اسم الكتاب: أطوار التاريخ الانتقالي – مآل الثورات العربية
اسم المؤلّف: مجموعة من المؤلفين
مراجعة: فادي كحلوس
دار النشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
مكان النشر: لبنان، بيروت
تاريخ النشر: 2015
المحتويات
الفصل الأول: ما بعد الثورات العربية، زمن المراجعات الكبرى
الفصل الثاني: مراحل انتقال الثورات العربية، مدخل مؤسسي للتفسير
الفصل الخامس: الدولة الوطنية العربية، حالة انتقال مستمرة
الفصل السادس: محنة الانتقال الديمقراطي العربي، وعود الثورة، قلق المسارات ومعابر الأمل
الفصل السابع: عن فرص بناء أفق سياسي تعددي في دول الثورات العربية
الفصل الثامن: التحول الديمقراطي في اليمن، روافع ضعيفة وكوابح قوية
الفصل التاسع: البوسنة وكوسوفو وسورية، مقاربات ومآلات
الفصل العاشر: عبقرية الانتقال باليابان في ثورة الميجي 1868 والدروس المستفادة عربيًا
الفصل الحادي عشر: الربيع العربي من منظور مقارن
مقدمة
يتألف هذا الكتاب من مجموعة منتقاة من البحوث المحكّمة، ويشتمل على اثني عشر بحثًا في محور “التاريخ الانتقالي”، وتأتي أهمية اختيار هذا الموضوع من أهمية المرحلة الانتقالية في مسار الثورات، وتحولات عملية التغيير الاجتماعي الكبرى الجارية في الوطن العربي، واتجاهاتها المختلفة على مستوى التطور والمضامين للانتقال نحو الديمقراطية، بالاستفادة من تجارب التاريخ لعبور هذه المرحلة بأقل خسائر ممكنة.
تتناول فصول الكتاب مواضيع تتعلق بالدين والدولة المدنية، والحريات الفردية، وقضايا الإرهاب، ويركز على المراحل الانتقالية بعد الثورات، باعتبارها مراحل مفصلية يتوقف عليها مسار الثورات المستقبلي، كما يتناول قواعد الانتقال الديمقراطي عربيًا، والدولة الوطنية العربية.
الفصل الأول: ما بعد الثورات العربية، زمن المراجعات الكبرى.
ينطلق كمال عبد اللطيف، في هذا الفصل، من “الإقرار بصعوبة مقاربة الأطوار الانتقالية في التاريخ، بحكم أنها تندرج في إطار تركيب تاريخ الراهن في جريانه، الأمر الذي يتطلب الانتباه إلى تداعيات ما يجري، وتعليق الأحكام إلى حين التحقق من عملية الفرز التي ستحصل لاحقًا”. ليحدد الكاتب الاتجاه الذي ستأخذه مساهمته في هذا الموضوع (ملامح التطور الانتقالي في مصر وتونس)، مع ذكر إشارات للتمثيل والتوضيح مستمدة من مشاهد سياسية عربية أخرى.
يركز الكاتب على البعدين الثقافي والسياسي، لاعتقاده بأن “المراجعات الكبرى ستفسح المجال لتأسيس قواعد جديدة في الفكر السياسي العربي”. ويوضّح الغاية من مساهمته هذه بقوله: إصابة هدفين محددين: الأول يتعلق بإعادة تأسيس مرجعية الحداثة السياسية في الفكر العربي، لمقاربة الإشكالات التي تترتب عن صور التحول الجارية في البلاد العربية (…) وتشخيص جوانب من هذه الإشكالات في أبعادها الثقافية (…) أما الثاني فبناء نقط ارتكاز فكرية (…) تساعد في عملية تركيب ثقافة جديدة منسجمة مع روح التحولات الجارية”.
يستند كمال عبد اللطيف، في مساهمته هذه، إلى مسلّمة مركزية: “إن إسقاط أنظمة الاستبداد لا يشكل أكثر من خطوة مهمة في طريق شاق وطويل”. وفي معرض تناوله لسمات الطور الانتقالي العربي، يقول: ما وقع عربيًا سنة 2011 (…) يظل حدثًا صانعًا لأفق في التغيير مرغوب فيه، أفق يزكيه مشروع النهوض العربي.
كما يتناول الكاتب موضوع الإسلام السياسي في الحكم، الذي أنتجته انتخابات ما بعد 2011، في مصر وتونس والمغرب، ويشير إلى “ذهول النخب العربية أمام أحداث 2011 (…) الذي تلاه ذهول آخر، غشي أبصار الذين تبوّؤوا بعد ذلك مقاعد الحكم، في كل من مصر وتونس والمغرب، حيث تبرز المعالم الكبرى لهذا الذهول في نسيانهم السريع بأنهم وصلوا إلى سدة الأجهزة التنفيذية، بعد انفجارات وحوادث تاريخية كبرى، كما تتمثل في عدم انتباههم إلى أنهم يقودون اليوم مرحلة انتقالية، يُفترض أنها تمهد لولوج أبواب النظام الديمقراطي (…) وأن الترتيبات التي جعلتهم في موقع القرار تندرج ضمن مطلب بناء برنامج انتقالي محدد، يناسب مرحلة ما بعد الثورة، وخصوصًا الجوانب التي تستدعي لملمة المخلفات التي تركها الحراك الاجتماعي في المجتمع والدولة، إلا أنهم ركبوا مسارات أخرى، فأصبح الاضطراب عنوانًا بارزًا في دروب الانتقال المعقدة”.
يتطرق الكاتب -أيضًا- إلى موضوع الخطابات السياسية وصناعة مآزق الطور الانتقالي، فيورد حالة “الخوف من الإسلام السياسي”، بالاستحواذ على السلطة والتفرد بها؛ “مما حوّل المشهد الانتقالي من مشهد مركب لأفعال من الاستقطاب المغذية لآليات في الفعل السياسي لا يتناسب مع طبيعة الطور الانتقالي الحالي”. ثم ينتقل الكاتب إلى تقديم معطيات في الطور الانتقالي، في كل من مصر وتونس، من شأنها معاينة بعض مآزق الطور الانتقالي العربي، مثل: “مواقف الإسلاميين من الديمقراطية”، و”حضور نمط من الخطاب ينبئ بتعميم القدرية والتواكل وكشف طابع التأسلم الذي شمل مختلف مظاهر الحياة والمجتمع”.
في إطار (مآزق الطور الانتقالي العربي وتحدياته) يتناول الكاتب موضوع الدساتير الجديدة، والمأزق السياسي الانتقالي في قلب الجدل الدستوري، كما يتناول “إجراءات تفعيل مبدأ المراجعات الكبرى”، ويتبين للكاتب أن معارك الراهن الثقافية في طورها الانتقالي، تنقسم إلى قسمين: معارك تهتم بمزيد من بلورة تصوراتنا للحداثة والتحديث (…) ومعارك تساهم العناية بها في تطوير حداثتنا وتعميق جذورها في تربة مجتمعنا.
الفصل الثاني: مراحل انتقال الثورات العربية، مدخل مؤسسي للتفسير.
يتناول الكاتب حسن الحاج علي أحمد المراحل الانتقالية التي تعيشها الثورات العربية، وتحديد العوامل التي تتحكم في التوازن الهش للفترات الانتقالية للثورات، بين مؤسسات الدولة القديمة وبعض القوى التي أحدثت التغيير الثوري وتسعى لتكوين مؤسسات جديدة. ويرى الكاتب أن “مخرجات الفترة المفصلية تتوقف على ثلاثة عوامل هي: الإرث المؤسسي الذي خلّفته الدولة القديمة، وطبيعة التغيير الثوري الذي يؤثر في وجود آليات للتغذية الاسترجاعية أو عدمها، وتحالفات النخب”. وتبقى أهمية هذه المساهمة قائمة على فكرة أن “دراسة المراحل الانتقالية للثورات تأخذ الأهمية ذاتها التي تولى لدراسة أسباب قيام الثورات”، ويتناولها الكاتب -هنا- عبر أربعة أقسام رئيسة:
1- مفهوم الانتقال والقضايا المرتبطة به.
2- الإطار النظري ومنهجية البحث.
3- تحليل أوضاع ما قبل الثورات.
4- سمات وديناميات المراحل الانتقالية وأهمّ الآثار والدلالات النظرية والعملية لمخرجات البحث.
يناقش الكاتب تجارب تونس ومصر وليبيا، بتطبيق تلك الأقسام الأربعة عليها، ليخلص إلى القول: وفقًا للتحليل التتبعي؛ فإن مخاض التفاعل بين العوامل الثلاثة: “إرث الدولة القديمة، والتغيير الثوري، ودرجة تجانس النخب في الفترات الانتقالية”، سيؤدي إلى إعادة إنتاج المؤسسات القديمة، أو قيام نظام هجين في مصر، وإلى تكيف المؤسسات في تونس مع البيئة السياسية الجديدة، أما في ليبيا، فستفضي إلى قيام مؤسسات جديدة، أو الدخول في حالة من عدم الاستقرار. ويختتم الكاتب بقوله: “إن المؤسسات تقوم بدور مهم في تحديد مخرجات الفترات الانتقالية في الدول الثلاث، وإن خيارات النخب الاستراتيجية تؤثر فيها البيئة المؤسسية”، موردًا دلالات هذه النتائج، نظريًا وعمليًا.
الفصل الثالث: قواعد الانتقال الديمقراطي في المجتمعات العربية، مؤشرات الديمقراطية وقياسها والتمكين في إطار التحولات العربية
يتناول الكاتب أنطوان مسرّة، بدايةً، مكونات الديمقراطية، حيث “تشمل مؤشرات الديمقراطية وقياسها أربعة عناصر هي: انتخابات حرة ونزيهة، حكومة تعمل بشفافية ومسؤولة أمام مجلس النواب، حقوق سياسية واجتماعية واقتصادية، مجتمع مدني فاعل”. ويضيف: يتفرع من هذه العناصر الأربعة نحو مئة مؤشر فرعي.
يرى الكاتب أن أبرز الشؤون، في الثقافة الديمقراطية عربيًا، التي ينبغي إدراجها وتثقيلها في المؤشرات والقياس والتحليل، هي: ثقافة القاعدة الحقوقية، ثقافة المجال العام، مؤشرات المدافعين عن المواطنين، مدنيّة المجتمع المدني. ويشير إلى إعطاء أهمية أكبر في قياس الديمقراطية ومؤشراتها في الدول العربية لمسألة “إدارة التنوع الديني”، وينبّه إلى إضافة مؤشرات حول عنصر المجتمع المدني الفاعل والديمقراطي، وإلى المؤشرات الإضافية -كمًا ونوعًا- في مجال التمكين الديمقراطي.
ينتقل الكاتب إلى تناول “تصنيف عناصر الديمقراطية هرميًا، ووفقًا لخصوصية كل بلد عربي”، ويشير إلى التحديات المنهجية التي تواجه الدراسات في الديمقراطية عربيًا، ويتابع في مسألة الأطر المعرفية في دراسات الديمقراطية عربيًا، مستعرضًا أبرز الأبحاث العالمية والعربية عن مؤشرات الديمقراطية وقياسها (مؤسسة برتلسمان، فريدوم هاوس وغيرهما) ليتناول بعدها الكاتب مسألة (من الدراسات الديمقراطية إلى الإصلاح الديمقراطي، حاجات وأولويات ومنهجيات المستقبل)، ويستنتج من خلالها “محدودية العديد من الدراسات العربية حول الديمقراطية”.
الفصل الرابع: تحديات التنظير للانتقال نحو المجهول، تأملات في مآلات الثورات العربية وفي نظريات الانتقال الديمقراطي.
يشير الكاتب عبد الوهاب الأفندي، في مساهمته هذه، إلى “أوجه القصور التي يعاني منها التنظير في مجال الانتقال الديمقراطي”، عادًا أن أبرزها “مركزيته الأوروبية المفرطة، واستصحابه طائفة من الافتراضات غير المؤسسة”. ويسعى الكاتب إلى تقديم إثراء لهذين المجالين، انطلاقًا من “إعادة صياغة فكرة الديمقراطية نفسها، باعتبار أن أكبر مزاياها أنها نظام لا خاسر فيه”. ويرى الكاتب ضرورة “توفر أسس كافية من الوضوح والثبات، في هويات الجماعات المتنافسة ومصالحها وأهدافها لتسهيل التوافق والطمأنينة المتبادلة”، من أجل تحقيق هذه الغاية.
يتناول الكاتب الحالة العربية اليوم، مستخلصًا أن “الإشكالية عربيًا ليست في مسألة الدين والسياسة تحديدًا، بل في صعوبة التحكم في العملية السياسية والتنبؤ بنتائجها”. ويتناول الكاتب -هنا- تنظير كل من (ألفرد ستيبان وخوان لينز) مستعرضًا تحديات التنظير للانتقال الديمقراطي، وطارحًا سؤالًا محوريًا في هذا الشأن: “هل ستتبع عملية الانتقال الديمقراطي في العالم العربي المسارَ الذي رسمته التجارب السابقة والنظريات المبنية عليها، أم أنها ستختط مسارًا جديدًا؟”، ويستشهد الكاتب بتجارب أمريكا اللاتينية، ومن ثَم يخوض في مسألة الهوية الثقافية، وكيفية تعامل مثقفي الشرق الأوسط معها، وتأثير ذلك في موضوع الانتقال الديمقراطي. ويورد الكاتب (مخاوف الانتقال) مستشهدًا بقول كل من (روبرت دال وأيفور جينغيز) معتبرًا أن “لا مناص، لأي عملية انتقال ديمقراطي ناجحة، من الوحدة الوطنية”، وأن “الديمقراطيات هي الأقدر على معالجة الانقسامات العميقة ونتائجها”، مؤكدًا أهمية دور النخب حيال ذلك. ثم يمضي الكاتب في مناقشة ما يمكن أن تطرحه الحالة العربية من قضايا تنعكس على التنظير للتحولات الديمقراطية على خلفية الفضائل المتعددة للديمقراطية، مشددًا على فكرة أن “الانتقال الديمقراطي ينبغي ألا يُنظر إليه على أنه تبنّ لأنموذج ديمقراطي مُعد سلفًا وموحد المعالم”. ويقدم الكاتب استنتاجًا مفاده أن سبب عدم ملاءمة نماذج الانتقال الديمقراطي السائدة، في الحالة العربية، لا ينبع من خصوصية ثقافية أو تراثية.
يشدد الكاتب، في معرض تناوله مسألة الانتقال الديمقراطي العربي، على أشكال الصراع التي تتوفر في الساحة العربية (قوى إسلامية وعلمانية) وتقلباتها، وتأثيرها في الوحدة الوطنية، متجاوزًا ذلك لمناقشة جزئية “الانتقال وأنواع الأنظمة”، فيقول: “علينا الكف عن اللغو والسجال الانصرافي عن إشكاليات الثقافة العربية والإسلامية وتناقضها مع الديمقراطية، مقابل التركيز على المستوى القائل بأن المجتمعات المسكونة بالهواجس والمخاوف لا يمكن أن تشكل بيئة مواتية للديمقراطية”.
الفصل الخامس: الدولة الوطنية العربية، حالة انتقال مستمرة
يبتدئ الكاتب رفعت الضّيقة مساهمته، بطرح تساؤل: “هل كان ممكنًا اليوم اعتماد المرحلة الانتقالية أداةً نظريةً لتحليل واستشراف التحولات السياسية والاقتصادية في العالم؟”. وفي معرض إجابته؛ يتناول الكاتب مسألة “نهاية الحكايات الكبرى” في التاريخ، مستشهدًا بما كتبه ليوتار وفوكوياما، وموضحًا أن المشاريع الأيديولوجية الكبرى، التي سعت لتحقيق غايات نهائية كالشيوعية أو الديمقراطية، قد انتهت. وغاية الكاتب من هذا التناول “ترسيم الحقل الأيديولوجي المهيمن على العالم العربي، لدى انفجار انتفاضات الربيع العربي”، من أجل مقاربة إشكالية “أفق التحول الديمقراطي لهذه الانتفاضات”، متناولًا -بعد ذلك- مسألة الدولة الوطنية العربية والحصار الاستراتيجي المستمر، ومسجلًا ملاحظتين في هذا الخصوص؛ حول الأزمة الشرعية التكوينية لنماذج (سورية والعراق واليمن ومصر وليبيا والسودان) من حيث صعوبة التمييز بين حدودها الداخلية والخارجية، وصعوبة التمييز بين استمرارية النظام الحاكم واستمرارية الدولة ذاتها.
ينتقل الكاتب إلى الخوض في إيضاح التساؤل المطروح: “مرحلة انتقالية أم ثورة مضادة”، معتبرًا أن انتفاضات الربيع العربي لم ترتق إلى مستوى الثورات بعد، ومؤكدًا حتمية استحالة التحول التدريجي الداخل لهذا الإطار، باتجاه بناء نظام اجتماعي ديمقراطي سياسي بديل عن النظام السابق المنهار، لتتحول بذلك “كل مرحلة انتقالية -عاجلًا أم آجلًا- إلى ثورة مضادة، تعيد إنتاج النظام السابق”.
يورد الكاتب مقارنات بين انتفاضات الربيع العربي، ونماذج ثورية وإصلاحية تاريخية أخرى من العالم، مستشهدًا بما كتبه آصف بيات، الذي يميز بين ثلاثة نماذج من مسارات التغيير الثوري والإصلاحي للدولة: مسار إصلاحي تدريجي (البرتغال واليونان في سبعينيات القرن الماضي)، مسار ثوري طويل (لينين وماو وكاسترو)، ومسار تغيير سريع (انتفاضات أوروبا الشرقية في نهاية ثمانينيات القرن الماضي) مؤكدًا أن الربيع العربي لم يتبع أيًا منها، ثم يتناول أخيرًا مسألة “الربيع العربي وإشكالية الشعب -النظام – الثورة”.
الفصل السادس: محنة الانتقال الديمقراطي العربي، وعود الثورة، قلق المسارات ومعابر الأمل
يدحض الكاتبان محمد سعدي، ورشدي سعدي، مقولة الاستثناء الديمقراطي العربي المزمن، ويؤكدان أن التحول الديمقراطي ممكن وقابل للتحقق، وأن هذا ما أثبته الربيع العربي، غير أنهما في الوقت ذاته يشيران إلى عسر المخاض الديمقراطي العربي، ويرصد الكاتبان مسارات هذا العسر في بلدان الربيع العربي.
يرى الكاتبان أن أزمة الانتقال “هي أزمة بنية شاملة، تتفاعل داخلها عوامل وسياقات وأنساق متعددة، يستحيل الفصل فيها بين الجزئي والشمولي، السطحي والبنيوي، الآني والتاريخي، الجماهيري والنخبوي”، ويحاولان ملامسة مختلف الإشكالات المرتبطة بتأزم الانتقال الديمقراطي، من خلال محاور عدة، منها:
- دراسة العوامل التي حالت دون إرساء دينامية تواصلية كفيلة بإيجاد التوافق السياسي داخل المسارات الانتقالية العربية.
- تقديم استراتيجيات تواصلية تسمح بترشيد التجارب الانتقالية العربية والعبور بها إلى مرحلة الترسيخ الديمقراطية.
- استشراف مآلات المسار الانتقالي الديمقراطي بتجاوز سطوة اللحظة الراهنة إلى رؤية أكثر انفتاحًا.
يستعرض الكاتبان -أيضًا- “مأزق الانتقال الديمقراطي في العجز عن بناء الوجود المشترك”، عن طريق تناول “صدمة ما بعد الثورة”، و”التغيير بين الممكن والمأمول”، و”فتنة الاستقطاب”، و”انفجار الهويات القاتلة وسؤال العيش المشترك”، و”الشارع يريد”. ثم يتناول الكاتبان مسألة “ترشيد الانتقال والحاجة إلى ثورة داخل الثورة”، ومسألة “مآلات الانتقال”، ويخلصان إلى القول: إن امتحان الانتقال الديمقراطي عربيًا منفتح على الكثير من الممكنات (…) وسيكون من الصعب الخروج من متاهات الانتقال، بسبب العجز عن الاهتداء إلى المداخل الناجعة للتحول الديمقراطي، فبطء الزمن الثوري وانعدام اليقين، وما يصاحبهما من قلق وفوضى، قد يؤديان إلى بروز نزعة ارتدادية تحنّ إلى زمن الاستبداد.
الفصل السابع: عن فرص بناء أفق سياسي تعددي في دول الثورات العربية
تمثل مساهمة إميل بدارين محاولة للتفكر في الوسائل التي تساعد في توسيع الآفاق السياسية، لتكون منسجمة مع الواقع السياسي المتعدد، كمدخل لتأسيس مبادئ لحياة إنسانية من دون استبداد، ويأتي ذلك عبر دراسة “الجدل الفكري النخبوي الموجود على الساحة السياسية، ومحاولة الاستنارة ببعض الأمثلة من الحوار النظري والعملي الذي تجسده الإدارة السياسية في الحالة التونسية، كوسيلة لربط الجانب النظري بالتطبيقي”، معتمدًا في ذلك منهجية بحث “مبنية على النظريات السياسية التي تفسر التطور الاجتماعي من زاوية البناء السردي والظرفي، وعلى مبدأ (سياسة التحول معًا) التي تهدف إلى ربط البعد النظري للسياسة بالبعد التطبيقي، بهدف تكوين آلية للعمل والتعاون، دون محو للخلاف والتباين”.
ينطلق بحث إميل بدارين، من سياق أنظمة الحكم العربية ما بعد الاستعمار المباشر، وينقسم البحث إلى أربعة أجزاء:
1- جزء يؤسس أرضية تفسيرية لمقاربة الوضع الراهن في العالم العربي ما بعد الثورة.
2- جزء يتناول العلاقة بين الشرعية والشريعة والديمقراطية في الخطاب السائد.
3- جزء يتناول تحليلًا نظريًا يقدّم تصورًا لحل جدلية الثنائيات الخطابية.
4- جزء يلقي الضوء على التجربة التونسية وهو استمرار للجزء الثالث.
بهدف مناقشة تلك الأجزاء الأربعة؛ يتناول الكاتب المكون التاريخي للعالم العربي الثري بعناصر التفكك والترابط، واعتبار الثورة “عملية بناء ومراجعة مستمرة (…) يكون عدم الاستقرار عنصرًا أساسيًا فيها”. كما يتناول ثنائية (الاستبداد مقابل الإسلاميين) وثنائية (الدين والعلمانية) ويخلص الكاتب إلى أن “حالة عدم الاستقرار تشكل عنصرًا بنيويًا في الحالة الثورية (…) تضع جميع الخطابات والرؤى السياسية تحت الاختبار والنقد”.
الفصل الثامن: التحول الديمقراطي في اليمن، روافع ضعيفة وكوابح قوية
يتحدث الكاتب عادل الشرجبي عن خصوصية الثورة اليمنية، واصفًا مسارها وعمليتها الانتقالية، ويقدم تحليلًا لوثيقة الحوار الوطني، متناولًا “الروافع التي تدعم تنفيذها، والكوابح التي تعوّق تنفيذ عملية التحول الديمقراطي”، عبر إطار نظري يتناول فيه الكاتب مفهوم الثورة ومفهوم الديمقراطية، يلي ذلك تناول سردي للثورة اليمنية، وعرض دور كل من الشباب والنخب فيها، ويختم بالحديث عن فرص استكمال التحول الديمقراطي في اليمن.
الفصل التاسع: البوسنة وكوسوفو وسورية، مقاربات ومآلات
يبتدأ الكاتب محمد م. الأرناؤوط فصله هذا، بمسألة المطالبة بالتدخل العسكري التي نادى بها الشارع السوري، وبعض رموز المعارضة السورية في الخارج، والتي جاءت على نمط البوسنة أو كوسوفو، حيث تسلط مساهمة الكاتب الضوء على “أحوال التدخل العسكري الغربي في البوسنة وكوسوفو، وعلى مآل هذا التدخل، وما يمكن أن تستفيد منه سورية من هاتين الحالتين، للخروج من أزمتها المستعصية في الوضع الراهن، في حال حصل أو لم يحصل التدخل العسكري”. ثم ينتقل الكاتب إلى استعراض أحوال التدخل العسكري في البوسنة، من خلال سرد تاريخي للبوسنة وموقعها الجغرافي، والبنى الاجتماعية والثقافية والسياسية فيها، مع التركيز على موقعها الجيوسياسي، وصولًا إلى تناول احتجاجات شباط/ فبراير 2014. لينتقل الكاتب إلى تناول مشابه لأحوال التدخل الدولي في كوسوفو وفي سورية. مع طرح مقارنات ومقاربات من مثل التنوع الإثني والطائفي والمسار السياسي وسناريوهات التدخل في سورية بين الأنموذجَين الألباني والكوسوفي، أي “التفاوض مع النظام الشمولي للانتقال إلى النظام الديمقراطي بدعم دولي، بدلًا من التدخل الدولي لإسقاط النظام من الخارج، دونما الحاجة إلى قرار مجلس الأمن”.
ويطرح الكاتب سؤالًا: ما المآل الذي تتجه إليه سورية، في ضوء ما طُبق في البوسنة وكوسوفو من حلول، لاستيعاب الوضع بعد الحرب هنا وهناك؟ ليستأنف الكاتب مسار ما بعد استحالة الحسم العسكري، منذ جنيف 2، طالبًا من السوريين العمل على طرح رؤيتهم لسورية الجديدة، قبل أن يتولى ذلك الآخرون ويفرضونه على السوريين.
الفصل العاشر: عبقرية الانتقال باليابان في ثورة الميجي 1868 والدروس المستفادة عربيًا
يعرض الكاتب يحيى بولحية، من خلال مساهمته هذه، فكرة “تباين الثورات في مسيرتها وطريقة إزاحة العقبات من طريقها”، ويرى الكاتب في تجربة الميجي 1868 في اليابان حالة فريدة في التجارب الثورة العالمية، ويستعرض ظروفها وشروطها ومساراتها، وعملية الانتقال فيها، من خلال ثلاثة محاور رئيسية: تجربة الانتقال خلال عهد الميجي، مسيرة التوافق السياسي بالمغرب، الانتقال في مصر. تأخذ هذه المقاربة بالمنهج الاستقرائي للنصوص والوقائع والتعقيب عليها ومناقشتها، والخروج باستنتاجات تناسب موضوع المقاربة، ونورد بعض استنتاجات الكاتب:
- العالم العربي يمرّ بالمرحلة الأولى من الانتقال الديمقراطي، وتتميز هذه المرحلة بالصراع بين القوى القديمة والنخب الثورية الجديدة، كما تعرف مخاضًا عسيرًا وتناسل الاضطرابات والتجاذبات، فالتعثرات والمشكلات صفات ملازمة للمرحلة هذه.
- منحت ثورات الربيع العربي الإسلاميين فرصةً تاريخيةً غير منتظرة للوصول إلى السلطة، إلا أنهم واجهوا مشكلات هيكلية عويصة.
- ارتبط نجاح الانتقال في اليابان بنجاح السياسة التعليمية.
- مفهوم النخبة لا يقتصر على الفاعلين السياسيين، بل يمتد إلى المفكرين والفلاسفة والإعلاميين والمؤسسات البحثية.
الفصل الحادي عشر: الربيع العربي من منظور مقارن
تقول الكاتبة مروة فكري، في مساهمتها: تسعى هذه الدراسة لاستقراء ما قد تقوله نظريات وخبرات التحول عن المسار التاريخي الذي تشهده دول الثورات العربية الآن (…) والتساؤل الرئيس لهذه الدراسة هو: على ضوء خبرات دول أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، في ما يتعلق بنمط التحول الديمقراطي، ما هي المآلات المحتملة لثورات الربيع العربي؟ وما هي العوامل المهمة في هذا السياق؟
في هذا الإطار، تتخذ الكاتبة “من أنماط التحول التي شهدتها دول الموجة الثالثة للديمقراطية، في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، بالتركيز على خبرات (تشيلي، بولندا، رومانيا، البرازيل) مرجعيةً يمكن القياس عليها، في تقييم خبرات التحول في دول الربيع العربي، بالتركيز على مصر وليبيا، واستشراف مآلاتها المستقبلية”. وتخلص الكاتبة -بعد إجراء المقارنات اللازمة- إلى أن التفاعل بين طبيعة النظام وخيارات العناصر والسياق المحيطة، هما المحدد الأساسي لنمط التحول الناتج والذي بدوره يؤثر في فرص نجاح التحول من عدمها.
الفصل الثاني عشر: العدالة الانتقالية وأثرها في التحول الديمقراطي، مقاربة لنماذج عالمية في ضوء الحراك العربي
ينطلق بحث إدريس لكريني، من أربع فرضيات أساسية متصلة:
1- الانفتاح على تجارب التحول الديمقراطي في العالم، والاستفادة منها، من شأنهما تعزيز الانتقال في الدول الساعية إلى تحقيق التحول الديمقراطي.
2- إن قبول أعمال آلية العدالة الانتقالية، في إطار التوافق بين الدولة ومختلف مكونات المجتمع، من أحزاب سياسية ومجتمع مدني ونخب مختلفة، يُعدّ مؤشرًا إيجابيًا يدعم التحول السلس والمتدرج من مرحلة إلى أخرى بصورة أفضل.
3- كل تحول سياسي، في ظل المرحلة التي تعيشها المنطقة العربية، يظل هشًا ومرشحًا للتراجع أو إعادة إنتاج الاستبداد، طالما لم يتم بناءً على مصارحة الذات.
4- اعتماد العدالة الانتقالية في المنطقة العربية، في ظل الثورات والحراك، يشكل مدخلًا لتجاوز الارتباكات والاختلالات الراهنة.
ويتطرق الكاتب إلى التحول الديمقراطي والعدالة الانتقالية “في سياقهما المفاهيمي والتاريخي”، لينتقل إلى سرد مجموعة من التجارب الدولية المرتبطة بالتحول الديمقراطي المقرونة بتجارب العدالة الانتقالية، في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا، مستحضرًا الدروس والعبر والدلالات التي تطرحها هذه التجارب، “من حيث تمتين أسس التحول السلس والمتدرج نحو الديمقراطية، ودعم الاستقرار داخل المجتمعات، ومدى إمكان نقلها إلى فضاءات اجتماعية وسياسية أخرى”. كما يتطرق الكاتب إلى الإشكالات والتحديات المرتبطة بمرحلة الانتقال في دول الحراك، “من حيث البحث في أسبابها وخلفياتها وتداعياتها، مع طرح مجموعة من المداخل الكفيلة بتجاوز المرحلة الحرجة التي يمرّ بها مختلف هذه الأقطار، والخروج من المأزق الراهن بأقل تكلفة، والسعي لبلورة مدخل نموذجي للعدالة الانتقالية ينسجم وخصوصية المنطقة”.
خاتمة:
يقدّم الكتاب قراءات لتجارب تاريخية عدة، في إطار “الأطوار الانتقالية”، في سبيل مقاربتها مع واقع الثورات العربية التي يشهدها واقع الربيع العربي اليوم، في محاولة لتجاوز المعوّقات القائمة -ما أمكن- ولعبور المرحلة الانتقالية بأقل خسائر ممكنة. فعلى الرغم من الخصوصية الانتقالية العائدة لخصوصية كل تجربة ثورية لشعب ما، يبقى هناك دروس وعبر عامة ومشتركة، يرى المساهمون في هذا الكتاب أن هناك أهمية وجدوى من توظيفها في واقعنا العربي. حيث إن مآزق وتحديات الدور الانتقالي العربي هي حصيلة إشكالات متعلقة بمسائل تخصّ عمق البنى والتكوينات الاجتماعية، وبالتالي تعكس مسائل من قبيل الهوية، والدين، والحريات وغيرها، إضافة إلى مركزية مسألة “طبيعة الصراع” وشكله، ودوره في تحديد ملامح الطور الانتقالي. ويقوم الكتاب على طرح هذه القضايا ومناقشتها، بمنهجية بحثية ملائمة، تحوي مقاربات سردية وأخرى تحليلية، تصبّ في شرح طبيعة المرحلة الانتقالية كمفهوم، والدلالات الواقعية التاريخية له، وإسقاط كل ذلك على التجربة العربية الراهنة.