ملخص تنفيذي
كانت العلاقات السياسية التي ربطت سورية بالمملكة العربية السعودية هي الأبرز في علاقات سورية الخارجية مع الدول العربية، نظرًا إلى أهمية المملكة ودورها في المنطقة والعالم، وإلى كمية المساعدات المالية التي قدمتها المملكة للنظام السوري على مدى عقود، عدا الخدمات السياسية التي حمته في المنعطفات الخطرة التي واجهته.
منذ الاستقلال حتى 1970، كان التشابك بالعلاقات السياسية بين سورية والسعودية محدودًا، ربما بسبب أولويات السياسة الخارجية السعودية، حيث انحازت السعودية إلى مصر طوال زمن التنافس المصري العراقي، بحكم عدائها مع الهاشميين. وشهدت المدة 1970-1973 ذروة عالية في نشاط الدبلوماسية السعودية، وتبعًا لذلك فقد نشأت بين الدولتين علاقة تضامنية، يجري فيها تبادل مصالح حيوية وخاصة، فالسعودية بحكم ثقلها الخارجي، وعلاقتها الخاصة مع الولايات المتحدة، أخذت على عاتقها حماية ظهر النظام السوري من الاستهدافات الخطرة عند كل أزمة وقع فيها، أو كلّما أُحْكِمَ حوله طوق الحصار، في حين كُلفت دمشق بضبط التنظيمات المتطرفة التي كان متوقعًا أن تستهدف المصالح السعودية ونظامها.
كانت جبهات التعاون والاحتكاك متعددة بين السياسة السعودية والسياسة السورية، فبعد عقد من العلاقات الجيدة والتعاون خلال سبعينيات القرن العشرين، افترقت المواقف بين السياستين تجاه حرب الخليج الأولى؛ فبينما وقفت السعودية وبلدان مجلس التعاون والبلدان العربية عمومًا إلى جانب العراق، وقف حافظ أسد إلى جانب إيران، وتأرجحت المواقف التي تخصّ الصراع العربي الإسرائيلي، والموقف من منظمة التحرير الفلسطينية، بين التوافق والافتراق، كما تأرجحت المواقف حيال الصراع في لبنان، بين التوافق وتأييد الدور السوري وتدخله العسكري في لبنان خلال عهد الأسد الأب، إلى الافتراق إلى حد الصدام غير المباشر في عهد الأسد الابن. وتوافقت المواقف تجاه حرب تحرير الكويت 1991. وقد شهد عقد التسعينيات تعاونًا ثلاثيًا فاعلًا، ضمّ سورية ومصر إلى جانب السعودية، استطاع التأثير وضبط الإيقاع في عمل النظام العربي والتوترات المتنقلة فيه بقدر الإمكان، ذلك أن النظام العربي كان قد بدأ مسيرة تراجعه بعد حرب الخليج الثانية.
وبمقدار ما كانت تتقدّم العلاقات السورية الإيرانية في عهد الأسد الابن، أخذت العلاقات السورية السعودية تعاني تخلخلًا وبرودًا؛ حيث إن النظام في هذه المرحلة حسم أموره، وراحت علاقاته بإيران تأخذ شكل تحالف يتعمق يومًا بعد يوم، على حساب العلاقات السورية العربية عمومًا، والسعودية على وجه الخصوص. وبدأت طهران تعزز نفوذها داخل مؤسسات النظام، الأمر الذي لم يسمح به حافظ أسد.
شكّل التباين في الموقفين، من الغزو الأميركي للعراق في آذار/ مارس 2003، أحد نقاط الافتراق، ففي حين أيدت السعودية الغزو وقدّمت له التسهيلات وانطلق من أراضيها، عارضت سورية ذاك الغزو، بذريعة خوفها من استهدافها كهدف أميركي تالٍ بعد العراق، ودعمت المقاومةَ المسلحة ضد الاحتلال الأميركي، وكان ذلك بتنسيق غير معلن مع إيران، من أجل إقلاق راحة الأميركيين في العراق ودفعهم إلى الخروج، كي يبقى العراق تحت الوصاية الإيرانية الصرفة. وقد كانت التشكيلات المقاومة لأميركا تشكيلات سنّيّة بطبيعتها، وكان بعضها جهاديًا متطرفًا، كالقاعدة، أو قريبًا منها. وأفتى السيستاني بعدم جواز مقاومة الاحتلال الأميركي، وساهم ذلك عمليًا في تسعير الصراع السنّي الشيعي في المنطقة، سواء كان ذلك مقصودًا لذاته، أم كان أحد تداعيات المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة.
شكّلت عملية اغتيال الحريري في شباط/ فبراير 2005، وخروج القوات السورية من لبنان، أكبر المنعطفات التي راحت العلاقات بين البلدين تتدهور بعدها؛ إذ أدى اغتيال الحريري (الذي رأت فيه السعودية يدًا سورية) إلى تدهور وشبه قطيعة في العلاقات السعودية السورية، ودعمت السعودية الجهد الدولي للتحقيق في مقتله، وقد كان للمملكة دور فاعل في إخراج الصيغة التي حكمت عمل المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري وتحديدها. ثم كان الخلاف الآخر من خلال الموقف من عدوان إسرائيل على لبنان في حزيران/ يونيو 2006، فبينما رأت السعودية أن حزب الله هو السبب في دفع إسرائيل إلى العدوان، كان الأسد يتغنى ببطولات حزب الله اللبناني.
بعد انطلاق الاحتجاجات في سورية، مضى النظام بحلّه الأمني، واستقدم -منذ الأشهر الأولى- الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية التي تتبعه، لمواجهة الثورة السورية، وقد سعت السعودية إلى إقناع النظام بسلوك طريق الإصلاح، ووقف الحل الأمني العسكري في مواجهة الثورة، لكنّ جهدها لم يلق نجاحًا. وحين طفح الكيل، كانت كلمة الملك عبد الله، بتاريخ الثامن من آب/ أغسطس 2011، حازمة وعالية النبرة، تعبيرًا عن أن السعودية قد اصطفت إلى جانب المعارضة، وبعد رفض النظام مبادرتَي الجامعة العربية، قدّمت السعودية للفصائل المعارضة الدعم المالي والعسكري والسياسي، وشاركت في غرفة الموك والمجموعة المصغرة حول سورية، وفي التحالف الدولي لمحاربة (داعش) الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية.
وعلى الرغم من تراجع موقف السعودية الداعم للمعارضة السورية، فقد بقي موقفها السياسي من النظام ثابتًا طوال السنوات الماضية، غير أنها في الآونة الأخيرة سارت في طريق التقارب مع النظام، في محاولة لخلق دور عربي في سورية وإبعادها عن حضن إيران، وأعادت علاقاتها الدبلوماسية مع النظام، وأفسحت المجال لعودة سورية إلى جامعة الدول العربية، في مسعى سُمّي “خطوة مقابل خطوة”، ويتوقع كثير من المراقبين فشل محاولتها وفشل المساعي العربية في إبعاد النظام في دمشق عن الحضن الإيراني.
الملاحظة الرئيسة التي يمكن استنتاجها، من مراقبة مسار العلاقات السعودية السورية، أن هذه العلاقات قد تباينت وسارت صعودًا وهبوطًا، ولكنها أخذت بالتراجع، بمقدار ما أخذت علاقات سورية مع إيران بالتقدم.
يمكنكم قراءة البحث كاملًا والاطلاع على كافة التفاصيل بشكل موسع من خلال الضغط على علامة التحميل أدناه: