في 5 كانون الثاني/ يناير، أقدم النظام الإيراني على احتجاز سفينة كورية جنوبية، في خطوةٍ وصفتها واشنطن بأنها تهدف إلى الضغط على كوريا الجنوبية، للإفراج عن الأصول الإيرانية المجمدة في هذا البلد.
وفي الحقيقة، تمتلك إيران حاليًا ما يقرب من 40 مليار دولار من الأموال المجمدة، في بلدانٍ أغلبها يُعدّ “أصدقاء مقربين من الجمهورية الإسلامية“، ولديها علاقات سياسية واقتصادية متينة معها، وذلك من دون وجود أي أفق واضح، أو جدول زمني محدد، لطريقة الإفراج عن هذه الأموال المجمدة، في ظل استمرار العقوبات الأميركية المشددة المطبقة على إيران.
وعلى الرغم من أن الحكومة الإيرانية طالبت، مرارًا وتكرارًا، بالإفراج عن أصولها المجمدة، فإن استجابة هذه الدول الصديقة لإيران أظهرت عدم قدرتها (أو عدم رغبتها بالأحرى) على مواجهة وتحدي العقوبات الأميركية، والوقوف إلى جانب شريكهم الإيراني الاقتصادي المهم.
من ناحية أخرى، فشلت أغلب الجهود الإيرانية، حتى عقد صفقات مقايضة لمعالجة المشكلة، أو شراء السلع الإنسانية والأدوية التي لا تخضع للعقوبات الأميركية، في استعادة الأصول الإيرانية المجمدة التي تكدست في بنوك الدول الصديقة، من عوائد بيع النفط والغاز، وذلك بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على صناعات الطاقة والبنوك الإيرانية.
في الوقت الحالي، تعدّ كل من الصين والهند وكوريا الجنوبية والعراق واليابان، من الدول الأصدقاء الأكثر مديونية لإيران، وهي في الوقت ذاته من أكبر الدول المستوردة للنفط الإيراني أو التي تستخدمها إيران كبوابات للتحايل على العقوبات الأميركية.
الصين.. صديق لا يظهر عند الضيق
في الوقت الذي تمحورت فيه زيارة محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، إلى بكين في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، حول وثيقة التعاون الاقتصادي لربع قرن بين إيران والصين، لم تتطرق المحادثات التي أجريت بين وزراء خارجية البلدين إلى كيفية فكّ الحظر عن 20 مليار دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في الصين.
وفي الحقيقة، لا يبدو أن الصين ترغب في السير خلافًا لسياسة العقوبات الأميركية، أو أنها تعمل بالخفاء لتحرير العملات الإيرانية المجمدة في الوقت الحالي، وهذا يضعها في مصبّ الأصدقاء في أيام الرخاء، وذلك نظرًا للضائقة الاقتصادية التي تعانيها إيران، والعجز الكبير المتوقع في الميزانية الإيرانية الجديدة لعام 2021، التي ما زالت تعتمد حتى الآن، في أغلب إيراداتها، على صادرات النفط والغاز التي شهدت تدنيًا غير مسبوقٍ في السنوات الأخيرة الماضية.
وعلى ما يبدو، يعّلق المسؤولون الإيرانيون آمالهم على توتر العلاقات الحالية بين الصين والولايات المتحدة، وجنوح الصين إلى جانب إيران، لكن هذه الآمال لا تبدو واقعية، عندما ننظر إلى معدل التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة، حيث وصل، بالرغم من الحرب التجارية القائمة بين البلدين، إلى 138.61 مليار دولار، خلال شهري يناير ومايو فقط من العام 2020.
صحيح أن الصين تُعدّ أكبر شريك تجاري لإيران، حيث بلغ حجم التجارة بينهما في الأشهر الستة الأولى من العام 2020، 7 مليارات دولار و400 مليون دولار، لكن نظرة على حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة، وهو يبلغ أكثر من 56 ضعف حجم التبادل التجاري بين الصين وإيران، تُظهر أي بلد ستكتفي الصين بالاستمرار في التعامل التجاري معه، إذا فُرض عليها الاختيار.
كوريا الجنوبية.. محادثات لم تُثمر
لطالما كانت كوريا الجنوبية أحد المشترين الثابتين للنفط الإيراني، وتمكنت من الحصول على إعفاء أميركي للاستمرار في شراء النفط الإيراني لعدة أشهر في عام 2018، لكن بعد التطبيق الكامل للعقوبات الأميركية على صناعات الطاقة والبنوك الإيرانية في عام 2019، تم تجميد الأموال الإيرانية في بنوك كوريا الجنوبية، لتبلغ هذه الأموال المجمدة حوالي 7 مليار دولار أو أكثر، بحسب تصريحات المسؤولين الإيرانيين.
وكان رئيس البنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، قد حذر في 20 حزيران/ يونيو 2020 سيئول، من أن طهران ستقدّم شكوى بحق هذا البلد لاستعادة الأموال المجمدة. وعلى الرغم من المحادثات التي جرت بين الطرفين، لإيجاد سبيل لفك الحظر عن الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية، فإن هذه النقاشات لم تصل إلى أي نتيجة، لينتهي الخلاف باحتجاز إيران لسفينة كورية جنوبية، في 5 كانون الثاني/ يناير 2020.
من الناحية الاقتصادية، تعدّ كوريا الجنوبية سادس أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، ولديها علاقات سياسية واقتصادية جيدة مع البلاد. لذلك، من غير المرجح أن تقف سيئول إلى جانب طهران ضد واشنطن.
اليابان.. رابع أكبر شريك تجاري وحليف مخلص للولايات المتحدة
قبل تطبيق العقوبات الأميركية ضد إيران، كانت اليابان رابع أكبر مشترٍ آسيوي للنفط الإيراني، حيث كانت تستورد يوميًا 172 ألف برميل من النفط الإيراني، وهو ما يعادل 5.3 % من مجمل الواردات النفطية اليابانية.
وعلى الرغم من عدم وجود رقم محدد لحجم الأموال الإيرانية المجمدة في اليابان، فإن موقف اليابان يبدو أكثر وضوحًا من بين كل هذه الدول، وذلك بسبب علاقاتها السياسية والاقتصادية القوية مع الولايات المتحدة. لذلك، لا توجد علامات تشير إلى اقتراب حدوث تغيير في سياسة اليابان اتجاه إيران.
الهند.. أقرب إلى الولايات المتحدة
تعدّ الهند من أوائل الدول التي توقفت عن شراء النفط الإيراني، بعد تطبيق العقوبات الأميركية الكاملة ضد إيران، وفي الوقت نفسه بدأت محادثاتها مع واشنطن لشراء النفط والغاز. وفي الوقت الحالي، تحاول الهند الاقتراب من الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى، ولذلك من المستبعد أن تقف إلى جانب إيران ضد الولايات المتحدة.
من الناحية الاقتصادية، تعدّ الهند تاسع أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، لذلك ليس هناك أي أفق واضح أو جدول زمني محدد لفكّ الحظر عن 7 مليار دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في هذا البلد.
إيطاليا كانت أكبر شريك تجاري لإيران
على الرغم من تصريح وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه بأن العقوبات الأميركية لم تؤثر على الاقتصاد الإيراني، فإن التقارير تُظهر أن العقوبات الاقتصادية، وعدم انضمام إيران لمعاهدة FATF، وعدم وجود نظام سويفت المصرفي، قد أدى إلى خسائر فادحة لإيران. وفي الوقت الحالي، تم تجميد أربعة إلى خمسة مليار دولار، من أموال صادرات الوقود الإيرانية في البنوك الإيطالية، بسبب عدم قبول إيران لنظام FATF.
قبل عشر سنوات، كانت إيطاليا أكبر شريك تجاري لإيران، حيث وصل معدل التبادل التجاري ما بين البلدين إلى حوالي ملياري دولار، وكانت إيطاليا تؤمن جميع احتياجات مصافيها من إيران، لكن معدل التبادل التجاري بين البلدين، في الوقت الحالي، انخفض إلى معدلات غير مسبوقة: (ما بين 600 إلى 700 مليون دولار في عام 2020).
لوكسمبورغ
في كانون الثاني/ يناير 2016، قرر القضاء في لوكسمبورغ تجميد الأموال الإيرانية التي تصل إلى 1.6 مليار دولار، تلبية لطلب محامي ضحايا أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 لحجزها لصالح موكليهم.
وقالت محكمة أوروبية، في نيسان/ أبريل 2020، في بيان لها، إنها نقضت حكمًا قضى بدفع 1.6 مليار دولار من أرصدة إيران لضحايا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، لكنها أوضحت أن الإفراج عن هذه الأصول يحتاج إلى قرار من المحكمة العليا في لوكسمبورغ.
العراق.. الأمل الوحيد المتبقي!
على الرغم من الزيارات المتكررة لرئيس البنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، إلى العراق، للتفاوض حول الأموال الإيرانية المجمدة، وهي تُقدر ما بين أربعة إلى خمسة مليار دولار، بحسب تصريح حميد حسيني، المتحدث باسم اتحاد مصدري المنتجات النفطية، في 29 كانون الثاني/ يناير 2020، لوكالة أنباء (إيرنا)، لا توجد حتى الآن أي أخبار واعدة حول فك الحظر عن هذه الأموال.
في أواخر أيلول/ سبتمبر 2020، مددت الولايات المتحدة إعفاء العراق لاستيراد الغاز والكهرباء من إيران لمدة شهرين آخرين. وتبعًا لذلك، يسمح للعراق بإيداع أموال واردات الغاز والكهرباء من إيران، بالدينار العراقي، في أحد البنوك التجارية، وفي المقابل، تستطيع إيران استخدام هذه الموارد المالية لشراء البضائع غير الخاضعة للعقوبات الأميركية فقط. لكن مع التحولات التي طرأت في الآونة الأخيرة على المشهد السياسي العراقي، ومنها تغيير رئيس البنك المركزي العراقي، لا يبدو أن الرياح تسير لمصلحة إيران في العراق، ومن الممكن أن يتبع العراق سياسة أكثر صارمة تجاه إيران، خاصة بعد توقيع وزارة النفط العراقية عددًا من العقود الاقتصادية مع كبرى شركات النفط الأميركية، في آب/ أغسطس 2020، وهي عقود يمكن أن تقلل من اعتماد العراق على الغاز والكهرباء الإيراني.
من ناحية أخرى، مع توقف إيران تقريبًا عن تصدير الغاز والكهرباء للعراق (في الشتاء بسبب نقص الغاز، وفي الصيف بسبب نقص الكهرباء، على الترتيب)، وارتفاع معدلات إمدادات الكهرباء التركية إلى العراق (نحو 150 ميغاواط من الكهرباء التركية، ما يعادل ربع إمدادات الكهرباء الإيرانية للعراق)، من المرجح ألا يعتمد العراق على الغاز والكهرباء الإيرانية كثيرًا في المستقبل القريب. ومن الممكن أيضًا، ألا يكون العراق مستعدًا للوقوف في وجه الولايات المتحدة، إلى جانب إيران، بعد الآن، نظرًا لعلاقاته وقربه السياسي والاقتصادي المتزايد مع الولايات المتحدة الأميركية.