ورقة قُدمت في إطار اللقاء الحواري الأول لـ صالون الكواكبي – مركز حرمون للدراسات المعاصرة – حول قضايا “الدين والدولة والسياسة” – إسطنبول في يومي 8 و9 تشرين الأول/ أكتوبر 2016.
المحتويات
ثانيًا: ما معايير تعريف الإرهاب؟
خامسًا: استغلال الدول ظاهرة الإرهاب لحسابها
مقدمة
بعد تفجيرات نيويورك 2001، ضجت وسائل الاعلام والدول بالحديث عن ظاهرة الإرهاب، وخطرها وضرورة محاربتها، وتصنيف القوى والشخصيات والدول على أساس دعمها ورعايتها للإرهاب. ويتباكى العالم حول ضحايا العمليات الإرهابية التي تودي بحياة الأبرياء، ولكن الجميع يتجنبون إعطاء تعرف دقيق للإرهاب في كل مظاهره، ويتجنبون الحديث بصراحة عن أسبابه المختلفة التي دفعت بالشباب الى الانخراط في تنظيمات إرهابية، كما يتجنب العالم عن قصد أو غير قصد الإشارة صراحة الى الإرهاب الذي تمارسه الدول ضد شعوبها المطالبة بالحرية (كما في سورية) والدول التي تمارس الإرهاب ضد دول وشعوب أخرى (كما تفعل إسرائيل).
وبدأت تتسع مؤخرًا ظاهرة الإرهاب، حيث تسعى فئات عديدة لارسال رسائل سياسية عجزت عن إيصالها بطرائق سلمية فتلجأ إلى العنف، لما يثيره من صخب إعلامي كبير كخطف الطائرات أو تدميرها، أو أخذ رهائن من المدنيين أو الهجوم على أسواق ومنتجعات ومؤتمرات.
وهنا يجري الحديث عن ظاهرة الإرهاب بشكل عام، وإرهاب الدولة بشكل خاص الذي تعدّه من أخطر أشكال الإرهاب وأسوئها؛ إذ أنه يشمل الاحتلال وجرائم الحرب والجرائم بحق الإنسانية والإبادة الجماعية.
أوّلًا: تعريف الإرهاب
إلى الآن لم نشهد تعريفا دقيقًا لظاهرة الإرهاب، ويبدو أن الأمر ليس مصادفة، فالتعريف الدقيق للإرهاب سيجرّ إلى فضح الدول الراعية له، وسيبرز الازدواجية في المعايير في التعامل معه. والأمثلة كثيرة؛ فبينما كان تنظيم القاعدة جهادًا ضد الشيوعية (الاتحاد السوفيتي) في أفغانستان أصبحت القاعدة اليوم أكبر منظمة إرهابية.
وإذا ما تساءلنا: ما الإرهاب؟ فيمكن القول إن الإرهاب في طبيعته صعب التعريف، والسبب الرئيس في ذلك هو أن كلمة «إرهاب» استُعملت اعتباطًا كاتهام سياسي- لا قانوني من الدول في وصفها ممارسات أعدائها، وهكذا يفقد مصطلح «الإرهاب» الوجه القانوني الذي يجعله عامًّا بحق، ما أفقد «الحرب على الإرهاب» صدقيتها وشرعيتها.
فالإرهابي عند بعض الجهات «محاربٌ من أجل الحرية» وعند بعضها الآخر مختلف عن ذلك. وفي غياب التوافق على تعريف واضح وشامل ونهائي للإرهاب فإن الفوضى والضبابية والإشكالية حول مفهوم أو تعبير «الإرهاب» ستؤدي باستمرار إلى نشوء معايير مزدوجة في تطبيق القانون الدولي العام. ونرى أن استغلال مفهوم الإرهاب في العلاقات الدولية حتى يومنا هذا استعمالٌ سياسيّ، نسبيّ ومجتزأ، غير حيادي، اعتباطي، وانتقائي حيث أن التعريف القانوني للإرهاب غائب بشكل فاضح.
من الواضح أنّ الإرهاب ظاهرة اجتماعية تظهر وتختفي، بحسب معطيات سياسية واقتصادية واجتماعية أخرى تؤثر فيها وتتأثر، فأكبر ما يفاقم الظاهرة التعامل الانتقائي والتبرير الأحادي وإصدار الأحكام القضائية على جهة، والتسامح والتعامل بطريقة مغايرة تمامًا مع جهة أخرى ترتكب الفعل نفسه ضد المدنيين الأبرياء. فقتل مسلمي الروهنغا في ميانمار ومسلمي جمهورية إفريقيا الوسطى لا يثير الضجة نفسها، والتنديد والتحرك. مثل قتل الإيزيديين في سنجار مع تنديدنا بالقتل في جميع أشكاله.
وفي الأمم المتحدة التي طرحت للمناقشة ظاهرة الإرهاب عام 1972 فإنها لم تتجرأ على قول الحقيقة كاملة حول هذه الظاهرة فاكتفت بالتعريف التالي للإرهاب دون ذكر مسبباته. وبصراحة، فقد جرى فرض تعريف الإرهاب كما تفهمه الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب عمومًا، وهو «قتل الأبرياء وزرع الرعب في مجموعات بشرية من أجل هدف سياسي أو تحقيق تغيير في مسلك دولة أو جماعة أو قوة سياسية». ويرى باحثون أن هناك تناقضًا في التعامل مع تحديد ظاهرة الإرهاب ما لم يتناول نقطتين أساسيتين هما:
1- يجب على من يعرف الإرهاب أن يضيف إلى إرهاب الجماعات والتنظيمات والأفراد إرهاب الدولة. فهل إطلاق صواريخ ثقيلة إسرائيلية على أبناء غزة وصواريخ باليستية بعيدة المدى على السوريين في شمال سورية أقل خطرًا من العمليات الانتحارية التي تقتل المدنيين؟ فهذا كله إرهاب دول تمارس ضد الشعوب تحت حجج واهية؛ فهناك تناقض صارخ عند من يقول إنه يحارب الإرهاب لكنه يمارس الإرهاب بنفسه، أي أن شعار محاربة الإرهاب أصبح شماعة لتبرير مواقف بعض الدول التي تعمل لتحقيق أجنداتها الخاصة، وتتدخل في شؤون الدول تحت حجة محاربة الإرهاب الذي لها ضلع مباشر أو غير مباشر في نشوئه وتوسعه.
2- يجب أن يتم التمييز بين الإرهاب وبين نضال الشعوب ضد الاحتلال الأجنبي، وضد الأنظمة الظالمة التي تضطهد الشعوب، وتحرمها من حقوقها وحرياتها ومن حق تقرير مصيرها.
ثانيًا: ما معايير تعريف الإرهاب؟
يجب ان يأخذ تعريف الإرهاب بعين الاعتبار المعايير القانونية أي تحديد تعرف الإرهاب بشكل قانوني تخضع له كل المعايير الأخرى السياسية والاقتصادية وغيرها.
ويجب أن يكو ن للتعريف صفة الاعتراف الدولي، وخاصة من منظمة الأمم المتحدة على ضعف دورها، وحتى التشكيك في أدوارها وأدائها في مختلف الأوضاع.
ويجب أن يقترن التعريف بمبدأ تطبيق العدالة الشاملة، فهي السبيل للقضاء على الإرهاب لاحقًا. ولا يجوز تجزيء معركة محاربة الإرهاب، ولا يجوز الانتقاء، فالإرهاب هو إرهاب أينما كان وفي أي شكل، وأي مسميّات يظهر. ولكن لمحاربته يجب تحقيق العدل والإنصاف والحرية للناس.
ثالثًا: جذور الإرهاب
يجب الاعتراف بأن للإرهاب جذورًا سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية ونفسية، وتحتاج إلى معالجة. والإرهاب والتطرف بشكل عام لا ينتجان من الفراغ، بل هناك أسباب واقعية داخلية او خارجية تمهد لذلك؛ فالصراعات العنيفة والتطرف العنيف في عالم اليوم غالبًا ما نجد جذورهما في خليط من التهميش وعدم المساواة وسوء إدارة الموارد الطبيعية والتطرف والفشل في الحكم والإحباط والعزلة مع عدم توفر الوظائف والفرص». ويمكن تقسيم مسؤولية التطرف والعنف والإرهاب إلى قسمين: مسؤولية داخلية يتحملها النظام، ومسؤولية خارجية يتحملها الذين يفاقمون ظاهرة الفقر والتهميش والحروب ودعم الطغاة، وتسهيل بعثرة مواردهم الطبيعية.
كما أن القمع والعنف والفقر والجهل والظلم والتهميش يخلق تربة لانتشار أفكار متطرفة ومتشددة، ويدفع لسلوك انتقامي من الجميع، وطبعًا هناك من يغذي هذه الأفكار ويمول القائمين على نشرها وتعميقها أي أنّ هناك فئات واسعة مضلّلة، وفئة صغيرة واعية تنفذ أجندات معينة.
وإذا ما رجعنا إلى الحروب في السنوات الأخيرة، فسنجد أن هناك أربع حروب أهلية وقعت في عام 2008، واليوم نحو عشر حروب أدت إلى تشريد 60 مليون إنسان بين لاجئ ونازح، في حاجة إلى نحو 25 مليار دولار سنويًا للأعمال الإنسانية. والنسبة الأعلى من المهاجرين والمشردين جاءت من دول مثل سورية والعراق وأفغانستان والصومال وإريتريا ومالي. وهي دول تشهد صراعات محلية تسبب فيها حكام طغاة أو تدخلات أجنبية أو الاثنان معًا. ومع اعترافنا بأن الوضع الداخلي الذي يمزج بين الفقر والفساد وانهيار مؤسسات الدولة وتفاقم الصراع هو السبب المباشر لهذا التشرد، الذي يغذي التطرف والإرهاب، إلا أننا لا نعفي الدول الأجنبية من هذه المسؤولية.
رابعًا: إرهاب الدولة
يقصد به الاستعمال غير الشرعي للقوة والقمع اللذين تمارسهما دولة ما، ويأخذان شكل أعمال الإرهاب المذكورة، وذلك بحق بعض المواطنين أو جميعهم على أساس التمييز السياسي أو الاجتماعي أو العرقي أو الديني أو الثقافي، أو بحق المواطنين في أراض قامت باحتلالها أو بضمها الدولة المذكورة. لذلك يجب إدانة إرهاب الدولة بوصفه أعلى أشكال الإرهاب، وأن يدين القانون الدولي الإرهاب في مختلف أشكاله، وتشمل هذه الإدانة الإرهاب المرتكب من الأفراد والمجموعات المحلية، لكنه يشمل أيضًا إرهاب الدولة. فإرهاب الدولة هو أعلى أشكال الإرهاب، كونه يعدّ شرعيًا وفق القانون المحلي، وهو يمارس من الأجهزة الحكومية الرسمية، ما يجعله إرهابًا منظمًا تجيزه الدولة. ويشمل إرهاب الدولة: الاحتلال، الجرائم ضد الانسانية، جرائم الحرب والإبادة الجماعية.
كما يعد إرهاب الدولة أعلى اشكال الإرهاب، كون أعمال العنف والتدمير الناتجة عنه أعمالًا منظمة تقوم بها أجهزة الدولة وسلطاتها، وهي بذلك تحظى بموافقة -أو غض نظر- القانون المحلي بوصفها شرعية من وجهة نظر الحكومة. وغالبًا ما يؤدي إرهاب الدولة إلى الإرهاب الدولي، عندما تأخذ سلطات الدولة إجراءات قمعية وتعسفية بحق المدنيين أو الاقليات. والإرهاب الدولي غالبًا ما يكون نتيجة، وليس سببًا، للعنف والقهر.
خامسًا: استغلال الدول ظاهرة الإرهاب لحسابها
المطلوب من الدول عدم استخدام مصطلح «الإرهاب» واستغلاله في شكل اعتباطي لوصف الأفراد والجماعات المناوئين لها، ولممارسة إرهاب الدولة بحقهم تحت الشعار المزعوم “الدفاع عن النفس” فالأمم المتحدة هي الجهة الوحيدة المخولة بتحديد الإرهاب.
سآخذ مثالًا، موقف روسيا من الأوضاع في سورية، بحجة الدفاع عن السيادة الوطنية، والقانون الدولي، وشرعية الأنظمة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. تدخلت روسيا منذ بداية الثورة، ووقفت الى جانب نظام الأسد، ودعمته في جميع المجالات الدبلوماسية والعسكرية والسياسية والإعلامية، وعَدّت روسيا أن معركة دمشق هي معركة موسكو. لماذا؟ ليس لمكافحة الإرهاب، بل لتحقيق أجنداتها الخاصة الجيوسياسية في الدرجة الأولى، وهي تدعم نظام الأسد لتحقق مصالحها، وليس حبًّا بشخص الأسد. وروسيا منذ البداية شاركت في الحملة الإعلامية، والسياسية المضلّلة بأن من يحارب في سورية هم إرهابيون لأنهم حملوا السلاح ضد نظام شرعي منتخب، متناسية أن الشعب السوري يتعرض لإبادة جماعية، وهذه جرائم حرب وهي تصنف ضمن إرهاب الدولة. فبينما تدعم روسيا الانفصاليين في شرق وجنوب أوكرانيا ضد نظام شرعي، وحتى إنها وصفت الانتخابات هناك بأنها غير شرعية في البداية لأن ظروف الحرب لا تسمح بإقامة انتخابات، فإنها رحبت بالانتخابات المفبركة التي أقامها نظام الأسد منذ سنوات، وانتخبوا فيها الأسد رئيسًا لسورية، وبعث الروس مراقبين ليمتدحوا الشفافية والإقبال على الانتخابات، وإلى ما هنالك من القصص الهزيلة التي روجتها روسيا لتبييض صفحة النظام، وللدفاع عن سياستها في سورية، وتبرير دعمها للأسد. يعني هنا نلاحظ الكيل بمكيالين والازدواجية في المعايير. فالروسُ يعدّون المعارضة بشكل عام إرهابية وهي دخلت إلى سورية للقضاء على الإرهاب بينما هي تقتل المدنيين والمعارضين المعتدلين. من جهة أخرى لا تلاحظ روسيا، أو تتناسى، جرائم نظام الأسد الذي يقوم بإبادة جماعية ضد الشعب السوري، حيث قتل مليون سوري وهجر 12 مليونًا، ودمّر البنية التحتية، وحاصر المدن وجوّع الناس، وجعلهم يموتون من العطش والجوع وقلة الدواء، وهجّرهم من بيوتهم وبيوت أجدادهم، ليقوم بعملية تغيير ديموغرافي تفوح منها رائحة الطائفية، او التبعية للمشروع الصفوي الحاقد. كل ذلك يجري وروسيا بكل صلافة، كدولة عضو دائم في مجلس الأمن، وتمتلك حق الفيتو، الذي تسيء كل مرة استخدامه لحماية الأسد من الإدانة، تمارس إبادة جماعية للشعب السوري في حلب وغيرها من المدن السورية، دفاعًا عن مصالحها، متحججة بالدفاع عن شرعية الدول! فهل الشرعية مفهوم مجرّد عن الواقع؟ وهل يجب السكوت إذا انحرف نظام ما، وارتكب جرائم بحق شعبه؟ وأين دور المنظمات الدولية في الدفاع عن المدنيين في سورية؟ من الذي عطل الجهود الدولية لحماية السوريين من القتل والتهجير؟ أليست روسيا ومعها الصين؟ ولكن، ألا يعدّ صمت الولايات المتحدة وتخاذلها، وحتى تواطؤها، نوعًا من إعطاء الضوء الأخضر للنظام ولروسيا لممارسة إرهاب الدول ضد شعب شبه أعزل؟
حتى عندما يجري الحديث عن تصنيف التنظيمات الإرهابية في سورية؛ لماذا يتم الصمت وتجاهل تنظيمات تدعم النظام وتقوم بأعمال إرهابية ضد الشعب السوري مثل حزب الله وميليشيات عراقية وأفغانية وإيرانية تعمل لتحقيق مشروع صفوي صرف تحت غطاء طائفي؟ لا تعدّ روسيا هذه التنظيمات إرهابية، لأنها تدعم حليفها الأسد، بينما فصائل معارضة وطنية تعدّها روسيا إرهابية، لأنها تتعارض مع مصالحها، وروسيا مخطئة تماما في تحديد الصديق من العدو في الساحة السورية.
خاتمة
وأخيرًا، يجب تفعيل المحكمة الجنائية الدولية التي صوت على تأسيسها 139 دولة خلال المؤتمر الذي عقد في روما عام 1998، برعاية الأمم المتحدة، وبالتنسيق الكامل بين المحكمة الجنائية الدولية التي تخوَّل سلطة التدخل في شكل وقائي متى اقتضى الأمر، ومحكمة العدل الدولية التي تشكل امتيازاتها محاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم بحق الإنسانية. وأخيرًا، يجب عقد مؤتمر دولي عن الإرهاب تحت راية الأمم المتحدة.