المحتويات
ملخص الدراسة
مقدمة: الموت الصامت
أولًا: الواقع الطبي في سورية قبل 2011
- الإنفاق الحكومي على الصحة
- المستشفيات الحكومية
- عدد الأطباء والصيادلة
ثانيًا: تأثيرات الحرب في الواقع الصحي في سورية
- انخفاض مقدار الرعاية العام
- نزيف الكادر الطبي
- انهيار صناعة الدواء السوري
- الواقع الاقتصادي ونقص الرعاية الطبية
- دور الأمم المتحدة والمنظمات العالمية
ثالثًا: تعيين خطر انهيار القطاع الصحي وتقويمه
- تفشي الأوبئة والأمراض السارية
- الإعاقات والأمراض المزمنة
- الصحة النفسية
- خسارات القطاع الصحي
- الفاقد العمري العام وانخفاض متوسط عمر الفرد
استنتاجات وتوصيات
خاتمة
ملخص الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى الكشف عن الخطر الحالي الذي نتج عن تدمير شبكة الأمان الصحي وانهيارها في المجتمع السوري من جراء حرب النظام، إضافة إلى الخطر اللاحق أيضًا.
وتعنى الدراسة بالآثار الناجمة عن دمار البنية التحتية للقطاع الصحي في المجتمع السوري في حاضره، ومستقبله، وفي الأفراد، سواء كان دمار هذه البنية وغيابها ناجمًا عن أسباب قهرية من مثل الحصار، والاستهداف الممنهج لهذا القطاع في مناطق المعارضة من النظام وحلفائه، أم كانت الأسباب اقتصادية وموضوعية في المناطق الخاضعة للنظام نتيجة تراجع قدرته على الإنفاق والرعاية، في ظل وضع اقتصادي خانق لا يتيح للأفراد إمكان الاستطباب، أو شراء الدواء اللازم للبقاء؛ أم كانت هذه الأسباب تقنية نتيجة غياب المعدات والتجهيزات اللازمة، وأثر هذه العوامل في السوريين، وبالأخص ذوي الأمراض المزمنة وأصحاب الإعاقات.
وتشير الدراسة إلى واقع هجرة الكوادر الطبية، وتراجع الصناعة الدوائية نتيجة للعنف، وأثر هذه العوامل في تراجع الرعاية الطبية، وانتشار الأوبئة، وفي الفاقد العمري العام للمجتمع ولمتوسط عمر الفرد الذي انخفض انخفاضًا حادًا.
وتهدف الدراسة إلى تقويم الأخطار الناجمة عن الوضع الحالي، سواء تلك الملحة، أم ذات الفاعلية في المستويين المتوسط والمديد، وسواء انتهت الحرب أم استمرت.
مقدمة: الموت الصامت
لم يتوقف موت السوريين العنيف منذ اندلاع الثورة، كانت الأرقام اليومية للضحايا تصدم الجميع، وتضعهم في ذهول يتنامى مع ازدياد الحصيلة الكلية حينئذ، وكانت وتيرتها ترتفع باطراد زمني وعددي، مكونة صدمة متجددة مع تنوع صور الموت الفاجع، وعنفه، فما من موت لم يختبره السوريون بأعداد كبيرة، من الموت بالطائرات إلى الموت تحت التعذيب الوحشي، والموت بسبب العجز عن تأمين مستلزمات البقاء الضرورية من مثل الغذاء والدواء.
وبسبب استمرارية القتل اليومي، فقد انزاح خبر إعلان عدد الضحايا اليومي في سورية، من الخبر الأول إلى خبر عابر، ولاحقًا اختفى تمامًا من وكالات الأنباء، وكأنما فقد قيمته الخبرية، في سياق مضمر حول عاديّة استمراره.
ولا يمكن، لجهة ما، إعطاء الأرقام الدقيقة لأعداد الضحايا في بلد توقفت فيه حتى الأمم المتحدة منذ سنوات عن العدّ، وتشير الأرقام الموثقة إلى 470 ألف سوري، في ما تتحدث تقارير إعلامية عن ضعف هذا الرقم. ويعود التباين بين الأعداد إلى شبكة الحروب المعقدة والمتداخلة، وتعدد أطرافها، ومناطقها في الأرض السورية، في ظل غياب التغطية الإعلامية الشفافة من جهة، ومن جهة أخرى لصعوبة البت بشأن مصائر كثير من المعتقلين والمخطوفين، فوفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، تجاوز عدد ضحايا التعذيب والإعدامات في السجون السورية وحدها 60.000 ضحية وفق متوسط حسابي يقترب من 28 ضحية إعدام يوميًا.
ويتراوح متوسط القتل اليومي وفق الرقمين المذكورين بين 200-400 ضحية يوميًا في مدى السنوات الست الماضيات.
أما عدد الجرحى فقد بلغ 1.88 مليون حتى نهاية عام 2015، أي ما حوالى 11.5 في المئة من السكان ، ما يعني استتباعًا ارتفاع تلك النسبة حاليا إلى 15 في المئة من السكان.
غير أنه -بموازاة القتل اليومي- كان ثمة موت آخر يفتك بالمجتمع السوري، موت صامت لا تشير الصورة إليه، ولا يظهر في الموشور الإعلامي بقوة، موت يتسلل بهدوء إلى ضحاياه، ليظهر وكأنه موت عادي يُدفن أصحابه بصمت من دون القدرة على تحديد القاتل الخفي، أو تحميل مسؤوليته المباشرة لجهة ما، موت وجد حصته في المناطق الخاضعة للنظام وغير الخاضعة له بحصص غير قليلة. وقد حصد بدايةً الشرائح الأضعف جسديًا واقتصاديًا، وكان من الممكن أن تطول أعمارهم بنسب متفاوتات لو وجدوا العناية الصحية اللازمة.
حجم العنف السوري المباشر كان أعلى من أن يترك مجالًا للالتفات إلى هذا الموت الصامت الذي فتك بأعداد لا تقل عن ضحايا المعارك والقصف، وظل بعيدًا عن أعين الإعلام، بعكس ذلك عمد النظام إلى إخفائه، والتستر على أعداده، للإيحاء بطبيعية الحياة.
هذا الموت نجم عن دمار شبه كلي للبنى التحتية الطبية في المناطق الخارجة على سيطرة النظام، وعن تضرر البنية التحتية، وانهيار القطاع الصحي، في مناطق النظام، وتراجع الإنفاق عليه بسبب الأزمة الاقتصادية، والانشغال بالإنفاق العسكري، وكذلك بسبب تراجع المدخولات الفردية وضعف القوة الاقتصادية للأفراد والأسر، وعجز النظام عن تأمين المستلزمات الرئيسة في ظل واقع تزايد الأمراض المزمنة والطارئة بنسب عاليات، ووجود إعاقات وإصابات تستدعي العلاج المديد.
قد تنتهي الحرب لكن هذا الموت لن يتوقف، ستبقى آثاره مستمرة جيلًا أو جيلين، وذلك تبعًا لاستعادة المهدور من البنى الصحية، والاقتصادية، وسرعة هذه الاستعادة، وإلى ذلك الوقت لا أحد يعرف كم من الحيوات البشرية سوف يخسر المجتمع السوري.