في المدارس الابتدائية، وثمانية من ضمن التسعة الذين يحملون شهادة جامعية يعملون في المدرسة الثانوية(1)

وفق الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الدولة السورية في محافظة القنيطرة، عام 1966 أُشير إلى أن الجولان يضم أكثر من 158 مدرسة. منها 142 في المرحلة الابتدائية، و16 مدرسة إعدادية وثانوية، كانت المدارس موزعة على نصف قرى الجولان تقريبًا. وقد ضمت تلك المدارس 818 صفًا تعليميًا منها 734 ابتدائيًا و 84 صفًا إعداديًا وثانويًا، والمميز في تلك المدارس أنها كانت مبنية من الباطون، وموصولة إلى شبكة الكهرباء والتدفئة. ويتبين أن 30% من طلاب الجولان الذين أنهوا المرحلة الابتدائية فقط وصلوا إلى المرحلة الثانوية، وأن عدد طلاب الصف الأول هو خمسة أضعاف عدد الطلاب في الصف الخامس. وقد سعت السلطات السورية إلى إقامة مراكز شبابية في قرى الجولان المختلفة، بهدف جذب الشبيبة إلى قطاع التعليم، إلا أن المشاركة فيها لم تتجاوز نسبة الـ 4% من الطلاب،  وقد بلغ عدد تلك المراكز الشبابية 511 مركزًا موزعة على 15 مجموعة من الطلاب و 178 من المربين والمشرفين، منها 5 مجموعات من الإناث .

وبخلاف الرأي السائد فإن هناك أعدادًا كبيرة من أبناء الجولان -عمومًا، وأبناء القرى السورية في شمالي الجولان التي وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي في ما بعد- توجهوا إلى دمشق وبيروت والقدس في سنوات الخمسينيات والستينيات لتلقي العلم واستكمال دراستهم الأكاديمية والجامعية. وكان الجولان لا يقلّ أهمية عن بقية المناطق في الجمهورية السورية، إضافة إلى تميّزه بتنوّع النسيج الاجتماعي والثقافي، وكغيره من المناطق فقد بدأ التعليم معتمدًا على الكتاتيب في بداية الأمر وصولًا إلى مطلع عشرينيات القرن العشرين أي عام 1920 فقد اُفتُتحت أول مدرسة ابتدائية في قرية جباثا الزيت، وكانت تعلّم من الصف الأول حتى الصف الخامس، ووفد إليها الطلاب من القرى المجاورة؛ مجدل شمس، وعين قنية، وزعورة، وعين فيت، وبقعاثا، وكانت أولّ مدرسة للأولاد ثم افتتحت مدرسة أخرى للبنات في القرية نفسها. وشهدت مجدل شمس قبل عام 1925 افتتاح مدرسة ابتدائية بمبادرة من الأساتذة المسيحيين الذين كانوا يسكنون في القرية، وعمل فيها مُدرسًا رئيس البرلمان السوري آنذاك المرحوم فارس بيك الخوري، إضافة إلى هذا العدد القليل من المدارس فقد نشط كثير من المعلمين الذين علموا الأولاد في البيوت المخصصة للتعليم ليتحوّل بعضها إلى مدارس يؤمّها الطلاب. وبعد عام 1940 بُنيت المدارس الإعدادية والثانوية في مدينة القنيطرة مثل ثانوية الشهيد أحمد مريود وثانوية الحسن ابن الهيثم. وبعد عام 1950 تقريبًا بدأت المدارس تنتشر في قرى القنيطرة ونواحيها.(2)

تعليم إسرائيلي مُسيس، أداة لتشويه الوعي والذاكرة الجمعية لسكان الجولان

عام 1988 أصدرت لجنة المعارف والثقافة الإسرائيلية، نشرة حددت فيها أهداف التعليم الدرزي، على هامش إصدار كتب تدريس في التراث والتاريخ والمدنيات والآداب العربية للطلاب الدروز يشمل طلاب هضبة الجولان جاء فيها:

“هدف التعليم الرسمي في الوسط الدرزي في إسرائيل هو تنمية التعليم على مبادئ التربية الدرزية والعربية وعلى الإنجازات العلمية، والرغبة في السلام بين دولة إسرائيل وجاراتها، وعلى محبة الوطن المشترك لجميع مواطني الدولة، وعلى الإخلاص لدولة لإسرائيل والمساهمة في بنائها والدفاع عن كيانها، وذلك من خلال دعم العوامل الخاصة والمشتركة لجميع مواطنيها وعلى تقوية العلاقات الخاصة والمميزة بين الدروز واليهود وعلى الاطلاع على الثقافة اليهودية وعلى تنمية الكيان الدرزي الإسرائيلي وعلى غرس وتنمية الشباب الدرزي على تراث طائفته وعلى المصير المشترك لجميع أبناء الطائفة الدرزية في أماكن سكناهم”.

 وبحسب مدير المعارف الإسرائيلية السيد سلمان فلاح فإن هذه الأهداف قد حددت من جانب لجنة المعارف والثقافة التابعة لوزارة المعارف الإسرائيلية، وذلك بعد مداولات مكثفة عدّة، باشتراك عشرات المربين الدروز والمعلمين والمديرين والمفتشين، ومن أجل بلورة هذه الأهداف أخذت في الحسبان نتائج البحث عن الهوية الدرزية الذي جرى في السنوات 1974 – 1975. إن هذه الأهداف تكمل الغايات والأهداف العامة لجهاز التعليم في إسرائيل التي تضم الجهاز العبري والعربي والدرزي. لقد دُمجت المضامين الخاصة للدروز في مناهج التعليم في الفروع الأدبية مثل التراث والتاريخ والمدنيات واللغتين العربية والعبرية. وفي الوقت الذي اختفت فيه معارضة رجال الدين الدروز، لتعليم التراث ازدادت مساهمتهم في أسبوع التراث الدرزي، إلا أننا نجد بعض “المتطرفين” من أبناء الطائفة الدرزية مستمرين في معارضة تعليم “التراث الدرزي” بحجة أن هذا التراث هو جزء من التراث العربي كما يدّعون، وأن إبرازه بهذا الشكل يؤدي إلى إبعاد الدروز عن العرب وإبراز طابع درزي مستقل منفصل تمامًا عن التراث القومي العربي. ويدّعي بعض هؤلاء أيضًا أن تنمية التراث الدرزي بهذا الشكل هي عامل سياسي تنتهجه السلطات وتهدف من ورائه إلى التفرقة بين الدروز والعرب. إن معارضتهم هذه لم تلق تجاوبًا بين الدروز باستثناء فئة قليلة تجاوبت مع سياستهم، إن مستوى المواد التعليمية للتراث وجودتها كان لها أكبر أثر في تقبل الدروز في إسرائيل موضوع التراث الدرزي. وحتى الآن صدر عن وزارة المعارف ثمانية كتب تعليمية في هذا المضمار وكذلك دليل للمعلم. مادة التاريخ في المدارس الثانوية تشمل أربعة مجالات: موضوعات عامة، تاريخ الشعب الإسرائيلي، تاريخ العرب وتاريخ الدروز، وبينما يدرس الطالب اليهودي مجالين فقط التاريخ العام وتاريخ الشعب الإسرائيلي؛ يدرس الطالب العربي ثلاثة مجالات (تاريخ عام، تاريخ الشعب الإسرائيلي وتاريخ العرب) فيما يدرس الطالب الدرزي تاريخ الدروز.(3)

والمتتبع لكتب اللغة العربية آنذاك سيعرف أنها قد خلت من التنوع في المقطوعات الأدبية، وتمركزت حول الأدب الجاهلي، وكأن لا همَّ للشاعر العربي والشعر العربي سوي الوقوف على الأطلال والغزل والشوق والصيد والثأر وغيرها من هموم الحياة الجاهلية. بعد سنوات كان هناك تغير جذري، فقد تنوَّعت المقطوعات، فشملت مراحل الشعر العربي أغلبها؛ من الأموي إلى العباسي ثم الأندلسي فالحديث، ولكن أصبح هناك تغير جديد، لأن هذه النصوص كلها جمعها كتاب بعنوان النصوص الأدبية للمدارس الدرزية، حيث شملت المادة العربية في نهاية سنوات السبعينات 40 نصًا أدبيًا مطلوبًا لماده اللغة العربية في البجروت، فكان الطالب والمعلم على حد سواء يسعيان بالجهد كلّه إلى التعرف إلى النص بشكل سطحي، من دون التعمق ومن دون إدراك العمق الثقافي والتربوي والاجتماعي والوطني للكلمة وللنص. فيما شملت النصوص باللغة العبرية 8 نصوص فقط، كان المعلم والطلاب يملكون وقتًا كافيًا لحفظ النص، وتحليله ومعالجة أبعاده. وتقمص حياة الكاتب، فيتأثر الطالب بالكلمة، وبالنص وبقضية الشاعر وقضية شعبه. ولعب الجهاز التعليمي للطلبة في مدارس الجولان دورًا كبيرًا في الاستراتيجيات السياسية الإسرائيلية الهادفة إلى السيطرة على الجيل الناشئ في الجولان، بكل ما تعنيه كلمة سيطرة، وتشويه هوية سكانه السوريين وانتمائهم القومي والسياسي، ارتكز على دعائم عدّة منها:

  •  – محو الشخصية السورية وتذويبها من خلال وضع مادة التراث الدرزي، ومـادة فـي التاريخ باسم تاريخ (الدروز)، واللغة العبرية للطلبة الدروز، وعيون تراث بني معروف لمؤلفه سلمان فلاح وفيه يقول بوضوح إن “هناك جانبًا آخر يزيد من التشابه بين اليهود والدروز وهو مصير الشعبين – مصير أقلية، فالدروز أيضًا قاسوا اضطهادًا دينيًا من جانب الأكثرية” كما الأقلية اليهودية في أوروبا”.
  • – محاولة ربط الطلاب السوريين بمنظمات إسرائيلية في “إسرائيل” مثـل “الكشاف، والكشاف الدرزي الإسرائيلي في سنوات السبعينيات وبداية الثمانينيات.
  • – اشتراط الانضمام إلى نقابة الهستدروت ونقابة المعلمين الإسرائيلية على المعلمين.
  • – فرض تعليم اللغة العبرية على طلبة الجولان. في السنوات اللاحقة شهدت اللغة العربية تراجعًا في استخدامها بوصفها اللغة الأم. مقارنة باستخدام اللغة العبرية في التعليم، على الرغم من وصفها وفق القانون الإسرائيلي لغة رسمية.
  • – محاولة خلق جيل جديد من الطلبة منفصل عن تاريخـه وتراثـه ووطنـه وأمته.
  • – إظهار “إسرائيل” واليهود بشكل عام في كتب التاريخ والدين اليهودي بأحسن صورة ممكنة مقابل الحط من العرب وحضارتهم. وخلق تضامن مع الكارثة الإنسانية التي نفذها الحكم النازي بحق الشعوب، من خلال التركيز على ذكرى ” الكارثة والبطولة: وعدّها جريمة ضد اليهود وحدهم، لإثارة عطف الطلبة مع القضية اليهودية وشرعية احتلالها ووجودها.
  • – تعليـم تـوراة إسرائيل، تاريـخ الشـعب اليهـودي وتراثه. والتقاليـد اليهوديـة القائمة على الغفران والتسامح والسلام.
  • – تجميل النظام الديمقراطي الإسرائيلي في أذهان الطلاب من خلال مادة مدنيات إسرائيل، وعدّ احتلال أراضي الجولان والضفة الغربية الفلسطينية، عملية تحرير للأراضي اليهودية المقدسة.

 الضم الإسرائيلي للجولان والانتفاضة الشعبية

 ساهمت الانتفاضة الشعبية عام 1982 في إحداث تغيير جذري في نمط التفكير ومضمونه في المجتمع الجولاني والجيل الناشئ، وبخاصة القطاع الطلابي، فزاد الوعي القومي والاجتماعي، والاهتمام بالجذور التاريخية والتراثية والأخلاقية للقضية السورية في الجولان، وانعكس ايجابًا على نفسية الطالب، فأصبح أكثر حماسًا للعلم يسعى إلى تحقيق أحلامه وطموحاته ليعود ويخدم مجتمعه، ويعمل على رفع شأنه وشأن مجتمعه، حيث ساهم طلاب المدارس الرسمية في الانتفاضة الشعبية التي أفرزها قانون ضم الجولان ومحاولة فرض الجنسية على سكانه فعليًا، ولعبوا دورًا كبيرًا في الأحداث التي شهدها الجولان آنذاك، وعبروا عن رفضهم لقرار الضم من خلال الالتزام بالإضرابات التحذيرية التي سبقت الانتفاضة في 14.12.1981 وحتى 14.2.1982 من خلال الامتناع عن الذهاب إلى المدارس والمشاركة في التظاهرات الاحتجاجية. وأحدث الإضراب شرخًا في الهيئة التدريسية في عقب رفض بعض المعلمين اتخاذ موقف واضح من الإضراب، نتيجة تهديدات الحاكمية العسكرية لهم، وفصل المعلمين الذين نشطوا في أثناء الإضراب ضد قرار الضم. ومن ضمن سياستها لضرب منجزات الإضراب؛ عقدت السلطات اجتماعًا للمعلمين، ووضعهم أمام خيارين، إما استلام الجنسية الإسرائيلية، ومن ثم الحصول على حقوقهم كلها ومن ضمنها التثبيت في وظائفهم، ونيل حقوقهم المستحقة بأثر رجعي، أو التوقيع على عقد سنوي خاص يتيح للسلطات فصل المعلم من دون الحق في الاعتراض أو المطالبة بحقوقه المستحقة. هذه الأزمة انتهت بتفضيل الأغلبية الساحقة من المعلمين الخيار الثاني، ورفض الجنسية الإسرائيلية، فيما فُصل المعلمون الذين كانوا نشيطين في مظاهر الاحتجاج ضد قانون ضم الجولان كلهم، وتركت الانتفاضة آثارًا سلبية جدًا في الطلبة الذين تغيبوا عن دراستهم في العام الدراسي 1981-1982، وقد أتيح لطلبة المرحلة الثانوية التقدم لامتحانات البجروت النهائية من دون جاهزية، فيما رُفِّع الطلاب كلهم إلى العام الدراسي التالي، هذه الإجراءات ساهمت في ترك آثار سلبية في وضعهم التعليمي، منها خسارة الكادر التربوي المؤهل الذي فصلته سلطات الاحتلال من عمله، وأصبحت أهلية التعليم والكفاءة أقل أهمية في سياسة توظيف المعلمين. وجعلهم تحت تهديد العقاب بالفصل والطرد من سلك التعليم، إذا عبّروا عن مواقفهم السياسية، إلا أن البدائل التعليمية المتواضعة التي ساهمت فيها رابطة الجامعيين آنذاك، وهي رابطة أسسها عدد من طلبة الجامعات والمثقفين الوطنيين لسد الفراغ الناشئ عن ضياع السنة التعليمية، وقامت بفعاليات ثقافية متعددة ودورية كالمحاضرات والرحلات التثقيفية، ودورات تحضير لامتحانات إنهاء المرحلة الثانوية، ودورات في الفنون كالرسم والموسيقى …الخ. وأسست الرابطة روضة أطفال عام 1986. لكن المدارس الرسمية بقيت تحت رقابة وزارة المعارف الإسرائيلية وسيطرتها كليًا. إلا أن الأحداث السياسية، ووعي الطلبة وعدد كبير من المعلمين جعل تلك المدارس صامدة ضمن حالة الصراع الوطني مع سلطات الاحتلال. وتجلى ذلك في مواقف عدة رفض فيها الطلاب المشاركة في إحياء ذكرى الكارثة والبطولة والوقوف دقيقة صمت على أرواح جنود الجيش الإسرائيلي الذين قُتلوا في حروب إسرائيل، والمشاركة في طقوس أعياد الاستقلال الإسرائيلي، اعتقلت إسرائيل عشرات من الطلبة لانخراطهم في أعمال وصفتها مخلة بالأمن والنظام العام لأسباب سياسية، وصدرت بحق معظمهم أحكام بالسجن سنوات في المعتقلات الإسرائيلية، إلا أن قوّة المجتمع الجولاني للتأثير في تغير المنهاج التعليمي، لم تنجح في أي مرحلة من المراحل، بسبب خضوعها الكامل للأجندة السياسية .(4)

التعليم ساحة للصراع السياسي

ما تزال الرسالة السامية لمهنة التربية والتعليم تؤدي دورا رئيسيا في المجتمع الجولاني، ويحتل المعلم الجولاني، أحد المواقع المهمة في بلورة شخصية الطالب وبخاصة في المراحل الدراسية الاولى، إلا أنه ما يزال أمام واقع مركب وغير طبيعي، لوجوده في دائرة الرقابة التي تنتهجها وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، وتقييده في منهاج دراسي لا يستطيع التأثير فيه، إنما عليه تنفيذه كما هو مقرر، على الرغم من عدم رضاه وقناعته بما يجب أن يقوم علية المنهاج الدراسي، فقد كان لجهاز الأمن العام الإسرائيلي” الشاباك” دور كبير في تعيين المعلمين والمديرين أو فصلهم من العمل لأسباب سياسية، من أجل خلق مواطن إسرائيلي مشوه في هويته القومية، كما جاء في تصريحات المدير الأسبق لقسم التربية والثقافة العربية في وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية “عمانوئيل كوبلفيتش”: “إن تعيين رجال تربية في المدارس العربية أو فصلهم  -جرى التعبير عنهم بشكل خاص في مجال تعيين مديري المدارس- واعترف “كانت هناك حالات لم يكن فيها المربون الأفضل للإدارة مقبولين لدى جهاز «الشاباك»، عندها اضطررت إلى قبول مربين من الدرجة الثانية، لأن الذين كانوا في نظري الأكثر ملاءمة لم يكن بالإمكان قبولهم لأن تعيينهم رُفِض من قبل المخابرات”.

 طفت -على الرغم من ذلك- خلال السنوات الأخيرة تغيرات مهنية وتربوية جذرية في واقع التعليم في مدارس الجولان، علاقات مهنية ومسؤولة واعية بين الكادر التربوي، وإدارات المدارس ولجان أولياء الامور، وانفتحت المجالس المحلية وأقسام التربية على مشكلات الواقع التعليمي من ناحية الظروف وتحسين المباني القائمة وتجهيزها وتطويرها، ورصد الميزانيات المالية لها، وبناء مزيد من المدارس ورياض الأطفال، ومنح الطلبة دورًا ثانويًا في سير العملية التربوية من خلال مجالس الطلبة المنتخبة، ترافقت هذه التغيرات مع ارتفاع مستوى المعلمين المهني والأكاديمي، وتغيرات شكلية في جوهر المنهاج التربوي الإسرائيلي المُطبق قي الجولان، على الرغم من أنه في جوهره يعدّ وسيلة لطمس الوعي الجمعي، وتغييب التاريخ والسيطرة على الذاكرة الجمعية للمجتمع السوري في الجولان، إضافة إلى أن ضعف الترابط بين المنهاج الدراسي، وواقع الطلبة وهويتهم الوطنية والسياسية، ساهم في جعل المدارس وسيلة لاغتراب الطالب الجولاني عن ثقافته الوطنية، بحكم استبعاد المنهاج الدراسي وعدم اعترافه وتعامله مع تلك الهوية، وعدم إتاحة الفرصة للطاقم التعليمي، بالمشاركة في تحديد السياسة التربوية المتعلقة بتربية طلبتهم. إضافة إلى تسليم الجولانيين بالأمر الواقع، واقتصار معارضتهم على عملية تسييس التعليم والمدارس من خلال ما يُطرح من برامج يعدّها الاهالي وقسم كبير من الطلاب مشاركة غير بريئة في أسرلة الطلبة، وترسيخ واقع ابتعادهم عن المشروع الوطني، وصيانه الهوية الثقافية والوطنية للجولان، وتذويبهم في النظام الإسرائيلي. على الرغم من وجود كادر تعليمي يحتفظ بالمساحات الضيقة المتاحة له في المدارس، لتحسين مستوى التعليم من حيث النوع والقيمة باجتهادات شخصية منه، لا تهدد دوره الوظيفي في العملية التربوية..

تبين الإحصاءات التي نشرتها وزارة التربية والتعليم أنه حتى نهاية عام 2018 بلغ عدد المدارس في قرى الجولان  12 مدرسة، بين ابتدائية وثانوية وإعدادية وشاملة، يتعلم فيها 5789 طالبًا، و 51 روضة أطفال فيها 1478 طفلًا يشكلون شريحة اجتماعية واسعة، أثبتوا في السنوات الماضية، والأحداث التي عصفت بالمشهد الجولاني، وإفرازات الحالة السورية وما أنتجته من انعكاسات كارثية تمس العلاقة بين الجولانيين ووطنهم، أنهم ما زالوا محصنين من الإغراءات والضغوطات(5)