اللقاء الحواري الأول – برلين 13 و14 آب/ أغسطس 2016
لم يتردد الحراك الكردي، عن الانخراط في الثورة السورية، البتة، وإنما احتل موقعه في طليعة الحراك السوري العام، في وجه آلة الاستبداد، بوصفه -في الأغلب- قد دفع ضريبته على نحو مضاعف، وقد عانى من شتى صنوف الظلم والاضطهاد، وعاش في لجة المفارقات التي تتم، ولاسيما إنه كان قد انخرط -من قبل- في انتفاضته2011، التي وئدت، على يد النظام الاستبدادي الدموي نفسه، عندما وجد نفسه وحيدًا، معزولًا، من السوريين الذين ألبت أجهزة النظام، وإعلامه، عليه، وبات محاصرًا في المدرسة، والجامعة، ومكان العمل، بل والبيت. إذ رآه مسؤولًا عن كل انكساراته، ومتاعبه، وسوء أحواله، وقبل كل شيء، تهميشه!
وكي نكون منصفين لهذا الحراك، فإن علينا أن نوضح، هنا، أن الشباب الكرديوأعدادًا من الناشطين الكرد قد ساهموا في تلك الاعتصامات العفوية، التي أعقبت الشرارة التي أشعلها البوعزيزي في تونس، وكان من عداد المعتصمين أمام وزارة الداخلية، أو سوق الحميدية في شباط 2011، وهو الذي تمرس من قبل، في تلك الاعتصامات التي تمت في وقت مبكر في وجه النظام، إما ضمن الإطار الوطني العام، أو ضمن الإطار القومي، منذ ثمانينيات القرن الماضي، وبلغت ذروتها مع ما سمي بـ”ثورة الياسمين” مع ادّعاءات بشار الأسد الإصلاحية، التي ولدت ميتة، وأريد لها الاستمرار حتى مطلع الثورة، أو خلالها، من جانب بعض صانعي نسختها المزورة!.
لا يمكن، حقيقة، تجريد أي كردي من خصوصيته، أنى اشترك في أي شأن سوري، على صعيد الموقف، حتى وإن تماهى ضمن الإطار العام. إذ إن المعيار الذي يعتمده الكردي-عادة- وهنا أعني الكردي المهموم بواقع أهله، وليس النخبوي-وحده- حيث يلتقي هنا: السياسي-المثقف، مع العامة، وإن كان هذا الانهمام سيظهر عبر خطه البياني في أكثر من مستوى، وذلك بحسب درجة وتركيب الوعي لدى هذا الشخص، أو ذاك. وإن كنا لابد من أن نجد ما يمكن تسميته بالحدين: الأدنى، والأقصى، ضمن التدرج المعياري، بما جعل من المنتمي إلى فضاء الحد الأول مدفوعًا بما يكفي من الشحنة العفوية كي يكون إلى جانب شريكه المكاني، يردد معه الشعارات المتفق عليها، بتدرج مواءماتها للحظة الثورة. ساعده على ذلك مراسه ورصيده من خبرته في انتفاضته، التي لما يكن قد مضى عليها بعد أكثر من سبعة أعوام، حين قال:
أجاك الدور يا دكتور!.
الكردي في معاناته العظمى
بعيدًا عن تشخيص مفردات معاناة الكردي، في الفضاء السوري، فقد كانت أكثر من أن تحصى، تبدأ من التعامل اليومي معه على أنه مندس، بل ساع إلى تأسيس إسرائيل ثانية، مرورًا باستمرارية الإحصاء الجائر الذي سلخ آلاف الأسر من حق المواطنة، بينما كان آباء بعضهم ممن دافعوا عن التراب السوري، منذ تأسيس البلاد، فضلًا عن الحرب المفتوحة عليه -أي الكردي- في لقمته، وقد بلغت نسبة البطالة حدًا أعظم بين الشباب الكردي، ما أدى بالكرد إلى الهجرة بشكليها: الداخلي، أو الخارجي، وشوهدت جموع الأسر الكردية وهي تعمل في مزارع المدن الكبرى، وغيرها من الأعمال التي يكاد لا يرضى بها سواهم، فضلًا عن أسوأ أشكال التمييز التي تشكل في حقيقتها، معجمًا خاصًا، وليس أكثر دلالة عليه، من أن حركاته، وأقواله، قد غدت صيدًا لفئة باتت تتوسع، سواء أكان في الشارع، أم الحي، أم المدرسة، أم مكان العمل، وصارت مسلطة على الكردي على نحو خاص، بعد أن تم عدّه مشروع خائن، تترصده، وتتقول على لسانه، كي تؤمن منافعها، وتكتسب حظوتها، وقد يبدو الأمر أكثر خطورة عندما نعلم أنه تم اختراق رباط الزمالة!.
ما قدمته- هنا- ليس إلا النزر اليسير من معاناة الكردي، العظيمة، أوردناه كمجرد عنوان، أو رؤوس أقلام، لأنها تكثف ألم غربته واغترابه، وهو يعيش في مكانه في درجة ما بعد المواطنة، مادام أنه لم يتخلّ عن خصوصيته التي تتنافى وسياسات تذويبه التي تأسس عليها العقل الاستبدادي في بعده العنصري، الذي يلغي الآخر انطلاقًا من تكريس هيمنته، لا من أجل رسالة قوموية يتمترس وراءها، هي ليست في النهاية إلا أحد أبرز ذرائع ديمومته الأكثر أهمية، وفق عرفه، من أي هدف استراتيجي يزعمه من خلال شعاراته الزائفة، كي يكون القومي غطاء لاستبداده السلطوي!.
في قلب الثورة السورية
هذا الإحساس بالظلم التاريخي، من جانب النظام العنصري في سورية جعل الكردي من أوائل الذين لبوا أذان الثورة الأول: سواء أكان وراء ذلك طفل درعا، أم تاجر سوق الحميدية، أم غيرهما، من تاريخ تراكمي استبدادي، أم حتى منشور المعارض السلمي للدعوة إلى الاحتجاج في قلب العاصمة، وأمام وزارة كتم الحريات الداخلية. وإذا كان هذا الإحساس، قد تأسس على بعد معاناة الكردي، فإنه في واقعه مركب لأنه لم ينفصم في عمقه عن وجه الاستبداد العام، والذي لم يكن لينجو من براثنه أي سوري، مادام أنه لا يذعن لآلته، ليس واقعًا -فحسب- إنما حتى في حلمه. إذ طالما اعتُقل مواطنون بسطاء، لمجرد تصريحهم بمنام يستفز الدكتاتور الأول. وما أكثر القصص التي رواها المعتقلون، أو معارف بعض المعتقلين السياسيين، بسبب مجرد منام كابوسي لأحدهم!.
شهدت بدايات الثورة السورية حضورًا عارمًا للحراك الكردي، وهو حراك شمل المناطق الكردية كلها، فضلًا عن مناطق تواجد الكرد، سواء أكان في دمشق، أو حلب، أو الرقة أو حماة أو غيرها وغيرها. قبل أن يظهر من يحاول لجم هذا الحراك، سواء أكان عن طريق العنف المادي، أم العنف السياسي. من جانب مراكز قوى ضئيلة عدديًا، فاعلة، ضاربة عبر أدواتها، إما عبر محو ملامح الحراك -ترغيبًا أو ترهيبًا معنويًا، بما يصل إلى حد التخوين، تحت يافطات كثيرة، ومن ثم ابتلاعه، أو تحييده- أم عبر مواجهته من خلال أعلى أشكال القمع، بما يصل إلى حد الخطف، والتصفية!.
ضبابية المشروع السياسي الكردي
على الرغم من أن عمر الحزب السياسي الكردي الذي تأسس في العام 1957 في عشية يوبيله الفضي، و بلوغه نصف القرن، وأنه لعب دورًا كبيرًا في حماية خصوصية هوية إنسانه، وواجه أعتى أنواع الدكتاتوريات والأنظمة التي كانت تدعو صراحة إلى محو ملامحه، وعدم الاعتراف به، كحالة سياسية شاذة، منكرة للتاريخ، والجغرافيا، والواقع، بل لطبيعة تكوينه، وثقافته، إلا أن الحزب السياسي الكردي الأول آلى على ذاته الذود، ضمن حدود إمكاناته لمواجهة هذه السياسات، على الرغم من شراسة آلة القمع التي راحت تحارب الكردي في اسمه، ولغة طفله، وطالما عدّ تعليم الكردي لأبجديته، أو إنشاده قصيدة حب، أو استماعه إلى أغنية، تهمة تدعو إلى اقتطاع جزء من الأرض السورية، وإلحاقها ببلد مجاور، ليكون ذلك في حكم الخيانة العظمى، بينما كان الحزب الكردي واجهة الدفاع عن حضوره في مكانه، وفوق ترابه!.
ولعل آلة القمع كانت -باستمرار- وراء عدم تسميته المسميات بأسمائها، على الرغم من أن أدبيات أكثر الأحزاب الكردية كانت تدعو إلى العيش تحت سقف الوطن، وإن كانت تصر على الحد الأدنى المطلوب من حقوقها المتمثلة في-المطالبة بالاعتراف الدستوري بالكرد كثاني قومية في البلاد- على ضوء حقيقة ملايين الكرد، ممن يتكلمون بلغتهم الأم، أو من تم تعريبهم، في المحافظات الأخرى، وبدا حضورهم على نحو واضح مع الثورة السورية” كما كُرد جبال الكُرد أنموذجًا”!.
ولا يخفى أن النشء الكردي الذي فتح عينيه على استحقاقاته التاريخية، في ضوء إصرار النظام على عدم الاعتراف به، جعله ومع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، و اطّلاعه على جغرافيا الكرد التاريخية، خارج ما هو مدرسي، مدركًا أن خريطة سايكس بيكو قد ابتلعت الجزء السوري من خريطته، ما جعله في مواجهة السياسي التقليدي، يمارس الضغط عليه، وهو ما بدا على نحو جلي في المؤتمرات التي بدأت مع ثورة السوريين، ما دعا هذا الأخير كي يذعن في أكثر من مرة أمام سطوة الضغط الإعلامي الذي كان يشكله هذا الجيل الجديد، وإن كانت وسائل التواصل قد استخدمت أحيانًا من جانب الأطراف الكردية المختلفة في كبح آليات عملها، ضمن صفوف المعارضة السورية.
لحظة التفاعل
استطاع الدم السوري الذي سال من عناوين الثورة الأولى أن يكون ملتقى لهم، يجمعهم، أنى كانوا بدءًا من أقصى منقار بطة عين ديوار البلاد -في خريطته القائمة- إلى أقصى نواه. بل لقد استطاع أن يكون عامل نسيان لخصوصية كل منهم، حيث بات التركيز على الحلقة الرئيسة: إسقاط النظام، وبناء سورية الجديدة. وقد انعكس انخراط شباب الحرك الكردي بعزمهم العالي في الثورة السورية، وهم يتبنون تسميات الجمعات، ناسين السؤال عمَّن وراءها، ومن بات يتحكم فيها، وإن راح بعض الشباب الكردي يؤثر فيها من خلال فرض تسمية ما عليها، نتيجة زخم حضور الحراك الكردي الميداني.
وقد انعكس هذا الحضور الميداني للحراك، سواء في المناطق الكردية، أم مناطق الحراك المشترك كما في العاصمة دمشق أو غيرها على حضور من نوع آخر لواجهات المعارضة التي تشكلت في الخارج، وراحت تختطف قرار الثورة، تدريجيًا، ليس من خلال رسم أجنداتها، وتخيّر من تعتمد عليهم من السوريين، ومن بينهم الكرد، من خلال معايير إمكان الإذعان، والقبول بتمرير رؤى من كانوا يخططون لهيمنة أجنداتهم، حيث كانوا يواصلون غربلة ما يبدو من الأسماء أمامهم، في سياق جسد متجانس معهم، وهو ما حدث أخيرًا، ولكن، بعد أن غدوا عبئًا على الثورة، بإيصالها إلى لحظتها الحالية.
إن من يتتبع الخط البياني لسلسلة المؤتمرات-الوازنة- التي تداعى إليها السوريون، منذ مؤتمر”أنطاكية” وحتى المؤتمرات الأخيرة التي تمت في الأعوام الأولى، سواء أكان ذلك في تركيا أم القاهرة أم الدوحة أم غيرها، يجد أن هذه المؤتمرات التي تمت تحت زخم حراك الداخل، بدّدت اللحظة السورية، وهي تعزز حضور مؤسسات محددة غير فاعلة، مهمّشة، لم يكن لها أي أثر في حياة البلاد كما إعلان دمشق، أو تنظيم” الإخوان” فضلًا عن مؤسسات إلكترونية ولدت من خلال شخص أو شخصين وفق عمليات تواطؤ بين الجهات المهيمنة على النواة الأولى لواجهة الثورة، وأعني: المجلس الوطني السوري ومن ثم الائتلاف اللذين أفرغا من محتوييهما، تدريجيًا، كي يصبحا ناديين لتقاسم نفوذ أشخاص وجهات، على حساب دماء بريئة جارية، وأرواح تجهض إما في المعتقلات، أو في الشوارع، وهي تواجه بكل صدق، وعزم، وإصرار آلة الاستبداد الرهيبة التي لم تتردد عن مواجهة أي كان، من داخلها، أومن خارجها بما ينتمي إلى ما بعد العنف، وسط تواطؤ دولي، كان من بين مهماته، مفاقمة تكريس الهوة بين السوريين، في طريق دمار البلد، ومحو إنسانه!.
لحظة الصدمة
ذهب الكردي إلى مؤتمرات المعارضة -وهو غالبًا ليس المشارك في حراك الداخل- بل كان البعيد عنها ميدانيًا، بهذه الدرجة أو تلك، وفي ذهنه أنه أمام مرحلة استحقاق سورية جديدة، وكانت لحظة صدمته بأن بعض شركائه في حالة صناعة نواة واجهة الثورة لا يختلف البتة عن سياسي أو ثقافي آلة النظام، ولا همّ لهؤلاء إلا كرسي النظام بالنسبة إلى القوموي، أو استعادة دولة الخلافة -ولو المسوَّق لها بخطاب ناعم- من جانب الإسلامي الذي مضى على مشروعه أربعة عشر قرنًا، وكانت جميع أمثلته وباء على الكردي. خسر خلالها ثقافته، وجغرافياه، بل وتراثه وذاته، بعكس العلماني أو نصف العلماني- اللذين استعادا الخطاب القومجي للنظام نفسه!
لقد تصرف المؤتمِر السوري -بكسر الميم- والثورة في أوج أوارها، تحت وهم الاستيلاء على السلطة، من دون مشروع سوري متكامل، وكأنه الرئيس السوري المنتظر، أو النسخة المستنسخة عنه- كما هو حال الممول الفلاني الطارئ على مواجهة النظام، أو كما هو حال المعارض الفلاني الذي بدت رؤيته هشة، لا مرجعية لها إلا -شهوة الكرسي- كي يستوي هنا: الإسلاموي والقوموي في الموقف من الكردي، في الوقت الذي كان إحساس وعي الكردي بمرارة ضريبته التاريخية، والمعاصرة، وهول وطأتها ماثلًا في وجدانه، ولاسيما عندما بات يسأل نفسه: “وماذا لنا بعد كل هذا؟”، وكانت نبرته تشتد أكثر عندما كان يحس بأن أي تنازل عن حق وجوده القومي بمنزلة خيانة، سيحاسب عليها، كما يفعل الآن الكردي في تركيا أمام اسم عصمت إينونو”1881-1938” أو سواه في هذا الجزء الكردستاني أو سواه!.
لم يكن المؤتمِر السوري على درجة الحكمة في استيعاب حالة شريك مكانه، بل بدرت تصريحات استفزازية عن بعض وجوه نخبه: الثقافية والسياسية، بما سرع من إيقاع لحظة المكاشفة، وانتصار خطاب ذلك الكردي الذي شكك أو أعلن خياره ضد هذا الحراك: صمتًا، أو مواجهة -وهوينتمي إلى النزر اليسير- على الرغم من أن صانع الثورة الحقيقي، هو ذلك الحراك السوري الذي رفع العلم الكردي في حمص وغيرها، أو الشعارات المنفتحة المستوعبة لخصوصية الكردي في كفرنبل، ولقد كان انفتاحًا عامًا للحراك قبل أن تتدخل بعض القوى الإقليمية أو العربية وتعمق الهوة، بحرف الجيش الحر نفسه عن مهماته في حماية أهله إلى تطهير المناطق الكردية من أهلها، وكانت تلك لحظة تمترس الكردي -حتى داخل حراكه الذي رفع راية الثورة السورية وحدها فحسب- نتيجة المكاشفة التي كان في إمكان المؤتمر الكردي استيعابها، من خلال نواياه الطيبة، لا من خلال نهله من ثقافته الاستعلائية التي طالما نهل منها، مخيرًا أم مسيرًا، وقد زاد الطين بلة هؤلاء الذين نزلوا من مركبة النظام، لاعتقادهم باقتراب غرقها، متوجهين إلى مركبة المعارضة، دون أن يتخلوا عن فيروسات تفكيرهم في مدرسة النظام!.
الحزب السياسي الكردي
على الرغم من أن الكرد -على نحو عام- قد رحبوا بالثورة السورية، إلا أن الحركة السياسية الكردية لم تتفاعل مع الحراك -إلا على نطاق ضيق- تحت ذريعة المحافظة على المناطق الكردية، كي تكون ملاذًاً للسوريين، أو نتيجة التداخل الإثني في المنطقة، وإمكان النظام ضرب المكونات ببعضها بعضًا-وهوما قام به حقًا في اللحظة نفسها التي اشتغل بعضهم في المعارضة على ذلك، تحت هذه الذريعة أو تلك. إذ كان هناك غموضًا في موقف الحزب الكردي الذي ظهر غير قادر على حسم قراره؛ حيث أبدى حرصه على إنسانه -من جهة- إضافة إلى إنه كان يدرك -إلا في حالات استثنائية من جانب بعضهم- أن هذا النظام لا يمكن له أن يلبي له مطالبه القومية، حتى ولو ضمن الحدود التي قام بها صدام حسين في أوج لحظة حصاره!.
ثمة تخبط بدا عليه الحزب التقليدي الكردي. إذ أن سرعان ما تراجع عن اتفاقه الأوليّ مع-المجلس الوطني السوري- عبر ممثليه في الخارج، تحت وطأة ثلاثة أسباب هي: 1- احتكار الإخوان -ومن قبل بالدوران في فلكهم- لمقاعد المكتب التنفيذي بما لا يمكن إرضاء من يرون نفسهم جديرين بإشغالها، نتيجة حضورهم الحزبي، ما جعل هؤلاء الذين لا إمكان لتمثيلهم للتشويش عليهم، وقد تهيأ هؤلاء المأمولون بالترشح إلى إقليم كردستان، في انتظار بدء المرحلة الجديدة.
2-الخوف من بطش النظام، ولاسيما بعد تسهيله، أو مؤازرته، ومشاركته لأزلامه بتصفية الشهيد مشعل التمو الذي صار يقدم كقائد مقبول من جانب المعارضة، بعد أن واءَمَ خطابه معها.
3-عدم الاتفاق الكامل -ضمن المجلس بسبب وجود بعض الأصوات الكابحة- على الانضمام إلى المجلس الوطني السوري، الذي حقق أعضاء كتلته الكردية في مؤتمر قرطاجة في تونس أواخر2011، أعلى سقف- آنذاك- من المطالب الكردية على ضوء أدبيات الحزب التقليدي الكردي نفسه. حيث تم التشويش منجانب النظام، وأدواته على المجلس الوطني، وكان هذا التشويش بسبب موقفه من النظام، وليس بسبب ما آل إليه المجلس السوري، الذي أضرّ غياب الحركة الكردية عنه بإضعاف المجلس وتمكين هيمنة قوى شمولية عليه -من جهة- لم تحلم في يوم ما أن تكون لها كلمتها، إضافة إلى تقهقر السؤال الكردي، وتراجعه، ودخوله في عرض البازار من جانب طارئين لا تاريخ لهم في طرحه، والذود عنه!.
لقد كان دخول المجلس الكردي الائتلاف جد ضروري، بيد أن مسافة التأخر في الانخراط في مقدمة الواجهات، جعلت حضوره مهزوزا، ديكوريًا، غير فاعل. وقد زاد من ذلك وجود مركزه في -إسطنبول- وليس ضمن منطقة عازلة، بسبب عدم وجود نوايا دولية إقليمية عربية، فضلًا عن مدى تأثير الجهات الأكثر تمويلًا في قراراته، وسقوط هيبته بصعود عناصر ليس لها تاريخ نضالي فعلي، ولا إمكانات لتشكّل واجهاته الحقيقية! .
إن أكبر خطأ إستراتيجي فادح ارتكبه المجلس الكردي، تجسّد في عدم دعوته إلى تشكيل قوة عسكرية تمثل طيف المكان، كاملًا -كحالة احترازية في ظل التوجه العام للأسف إلى العسكرة- لقطع الطريق على المتربصين به: نظامًا وأدوات – في الداخل- وقوى حاقدة على الكرد – في الخارج- عبر أدواتها التي راحت تشكلها في الداخل، لتعميق الهوة بين مكونات المكان، وتأليبها على بعضها بعضًا. كما أنه فشل في تشكيل تلك القوة بمفرده، كي يغدو المجال مفتوحًا أمام طرف ضئيل الحضور جماهيريًا، هو “ب ي د” الذي راح يتغول تدريجيًا، ويجهز بدوره على قوة هذا الطرف الكردي الأكثر حضورًا في مكانه، بسبب اعتدال سياساته، وواقعيتها، بل ويجهز على ما تبقى من أواصر بين مكونات المكان، وينسف الثقة في شكلها المشوب بالارتياب، كي يعدمها، ويؤسس لحالة خطِرة على مستقبل العلاقات بين جميعهم، استكمالًا لأدوار مماثلة من جانب قوى تتحكم في بعضهم ضمن المكونات الأخرى، في الوقت نفسه!.
سقوط السياسي
سقوط الثقافي
لابد من الاعتراف بالحقيقة المريرة وهي أن واجهات المعارضة من السياسيين: الكرد والعرب بالإضافة إلى غيرهم، لم يتمكنوا من الارتقاء إلى مستوى اللحظة، لحظة ما بعد الثورة. وفي هذا ما يسجل عليهم، وكان عليهم فهم هذا الأمر، والنأي بالنفس من الاستمرار في زعم تمثيلهم للشعب السوري، بعد سقوط حيلهم جميعًا، من دون أن تضع أي حد لمأساة السوريين. بيد أن الأمر بدا مختلفًا للأسف. إذ إن هؤلاء راحوا يفلسفون سقوطهم، من خلال التلاعب بالألفاظ، من دون أن يوقف ذلك نهر الدم الذي يجري.
لقد فات هذا السياسي الذي سقط في قيادة مشروع الثورة، بل واتخذ دور الشريك، لقاتل، طارئ. نتيجة سياساته الخاطئة التي اتبعها، أو تصامم، وتباكم عن تمريرها، أو صنعها بنفسه، وانقلبت عليه، وكان نتيجة ذلك تشتيت موقف جبهة الثورة في مواجهة آلة النظام، بما يجعله إحدى أدوات ديمومته، بما في ذلك سكوته عن الفساد الذي فاحت رائحته في هذه الواجهات، وكان من نتائجها إيصال الأسلحة والعتاد من جانب هذا الاسم الطارئ معارضاتيًا،أو ذاك. من دون أن تتم مكاشفة الشعب السوري، بتقديم قوائم بأسماء لصوص الثورة، ولاسيما من بين صفوفه!.
هذا السياسي-تحديدًا- يتحمل وبال محاولات وأد العلاقات بين الكردي والعربي، حتى وإن استبقى على بعض الوجوه الكردية على نحو ديكوري داخل صفوفه، في لحظات وهنه، وتقهقره. أجل، إن هذا السياسي مطالب الآن، كإجراء احترازي جد متأخر، أن يخلي موقعه لمن هم أكثر كفاية من أهل الاختصاصات، بما يضمن تمثيل السوريين، من دون أية وصاية.
ولم يكن الثقافي -في أحسن أحواله- بعيدًا عن هذه اللوحة، فقد بدا غير مؤثر، في محيطه، نتيجة ظروف كثيرة، سببها طبيعته واشتغال النظام الاستبدادي على إلغاء دوره، وديمومة ذلك في واجهات الثورة التي همشت المثقف، وقطعت الطريق أمام أي دور فاعل له، ما لم يكن ببغاء يكرر أقواله، فضلًا عن الاستعداء على من ينقده. وهذا ما يمكن توصيفه بالنسبة إلى القلة من المثقفين الذين مازالت أصواتهم مع تلك الثورة السلمية التي دعا إليها أهلهم. أما هؤلاء الذين خذلوا الثورة: عداء، أو صمتًا، تحت هذه الذريعة أو غيرها، فإن لهم تقويماتهم الأخرى، كل بحسب طبيعة موقفه. إنه وعلى الرغم من وجود كثير من الأصوات التي وقفت مع الثورة السلمية في سورية إلا إننا نجد أن تأثير الثقافي كان ضئيلًا، وهنا، يستوي دور المثقفين الكردي والعربي على حد سواء.
إبراهيم اليوسف: ناقد وشاعر وإعلامي سوري