بعد إعلان الأميركيين أنهم لن يدعموا الاتحاد الديمقراطي الكردي وميليشياته، في أي مواجهة عسكرية تستهدفهم؛ يمكن الحديث عن استحقاق تاريخي ينتظر أكراد سورية وعربها، استحقاق يستدعي التحرك السريع والذكي والوطني والرجولي، من كلا الطرفين، لمنع ما لا يُحمد عقباه، ولتوضيح ذلك، لأكراد سورية قبل عربهم، لا بد من استذكار ذلك اليوم المشؤوم.
اليوم المشؤوم هو منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2013، يوم ورّط حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الأكرادَ في ما لا يريدونه، وأعلن تشكيل “إدارة ذاتية” في ثلاث مناطق في شمال سورية، وبدأت الساحة الشعبية والنخبوية السورية، العربية والكردية، مرحلة الاحتقان والعداء.
إعلان الإدارة الذاتية لم يكن مشكلة، لو أنه كان “نظيفًا”، فالعديد من المدن السورية شكّلت مجالسها المحلية، لكنّ الحزب قرر تشكيل برلمان خاص، ووضع قوانين ودستورًا، ونصّب وزراء، وأعلن تشكيل فيدرالية كردية، لم يوافقه عليها لا العرب ولا قسم كبير جدًا من الأكراد.
قبل هذا اليوم المشؤوم، لم تشهد الساحة السورية المعارضة خلافات إلى هذا الحد، بين العرب والأكراد، فالكل كان جزءًا من حركةٍ تحرريةٍ تسعى للتخلص من الحكم الشمولي الطائفي القمعي، لبناء وطن حر ديمقراطي تعددي تشاركي يستوعب الجميع، لكن ما قام به هذا الحزب غيّر المعادلة، وحطّم القواسم المشتركة، وصار هذا الحزب عاملًا هدّامًا للعلاقة الوطنية، وبطبيعة الحال، في بلد مثل سورية حيث المعارضون فيه تلامذة غير نجباء في السياسة، كانت ردات فعل الطرف الآخر في نفس مستوى السوء، ووصلت الحال إلى ما هي عليه الآن.
أنشأ هذا الحزب أول ميليشيات عسكرية من نوع قومي واحد، في وقت كانت فيه الثورة السورية بحاجة إلى إثبات أنها لا تحمل صبغة طائفية أو قومية، رفض الشراكة مع أي تيار سياسي معارض، كما رفض الشراكة أيضًا مع الأحزاب الكردية الأخرى وأقصاها، وسجن قياديين كُثرًا فيها، وطرد ونفى بعضًا منهم، وشن حملات اعتقال لأنصارها، ودفع كثيرًا من المناضلين الأكراد في سورية إلى ترك المنطقة والهجرة.
أصدر الحزب وإدارته الذاتية ووزاراته قرارات “قراقوشية”، ففرض كفيلًا كرديًا على العرب، وألزم المدارس التعليم باللغة الكردية حتى لغير الأكراد، وأصدر قرارًا “بعثيًا” بمصادرة أموال وأملاك الغائبين، وألغى العلم السوري بنوعيه، و”كرّد” أسماء مدن وبلدات سورية وفق رغباته، وقامت ميليشياته بعمليات تهجير وأفرغت قرًى من عربها، وسيطر على غالبية نفط سورية، ووضع كل عام أكثر من ربع مليار دولار في حساب زعيمه، واستقدم مقاتلين من (جبال قنديل) الغريبة، ليتعاملوا مع الأكراد أصحاب الأرض كغرباء، وأصدر قرار التجنيد الإلزامي لأبناء الشمال، فأفرغ المنطقة من شبابها، وروّج لخرائط للدولة الكردية التي تقتطع كل شمال سورية حتى المتوسط، ليتوجها بالتأكيد على أن فيدراليته لا مركزية سياسية، أي أنه يريد سياسة خاصة، وعلاقاتها الخارجية مستقلة عن المركز، فيما يشبه الانفصال.
تعاون هذا الحزب مع النظام السوري واستلم أسلحة منه، ثم تعاون مع ميليشيات (حزب الله) قرب نبّل والزهراء، وتعاون مع الإيرانيين من تحت الطاولة، وبعدها تحالف مع الروس، وأخذ سلاحًا ودعمًا سياسيًا استثنائيًا، وانقلب ليتعاون مع الأميركيين، الذين تخلّوا عنه بعد أن انتهت مدة العقد.
اليوم المشؤوم هو منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2013، يوم ورّط حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الأكرادَ في ما لا يريدونه.
أساء هذا الحزب إلى قضية أكراد سورية العادلة، أكثر بكثير مما أفادها، وحوّل قضية مواطنين أكراد لهم حقوق في كل شبر من سورية، إلى قضية قومية متعصبة عمياء، تجاوزها الزمن، شأنها كشأن القومية العربية والدولة الطائفية والأقاليم المذهبية.
يحق لكل أكراد وعرب سورية أن يحاكموا هذا الحزب، كما يحق لهم أن يحاكموا النظام الذي أوصلهم إلى وضعهم المأسوي الحالي، ويحق لهم أيضًا أن يحاكموا كل أمير حرب قتل طفلًا عربيًا أو كرديًا، أو شرّد أسرة، أو أطلق رصاصة على أي مدني سوري.
الآن، هناك استحقاق تاريخي، يحتاج إلى رجال بالفعل لا بالقول، يُعيدون ترتيب العلاقة بسرعة خارقة، لتكون متوازنة بين العرب والأكراد، ويثورون معًا ضد جلاديهم ممن أيقظوا النعرات، ويشبكون الحواضن للخلاص من النظام ومن هذا الحزب دفعة واحدة، على أمل أن يجمعهم يومًا وطنٌ سوي معافى يكون للجميع.