حول القضية الكردية

لا تزال النظرة إلى المشكلة الكردية في سورية تنطلق من تاريخ المشكلة أو من جملة الممارسات والإجراءات التي تم اتخاذها من جانب النظام السياسي الذي حكم سورية منذ عام 1963 وحتى اليوم. وتسلم أكثرية العرب بأن هذا النظام قد اتخذ كثيرًا من الإجراءات غير المتوافقة مع القانون الدولي الإنساني ومع جميع مواثيق حقوق الإنسان. غير أن ما لا يريد كثير من الكرد أخذه بالحسبان هو أن هذه الإجراءات غير القانونية قد اتخذت في كثير من الأحيان ضد أكثرية العرب الذين قاوموا هذا النظام وطالبوا بالعدالة للجميع.
ونرى أن الخطوة الأولى الضرورية في الطريق إلى استرداد الحقوق الكردية المشروعة من ناحية، ولتصحيح نظرة كثير من العرب إلى هذه الحقوق من ناحية أخرى، تتمثل في الكف عن النظرة التاريخية إلى المشكلة، والانتقال إلى الانخراط في إنتاج نظرة سورية راهنة إلى المشكلة وإلى سائر القضايا السورية أيضًا. وما يعنيه هذا الانعطاف من الماضي أو التاريخ إلى الحاضر هو الانتقال من الصراع القومي إلى الحوار الوطني، ومن المواجهة بين أيدلوجيتين قوميتين، لكل منهما أوهامها وانحيازاتها وتعصباتها إلى فضاء الحوار الوطني المستند إلى فكرة المواطنة. كما لابد من تخطي المظلوميات التي لاتكاد اليوم تجد جماعة سورية إلا وتدعي مظلومية من نوع ما. إذا نجحنا في الانتقال إلى ما بعد هذه العناصر جميعًا، فسيكون في وسعنا معالجة أشكال الظلم التي لحقت بالكرد على أساس من القانون، والحق الذي من واجب دولة المواطنة توفيره لجميع مواطنيها دون تمييز.
وفي ضوء ما تقدم، نعتقد أن جملة هذه التحولات في منهجية التفكير لدى السوريين من شأنها أن تخلق فضاء موضوعيًا ووطنيًا يسمح بإجراء كل المناقشات، وطرح جميع القضايا السورية الحرجة بروح بناءة وخلاقة لحلول من شأنها أن ترضي الجميع.
ولا نشك أن جميع السوريين –مهما كانت خلفياتهم وانتماءاتهم الإثنية والثقافية- سيشرعون في الحوار حول صورة الحياة في سورية الجديدة، منطلقين من التسليم بسيادة الدولة السورية على سائر أراضيها، ووحدة هذه الأراضي ضمن الحدود الجغرافية المعروفة اليوم بالدولة السورية بحسب المواثيق والقوانين الدولية.
ملاحظات عامة على المصفوفة
- خلت المصفوفة من النص الصريح على أن سورية دولة علمانية، وإن دلت بعض البنود بصورة غير مباشرة على أنها كذلك مواد 16 و 36 على سبيل المثال وبنود أخرى.
- بدا من المصفوفة أن المشكلة الوحيدة في سورية هي المشكلة الكردية وهذا غير صحيح.
- تستند المصفوفة إلى رؤيتين متناقضتين: الأولى تقول إن سورية دولة متعددة القوميات مواد 13 و14، والثانية تقول إن الهوية السورية هي الهوية الوحيدة داخل الوطن السوري مادة 4.
- خلت المصفوفة من الإشارة إلى الوجود الفلسطيني في سورية، ومن الضروري في ما أرى أن ينص على استمرار تمتع الفلسطينيين بالحقوق المعمول بها حاليا وفق القوانين السورية النافذة، إلا إذا تقرر في المستقبل النظر في توسيع هذه الحقوق بما لايتعارض مع السيادة السورية.
ملاحظات تفصيلية
- المادة 3 يمكن صوغها كما يأتي: المنهج السليم لمعالجة جميع المسائل التي يعتقد بعض السوريين أنهم قد عانوا الظلم بسببها –بما في ذلك المسألة الكردية – هو الانطلاق من تشخيص الواقع الذي ستؤول إليه التفاعلات القائمة في سورية والإقليم.
- المادة 4 تصاغ على النحو الآتي: جميع المسائل المختلف عليها في سورية – بما فيها المسألة الكردية – هي مسائل سورية داخلية، وتحل عبر الحوار والتوافق السوري.
- المادة 5 تصاغ كالآتي: تستند المعالجة السليمة إلى جميع المسائل السورية –بما فيها المسألة الكردية – إلى البحث عن المشتركات للوصول إلى تفاهمات حول جميع القضايا المختلف عليها.
- المادة 7 أرى أن تصاغ كالآتي: ضرورة القيام بإحصاء شامل لمن تبقى من السوريين على قيد الحياة، ولأولئك الذين لجؤوا إلى البلدان المجاورة أو البلدان الأجنبية. لأن المادة في صيغتها المقترحة في المصفوفة توحي بأن سورية دولة متعددة القوميات، الأمر الذي يسمح بالمحاصصة أولًا، وبالفدراليات ثانيًا، وبحق تقرير المصير ثالثًا. وهذه قضايا خطِرة تحتاج إلى مناقشة وإجماع وطني.
- المادة 9 لا داعي لوجود هذا البند لكون العناصر الداخلة فيه متضمنة في المسألة الكردية أولًا، وللغموض المتعلق بالأطراف التي ستشترك في اللجنة وبالجهة التي سيقدم إليها التقرير، كما أن الحزام العربي لم يعد مشروعًا، إنما هو أمر حادث على أرض الواقع.
- بند 12 يفهم منه الحق في المحاصصة في أفرع الدولة المختلفة، وهذا أمر غير مرغوب فيه بالتأكيد وهو يتعارض أيضًا مع مبدأ المواطنة. ومن المهم أن يفهم إخوتنا الكرد أن التمييز لم يشملهم فحسب، بل شمل كل من كان واقعاً فكره وسلوكه خارج دائرة الدولة الأمنية البعثية والأسدية؛ لذلك نقترح إلغاء هذا البند طالما أن مبدأ المواطنة يحمي الجميع.
- البند 13 ينص صراحة على أن سورية دولة متعددة القوميات من ناحية، وعلى ديمومة الصراع بين القومية العربية والقوميات الأخرى، وهو أمر لا ينبغي أن يكون موجوداً في سورية الجديدة لذلك نقترح صوغ هذا البند كما يأتي: الشعب السوري هو مجموع المواطنين السوريين المتمتعين بالجنسية السورية، والذين يمارسون جميع حقوقهم الدستورية والقانونية، مالم يحل مانعٌ قانونيٌّ من ذلك. وبذلك تصبح (السورية) هي الجامع بين المواطنين ونتجنب الصراع القومي البغيض الذي تقود إليه نظرية المكونات، ولا يكون ذلك إلا باستبعاد (أكثرية عربية وأقليات قومية أخرى).
- البند 14 يكرس وجود القوميات، ويفتح كل الأبواب لنشوب الصراعات، ولا يتقدم بسورية إلى ما بعد الصراع الذي يجب أن ينطلق من تصور واحد هو (السورية) أو سورية بديلا لكل الأفكار القومية العربية والكردية وغيرها. ولذا لابد من استبعاد هذا البند.
- أقترح أن يضاف للبند 15 التالي: ولا يحق لأي فرد أومجموعة من السوريين الادعاء بالحق في السيادة أو السيطرة على أي بقعة من الأرض السورية. توضيح: لا أستهدف بهذه الإضافة طرفاً بعينه وربما كان العرب هم أول من أعنيهم بهذه الإضافة قبل غيرهم من الأقوام، لكونهم أكثرية أحاول أن أتجاوز وضعهم هذا في هذه الإضافة ليكونوا سوريين فقط والمساواة تكون في ذلك.
- البند 18 أقترح تعديله كما يأتي: ينص الدستور السوري الجديد على تطبيق نظام لا مركزي متناظر أم غير متناظر، يتيح لسكان مختلف المناطق المساهمة في إدارة مناطقهم بما يتوافق مع مصالحهم وخصوصياتهم على نحو لا يتعارض مع المصلحة العليا للدولة، وبما لايعرض وحدة أراضيها لأي خطر.
- نقترح التعديلات الآتية على البند 19: يكون لسورية برلمان منتخب من غرفتين يكون لكل محافظة، مجلس إدارة محلية منتخب ديمقراطيًا، ويكون رئيس مجلس الإدارة المحلية المنتخب هو المحافظ، ويكون المجلس هو السلطة في المحافظة التي تخضع كل قراراتها للرقابة الحكومية والبرلمانية.
- أقترح حذف البند 28 لأنه متضمن في اختصاص وزارة الخارجية التي لابد أن تكون مركزية، ومن البديهي أنه سيكون مفتوحًا أمام جميع السوريين مادامت المواطنة هي المعيار الأخير في الدولة.
- نقترح تعديل البند 36 كالآتي: يكون لسورية دستور جديد يأخذ بمبدأ فصل السلطات، ويحترم الطابع المدني والعلماني للدولة، وبما يترتب على ذلك من حقوق بممارسة المجتمع المدني نشاطه، والفصل التام بين المؤسسات السياسية ذات الطابع العام والمؤسسات الدينية ذات الطابع الخاص بكل فئة اجتماعية.