قبل أن نحدد أي نظام أفضل لسورية، لا بدّ من تحديد أنواع الأنظمة الموجودة في العالم، ونظام الحكم هو المحدد الأساس للعلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية، والأنظمة الديمقراطية في عالمنا المعاصر تصنّف عمومًا إلى:

  1. أنظمة رئاسية presidential   
  2. برلمانية parliamentary
  3. نصف رئاسية semi-presidential 

أولًا: النظام البرلماني

  • نظام يقوم من الناحية الدستورية على التعاون والتبعية ما بين السلطات لبعضها البعض.
  • تعود أصوله إلى نتيجة التسوية السياسية ما بين الثورة الديمقراطية والملكية المتراجعة في بريطانيا، وظهر أول مرة سنة 1714 في بريطانيا، في عهد الملك جورج الأول، وذلك لأن الملك كان ألمانيًا من هانوفر، ولم يكن يجيد اللغة الإنكليزية، ولهذا فوّض وزيرًا بريطانيًا (اسمه Robert Walpole) بتولي رئاسة الحكومة البريطانية، وهذا الوزير صار يسمى بالوزير الأول. منصب الوزير الأول هذا قبل العام 1832 لم يكن منصبًا رسميًا، والملك البريطاني كان ما يزال رأس الحكومة، سواء من حيث القانون أم من حيث الممارسة في الواقع، وبعدما جُرد الملك البريطاني من رئاسة الحكومة، أراد من جردوه منها أن يطيّبوا خاطره، فاخترعوا له رئاسة جديدة هي “رئاسة الدولة”. هم صاروا يميزون بين رأسين:
  • رأس الحكومة head of government.
  • رأس الدولة head of state.

منصب رأس الدولة يقع نظريًا فوق رأس الحكومة، ولكن كل الناس تعلم أن السلطة الحقيقية هي بيد رأس الحكومة، وأما رأس الدولة فهو مجرد منصب شرفي، وتكون السلطة مركّزة بيد رئيس الوزراء، وهناك دول كثيرة تتبع هذا النظام، بالرغم من وجود منصب الملك أو الملكة أو الأمير فيها، كمنصب فخري ورمزي.

 يتم دمج السلطتين التنفيذية والتشريعية معًا، وهو النظام الأكثر انتشارًا في العالم، مثل كندا، استراليا، نيوزلندا، والهند، وهي مستعمرات بريطانية سابقة، إضافة إلى دول أخرى تنتهج هذا النظام، مثل اليابان والدانمارك والنرويج والسويد وهولندا.

في النظام البرلماني، عادة ما يكون رئيس الوزراء أو المستشار، كما يسمّى في بعض الدول الأوروبية، عضوًا في البرلمان ورئيس الحزب صاحب الأغلبية، يشكل حكومة ائتلافية ويختار وزراءه في غالب الأحيان من بين أعضاء حزبه في البرلمان أو من أعضاء الأحزاب المؤيدة له.

وتتوزع السلطة التنفيذية في هذا النظام بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة، فرئيس الدولة أو ملِكها عادة ما يمارس سلطات رمزية. وإن كانت بعض الأنظمة البرلمانية تمنح الرئيس، إذا انتُخب بطريقة مباشرة من الشعب، سلطات فعلية، كما في النمسا. أما إذا كان الرئيس منتخبًا بطريقة غير مباشرة، فإن مهامه تصبح محدودة، كما هي الحال في الهند وألمانيا. وتبقى ممارسة السلطة بطريقة فعلية لرئيس الوزراء أو رئيس الحكومة، وتعتبر الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، فإذا أخطأت يترتب على هذا إمكانية سحب الثقة منها من قبل البرلمان.

  ويقوم النظام البرلماني على:

  • مجلس منتخب يستمد سلطته من الشعب الذي انتخبه.
  • الفصل بين السلطات على أساس التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
  • السلطة التنفيذية تتكون من رئيس الدولة ومجلس الوزراء.
  • رئيس الدولة غير مسؤول أمام البرلمان.
  • مجلس الوزراء أو الحكومة مسؤولة أمام البرلمان.
  • ويتميز النظام البرلماني عن الأنظمة الأخرى بوجود ثنائية الجهاز التنفيذي، ويعني وجود منصبي رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة.
  • رئيس الدولة موجود، سواء كان ملكًا أم رئيسًا للجمهورية، وهو غير مسؤول سياسيًا أي يسود ولا يحكم، ويختص بأمور شكلية وفخرية، ولكن رئيس الدولة في الأنظمة الجمهورية يُسأل جنائيًا في الأنظمة الجمهورية، عكس الأنظمة الملكية التي تعد الملك منزّهًا عن الخطأ والمسؤولية.
  • يقوم الحكم على وجود تعاون وتوازن بين السلطات، ويكون توزيع الاختصاصات مرنًا جدًا، فالسلطة التشريعية تقوم بوظيفة التشريع، وفي الوقت نفسه للسلطة التنفيذية الحق في اقتراح القوانين والتصديق عليها، وبالمقابل فإن السلطة التشريعية لها الحق في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية، وتنظيم العلاقة بين السلطتين يكون قائمًا على فكرة التوازن بينهما، فهناك مساواة وتداخل بين السلطتين، فللسلطة التنفيذية الحق في دعوة البرلمان للانعقاد وحتى حله، وكذلك للبرلمانات الحق في استجواب الوزراء والتحقيق معهم وحجب الثقة عن الوزارة.

مزايا النظام البرلماني:

  • تساعد الأنظمة البرلمانية في الحفاظ على تماسك الدول التي يتصف تركيبها السكاني بالتعددية (قبائل، مذاهب، مناطق، أعراق) لأنها تمثّل مختلف الفئات الاجتماعية.
  • التفاعل الحقيقي بين السلطات.
  • يرسخ الديمقراطية ويمنع الاستبداد.
  • المسؤولية السياسية، واستحالة التهرب من الخطأ السياسي، وسهولة معرفة المسؤول الحقيقي عن الخطأ.
  • وحدة السيادة للدولة.
  • أن قيام البرلمان بتشكيل الحكومة يؤدي إلى تسهيل التعاون بينهما، وينعكس ذلك إيجابيًا على العمل العام.
  • النظام البرلماني يساهم في وجود نوع من الانضباط الحزبي، لأن الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية هو الذي يشكل الحكومة، ومن هنا، فإن الحكومة سوف تتمتع بأغلبية برلمانية مساندة لها، ويسهّل ذلك عمل الحكومة، ومثال على ذلك، الأحزاب البريطانية تتبع النظام البرلماني، وتتميز بالانضباط الحزبي وبالمركزية.

عيوب النظام البرلماني:

  • يركز السلطات في يد رئيس الوزراء، والرقابة قد تضعف في حال وجود انضباط حزبي قوي. وقد يؤدي إلى صعوبة في اتخاذ القرار، وإلى إضعاف الحكومة في حالة التحالفات المعقدة.
  • عدم الاستقرار السياسي، في حالة عدم حصول أي حزب على الأغلبية.
  • عدم الاستقرار للحكومة.
  • الاتجاهات الحزبية المتعارضة والمتضاربة تؤدي إلى صعوبة الحصول على تأييد قوي لعمل الحكومة.
  • رئيس الحكومة قد لا يتمتع بشعبية كبيرة، ويضعف ذلك الهيبة والرمزية للدولة.
  • ستكون الولاءات الضيقة حزبيًا ذات تأثير وطافية على السطح.
  • نظام غير فعال في الدول السياسية الحديثة، فهو يحتاج إلى وعي وإدراك سياسيين عاليين، إضافة إلى تعمق التجربة الحزبية.
  • الوظيفة الأولى للبرلمان هي مراقبة الحكومة، ولا جدوى ولا جدية في رقابة يقوم بها البرلمان على حكومة هي من تشكيله.
  • مهمة البرلمان الثانية تشريع القوانين، فإن القوانين التي تريدها الحكومة سوف يوافق عليها البرلمان، فيفقد التشريع حياده وتجرده، مقررًا أن البرلمان يكون بذلك قد جمع عمليًا بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتكون النتيجة انعدام الحريات، وحيث يحل استبداد المجموعة محل استبداد الفرد، ويحدثنا التاريخ بأن الجنرال ديغول رفض تغول البرلمان -أي السلطة التشريعية- على السلطة التنفيذية، ونجح في القضاء على الجمهورية الرابعة، وأقام على أنقاضها جمهوريته الخامسة، التي تحقق التوازن الرشيد بين السلطتين.
  • ترسخ الانقسامات داخل الشعب أكثر خصوصًا في مجلس الشعب، ولأن المناصب في كثيرٍ منها تخضع للتوازنات الحزبية بعيدًا عن الكفاءة.
  •  يتم تشكيل الحكومة من الحزب الذي حاز أكثر من 50 بالمئة، وبالتالي يكون أكثر من 50 بالمئة من البرلمان معطل، لأنه من الصعب عليه كشف فساد في الحكومة والمحاسبة عليه بقوة، حتى لا يتم إسقاط الحكومة التي يتكون منها حزبه.

هناك نوعان:

  • النظام البرلماني التقليدي: وهو شكل خاص بالأنظمة الأنجلوسكسونية مثل المملكة المتحدة، حيث تملك المؤسسة الملكية سلطات تشريفية فقط، مثل تعيين رئيس الحكومة، أو الموافقة على القوانين، وإعلان الحرب والسلم، وهي غير مسؤولة سياسيًا، في حين تقع السلطة الفعلية بيد رئيس الوزراء، الذي يُعدّ مسؤولًا أمام البرلمان عن أفعاله، ويسمى نظام “ويسنمستر”.
  • النظام البرلماني الجمهوري: وتكون الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، وتقع فيه السلطة الفعلية في يد رئيس الوزراء، بينما تكون صلاحيات رئيس الجمهورية تشريفية فقط، وهو نظام مشتق من النظام البرلماني الفرنسي.

ثانيًا: النظام الرئاسي

تعود أصوله للعصور الوسطى، حيث كانت الممالك تُدار بشكل مباشر من الملك، ثم تطور النظام إلى شكله الحالي. في هذا النظام من أنظمة الحكم يكون هناك فصلٌ تام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما في الولايات المتحدة. وفيه تكون السلطة المطلقة للرئيس، وهو المسؤول الوحيد، والوزراء مسؤولون سياسيًّا أمامه فقط، وليس أمام البرلمان، وتعدّ الولايات المتحدة حاضنة هذا النظام، وقد انتهجته منذ وقت طويل، حيث تمّ البدء بتطبيقه سنة 1787، وكان خيارًا فرضته طبيعة الدولة الناشئة التي هي في الواقع اتحاد فدرالي بين عدد كبير من الدول (الولايات)، وتحتفظ فيه كل منها بصلاحيات واسعة في تسيير شؤونها المحلية، في حين تتحكم الحكومة الفدرالية في مجالات الدفاع والسياسة الخارجية.  

وهو نظام يمكّن كل سلطة من السلطات من الحد من قدرة السلطتين الأخريين على اتخاذ القرارات على نحو منفرد، فالسياسات التي يقترحها الرئيس في الولايات المتحدة مرهونة بموافقة الكونغرس عليها، وإصدارها على شكل قوانين. ولا يخرج قانون من الكونغرس حتى يقرّه مجلسا الكونغرس (النواب والشيوخ) بنفس الصيغ، ولا يصبح القانون نافذًا حتى يوافق عليه الرئيس.

والسلطة القضائية تتمتع بحق إلغاء القوانين التي يسنها الكونغرس والقرارات التي يصدرها الرئيس، إذا وجدت أنها مخالفة للدستور.

وتتألف السلطة التنفيذية من الرئيس فقط الذي يعمل كرئيس للدولة وللحكومة في الوقت ذاته. فليس هناك رئيس وزراء، والرئيس هو الذي يشكل الحكومة، ولا يمكن في النظام الرئاسي، الجمع بين عضوية أكثر من سلطة في الوقت ذاته، وبالتالي لا يمكن أن يكون النائب في البرلمان وزيرًا، كما لا يستطيع الرئيس حل البرلمان، ولا يستطيع البرلمان إسقاط الرئيس إلا في حالة الخيانة العظمى.

ويتم اختيار رئيس الدولة من الشعب، بشكل مباشر أو غير مباشر، ويشكل حكومة لتنفيذ برنامجه السياسي، وتكون مسؤولة أمامه وليس أمام البرلمان، ويتم انتخابه من الشعب الذي يقوم بانتخاب أعضاء البرلمان أيضًا، ويجعلهم ذلك متقربين في المنزلة، وبحكم الفصل الصارم بين السلطات، فإن البرلمان ليست له صلاحية إسقاط الحكومة، كما أنها في المقابل لا تملك صلاحية حله.

وعلى الرغم من النجاح الباهر للنظام الرئاسي في الولايات المتحدة، إلى حد بات معه مرجعًا على المستوى العالمي، فإن الديمقراطيات الأوروبية والأميركية اللاتينية كانت لها تجارب مريرة مع النظام الرئاسي، وقد حدا ذلك بها إلى تركه واعتماد النظام المختلط أو شبه الرئاسي.

ففي أوروبا، أنتج الصراع المتواصل بين الجهازين التنفيذي والتشريعي أزمات متواترة كرست عدم استقرار سياسي مزمنًا. وفي أميركا اللاتينية انتهت الصراعات بين السلطة التنفيذية والتشريعية إلى انقلابات عسكرية، وفي أحسن الحالات إلى إصدار الرئيس مراسيم تنفيذية متجاوزًا البرلمان. وقد أوجد هذا الواقع بيئة سياسية غير صحية، وتسبب في انتكاسة كبرى للديمقراطية.

مزايا النظام الرئاسي:

  • توفير الاستقرار السياسي لمرحلة انتخابية كاملة.
  • تأمين استقرار الحكومة بغض النظر عن الاتجاهات الحزبية المعارضة.
  • يوفر فرص أفضل لعمل وحرية الحكومة، وفي المقابل يوفر البرلمان حرية الحركة والمناقشة، فالبرلمان سلطة مهمة تتركز في المسائل المالية.
  • الرئيس في النظام الرئاسي يتمتع بشعبية كبيرة وهيبة مهمة، لأنه مرشح الأمة ومنتخب من الشعب بشكل مباشر، وهذا ما يعفي الرئيس من الولاءات الضيقة.
  • نظام ناجح في البلدان ذات التجربة الديمقراطية المتكاملة التي يكون فيها مستوى من النضوج والوعي السياسيين عاليًا.
  • هو الأمثل لتحقيق مبدأ الفصل بين السلطات، عندما يكون رأس الحكومة منتخبًا من البرلمان؛ فإن ما يحصل عادة هو أن أعضاء البرلمان الذين ينتمون إلى خط رأس الحكومة سوف يتجنبون التدقيق في ما يفعله وسوف يميلون إلى دعمه وتأييده في كل ما يفعله، وذلك لسببين: لأنهم هم الذين عينوه في منصبه، ولأنهم يخشون من سقوطه ومجيء رئيس آخر من المعارضة.
  • في النظام الرئاسي البرلمان، يؤدي واجبه الرقابي على نحو أفضل، لأن أعضاء البرلمان لا يعينون رأس الحكومة ولا يعزلونه، حتى الأعضاء الذين ينتمون إلى خط الرئيس سوف يتصرفون باستقلالية أكبر، لأن معارضتهم للرئيس في البرلمان لا تعني سقوطه ومجيء رئيس آخر من المعارضة. أنصار النظام البرلماني يردون على ذلك بأن الصراع بين الرئيس والبرلمان يمكن أن يشل الحكومة (هذا يحصل فعلًا في أميركا، عندما تكون الغالبية في الكونغرس من حزب المعارضة).
  • هذا المبدأ ينص على الموازنة بين السلطات المختلفة، بحيث لا تطغى إحداها على الأخرى. إذا كانت السلطة التنفيذية (الرئيس) قادرة على فعل كل ما تريده؛ فسوف تكون نتيجة ذلك ضياع الديمقراطية ونشوء نظام استبدادي.
  •  رأس الدولة أقل تأثرًا بالضغوط الشعبوية وأميل لاتخاذ قرارات يعتقد أنها صحيحة وتصبّ في مصلحة البلد. عندما يتولى الرئيس الأميركي منصبه، فهو يعلم أن لا أحد سيخرجه من هذا المنصب قبل انتهاء ولايته بعد أربع سنوات. ولهذا السبب يكون أقلّ تأثرًا بضغوط الرأي العام الشعبوية، وأميل إلى اتخاذ قرارات مفيدة على المدى البعيد. في المقابل رئيس الحكومة في النظام البرلماني يمضي ولايته وهو مهجوس بتصويت اللاثقة الذي هو بمنزلة سيف مسلط دائمًا على رقبته، هو يعطي أهمية كبيرة للرأي العام الذي ينعكس في آراء أعضاء البرلمان، بينما يرى أنصار النظام البرلماني أن القدرة على تغيير رأس الحكومة في أي وقت هي ميزة ديمقراطية مهمة. النظام الأميركي يمكن أن يسمح لرئيس مرفوض من غالبية الشعب بأن يحكم البلد، وهذا لا يتفق مع الديمقراطية.
  • أكثر استقرارًا من النظام البرلماني، في أميركا الحكومات لا تتغير عشوائيًا، وإنما وفق مواقيت مضبوطة ومعلومة سلفًا، بخلاف الحكومات البرلمانية.

عيوب النظام الرئاسي:

  • من الصعب الفصل بين السلطات في هذا النظام، لأن الفصل يعني كالفصل بين أجزاء الجسم البشري، لأن الاتصال مهم.
  • يلغي مبدأ المسؤولية السياسية مما يعني إمكانية التهرب من المسؤولية.
  • إن الفصل بين السلطات يؤدي إلى هدم وحدة الدولة.
  • يؤدي إلى استبداد السلطة التنفيذية وهيمنة الرئيس سياسيًا ودستوريًا في الحياة الوطنية، وإعادة انتخابه لأكثر من مرة.
  • النظام الرئاسي يزيد من الغطاء الدستوري والقانوني للاستبداد بالسلطة والديكتاتورية.
  • إعطاء مساحات واسعة من القوة للرئيس.
  • لا يسمح بتمثيل مختلف الجماعات الموجودة على الساحة.
  • يؤدي إلى تركيز السلطة، وخصوصًا إذا كان في دولة غير فدرالية، أو عندما يكون حزب واحد فقط يسيطر على الساحة السياسية.
  • إذا انتخب الشعب الرئيس من حزب، وانتخب مجلس أغلبه من حزب أو أحزاب معارضة؛ فهذا يؤدي إلى شلل الحياة السياسية، وعدم اتخاذ أي قرارات.
  • يُؤخذ على النظام الرئاسي قصوره في تسيير الخلاف السياسي المؤسساتي، فنشوب أي خلاف بين الرئيس والبرلمان قد يؤدي بالبلاد إلى أزمة شاملة تشل أجهزة الدولة وتعطل الاقتصاد، في غياب آلية للتحكيم وعدم توفر السلطة التنفيذية على صلاحية الدعوة لانتخابات مبكرة، وعدم قدرة البرلمان على إسقاط الحكومة. وباختصار هناك غياب تام لآليات الضغط المتبادل الضرورية للتغلب على الأزمات.
  • مركزية منصب الرئيس، لدرجة أنه يدفع إلى الهامش دورَ حزبه السياسي، ويُصبح تقييم المرحلة الرئاسية مترتبًا على شخصية الرئيس وأدائه أكثر من الأفكار والمرجعية الحزبية.

الفرق بين النظام الرئاسي والبرلماني

  • إن الجهة التنفيذية (الحكومة – مجلس الوزراء) في النظام البرلماني تعتمد على دعم الأغلبية داخل المجالس التشريعية للبقاء في سدة الحكم، ولتمرير مشاريع القوانين والتشريعات التي تقدمها، أما في النظام الرئاسي فالجهة التنفيذية تحتاج إلى الأغلبية التشريعية، لتدعم مشاريع القوانين والتشريعات التي يقدمها الرئيس حصرًا.
  • في النظام البرلماني، يكون انتخاب رئيس الحكومة (رئيس الوزراء) بواسطة الهيئات التشريعية، أما في النظام الرئاسي فيكون انتخاب الرئيس من قبل الشعب مباشرًا، أو عن طريق هيئة انتخابية رئاسية منتخبة من الشعب.
  • إن الأنظمة البرلمانية تتكون من هيئات تنفيذية جماعية أو مشتركة، أما في النظام الرئاسي فتتكون من شخص واحد وهيئات تنفيذية غير جماعية.
  • النظام البرلماني تأخذ به الدول الملكية أو الجمهورية على السواء، أما النظام الرئاسي فيكون في الدول الجمهورية فقط، وفي كلا النظامين فصلٌ بين السلطات ولكن بشكل مختلف.

ثالثًا: النظام شبه الرئاسي

 نشأ هذا النظام في أحضان النظام البرلماني، حيث اتجهت بعض النظم البرلمانية المعاصرة إلى تقوية السلطات الضعيفة لرئيس الدولة التي تمارسها عنه الحكومة. والنظام شبه الرئاسي هو الذي يهيمن فيه رئيس الدولة على السلطة التنفيذية، تشاركه ممارستها الوزارة، وغالبًا ما تكون مسؤولة أمام البرلمان لاعتماد النظام مبادئ النظام البرلماني.

ولا يوجد نظام اسمه نظام “شبه رئاسي”، بل هو نوع من النظام البرلماني، أدخلت عليه تعديلات قوّت السلطة التنفيذية، ولا سيما توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية باختصاصات أوسع، مقارنة بما يتمتع به رئيس الدولة في النظام البرلماني التقليدي، حيث يُنتخب الرئيس بالاقتراع العام المباشر، ويتمتع بقدر من الصلاحيات، وفي الوقت نفسه تكون هناك حكومة منبثقة عن البرلمان، ولها رئيس يتمتع بصلاحيات أخرى، وتكون الحكومة مسؤولة أمام كلٍّ من البرلمان والرئيس ومثاله: فرنسا.

يقوم هذا النظام على ثنائية السلطة ما بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ويكون رئيس الحكومة مسؤولًا بشكل مباشر أمام البرلمان، فهو صيغة تجمع بين النظام الرئاسي والبرلماني، ويكون فيه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء شريكين في تسيير شؤون الدولة. ويختلف هذا النظام عن النظام البرلماني في أن رئيس الجمهورية يتم اختياره من قبل الشعب، ويختلف عن النظام الرئاسي في أن رئيس الوزراء مسؤول أمام البرلمان، ويمكن للبرلمان محاسبته وسحب الثقة منه. ويأخذ هذا النظام ببعض مميزات النظام الرئاسي وبعض مميزات النظام البرلماني. وقد تحولت أغلب بلدان أوروبا وأميركا اللاتينية إلى النظام المختلط، مدفوعة بالأزمات السياسية المترتبة على النظام الرئاسي والتي غالبًا ما تكون لها نتائج سلبية جدًا على الاستقرار والنمو الاقتصادي.

ففي فرنسا مثلًا، أقرّ دستور 1848 النظام الرئاسي، لكن الصراع السياسي بين السلطة التنفيذية والتشريعية أنهى تلك التجربة بانقلاب عسكري قاده لويس نابليون بونابرت، في الثاني من كانون الأول/ ديسمبر 1851. وفي فرنسا أيضًا نصّ دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة (1958) على اعتماد النظام المختلط، ويعدّ الرئيس الفرنسي شارل ديغول أول من وضع هذا النظام، حيث صيغ دستور جديد عرضه على الاستفتاء الشعبي عام 1958، وكان ديغول يرى أن نظام الأحزاب تسبب في فشل الدولة، وهذا ما يستدعي إصلاح مؤسسات الدولة. وتم ذلك على مراحل، بداية بدستور عام 1958 حتى عام 1962 حيث تم انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب، وليس بالتصويت في البرلمان. وقد استمر النظام شبه الرئاسي في فرنسا على هذه الحال حتى تم إنهاء هذه الازدواجية، عندما فقد الرئيس فرانسوا ميتران الأغلبية اليسارية التي ينتمي إليها في البرلمان عام 1986، فاضطرّ إلى اختيار رئيس وزراء من اليمين هو جاك شيراك. وعُرفت تلك الحالة بـ “حالة التعايش”. وفي مثل هذه الحالة التي لا يحصل فيها الرئيس على الأغلبية؛ يفقد صلاحياته ويترك بعضها للحكومة التي تكون صاحبة المبادرة وتواجه مصيرها مع البرلمان.

وتعتمد فنلندة وإيرلندا والنمسا والبرتغال النظام المختلط، كما طبقته أغلب دول أوروبا الشرقية لدى عودتها إلى الديمقراطية مع سقوط المعسكر الشرقي عام 1990. وكذلك تُطبق عدة دول أفريقية النظام المختلط، وإن كان فصل السلطات فيها صعب التمييز، نظرًا لسيادة الحكم الفردي، وهيمنة حزب الرئيس في أغلب الأحيان على المشهد السياسي.

ويسمى النظام شبه الرئاسي “النظام المختلط” لكونه خليطًا بين تقنيات النظام البرلماني وتقنيات النظام الرئاسي، وتتجلى مظاهر الخلط كما يلي:

  • رئيس الجمهورية يُنتخب مباشرة من الشعب
  • رئيس الجمهورية يتولى رئاسة مجلس الوزراء مما يجعله عضوًا في ممارسة السلطة التنفيذية، وخاصة السياسة الخارجية والأمن والجيش
  • يعيّن رئيس الحكومة
  • يعين الوزراء ويقيلهم، بناء على اقتراح رئيس الحكومة
  • يعين كبار الموظفين
  • يعين أعضاء المجلس الدستوري

اختصاصات رئيس الجمهورية في النظام المختلط:

  1. تعيين رئيس الحكومة
  2. تعيين الوزراء
  3. تعيين كبار الموظفين المدنيين والعسكريين
  4. تمثيل الدولة في الاجتماعات المهمة، ويبرم المعاهدات والاتفاقيات ويعين السفراء
  5. حق الاعتراض الكلي أو الجزئي على القوانين
  6. حل البرلمان بعد استشارة الوزير الأول
  7. اختصاصات قضائية
  8. صلاحيات بالنسبة للمجلس الدستوري
  9. تعيين مجلس القضاء الأعلى
  10. حق العفو الخاص

مزايا النظام شبه الرئاسي:

  • يعطي الحكومةَ حق إصدار القرارات التي لها فاعلية القوانين، بشرط موافقة رئيس الجمهورية عليها، والحق في اقتراح القضايا التي يجب مناقشتها في مجلس الشعب.
  • يعطي هذا النظام الحق لرئيس الجمهورية بحل مجلس الشعب، ومن جهة ثانية يمكن للمجلس أن يسحب الثقة من رئيس الوزراء أو من أي وزير آخر.
  • يعطي لرئيس الجمهورية الحق في فرض قانون الطوارئ، والحق في استفتاء الشعب في القضايا المهمة.
  • تكون المرجعية الدستورية في هذا النظام لمجلس دستوري له صلاحية مراقبة مدى تطابق القوانين الصادرة من مؤسسات الدولة.

عيوب النظام شبه الرئاسي:

  • يظهر أخطرها عندما تتصادم مصالح رئيس الجمهورية مع مصالح رئيس مجلس الوزراء الذي يمثل الأغلبية في البرلمان.
  • استخدام رئيس الجمهورية حقّه في إعلان حالة الطوارئ لسنوات طويلة، وإساءة استخدامه حق الاستفتاء.
  • إخفاقه في ضمان توازن دائم بين السلطات، فحين يتوفر الرئيس على أغلبية في البرلمان، يسطو الجهاز التنفيذي بشكل صارخ على البرلمان الذي يكاد يتحول في هذه الحالة إلى غرفة لتسجيل القوانين والقرارات الحكومية دونَ اعتراض أو مساءلة.
  • إذا خسر الرئيس هذه الأغلبية، فإنه يكون مضطرًا إلى التعايش مع أغلبية وحكومة مناوئتين، وفي هذه الحالة يتضرر تنفيذ برنامجه السياسي بشكل صارخ.

أيّهما أفضل لسورية:

مراحل التحول التي تجتازها الشعوب تكون مليئة بالأخطاء، ومن المصلحة كشف الأخطاء في الوقت المناسب، والاستفادة من تجارب الدول ذات الظروف المشابهة.

لا يوجد نظام كامل، ولكل نظام مزايا وعيوب وسلبيات، وهناك تجارب ناجحة للنظام البرلماني وللنظام الرئاسي، فلا يمكن الحكم على أي النظامين أفضل لسورية، والشعب السوري -كالشعوب في الشرق الأوسط- يميل “لعبادة البطل”، فوجود رئيس قوي سيدفع قسمًا من الشعب إلى “عبادة” هذا الرئيس.

 فالنظام الرئاسي هو النظام الأفضل للدول التي تملك أنظمة ديمقراطية قوية، حيث طُبق النظام “الرئاسي” في العديد من الدول النامية، والنتيجة كانت في الغالب انهيار الديمقراطية ونشوء أنظمة دكتاتورية. فالنظام الرئاسي ينجح في أميركا، بسبب الثقافة الديمقراطية الراسخة في ذلك البلد، ولكننا لو طبقنا النظام نفسه في مجتمعات تفتقر إلى الثقافة الديمقراطية، فالنتيجة سوف تكون الفشل، فما حصل في العراق يُثبت أن النظام الرئاسي لا يصلح للمجتمعات العربية، التي لا تملك ثقافات ديمقراطية، وهي مستعدة لأن تصوّت للطغاة، وأن تدعمهم في كل شيء يفعلونه، وما يناسب منطقتنا هو أنظمة لا تسمح بوجود رؤساء أقوياء، ما أنقذ العراق أن النظام برلماني، وإلا كان نوري المالكي رئيسًا حتى الآن. وعمومًا؛ فإن لكل دولة ظروفها وخصوصيتها، فما يصلح لدولة ملكية مثل بريطانيا قد لا يصلح لدولة أخرى،

بعض الآراء ترى أن وجود رأس للدولة منفصل عن رأس الحكومة هو أمر جيد، لأن رأس الدولة يمكن أن يتدخل في حالات الطوارئ لإنقاذ البلاد من أزمة حكومية خطيرة مثلًا، ولكن هذا الكلام (مثل كل المزايا الأخرى التي تنسب للنظام البرلماني أو الرئاسي) يعتمد على الظروف الخاصة بكل بلد، ففي بعض البلدان يمكن لرأس الدولة (سواء كان ملكًا أم رئيسًا شرفيًا) أن يتدخل ويحل أزمة حكومية، ولكن في كثير من البلدان، لن يكون مثل هذا التدخل مفيدًا في الواقع، بل ربما سيفاقم الأزمة سوءًا.

 ما يهم في الواقع هو ليس الكلام المكتوب في الدستور، وإنما ثقافة المجتمع، إذا أتيت بأفضل دستور في العالم وطبقته في مجتمع ذي ثقافة سياسية رديئة؛ فإن النتيجة سوف تكون الفشل، فالأنظمة كالأدوية؛ ليس من الضروري أن ينفع علاج مريض لكلّ المرضى.

بخصوص سورية، فإن الدولة السورية التي تأسست زمن الانتداب الفرنسي كانت ذات نظام برلماني مطابق للنظام الفرنسي آنذاك، وكان يجعل من مجلس الوزراء رأسًا للسلطة التنفيذية، وأما رئيس الجمهورية فكان محدود الصلاحيات، أقوى صلاحياته هي أنه كان يستطيع أن يحل البرلمان وفق آلية معينة، وكان يملك أيضًا بعض الصلاحيات في مجال العلاقات الخارجية. لكن وجود رؤساء أقوياء كان يجعلهم يترأسون السلطة التنفيذية بخلاف الدستور، كما حصل سنة 1948 عندما أقر المجلس النيابي قانونًا سمح للرئيس بالبقاء في منصبه بعد انتهاء ولايته الدستورية، وبعد ذلك تم استبدال دستور سورية بدستور جديد في عام 1950، هذا الدستور كان برلمانيًا وصلاحيات رئيس الجمهورية فيه كانت أضعف من صلاحياته في الدستور السابق، ولكن هذا الدستور في حقيقته كان مجرد لعبة، فالشيشكلي سمح بإقرار هذا الدستور لأنه أمل بأن السوريين سيلتهون به، عندما وجد الشيشكلي أن الدستور لا يتوافق مع أهوائه، قام بنفسه بإلغاء دستوره في عام 1952، واستبدله بدستور آخر “رئاسي” ركز الصلاحيات التنفيذية في يديه، أي أنه كرر سيناريو شكري القوتلي ولكن بدرجة أقوى، لكن الشعب ثار عليه وخلعه في عام 1954.

إضافة إلى هذه الصلاحيات كلها كانت هناك أحكام عرفية منذ عام 1962 تمنح الأجهزة الأمنية سلطات مطلقة في قمع المعارضين، وقانون طوارئ يكبل الحريات ويقيدها، وبموجب هذه القوانين كانت سورية سجنًا كبيرًا، دستور عام 1973 تم تعديله عام 2012، لكن كل الدساتير كانت مجرد حبر على ورق، ولم تطبق بشكل حقيقي.

ومشكلة الدستور السوري هي حجم الصلاحيات الكبيرة التي يتمتع بها الرئيس، حيث نجد أن الرئيس في دستور سورية الحالي يجمع بين الصلاحيات كافة، فهو القائد للجيش والقوات المسلحة، ويعيّن الوزراء ونوابهم، ويعفيهم من مناصبهم، وينعقد مجلس الوزراء برئاسته، ومن حقه إعلان حالة الطوارئ، وتعيين كبار الموظفين المدنيين والعسكريين، وإبرام المعاهدات والاتفاقات، ومن حقة حل مجلس الشعب، ومن حقه منح العفو الخاص، والمصادقة على العفو العام، ويعتمد البعثات الدبلوماسية والأجنبية، ومن حقه إعلان الحرب، والتعبئة العامة، وكذلك فإن رئيس الجمهورية هو من يترأس مجلس القضاء الاعلى، وهو من يعين القضاة ويحدد مهماتهم، ولرئيس الجمهورية تسمية أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وغير مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها مهما بلغت جسامتها، فبنود دستور 2012 تختصر الدولة في شخص الرئيس، حيث يقبض على السلطات الثلاث بيده (تشريعية وتنفيذية وقضائية)، فهو نظام شمولي فردي يجمع بين النظام الرئاسي والوراثي، ما جعل مؤسسات الدولة المرتبطة بالرئيس معطلة تمامًا، ولا دور لها.

كذلك لقد وضع الدستور السوري لعام 2012، ليمنع أي انتقال سياسي، من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي. لذلك يجب أن تكون أولويات اللجان التي تعنى بصوغ دستور سورية المستقبلي، أن تصوغه بشكل يعتمد على النظام التشاركي أو المختلط، أو يوازن بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي، وذلك للحيلولة دون الاكتواء بنار هيمنة رئيس الجمهورية وتفرده بالسلطة.

المعارضة تطرح فكرة نظام رئاسي، لذلك تطالب بانتقال صلاحيات الرئيس إلى هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، فانتقال صلاحيات الرئيس دون تعديل الدستور لهيئة حكم انتقالي من دون رقيب يعني إعادة لتكرار نظام دكتاتوري.

يجب التركيز على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، والتسليم بأن السلطة والسيادة للشعب، ووضع قانون انتخابي جديد، يقوم على التمثيل النسبي الذي يتيح أوسع مشاركةٍ سياسيةٍ وأوسع تمثيل، ويضمن عدم هيمنة طرفٍ على طرف آخر، أغلبية أو أقلية، إضافة إلى التأكيد على مبدأ تداول السلطة، والحق في المشاركة السياسية، وضمنها حرية الأحزاب ووسائل الإعلام.

والأفضل الانتقال إلى نظام برلماني، يصبح الرئيس فيه في منصب بروتوكولي، ويقوم بتكليف الجهة (الحزب أو الائتلاف) الأكثر تمثيلًا في البرلمان برئاسة الحكومة، وتسيير دفة الحكم، يمكن أن يحصل الأمر نفسه أيضًا مع وجود نظام شبه رئاسي (مختلط)، بحيث يتم تقسيم الصلاحيات بين الرئيس المنتخب من الشعب، ورئيس الحكومة (المنتخب من البرلمان)، وقد يحصل أن الرئيسين من حزب واحد أو من حزبين مختلفين، يمنع هذا النظام تمركز السلطة عند أيّ من الرئيسين، ويمكن أن يضفي نوعًا من الحيوية على النظام السياسي، ويعزّز من وضع السلطة في حقل التداول، كما يعزّز من شأن المشاركة السياسية.

لذا نرى أنه من المفيد تقييد صلاحيات الرئيس، تجسيدًا لمبدأ فصل السلطات، كما في الدساتير الحديثة، ويخضع فيه الرئيس للمحاسبة وعدم إطلاق العنان للسلطة التنفيذية في تنفيذ القرارات وفق هواه.

من الضروري أن يُبنى الدستور على أساس وظيفي لجهة رئيس الدولة، فمثلًا في الدستور الإيطالي لا يمكن الجمع بين منصب رئيس الجمهورية وأي منصب آخر، وينتخب الرئيس من السلطة التشريعية، وعليه أن يحترم الدستور والالتزامات الناتجة عن قوانين الاتحاد الأوروبي أو الالتزامات الدولية، ويمنحه فقط تعيين رئيس الحكومة المادة 117 في الدستور الإيطالي (ولا يجوز الجمع بين رئيس الجمهورية وأي منصب آخر المادة 84) وبرلماني لجهة التشريع، كما جاء في الدستور السويسري المادة 163 تصدر الجمعية الاتحادية المراسيم الملزمة قانون في صورة قانون اتحادي. وتصدر المراسيم الأخرى في صورة قرار اتحادي، أي يمارس رئيس الجمهورية الصلاحيات المنوطة به، وفق أحكام النظام الرئاسي البرلماني، على أن يجري توزيع السلطات وفق الدستور.

كذلك دستور فنلندا وأيرلندا والنمسا هو النظام المختلط (نظام جمهورية شبه رئاسي ديمقراطي تمثيلي برلماني ويخول السلطة للشعب الذي يمثله النواب المجتمعين في البرلمان، ويضطلع البرلمان بالسلطة التشريعية، بينما يؤدي رئيس الجمهورية دورًا ثانويًا للغاية (يعد مجلس الدولة الحكومة أعلى مستويات الحكم في الدولة، ويجب أن يتمتع أعضاء الحكومة بثقة البرلمان) دستور فلندا.

إن الدستور السوري الذي نطمح إليه يجب أن يأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات، وأن يجسد هذه النظرية بقوانين ناظمة، كقانون الأحزاب وقانون الصحافة، ويجسد ذلك عبر دستور عصري يقيد صلاحيات الرئيس.

وفق الآتي:

  • يمارس رئيس الجمهورية الصلاحيات المنوطة به وفقًا للنظام الرئاسي، على أن يجري توزيع الصلاحيات بينه وبين بقية السلطات بشكل منفصل.
  • صلاحيات الرئاسة تجاه الحكومة تقتصر على قبول استقالة الحكومة، أو عدّها مستقيلة، ولا مانع من الاستشارة في مجال الشؤون الخارجية والدفاع.
  • تُرفع مشروعات القوانين كافة، من مجلس النواب إلى الحكومة، وليس إلى الرئيس، وتقتصر مهمة الرئيس هنا على إعلانها.
  • تحديد مدة الرئاسة بأربع سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة (وهذه المادة لا يجوز تعديلها قطعًا).
  • إعلان حالة الطوارئ تكون منوطة برئاسة الوزراء، بعد طرحها على مجلس النواب، وأخذ رأي المحكمة الدستورية، ولا مانع من أن يعلنها الرئيس، ويجب أن تكون في حالات استثنائية فقط، وبحدود ضيقة جدًا، مع اشتراط تحديد المدة الزمنية، وثم تطرح على البرلمان في حال التمديد (في الأحوال الاستثنائية).
  • ويجب على الرئيس إعلان القوانين التي نالت موافقة الحكومة والبرلمان، خلال عشرة أيام من وصولها إلى ديوان الرئاسة، وإعطاء الحق بطلب إعادة النظر في القانون مرة واحدة. وأيضًا للرئاسة حق مراجعة المحكمة الدستورية في ما يتعلق بالاعتراض على دستورية القوانين المحالة من البرلمان، وعدم تدخل الرئيس في صلاحيات السلطة القضائية التي تكون مستقلة.
  • السلطة القضائية يجب أن تكون مستقلة، ولا سلطان عليها، ويجب عدم تدخل رئاسة الجمهورية في تعيين السلطة القضائية، ويجب أن تكون تابعة لمجلس القضاء الأعلى. وكذلك المحكمة الدستورية يجب أن تؤلف من أعضاء مستقلين، يعينون عبر آليات تشريعية، أي من مجلس النواب، ويكونون مستقلين -ماليًا وإداريًا- عن السلطة التنفيذية (وزارة العدل) ورئاسة الجمهورية.

كل هذا يساعد في صوغ دستور عصري، يؤسس لنظام ديمقراطي ذي بنية قانونية لا تؤدي إلى الاستبداد في أي حال، ويكون قائمًا على التعددية الحزبية، وسيادة القانون، وفصل السلطات، وترسيخ حقوق الإنسان، والوصول إلى دولة القانون والمؤسسات، ويحترم المعاهدات والمواثيق الدولية التي تصون حقوق الإنسان.

النظام البرلماني ينجح في الدول المستقرة، عرقيًا ومذهبيًا (انتخابات فردية، أو قائمة نسبية بحد أدني مرتفع) بغير هذا؛ يكون النظام البرلماني كارثة، ومن الصعب أخذ قرار حاسم في النظام البرلماني نتيجة للتوازنات السياسية الكثيرة.

ويمكن تطبيق النظام المختلط، وهو أقرب إلى البرلماني منه إلى الرئاسي، وليس فيه تسلسل في القيادة، حيث تكون القيادة موزعة بين الرئيس ورئيس الوزراء، وليس فيه تقويض لمؤسسات الدولة، إذا كان لأحدهما اتجاه سياسي وللآخر اتجاه مختلف عنه، على نحو ينتج عنه تضارب في التوجهات.

عند الأخذ بالنظام البرلماني، لا بدّ من الاستفادة من تجارب الدول العربية المجاورة مع هذا النظام، وخاصة العراق، حيث ظهرت مشكلات بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، حالت دون الفصل بين السلطات، وأدت إلى تعطيل القوانين التي تصدرها السلطة التنفيذية، بسبب المساومات داخل البرلمان والتدخل بالسلطة القضائية والحيلولة دون مكافحة الفساد، كما أدت إلى حالة عدم استقرار سياسي.

ومهما يكن من حال؛ فإن النظام البرلماني أو شبه الرئاسي، وفقًا لما يحدث الآن في سورية، هو المنقذ المهم والضروري لصيانة وحدة سورية وفرض النظام والأمن بها، وصيانة حقوق القوميات والأقليات والأديان الأخرى في سورية.

__________

(*) بحث مقدم إلى ندوة “تجارب سورية الدستورية” التي عُقدها مركز حرمون للدراسات المعاصرة في مدينة إسطنبول في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2019.