هل يمكن أخيرًا جسر الفجوة المريرة عبر الخليج؟ في يوم الجمعة 10 آذار/ مارس الحالي، أصدرت إيران والمملكة العربية السعودية، الخصمان الإقليميان منذ فترة طويلة، إعلانًا كبيرًا: إنهما سيعيدان العلاقات الدبلوماسية، في صفقة توسّطت فيها الصين.
خبراء المجلس الأطلسي يعرضون رؤاهم عن الأخبار العاجلة وأهميتها لواحدة من أكثر المنافسات أهمية في الشرق الأوسط، بالنسبة إلى المنطقة، والعالم الأوسع.
هناك تحذيران كبيران لخفض التصعيد الواضح هذا.
وليام ف. ويشسلر: المدير الأول لمركز رفيق الحريري وبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، ونائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق للعمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب.
تصبح المصالح الأميركية في الخليج أكثر أمنًا، إذا كانت الدول المحيطة به تعمل بنشاط على تهدئة التوترات المتبادلة. كان هذا هو الحال عندما ساعدت اتفاقية أمنية عام 2001 بين المملكة العربية السعودية وإيران في منع الصراع النشط لمدة عشرة أعوام، على الرغم من انعدام الثقة المتبادل العميق، ولا يزال هذا هو الحال اليوم. لذلك يجب أن نرحّب بأخبار إعادة العلاقات الدبلوماسية بين هاتين الدولتين، بعد الاتفاق العام الماضي بين الإمارات العربية المتحدة وإيران لتبادل السفراء مرة أخرى.
ومع ذلك، تحمل الصفقة هذه المرة تحذيرين، يثير كل منهما أسئلة استراتيجية مهمة للولايات المتحدة. الأول، وهو الأكثر وضوحًا، أن الصين هي التي جمعت الجانبين معًا، مع إعلان تم توقيته ليتزامن مع بداية ولاية الرئيس شي جين بينغ الثالثة. بعد سنوات عديدة من التصريحات من بكين، بأنها تريد بناء علاقات اقتصادية في الشرق الأوسط ولا تسعى إلى أي نفوذ سياسي، يمكننا أن نرى بوضوح أن مثل هذه التصريحات خاطئة. والواقع أن الصين كانت تعمل باطراد لزيادة نفوذها السياسي الإقليمي، على مدى عقدَين من الزمان، وبرز ذلك أخيرًا من خلال زيارة قام بها شي إلى الرياض في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وزيارة إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني إلى بكين الشهر الماضي. بالأمس، وعدت الصين بأن مصالحها في المنطقة كانت اقتصادية فقط، ولا تريد أن تكون لاعبًا سياسيًا رئيسًا. واليوم، ستعدُ الصين بأنها تريد فقط النفوذ الدبلوماسي، وليس الوجود العسكري الإقليمي. ما كان ينبغي للعالم أن يصدّق أبدًا وعود الأمس، وبالتأكيد لا ينبغي أن يصدّق وعود اليوم.
والتحذير الثاني أنّ هذا الإعلان يأتي في الوقت الذي تنسّق فيه الولايات المتحدة وإسرائيل عن كثب، بخصوص الردود المحتملة على برنامج إيران النووي المستمرّ، مع مناورات عسكرية مشتركة، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي يزور البيت الأبيض هذا الأسبوع، قبل زيارة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء إلى أوروبا حول هذا الموضوع. وفي حين أن البيت الأبيض قد يرحّب بخفض التصعيد، فإن الحكومة الإسرائيلية لن تفعل ذلك، لأنها ستفسّر هذه الخطوة على أنها خطوة محسوبة لتقليل التهديد بعمل عسكري ضد إيران. لن يكون من المستغرب أن يكون الإعلان التالي بمنزلة تجديد للمناقشات الأميركية الإيرانية، حول خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، التي توسطت فيها الصين مرة أخرى. وفي حين أنني ما زلت متشككًا في كون مثل هذا الاتفاق محتملًا (أو حتى مستحسنًا) في الظروف الحالية، فإن مثل هذا الإعلان سيكون موضع ترحيب في واشنطن، ولكن ينظر إليه في القدس على أنه يقلل من الردع الأميركي الإسرائيلي ضد إيران.
دور الصين تحذير للولايات المتحدة بعدم التخلي عن الشرق الأوسط
جوناثان بانيكوف: مدير مبادرة سكوكروفت الأمنية للشرق الأوسط في برامج الشرق الأوسط، وهو نائب سابق لرئيس الاستخبارات الوطنية للشرق الأدنى في مجلس الاستخبارات الوطني الأميركي.
قرار إيران والمملكة العربية السعودية استئناف العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء قام على المشاركة الهادئة المستمرة منذ أعوام، وعلى النمو الكبير في التجارة بين البلدين في عام 2022. ومع ذلك، فإنه يعكس أكثر من أي شيء آخر رغبة المملكة العربية السعودية في خفض التوتر مع إيران. وعلى الرغم من كل التقارير حول العلاقات الأمنية والتجارية المتنامية، والتطبيع المحتمل، بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، فإن التركيز الاستراتيجي الأساسي والوحيد للرياض هو تنويع اقتصاد البلاد بعيدًا عن النفط. ولتحقيق ذلك، تنظر الرياض إلى أمنها على أنه أمرٌ بالغ الأهمية لضمان عدم تعطّل عمليات التنقيب عن النفط ونقله ومبيعاته، وأن ينظر إلى البلاد على أنها مكان آمن للاستثمار الأجنبي المباشر طويل الأجل. ويمكن بسهولة تقويض هذين الأمرين، من خلال الهجمات الإيرانية أو الهجمات بالوكالة، وهو احتمال يتضاءل بموجب هذا الاتفاق.
في الوقت نفسه، يأتي هذا التقارب في وقتٍ يزداد فيه الوضع مع إيران سخونة، بالنسبة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل. إن تخصيب إيران لجزيئات اليورانيوم إلى نسبة (83,7) في المئة -وهو أقل من نقاء (90) في المئة- يثير قلقًا واسعًا بين صانعي السياسة الإسرائيليين والأميركيين. وربما تعدّ طهران إبرامَ هذه الصفقة مع المملكة العربية السعودية الآن، فرصةً لإبطاء العلاقات المتنامية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. ومن المرجّح أن تواصل الرياض التعاون الأمني والاستخباراتي مع تل أبيب، لكن طهران تراهن على الأرجح على أن نظراءها السعوديين سيكونون أقلّ ميلًا لتمكين إسرائيل و/أو الولايات المتحدة من القيام بعمل عسكري ضد إيران.
ومع ذلك، قد يكون الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في هذا التطور هو الدور الذي لعبته الصين في المساعدة على التوسّط في الصفقة. الخلاف الواسع في الشرق الأوسط، كما يرى كثيرون في الولايات المتحدة، هو أن الصين ليس لديها سوى مصلحة اقتصادية سلبية في المنطقة، وأنها راضية بأن تستفيد بالمجان من الضمانات الأمنية الأميركية. بعد أن شاركتُ بالأمس في مؤتمرٍ حول العلاقات بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الدوحة، يمكنني أن أؤكد أن هذا الموضوع كان وفيرًا كجزء من آراء الخبراء هنا. لكن العلاقات الاقتصادية والتجارية غالبًا ما تفسح المجال للمشاركة السياسية، التي يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى التعاون الاستخباراتي والأمني. ربما نشهد الآن ظهور دور سياسي للصين في المنطقة، ويجب أن يكون تحذيرًا لصانعي السياسة الأميركيين: غادروا الشرق الأوسط وتخلّوا عن العلاقات مع حلفاء محبطين في بعض الأحيان، وحتى بربريين، ولكن حلفاء مديدين، وسوف تتركون ببساطة فراغًا للصين لملئه. ولا ينبغي لنا أن نخطئ، فالشرق الأوسط الذي تهيمن عليه الصين من شأنه أن يقوض بشكل أساسي أمن التجارة والطاقة والأمن القومي للولايات المتحدة.
هذه ليست نهاية حقبة ولا بداية لحقبة
– توماس س. واريك: زميل غير مقيم في ممارسة الدفاع المتقدم في مركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن ومبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي.
على واشنطن ألا تبالغ في ردة فعلها أو تقلل من ردة فعلها على إعلان اليوم، أن الصين لعبت دورًا في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران. وتوسّطت دول أخرى أكثر صداقة للولايات المتحدة، ولا سيما العراق، في تبادل الزيارات بين دبلوماسيين ومسؤولين أمنيين إيرانيين وسعوديين. إن الدور العلني الذي لعبته الصين في إعلان اليوم يُظهر اهتمامها بالقيام بشيء لم يكن بوسع سوى عدد قليل من البلدان الأخرى القيام به: كسب ثقة الجانبين.
من غير المرجّح أن يؤدي استئناف العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض إلى تغيير كبير في الوضع الأمني في الخليج. بشكل عام، يجب على العالم أن يشيد بانخفاض التوترات بين إيران والمملكة العربية السعودية، وهي التوترات التي أدت إلى استمرار العنف وعدم الاستقرار في اليمن والمياه المحيطة بشبه الجزيرة العربية. لأسباب جيوسياسية أكثر منها دينية، ستنظر إيران والمملكة العربية السعودية دائمًا إلى بعضهما البعض بعين حذرة. لذلك لا تحتاج واشنطن إلى رؤية إعلان اليوم على أنه نهاية حقبة أو بداية حقبة أخرى.
ومع ذلك، يجب أن يدفع هذا كلًا من الكونغرس وإدارة بايدن إلى التحقق لمعرفة مقاربة واشنطن تجاه النموذج الأمني في الخليج: هل تعمل لصالح مصالح الولايات المتحدة الأمنية طويلة الأجل أم لا! هذه تختلف عما كانت عليه قبل أربعين أو حتى عشرين عامًا. الصين هي مستهلك رئيس للنفط السعودي والإيراني. لا تحصل الولايات المتحدة على النفط من إيران والقليل نسبيًا من المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فإن طبيعة أسواق النفط العالمية تعني أن الولايات المتحدة لا تزال لديها مصلحة اقتصادية وأمنية في ضمان التدفق الحر للنفط من البلدان غير الخاضعة للعقوبات إلى الأسواق العالمية.
إن التقرير الذي يفيد بأن المملكة العربية السعودية عرضت على واشنطن شروطًا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل هو أمرٌ يجب أن يكون محور الدبلوماسية الأميركية في الوقت الحالي. قد لا تكون شروط الرياض شيئًا تتمكن واشنطن من الوفاء به، لكن الإعلان عن مشاركة الصين في استعادة العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية يُظهر أن دبلوماسية الشرق الأوسط حية وجيدة، ولا تمر دائمًا عبر واشنطن.
لن تغيّر إيران هدفها الاستراتيجي المتمثل في الهيمنة الإقليمية
– دانيال ب. شابير: مدير مبادرة N7، وزميل متميز في المجلس الأطلسي وسفير أميركي سابق في إسرائيل، شغل هذا المنصب من عام 2011 إلى 2017.
يمكن لواشنطن أن ترى كلًا من النصف المليء والنصف الفارغ من الكأس، في الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية الإيرانية السعودية، بوساطة صينية. يتمثل النصف المليء بـأن الحد من التوترات الإيرانية السعودية هو هدف أيّدته الولايات المتحدة، بعد أن قدّمت دعمها لجولات سابقة من هذه المحادثات في العراق وعُمان. إذا تمّ تنفيذه -وهو تحذير رئيس- فقد يساعد في إنهاء الحرب في اليمن، كما سعت الولايات المتحدة، والحد من التوترات في العراق التي أدت إلى استهداف القوات الأميركية. والنصف الفارغ: إن رؤية نفوذ الصين يتصاعد، من خلال إظهار قدرتها على الاستفادة من علاقاتها البناءة مع جانبي صراعات الشرق الأوسط، أمرٌ مقلق، وهو دليل آخر على الشكوك في المنطقة، حتى بين شركاء الولايات المتحدة، حول قدرة الولايات المتحدة على البقاء.
لكن كلًا من الصين والسعوديين يقامرون بشكل كبير هنا، مما يضع غشاوة كبيرة على النيات الحسنة الإيرانية. وفي حين اختارت إيران في أوقات مختلفة تصعيد التوترات أو تهدئتها مع جيرانها، فليس هناك ما يشير إلى حدوث تغيير في الأهداف الاستراتيجية للنظام الإيراني، التي تشمل الهيمنة الإقليمية المدعومة ببرنامجها النووي، الذي يستمر في التوسع؛ وتوسيع نفوذها من خلال وكلاء إرهابيين في لبنان والعراق واليمن. والعداء الصريح لإسرائيل، الشريك الرئيس لدول الخليج العربي، حتى لو كان ذلك بشكل غير رسمي في حالة المملكة العربية السعودية. هل سينجو التقارب السعودي الإيراني من أوّل ارتداد لتشكيله من قبل إيران لتنفيذ رؤيتها الاستراتيجية التي لم تتغير؟ وما هي الأدوات التي يمكن أن تجلبها الصين إلى الطاولة، عندما تنتهك طهران شروط الاتفاقية وروحها؟
وعندما يحدث ذلك، سيكون تذكيرًا قويًا للرياض بأن بكين، على الرغم من نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي الآن، شريكٌ غير موثوق به لضمان أمن المملكة. قد يأمل السعوديون أن يمنحهم تحولهم نحو الصين نفوذًا في المطالبة بمزيد من الأسلحة والضمانات الأمنية والتكنولوجيا النووية المدنية من الولايات المتحدة، التي يتم طلبها كتعويض عن صفقة التطبيع مع إسرائيل. لكن حاجتهم إلى دعم الولايات المتحدة لن تتضاءل، وستتطلب منهم أن يُظهروا للإدارة المتشككة والكونغرس والجمهور الأميركي أنهم لا يتحولون إلى تكييف مصالحهم مع الصين أكثر من الولايات المتحدة.
قامت الصين بأول غزوة كبيرة لها في دبلوماسية الشرق الأوسط
جوناثان فولتون: زميل أول غير مقيم لبرامج الشرق الأوسط ومبادرة سكوكروفت الأمنية للشرق الأوسط في المجلس الأطلسي.
ثمة افتراض ظهر منذ مدة طويلة بأنّ مضاربة الصين على جانبي الخليج لا يمكن الدفاع عنها على المدى الطويل، وأنه في النهاية سيتعين على بكين أن تتصرف مثل الدول الأخرى وتختار جانبًا. وهذا يُغفل أسس دبلوماسية الشراكة الاستراتيجية، التي تقوم على المصالح، وتركز على تطوير العلاقات الثنائية بدلًا من التوازن ضد طرف ثالث. تمكنت بكين من تكثيف العلاقات على جانبي الخليج، مع بناء رأس المال الدبلوماسي بطريقة لا تستطيع القوى الأخرى خارج المنطقة القيام بها. التناقض الواضح هو الولايات المتحدة، التي ليس لديها نفوذ إيجابي في طهران؛ بينما تمتلك الصين عصًا، لكنها تستخدم الجزرة التي تركز على الاقتصاد والتنمية، في حين أن الولايات المتحدة تحمل العصا فقط.
قد يؤدي هذا الانخراط بين المملكة العربية السعودية وإيران إلى شيء إيجابي، وقد يتلاشى. من السابق لأوانه إعلان أي شيء آخر غير الخطوة الأولى الجيدة. ومع ذلك، فهي مهمّة بكونها أول غزوة كبرى للصين في الدبلوماسية الإقليمية. كانت بكين تشير منذ كانون الثاني/ يناير الماضي، على الأقل، إلى أنها مستعدة للترويج لرؤية غير أميركية للشرق الأوسط، وهذه علامة على أمور مقبلة.
الصين هَزمت الولايات المتحدة في الخليج
أحمد أبو دوح: زميل غير مقيم في برامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي.
ليست الطموحات الصينية للتوسط بين المملكة العربية السعودية وإيران جديدة؛ فالخطط الصينية المؤلفة من خمس نقاط، التي تباهى بها الدبلوماسي الصيني الكبير وانغ يي قبل عامين، حددت رؤية صينية للأمن الإقليمي، وكشفت لمحة عن هدف بكين في أن تصبح لاعبًا إقليميًا.
بالنسبة للصين، يعزز الاتفاق شرعيتها كوسيط دبلوماسي من الوزن الثقيل قادر على حلّ المنافسة الجيوستراتيجية الأكثر عدائية في المنطقة. ويمكن للاتفاق أن يخلق الظروف الأولى لحدوث تحوّل في التوازن الاستراتيجي في سياق التنافس مع الولايات المتحدة في الخليج. إن طموحات الصين في موضعة نفسها كصانع سلام ذي مصداقية لها نطاق أوسع يُغطي الصراعات في سورية وليبيا واليمن، خاصة بعد هذا الاتفاق. قد يكون هذا إشكالية في واشنطن. يُنظر إلى تردّد الولايات المتحدة في إنفاق مزيدٍ من رأس المال السياسي، على التوسّط في الصراعات في الشرق الأوسط، كدليل على تراجع قوة الولايات المتحدة، وتركيزها على المنافسة مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. كما يمكن أن يوفّر الاتفاق للقيادة الصينية مزيدًا من الخيارات الاستراتيجية، لأن تخفيف حدة التوترات بين الرياض وطهران يخلق طبقة رقيقة من الأمن والاستقرار الضروريين لصادرات النفط المتجهة إلى الصين، وخطوط الاتصال البحرية التجارية، واستثمارات الحزام والطريق الصينية.
وبالنسبة للمملكة العربية السعودية وإيران، فإن التزام الصين الظاهري بمبدأ “عدم التدخل”، وسياسة “عدم الانحياز” الإقليمية، أضفى صدقية كبيرة على موقفها كوسيط. ولكي نكون واضحين، يبدو أن كلا البلدين متّحدان في مظلوميتهم تجاه إدارة بايدن، وإن كان ذلك على مستويات مختلفة. وعلى الرغم من استضافة العراق للمحادثات في معظمها، فإن رغبة الصين في أخذ زمام المبادرة قد لاقت رغبة الرياض وطهران في منحها انتصارًا دبلوماسيًا، وهو مؤشر صارخ على نفوذ الصين المتزايد على أكبر قوتين في الخليج. ويبقى أن نرى مدى صمود الوساطة الصينية في المستقبل، وفي الواقع، ستغطي صراعات إقليمية أخرى. ومع ذلك، هزمت الصين الولايات المتحدة في الخليج.
خرجت الصين بطريقة ما وكأنها صانعة سلام
كيرستن فونتنروز: زميلة غير مقيمة في مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي في برامج الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي.
الاتفاق السعودي الإيراني ليس شراكة، إنه اتفاق عدم اعتداء. لا يتنازل أي من الطرفين عن أي شيء في هذه الصفقة. وما فتح السفارات إلا وسيلة لتوسيع فرصهم للتجسس على بعضهم البعض. لكن مع الأسف، يمكننا أن نتوقع أن يصاب السعوديون بالإحباط. لا تزال إيران تسلّح الحوثيين في اليمن، منذ انتهاء وقف إطلاق النار في الخريف الماضي. وترى إيران أن الحوثيين يمكنهم استئناف الهجمات ضد المملكة العربية السعودية، ويمكن لإيران أن تُنكِر، وبالتالي فلن يكون هناك انتهاك للصفقة.
لا ينبغي أن تشعر إسرائيل بالقلق من أن هذه الصفقة تُقلل من فرصتها في تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، في نهاية المطاف. إن أولويتي للمملكة هما تأمين نفسها ضد التهديدات الإيرانية، وتوسيع قاعدتها الاقتصادية. الاتفاقات مع كلٍّ من إسرائيل وإيران حاسمة بالنسبة للأولى. لكن إيران لا تستطيع أن تُسهم بشكل هادف في الثانية، في حين تستطيع إسرائيل ذلك. وأي ضغط إيراني لعدم متابعة العلاقات مع إسرائيل سيتم تجاهله تمامًا من قبل وليّ العهد الذي يُركز على أهداف التنمية. الصين هي الفائز في هذه الصفقة. البلد الذي باع كل جانب الأدوات اللازمة لمحاربة بعضهم البعض خرج بطريقة ما، وكأنه صانع سلام.
ما الدور الذي لعبته محطة تلفزيونية في الشتات الإيراني في الصفقة؟
هولي داغريس: زميلة غير مقيمة في برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي.
في أعقاب زيارة رئيسي التي استغرقت ثلاثة أيام إلى بكين، في شباط/ فبراير -وهي الأولى لرئيس إيراني منذ عشرين عامًا- ثمة تحول غير متوقع للأحداث: استئناف العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية بعد سبعة أعوام. قُطِعت العلاقات بين الجارتين في الخليج “الفارسي” بعد أن اقتحم متظاهرون البعثات السعودية في طهران ومشهد، ردًا على إعدام نمر النمر، رجل الدين الشيعي والناقد السعودي، في كانون الثاني/ يناير 2016.
منذ نيسان/ أبريل 2021، توسطت بغداد في محادثات في محاولة لاستئناف العلاقات الثنائية بين اللاعبين الإقليميين. كان من المقرر استئناف المحادثات في جولتها السادسة، في الوقت الذي بدأت فيه الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة في إيران بسبب مقتل مهسا جينا أميني في أيلول/ سبتمبر 2022. وبحسب ما ورد، فقد توقفت المحادثات بسبب تغطية قناة الشتات الإيرانية الفضائية “إيران إنترناشيونال” للاحتجاجات، التي تعتقد المؤسسة الدينية أنها ممولة من السعودية، ومسؤولة عن إثارة الاضطرابات في جميع أنحاء البلاد خلال الأشهر الخمسة الماضية. ذكرت صحيفة الغارديان في عام 2018 أن المنفذ/ القناة -الملقب عند بعض الإيرانيين باسم “السعودية الدولية”- يموّل من قبل شركة يملكها رجل أعمال سعودي له علاقات وثيقة مع محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي. ومع ذلك، وفقا لوكالة أسوشيتيد برس، فإن ملكية القناة، فولتانت ميديا Voltant Media، لم تعد مملوكة لمواطن سعودي.
يتساءل بعض الإيرانيين: كيف سيؤثر استئناف العلاقات الثنائية على إيران دوليًا. منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2022، فرضت طهران عقوبات على المنفذ/ القناة الناطقة باللغة الفارسية، إلى جانب (بي بي سي) الفارسية، بسبب اتهامات لا أساس لها، بـ “دعم الإرهاب” و “التحريض على أعمال الشغب”، بسبب تغطيتها المستمرة للاحتجاجات، لدرجة أن وزير الاستخبارات الإيراني أشار إلى القناة على أنها “منظمة إرهابية” سيتم التعامل معها.
وقام صحفي مقيم في إيران، من دون تقديم أي دليل (ظهرت تغريدته على قناة تلغرام التابعة لـ “الحرس الثوري الإسلامي”)، بالتغريد بأن الرياض ملتزمة بعدم إثارة التوترات، عبر القناة الفضائية الناطقة بالفارسية. وكان من الممكن أن يكون هذا أحد شروط إيران لاستئناف العلاقات.
في نهاية فبراير/ شباط، اضطرت القناة التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرًا لها إلى تعليق عملياتها في لندن، والانتقال إلى واشنطن بعد تهديدات عديدة من الأجهزة الأمنية للجمهورية الإسلامية ضد صحافييها، وعقب حادثة دفعت إلى اعتقال مواطن نمساوي في مقرّها، بتهمة “جمع معلومات من النوع الذي يحتمل أن يكون مفيدًا لشخص يرتكب عملًا إرهابيًا أو يُعِد له”.
السعودية تلعب بأوراق عديدة في وقت واحد
كرميئيل أربيت: زميل غير مقيم لبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي.
من السابق لأوانه الحُكم على عمق أو ديمومة التقارب بين المملكة العربية السعودية وإيران. لكن من المهم أن نأخذ الأمر في سياقه: هذه المداولات مستمرة منذ بعض الوقت، وجرت مع المداولات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. السعوديون انتهازيون في كلّ منعطف: فهم يتعاملون مع التوترات المتصاعدة في الداخل، وتراجع النفوذ في العالم الإسلامي، والعلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة. ولذا فهم يتحوّطون.
لقد أظهرت الإمارات أنها تستطيع إيجاد توازن دقيق، من خلال الحفاظ على علاقات باردة وودّية مع الإيرانيين، وعلاقات دافئة مع الإسرائيليين في وقت واحد. يفهم الطرفان ويقدران المصالح الجيوسياسية لجيرانهما. لذا كونوا مطمئنين، لن تعترض إسرائيل في مغازلتها للسعوديين نتيجة لهذا الإعلان.
يقدم السعوديون مطالب ضخمة مقابل التطبيع -من ضمن ذلك الضمانات الأمنية والتكنولوجيا النووية المدنية- ولم تقدم الولايات المتحدة حتى الآن أي مؤشر على استعدادها للوفاء بهذا الثمن المرتفع، من دون تغييرات كبيرة من المملكة العربية السعودية. والسعوديون يعرفون ذلك. لذا فهم يلعبون بأوراق عديدة في وقت واحد، فالصفقة الإيرانية تساعدهم في التقرب أكثر من الصينيين الذين تفاوضوا على الاتفاق. يمكن أن يُعزز ذلك صورتهم في العالم الإسلامي (الأمر الذي يمكن أن يساعد بدوره في تعويض آلام التطبيع). كما أنه يعزز دور المملكة العربية السعودية كقائد في منطقة ديناميكية بشكل متزايد تبحث عن مزيد من الاستقلال عن الولايات المتحدة.
المملكة العربية السعودية تتخذ مواقف جريئة بالنسبة للولايات المتحدة
علي باكير: زميل غير مقيم في مبادرة سكوكروفت الأمنية للشرق الأوسط في برامج الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي.
هذا التطوّر في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران ليس صادمًا في حد ذاته، بالنظر إلى أن الرياض وطهران تتفاوضان على هذه القضية منذ بعض الوقت، برسالة واضحة من الإيرانيين بأنهم يرغبون في رؤية هذا يحدث. ويؤكد هذه الفكرة حقيقة أن هذه الجولة من المحادثات استغرقت أربعة أيام فقط.
بعد قولي هذا، لا ينبغي للمرء أن يتوقع أن المشاكل المزمنة في العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران ستنتهي تمامًا في أي وقت قريب، نظرًا للطبيعة المعقدة لهذه العلاقة، فضلًا عن المستوى العالي من الأمننة securitization. وبطبيعة الحال، من المرجح أن نشهد مزيدًا من خفض التصعيد، لكن النتيجة الإجمالية ستعتمد بشكل كبير على الطريقة التي يرغب فيها اللاعبان في المضي قدمًا، ابتداءً من هذه النقطة، وهل يرغبان في البناء على الإعلان. ومن الواضح أن الدولتين الإقليميتين الوازنتين تحتاجان إلى بعض الوقت للتركيز على التحديات والأولويات الداخلية والإقليمية الأخرى.
يسلط هذا التطور الضوءَ أيضًا على استراتيجية التنويع للمملكة العربية السعودية التي اتخذت فيها الرياض مواقف جريئة تجاه الولايات المتحدة بصدد القضايا الحرجة أكثر على روسيا والصين، على الرغم من معرفتها الجيدة بالعواقب المحتملة لأفعالها. ومع ذلك، فإن الجانب الأكثر لفتًا للانتباه في الصفقة هو وجود الصين. وعلى الرغم من أن ذلك قد يكون منطقيًا، فإن بصمة الصين في هذا الاختراق الدبلوماسي تُعزز التصور بأن دور الصين في الخليج والمنطقة يتزايد بشكل كبير، بطريقة ستترك تداعيات تتجاوز العلاقات التجارية النموذجية. كما يسلط الضوء على غياب الولايات المتحدة كلاعب رئيس في المنطقة، دبلوماسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.
إن تقريب المملكة العربية السعودية وإيران خطوة واحدة من بعضهما البعض ليس بالضرورة أمرًا سيئًا بالنسبة للولايات المتحدة، نظرًا لتركيز واشنطن على الحرب الروسية على أوكرانيا والتوترات الإقليمية المتصاعدة الناتجة عن قيام إيران بتجهيز مستويات التخصيب النووي بما يقرب من (90) في المئة من الدرجة العسكرية. ومع ذلك، يجب أن يفتح هذا التطور أعين واشنطن على أمرين: الأول يجب على الولايات المتحدة ألا تقلل من أهمية هذه المبادرة، وأن تولي مزيدًا من الاهتمام لمثل هذه التطورات، نظرًا لتداعياتها المستقبلية على مصالحها وعلى المنطقة. والثاني أن الاتفاق سيعطي الصين دفعة ناعمة في المنطقة. حتى الآن، فازت الصين بالمنطقة اقتصاديًا. وإذا عززت وجودها الدبلوماسي والسياسي، فهذا يعني أنها تقترب خطوة واحدة من أن تكون لاعبًا صاعدًا في المجال الأمني في المنطقة في المستقبل.
الخاسر الأكبر في كل هذا قد تكون روسيا
مارك ن. كاتز: زميل أقدم غير مقيم في برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي.
إن مساعدة الصين في استئناف العلاقات الدبلوماسية هي خطوة دراماتيكية. ومع ذلك، فإن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران بعيدٌ كل البعد عن التوصل إلى اتفاق سلام أو تسوية أي من الخلافات العديدة بينهما. فهل مشاركة الصين ضرورية لاستعادة العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية؟ هذا غير واضح. ومع ذلك، فإن نظرتها تثير احتمال أن تلعب الصين دورًا أكثر فعالية، من قيام الولايات المتحدة بحل الخلافات بين هؤلاء الخصوم في الشرق الأوسط. على أقل تقدير، سيُنظَر إلى الصين كبديل للولايات المتحدة كوسيط في الشرق الأوسط.
قد يكون أحد التأثيرات المباشرة لدور الصين في تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية هو تعقيد آمال أميركا في “اتفاق أبراهام” آخر، يعمل على تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية. وهذا لن يؤدي إلا إلى تعزيز صورة تراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط. ومع ذلك، قد تستفيد الولايات المتحدة فعليًا من استعادة العلاقات السعودية الإيرانية (بغض النظر عن دور الصين في تحقيقها) إذا أدى ذلك إلى تحسين فرص حل أو على الأقل تعافي الخلافات السعودية الإيرانية، في اليمن والعراق وأماكن أخرى. وقد تستفيد إسرائيل حتى إذا أصبحت المملكة العربية السعودية الآن في وضع أفضل للعمل كوسيط بين طهران وإسرائيل.
وسواء حدث هذا أم لا، فإن الخاسر الأكبر في كل هذا قد يكون في الواقع روسيا. تُروّج موسكو لنفسها منذ فترة طويلة كبديل لواشنطن كوسيط فعال في الشرق الأوسط، لأن روسيا تتعامل بفعالية مع إيران، على عكس الولايات المتحدة. لكن من الواضح أن الصين تستطيع ذلك أيضًا.
التقارب الإيراني السعودي لا يمكن فصله عن حركة “المرأة والحياة والحرية” في إيران
– نادرة شاملو: زميلة غير مقيمة في مبادرة “مكنوني empowerME” التابعة للمجلس الأطلسي ومستشارة تنمية دولية.
بالنظر إلى السخط الداخلي المستمرّ، وتدهور الاقتصاد، والمشاعر العالمية السلبية المتزايدة تجاه الجمهورية الإسلامية، فإن تقارب إيران مع المملكة العربية السعودية هو محاولة، من قبل الخبراء المطلعين على النظام، للحد من واحدة على الأقل من الأزمات العديدة التي خلقتها إيران لنفسها في العقود الأربعة الماضية. أرسلت زيارة شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج “الفارسي” الأخرى إشاراتٍ إلى أن الصين عازمة على تعزيز العلاقات مع مجلس التعاون الخليجي -الذي كان عادة متحالفًا مع الولايات المتحدة- وإنْ كانت هذه العلاقات الأقوى لا تُبشّر بالخير مع إيران. كانت زيارة رئيسي إلى بكين في شباط/ فبراير أقل من مقبولة، وفقًا لمعظم المقاييس، إذ عاد خالي الوفاض إلى حد ما، مع بعض التصريحات والوعود الغامضة. ومن المرجح أن تكون الرسائل الصادرة عن بكين، التي تعدّها إيران أقوى داعم لها، قد دفعت النظام إلى تحسين العلاقات مع الرياض.
قد تكون النقطة الثانية المتعلقة بهذا التقارب هي مخاوف إيران، بخصوص محطة الأخبار الإيرانية الدولية التي يقودها الإيرانيون في الشتات، ومقرها لندن. ومن المفترض أن تموّلها المملكة العربية السعودية، حيث كانت في طليعة المعارضة للنظام، وتحظى بمشاهدة واسعة داخل إيران وبين المغتربين. وإدراكًا من النظام الإيراني لتأثيرها، هدد المحطة، لدرجة أن محطة إيران الدولية اضطرت إلى نقل مقرها من لندن إلى واشنطن. ويُشكل كبح جماح تمويل المحطة مصدر قلق كبير للنظام.
ثالثًا، التزمت الدول الإسلامية الصمت بشكل مفاجئ في ثورة مهسا -“المرأة والحياة والحرية”- باستثناء عدد قليل من المنظمات غير الحكومية التركية والتونسية. كوني هنا في لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة في نيويورك، أسمع من النسويات والناشطات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنه مع اعتماد بلدانهن المتزايد على الدعم المالي السعودي، فقد أُعطين رسالة هادئة لتوخي الحذر في دعمهن للحركة النسائية الإيرانية. إن الحصول على مساعدة سعودية لتثبيط صدى ودعم حركة مهسا بين الدول الإسلامية سيكون مفيدًا لطهران.
مكاسب للعراق والصين، وجرس إنذار للولايات المتحدة
أندرو بيك: زميل غير مقيم في برامج الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي.
إن تطبيع العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية هو نتيجة أخرى لبحث الخليج عن الأمن، في منطقة ما بعد الولايات المتحدة. قُطِعت العلاقات بين البلدين عام 2016، بعد سلسلة متتالية من الأزمات التي ظهرت في أعقاب مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي مفاوضات عارضها السعوديون وحلفاء إقليميون آخرون بشدة، معتقدين أنها ستؤدي إلى قيام الولايات المتحدة بتخفيف توازنها الإقليمي مع إيران. هذا التوازن أمرٌ حيوي للشرق الأوسط الحديث، الذي تتمثل السمة المميزة له في المنافسة، بين الكتل السنيّة والشيعية، فضلًا عن أن القوة الأكبر للكتل الشيعية. كان انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان الحدثَ الأخير في سلسلةٍ من القرارات الاستراتيجية التي زادت من قوة إيران، بدءًا من حرب العراق. إن ميزان القوى الإقليمي يكون مستقرًّا، عندما تكون الولايات المتحدة حليفًا فعّالًا، ولذلك خشي السعوديون (والإسرائيليون) من أن موجبات خطة العمل الشاملة المشتركة لن تُبقي الحال كذلك.
نشأت “اتفاقيات أبراهام” من بحث مماثل عن الأمن وتصوّر بأن الولايات المتحدة كانت تبتعد عن المنطقة. وهناك، سعت دول الخليج السنيّة الأكثر انكشافًا إلى استبدال بعض وسائل الردع الأميركية التي اعتمدت عليها بالردع الإسرائيلي، والحفاظ على التزام الولايات المتحدة كفائدة إضافية لعملية السلام. وفي مقابل هذا الإطار الاستراتيجي، تهدف إعادة العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية إلى تهدئة التوترات على المدى القصير. بغداد هي أحد الفائزين المحتملين في هذا التطور، حيث يمكن القول إن المحادثات التي استضافتها أسهمت في ذلك على المدى القصير. أما الصين فهي دولة أخرى: وأول مساهمة صينية كبيرة أحادية الجانب في دبلوماسية الشرق الأوسط، على الإطلاق، يجب أن تكون جرس إنذار لدور الولايات المتحدة في المستقبل.
مصداقية الولايات المتحدة كصانع سلام في المنطقة تعرضت للخطر
مسعود مستجابي: مدير مشارك لبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي.
يمثل الإعلان عن اختراق دبلوماسي بين جمهورية إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية، بوساطة صينية، إنجازًا مهمًا في الدبلوماسية الإقليمية، ويمكن أن يشير إلى عهد جديد في الشرق الأوسط. ويؤكد هذا التطور، الذي يجمع بين لاعبين إقليميين رئيسين بعد أعوامٍ من العداء، الوجودَ الصيني المتنامي في المنطقة، ويشكل تحديًا للولايات المتحدة، التي من المرجح أن تحاول تقويض هذه الجهود.
وعلى النقيض من “اتفاقيات أبراهام” التي توسطت فيها الولايات المتحدة، والتي سعت إلى إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، من ضمن ذلك الإمارات العربية المتحدة والمغرب، ظلت الجهود المبذولة لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل بعيدة المنال. ومع ذلك، استمرت الولايات المتحدة في جهودها لتحقيق هذا الهدف. لسوء الحظ، تعرضت مصداقية واشنطن كصانع سلام في المنطقة للخطر، بسبب عدم موثوقيتها المتصوّرة وميلها إلى الانحياز إلى أحد الجانبين في الصراعات، كما هو الحال في اليمن وسورية. في المقابل، ينظر إلى الصين على أنها وسيط مرن يتجنب الانحياز إلى أي طرف.
وإذا استمرّ هذا الاتجاه، فقد يلجأ مزيدٌ من الجهات الفاعلة الإقليمية إلى الصين كوسيط، حيث يُوثق بها أكثر من الولايات المتحدة. إن هذا التطور إيجابيّ، لمنطقة تحتاج إلى مزيد من الدبلوماسية والحوار بين الخصوم التقليديين. ستستفيد إيران من مزيد من السبل لامتصاص العقوبات الأميركية، في حين يمكن للمملكة العربية السعودية التحوط في رهاناتها، في حالة فشل التطبيع مع إسرائيل. وتستفيد الصين بدورها من العلاقات الاقتصادية الموسعة والبيئة التجارية الأكثر أمنًا في الشرق الأوسط.
الصين تتبع السيناريو الذي كتبته روسيا مع تركيا في سورية
– ميشال دوكلو: زميل غير مقيم في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط وسفير فرنسي سابق في سورية.
من وجهة نظر باريس، يمثّل هذا الحدث نجاحًا حقيقيًا للدبلوماسية الصينية. فمن ناحية، من الواضح أن هذه غزوة للصين، كوسيط قوة وصانع قرار في منطقة اعتادت أن تكون حكرًا على الولايات المتحدة، وأحيانًا على حلفائها. ومن ناحيةٍ أخرى، تُظهر الصين مهارة في الوساطة التي لم يكن لها سوابق حقيقية.
من الواضح أيضًا أن الخطوة الصينية، واستجابة كُلٍّ من المملكة العربية السعودية وإيران، تتناسبان تمامًا مع السردية التي تحاول الصين تطويرها، كقوة مسؤولة وإيجابية وسلمية تسعى جاهدة لإيجاد حلول بناءة، ولأن تكون أكثر فأكثر في وضع يمكّنها من تحريك الأمور. بطريقة ما، يمكن عدّ الوساطة الصينية خطوة مكمّلة لما يسمى “خطة سلام”، أو بشكل أكثر دقة “ورقة تقدير موقف” لبكين، بخصوص الحرب الأوكرانية. السمة اللافتة للنظر بالطبع هي أن الصين وقوى الجنوب العالمي لم تعد بحاجة إلى الاعتماد على بعض الإجراءات من الغرب. وبهذا المعنى، تتبع الصين السيناريو الذي كانت روسيا نفسها أوّل من خطّه بتنظيم تعاون مع تركيا وإيران، من خلال عملية آستانة حول إدارة الأزمة السورية.
وفي هذا السياق، هناك سؤالان: الأول هل هناك متابعة للصيغة الصينية السعودية الإيرانية؟ وهل هذا “الانقلاب الدبلوماسي” الصيني هو بداية مشاركة سياسية أعمق لبكين في المنطقة؟ والسؤال الثاني: هل يمكن أن تصبح هذه الوساطة الصينية الناجحة الأولى نموذجًا لدبلوماسية صينية أكثر حزمًا، ليس في الشرق الأوسط فقط، بل على المسرح العالمي؟
الجواب الحكيم هو القول إنه سيكون من السابق لأوانه صياغة تقييم نهائي. ومع ذلك، يمكن للمرء أن يقول: مِن المعقول تمامًا أن كثيرًا من البلدان في الشرق الأوسط تتوقّع نوعًا من الوساطة الخارجية التي لا تأتي من الغرب، بسبب خيبة الأمل تجاه السياسات الأميركية والغربية؛ ولا تأتي من روسيا، بسبب أوكرانيا. ويبدو أن الصين في وضع جيد لسدّ هذه الفجوة.
*- الآراء الواردة في هذا التحليل لا تعبّر بالضرورة عن رأي المركز
اسم المادة الأصلي | Experts react: Iran and Saudi Arabia just agreed to restore relations, with help from China. Here’s what that means for the Middle East and the world. |
الكاتب | مجموعة خبراء |
مكان النشر وتاريخه | المجلس الأطلسي، Atlantic Council، 10 آذار/ مارس 2023 |
الرابط | https://2u.pw/03Jyqc |
عدد الكلمات | 5370 |
ترجمة | وحدة الترجمة/ أحمد عيشة |