• مقدمة
  • العوامل الداخلية التي منحت الأسد فرصة البقاء
  • العوامل الخارجية التي أوقفت سقوط الأسد
  • خاتمة

مقدمة

يستقبل السوريون عامهم الحادي عشر من الثورة مثقلين بعجاف عشر وقد نال منهم ما نالهم من جرائم يندى لها جبين الإنسانية، عشر سنوات مضت والسوريون ما زالوا يأملون في تحقيق حلمهم الذي خرجوا من أجله ودفعوا الأثمان الباهظة لتحقيقه، حلمهم الذي رسمه أطفال درعا في 2011 وتغنّت به حناجر وصدحت به أصوات الأحرار في ساحات سورية التي شهدت ولادة أعظم ثورة في تاريخ سورية مهد الحضارات ونبراس الأبجديات، الثورة التي غيبت أرواح خيرة شباب سورية وزهورها على مذبح الحرية والكرامة التي طالب بها هذا الشعب الطيب المعطاء، عشر عجاف ثقيلة طويت من عمر السوريين وما زالت روح الثورة متقدة في وجدانهم على الرغم من القتل الممنهج والتغييب القسري الذي مارسه الأسد وأجهزته القمعية، وعلى الرغم من استجلاب المحتل الإيراني والروسي والميليشيات الطائفية لقتل هذا الشعب الصابر والتنكيل به، وعلى الرغم من الفشل الذريع لقيادات مؤسسات الثورة في تحقيق أي شيء للشعب السوري ولو بالحد الأدنى، ما زال صامدًا مثابرًا على الخروج إلى ساحات الحرية لتأكيد تمسكه بالأهداف التي خرج من أجلها، ومن هنا وحتى نعرف لماذا استمرت هذه الثورة بعنفوانها وكيف صمد بشار الأسد وعصاباته علينا أن نلتفت إلى ما جرى خلال هذه السنوات، وما يجري الآن ونسلط الضوء على الأسباب الحقيقية التي منعت سقوط الأسد ونظامه الإجرامي والأدوار التي لعبتها مختلف الأطراف الخارجية والداخلية في ذلك، ولهذا سنبحث في الإجراءات التي استفاد منها الأسد بمساعدة حلفائه الإيرانيين والروس وساهمت كثيرًا في تحصين نفسه ونظامه، وأيضًا سندرس الدور المشبوه لمن تسلم قيادة مؤسسات الثورة ومثّلها في المحافل الدولية وسلّم المناطق المحررة وتوغل في التنازل عن حقوق السوريين، وكان أداة طيعة بيد المجتمع الدولي وبخاصة حلف آستانا الذي أعطى شرعية للمؤتمرات التي عُقدت باسم الشعب السوري وكانت صكوكًا شرعية ساوت بين الضحية والجلاد.

  • العوامل الداخلية التي منحت الأسد فرصة البقاء

ترك حافظ الأسد إرثًا ضخمًا لوارثه الذي لم يستطع الحفاظ عليه طويلًا، وسرعان ما استباح نظام الملالي البلاد بعيد بداية حكمه بمدة قصيرة، وعادت أجهزة الأمن إلى التوغل من جديد في إرهاب الشعب السوري بعد أن وضع هو نفسه (الأسد الابن) حدودًا كثيرة لهذه الأجهزة في مرحلة تحضيره لاستلام الحكم في المدة الواقعة بين عامي 1994 و2000، بُعيد وفاة شقيقه الأكبر باسل الذي حضره والده باكرًا ليكون خليفة له في حكم سورية، إلا أن يد القدر كانت أقوى من الأسد الأب وجبروته وأصبحت سورية في عهد بشار مرتعًا خصبًا لمافيات العائلات القريبة من عائلة الأسد وفقد الأسد الابن السيطرة على البلاد وفشل فشلًا ذريعًا في إدارتها مركزيًا كما كان يديرها والده، ويمكن أن نقول إن بشار استفاد من إرث أبيه الأمني الإجرامي فحسب، من ناحية ما فعله الأسد الأب في أحداث ثمانينيات القرن الماضي، عندما قتل كثيرًا من السوريين وهجرهم بحجة محاربة الإخوان المسلمين، الشماعة التي تخلص بموجبها من أغلب أعدائه وأعطى درسًا قاسيًا لمن يفكر في معارضته، وحال اندلاع الثورة السورية وخروج الشعب السوري إلى الشوارع للمطالبة بحقوقه المشروعة نتيجة تراكمات أليمة عاناها السوريون على مدى أحد عشر عامًا من حكم الأسد الابن، أضيفت إلى التراكمات السوداء التي أورثها حافظ الأسد لابنه ومن حوله وبقيت راسخة في ذاكرة الشعب السوري، استخدم الوارث الأسلوب نفسه الذي سلكه والده في حماه وحمص وحلب وريف دمشق في الثمانينيات، إذ بدأ منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة باستخدام القتل والاعتقال الممنهج والتنكيل بالشعب السوري ولم يشفع لمن ثار على الأسد كثير ممن خاطبوه لثنيه عن أسلوبه في معالجة الاحتجاجات فتوغل شيئًا فشيئًا في دماء السوريين، ما أدى بدوره إلى تحويل الثورة من سلمية إلى مسلحة، إذ اضطر الشباب الثائر إلى حمل السلاح لمنع حدوث مزيد من المجازر والانتهاكات بحق المحتجين والمناطق التي ثارت، وتوج ذلك بحدوث انشقاقات في صفوف الجيش الذي جعل سورية ساحة حرب مفتوحة خسر خلالها الأسد أكثر من 70% من جغرافية سورية(1)، ولاح في الأفق مصير مشابه لمصير الرئيس التونسي والمصري والليبي، لكن الظروف الدولية والإقليمية والعربية، واتخاذه إستراتيجية عسكرية وأمنية فيها كثير من الدهاء والخبث، ساعداه عل الصمود والوقوف مجددًا في وجه تسونامي الشعب السوري وثواره، ليعود إلى محاولة يائسة لترسيخ سلطته ليكون الرئيس الوحيد في بلدان الربيع العربي الذي نجى من شعبه وبقي في السلطة ولو صوريًا، كيف حدث ذلك وما هي الظروف والأدوات التي استخدمها الأسد ورسخت بقاءه في السلطة؟ للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها لا بد من معرفة الإستراتيجية التي اتبعها بشار الأسد وتتلخص في عدد من الإجراءات التكتيكية والإرث الطائفي الذي خلفه له والده والخبرة الأمنية التي تتمتع بها أجهزة استخباراته التي كان لها الدور البارز في بقاء الأسد، ولتفصيل ذلك سندرس كل خطوة خطاها الأسد في هذا المجال على حدة وهي:

1 – حماية العاصمة ومراكز المدن

هناك نظرية عسكرية تقول لا يمكن إسقاط نظام أي دولة عسكريًا إلا إذا سقطت العاصمة فما دامت العاصمة بخير النظام بخير، وخسارة ضواحي المدن وأريافها لا تعني شيئًا في معادلة الواقع السياسي والعسكري، وهذا ما تنبه إليه الأسد وأجهزته الأمنية باكرًا، فمنذ بداية التظاهرات السلمية عمل الأسد وأجهزته الأمنية وجيشه على منع وصول المتظاهرين إلى إحدى الساحات العامة في دمشق، وبخاصة ساحة الأمويين وساحة العباسيين، واستخدم لمنع وقوع ذلك كل قوته النارية وقتل كثيرًا من الشباب الثائر في أثناء محاولاتهم الدخول والاعتصام في إحدى ساحات دمشق الكبيرة، ولعل مجزرة الزبلطاني التي وقعت بالقرب من مجمع الثامن من آذار في الجمعة العظيمة 22/4/2011، حيث أطلقت نيران الرشاشات الخفيفة على المتظاهرين الذين يحملون أعلام النظام ويهتفون بالحرية والوحدة الوطنية وينددون بالطائفية، وكان أغلب هؤلاء من أبناء الغوطة الشرقية وجوبر وما حولها، وقد ارتقى في هذه المجزرة 112 شهيدًا وعشرات الجرحى(2)، كانت القوات التي استخدمها الأسد في هذه المجزرة جزءًا يسيرًا من القوات التي تطوق دمشق منذ استلام حافظ الأسد السلطة، ويبدو أنها حُضرت طوال هذه السنين لمثل هذا اليوم فدمشق محاطة بالحرس الجمهوري من جهة الغرب والجنوب الشمال الغربي للمدينة، إضافة إلى القوات الخاصة التي تحيط بدمشق من كافة جوانبها، فضلًا عن الفرقة الثالثة التي تتمركز في مدينة القطيفة في ريف دمشق الشمالي والفرقة الأولى التي تتمركز في منطقة الكسوة جنوب المدينة، إضافة إلى الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق بشار الأسد وتتمركز في الجهة الشمالية الغربية من مدينة دمشق، وفروع الأجهزة الأمنية بمختلف صنوفها العسكرية والجوية وأمن الدولة والسياسية والأمن الجنائي التي تتمركز في قلب العاصمة وضواحيها وريفها، والشرطة المدنية وشرطة مكافحة الشغب وألوية الدفاع الجوي الخامس والخمسين والسابع والسبعين، هذه الكتل العسكرية والأمنية كلها سخرت بكل طاقاتها لردع الشعب الثائر وثنيه عن الاستمرار في ثورته، لكنها لم تستطع إيقاف تمدد الثورة إلى أغلب المناطق السورية، على الرغم من أنها  نجحت في منع وصل المتظاهرين إلى قلب العاصمة ولو حدث ذلك لكان للثورة شأن آخر، وانطلاقًا من تجربته الناجحة في العاصمة عمل الأسد على منع سقوط مراكز المدن السورية الكبرى ولم يسقط خلال أحداث الثورة كلها إلا مركزا محافظتي الرقة وإدلب، واستطاع الأسد منع الجماهير الثائرة من الاعتصام في مراكز المدن وما حدث في مدية ابن الوليد حمص خير شاهد على ذلك، وعلى الرغم من سيطرة الجماهير الحمصية على مركز المدينة في شارع القوتلي والممتد من الساعة الجديدة إلى الساعة القديمة إلا أن الأسد فرق هذه الجموع الغفيرة ونفذ مجزرة حمص الشهيرة التي وقعت في 18/4/2011، ولم يعرف عدد الشهداء الذين سقطوا فيها حتى يومنا هذا(3)، وبهذا استطاع الأسد تحصين العاصمة ومراكز المدن الرئيسية وبقيت مؤسسات الدولة عاملة فيها وهذا أعطى شرعية لنظام الأسد أمام المحافل الدولية بوصفه ممثلًا للدولة السورية، اكتفى الأسد بتحصين العاصمة ومراكز المدن، وترك أرياف المدن تسقط تباعًا ولم يستطع حمايتها نتيجة عدم توافر الإمكانات البشرية والقتالية التكتيكية، إضافة إلى قوة الجيش الحر الذي استطاع إثبات وجوده في أغلب مساحة سورية، لكن غلب عليه التخطيط التكتيكي ولم يكن هناك خطط إستراتيجية تقضي بالتمسك بهذه المناطق وتطوير الهجوم منها إلى مراكز المدن أو على الأقل محاصرتها، وبهذا أصبح معظم الريف السوري إضافة إلى مدينتي الرقة وإدلب بالكامل تحت سيطرة الجيش الحر، هنا لجأ الأسد إلى إستراتيجية مرعبة، إذ عمد بالتعاون مع حليفيه الروسي والإيراني إلى تقسيم المناطق المحررة ومن ثم تجزئتها وحصارها حصارًا مطبقًا، ومنع الدخول والخروج منها، وبدأ باتباع سياسة تجويع الحاضنة الشعبية للثورة وتركيز القصف على الأحياء السكنية والأسواق الشعبية والمراكز الخدمية الطبية منها والخدمية بكل أنواع الأسلحة الجوية والبرية، ووصل به الإجرام في 21/8/2013 إلى استخدم السلاح الكيمياوي في معضمية الشام والغوطة الشرقية وقتل من أهلها في لحظة واحدة ما يقارب 1450 شخصًا، جلهم من الأطفال والنساء وكبار السن(4)، وهذا أدى إلى مهادنة بعض المناطق التي عقدت اتفاقات مع الأسد مقابل وقف القصف وإدخال الغذاء لأهل تلك المناطق، وهذا أتاح للأسد وحلفائه التركيز أكثر على المناطق التي لم تقبل بالمصالحات إلى أن استطاع إيجاد اختراق أمني في صفوف قادة كثير من الفصائل التي سلمت المناطق المحررة القطعة تلو الأخرى، وبهذا استعاد الأسد معظم المناطق المحررة وحصر فصائل المعارضة وكل من لم يقبل بالمصالحات من الشعب السوري في الشمال، وما زال يسعى إلى الاستيلاء على باقي المناطق.

2 – العلويون والربط الأيديولوجي

منذ تسلم الأسد الأب السلطة ظهر توجهه نحو طائفته التي تمثل أقل من 10% من عدد سكان سورية لحماية حكمه، ونجح في ذلك بتطويع أغلب شباب الطائفة العلوية في الجيش السوري والأجهزة الأمنية والشرطة، وانتقل بُعيد أحداث الإخوان المسلمين في الثمانينيات إلى إحداث تغيير ديموغرافي حقيقي في مؤسسات الدولة وبخاصة في العاصمة دمشق ومدينة حمص وحلب وطرطوس واللاذقية وحماه، ما أدى إلى انتقال عائلات هؤلاء إلى العاصمة وتلك المحافظات والاستيطان فيها، وكان للعاصمة وضواحيها النصيب الأكبر في ذلك المخطط كعش الورور، والمزة 86، ومساكن العرين، والسومرية وغيرها من التجمعات الطائفية، وبدا واضحًا سعي الأسد لسيطرة أبناء الطائفة على معظم مؤسسات الدولة، خصوصًا الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، وحرص حافظ الأسد على تقديم كثير من التسهيلات والمزايا لهم، وأرعبهم من بقية السوريين، وهذا أدى إلى التصاقهم بالأسد ونظامه منذ اليوم الأول للثورة، نتيجة تماسك الخوف الذي اعتراهم، وما ظهر خلال الثورة السورية أن الأسد نجح في إقناع الكثيرين منهم أن سقوطه سيعرضهم إلى انتقام الأغلبية السنية في البلاد، وأن الثمن الذي سيدفعونه للحفاظ على كرسيه أقل كثيرًا من الثمن الذي سيدفعونه إذا استطاعت الأكثرية إسقاطه، وهذا دفع الكثير من الشاب الأقل وعيًا إلى التطوع في صفوف جيش الأسد أو الانضمام إلى الميليشيات الرديفة للجيش وأطلق على هؤلاء مصطلح (الشبيحة)، وعلى الرغم من خسارة الطائفة العلوية أكثر من ثلث رجالها في معركة مناصرة الأسد، ما زال كثيرون يدينون بالولاء له، وهذا كان من أهم عوامل نجاحه في الحفاظ على عرشه حتى الآن.

3 – الاختراقات الأمنية

منذ اللحظة الأولى لاندلاع الاحتجاجات، عمد الأسد إلى احتوائها وتفكيك شيفرتها وساعده في ذلك حلفاؤه الإيرانيون والروس من خلال مده بأحدث الأجهزة التكنولوجية المتطورة، وبخاصة أجهزة شبكات التنصت والاتصال والكاميرات الحساسة وغيرها من الوسائل التي ساعدته على كشف كثير من تحركات المحتجين قبيل تنفيذهم أي تظاهرة أو تحرك شعبي، واستفاد الأسد كثيرًا من أجهزته الأمنية المدربة التي تملك خبرة واسعة في اختراق المجتمع السوري منذ أحداث الثمانينيات وعلى مدى ثلاثين عامًا من السيطرة المطلقة لهذه الأجهزة على المجتمع السوري، ونجح الأسد وأجهزته الأمنية وحلفاؤه في معرفة الشخصيات التي تتحكم في الاحتجاجات وتُسير التظاهرات، وقد عرف نظام الأسد كثيرًا من التفاصيل المتعلقة بالحراك المسلح، وكان يسعى منذ البداية إلى عسكرة الثورة ونجح في ذلك واخترق فصائل الثورة كثيرًا، ومن هنا بدأت تلك الأجهزة في تنفيذ عمليات الاغتيال في مختلف المستويات السياسية والعسكرية في الثورة فقُتل كثير من القادة الذين أفرزتهم الثورة وبخاصة من كان سباقًا في الخروج على الأسد، واستطاع الأسد تفكيك شيفرة قيادة الثورة سواء في المؤسسات المدنية أم العسكرية واخترقها، وكأنه وحلفاءه يريدون إبقاء نوع واحد من المعارضين الذي يخشاهم العالم ويمكن أن يلصق تهمة الإرهاب بهم بكل سهولة مثل (داعش وهيئة تحرير الشام) وغيرها من الفصائل الراديكالية التي خرج قادتها في بداية الثورة بعفو من الأسد نفسه، ليكونوا هؤلاء شماعة للأسد أمام العالم لمحاربة الشعب السوري الثائر والقضاء على ثورته، وها نحن نشاهد الآن بعد عشر سنوات من الثورة نتائج خطة الأسد الأمنية التي نجحت نجاحًا لافتًا في تحويل ثورة الشعب الذي طالب بالحرية والكرامة إلى حرب على الإرهاب، واستجلب تحت هذا الشعار روسيا وإيران وميليشياتهما الطائفية، وكسب تعاطف بعض الشعوب عبر إعلامه وإعلام حلفائه ومنهم من كان منذ مدة قريبة من أصدقاء الشعب السوري.  

4 – المعارضة الهشّة

لم تكن المعارضة السورية عمومًا بحجم المسؤولية، وتعثرت وأخطأت، ويعزى ذلك إلى عدد من العوامل أهمها:

  • – طريقة تشكيل هذه المعارضة التي ضمت في صفوفها شخصيات علمانية وإسلامية لا علاقة لها بالثورة من قريب أو من بعيد.
  • – لم تفرز الثورة ممثليها الحقيقيين ليقودوا سفينتها إلى بر الأمان.
  • – برز التناحر الحزبي والشخصي والهرولة لإرضاء أجهزة المخابرات الدولية والإقليمية والعربية على حساب الشعب السوري وثورته.
  • – افتقار السوريين -وبمختلف شرائحهم- إلى الخبرة في العمل السياسي نتيجة تصحر الفكر السياسي الذي خلقته سيطرة حافظ الأسد وواريه على الحياة السياسية في سورية طوال عقود حكمهم.

فكانت غالبية أطراف المعارضة السياسية هزيلة ضعيفة مفككة مصابة بأمراض، ولم تحقق أي إنجاز يتناسب مع حجم تضحيات السوريين، وهذا ما ظهر جليًا من خلال مسيرة المجلس الوطني والائتلاف وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية وغيرها، انعكس هذا الفشل سلبًا على تنظيم الفصائل العاملة تحت مظلة مؤسسات الثورة، وبدا أن هذه المؤسسات تريد كسب ود تلك الفصائل لتظهر أمام الرأي العام العالمي مسيطرة على هذه الفصائل، وفي الوقت نفسه كان واقع الحال بين الفصائل لا يختلف كثيرًا عن حال مؤسسات الثورة فانصرف كثير منها إلى الاقتتال البيني لتحقيق مصالح خاصة كانت على الأغلب أحلام يقظة تراود مخيلة بعض قادة هذه الفصائل في خلافة الأسد في حكم سورية، فضلًا عن الجشع وتحقيق مكاسب مادية، حتى في المناطق المحاصرة وفي أثناء القصف المكثف لقوات الأسد وحلفائه لم تتوقف المعارك بين الفصائل المحسوبة على الثورة، وهذا سبب إنهاكًا كبيرًا لهذه الفصائل بشريًا وماديًا ومعنويًا وللحاضنة الشعبية للثورة وزرع الحقد والكراهية بين أبناء الثورة، وهذا ما سعى إليه الأسد وحلفاؤه لإضعاف تلك الفصائل لسهولة السيطرة عليها وفرض شروطه وهذا ما حصل وكان هذا أحد أهم الأسباب التي خسرت بموجبها الثورة جزءًا كبير من المناطق المحررة، ومن خلال مجريات الأحداث ظهر واضحًا الدور الكبير للفصائل الراديكالية بمختلف مشاربها “ابتداءً من التنظيمات التابعة للقاعدة كداعش والنصرة وانتهاءً بفصائل السلفية الجهادية” التي تحمل مشروعها السياسي الخاص بها أو حتى بلا مشروع واضح المعالم، هؤلاء الذين توغلوا في دماء السوريين وعاثوا فسادًا وإفسادًا في الثورة السورية حتى الثمالة وحققوا للأسد ما لم يستطيع تحقيقه طوال الأعوام الثلاثة الأولى من الثورة.  

  • العوامل الخارجية التي أوقفت سقوط الأسد

منذ الأيام الأولى لانطلاق الثورة تحرك المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية بسرعة وشاهدنا تحركات السفير الأميركي في دمشق ومشاركته في إحدى التظاهرات في مدينة حماة ومشاركته أيضًا في عزاء بعض ناشطي الثورة، فالخطب جلل والعرش الذي بناه هؤلاء طوال أربع عقود سينهار ولا بد من العمل على إيقاف زحف الشعب السوري واحتواء ثورته لمنعه من العيش في حياة ديمقراطية يسودها العدل والأمن والأمان والكرامة، وهذا ما حصل إذ كُلفت بعض الدول العربية باحتواء الحراك المسلح، فتأسلمت الثورة، ونجحت تلك الدول في السيطرة على الحراك المسلح ابتداءً من نهاية 2013 وهذا ما سهل على الأسد إطلاق صفة الإرهاب على الثورة السورية، واستطاع من خلال ذلك استمالة أغلبية الدول التي أعلنت في 2013 أنها أصدقاء للشعب السوري، وخسرت الثورة دعم المجتمع الدولي خوفًا من انتصار التيارات الراديكالية واستيلائها على الحكم لتكون بديلًا من الأسد، وبموازاة ذلك كان حلفاء الأسد أصدق كثيرًا من حلفاء الثورة وداعميها، فقدموا له كل الإمكانات البشرية والعسكرية وكانوا السد المنيع الذي وقف في وجه سقوط الأسد، فإيران والميليشيات الطائفية التابعة لها تدخلت منذ اليوم الأول للثورة وبكل قوة الحرس الثوري الإيراني المتمثل في فيلق القدس، وفي 2015 عندما شعر الروس أن الأسد سيسقط تدخلوا بقواتهم الجوية النوعية، وكان هذا التدخل العامل الرئيسي في استعادة المناطق المحررة، إضافة إلى الدعم الأمني المتمثل في نجاح الروس وحلفائهم في شراء بعض قادة الفصائل، والدعم السياسي المتمثل في جولات مؤتمرات آستانا وسوتشي التي كانت الخنجر المسموم الذي طعن الثورة السورية وتسبب في تهجير ملايين السوريين وأحدث التغيير الديموغرافي لمصلحة الأسد وحليفه الإيراني.

خاتمة:

باختصار شديد كان هناك أسباب داخلية كثيرة ساعدت في بقاء الأسد فالعاصمة ومراكز المدن بأمان، والطائفة العلوية ملتفة حول الأسد، والمعارضة هزيلة، فضلًا عن دول داعمة للأسد ونظامه بكل إمكاناتها، ومجتمع دولي ودول إقليمية وعربية لم تقتنع بمن نصب نفسه ممثلًا للثورة، وهكذا أضاع السوريون فرصة اقتلاع الأسد ونظامه وتحقيق آمالهم في الديمقراطية والحرية والكرامة.

ولهذا على السوريين جميعًا البحث بكل السبل لإيجاد طريقة لإعادة الثورة إلى أصحابها، وإلا سنكون قد هُزمنا عندما سُلمت حمص القديمة والغوطة الشرقية ودرعا وباقي المناطق المحررة، وبخاصة أن الظروف الحالية ملائمة جدًا للعمل على إعادة الاتصال مع كثير من الأطراف الداخلية المحيطة بالأسد وكانت سببًا في بقائه على رأس السلطة في مرحلة من مراحل الثورة، وتعاني الآن من الوضع المعيشي السيئ في مناطق سيطرة الأسد والتذمر الواضح لهذه الفئة من السوريين من الأوضاع التي وصلوا إليها، وبخاصة أنها ترى أنها قد قدمت للأسد الغالي والنفيس لكنها الآن بدأت تشعر أن الأسد قد خذلها وتركها لمصيرها، وقد سمعنا مؤخرًا أصواتًا عالية تتذمر من الحالة المزرية التي وصل إليها المواطن السوري في مناطق سيطرة الأسد المتمثلة في الفقر والحاجة الماسة إلى تأمين أبسط المتطلبات الأساسية للعيش، وهذا يمكن أن يقلب الطاولة على الأسد ونظامه إذا استُغل بالشكل الصحيح وتكاتف السوريون وتوحدوا تحت راية سورية للجميع، وبهذا يمكن التخلص من الأسد ونظامه، ومن المعارضة الهزيلة، فهل من يستطيع القيام بهذه المهمة؟

الهوامش:

  1. موقع الوطن، “الجيش الحر: نسيطر على نحو 70 بالمائة من الأراضي السورية” https://bit.ly/2OYhOix
  2. موقع صحيفة إشراق، ” الجمعة العظيمة وآلام الشعب السوري” https://bit.ly/3tt1SnF
  3. موقع حرية، “مجزرة الساعة بحمص تاريخ لا ينسى” https://bit.ly/3dpXYGs
  4. موقع الجزيرة، “مجزرة الغوطة .. ذبح بلا دم” https://bit.ly/3wZGfNX