في 6 شباط/ فبراير 2023، ضرب زلزالان متتابعان، كان أقواهما بقوة 7.8 درجة بمقياس ريختر، مناطق واسعة في جنوب تركيا وشمال سورية، وأعلنت الحكومة التركية حالة الطوارئ في 10 ولايات تركية، وأن تلك الولايات منطقة كوارث، ثم أضيفت ولاية إلازيغ إلى تلك الولايات، فأصبح عدد الولايات المنكوبة 11 ولاية.
تضرّر عدد كبير من السوريين المقيمين في الولايات المنكوبة، حيث خسر كثيرون حياتهم نتيجة الزلزال، ويواجه الناجون كثيرًا من التحدّيات والمخاطر، وتتعلق التحدّيات بمسألة إيجاد مساكن بديلة، وتأمين الانتقال إلى ولايات أخرى، والحصول على تعويضات عن الخسائر وأذونات عمل.. إلخ. وفي ضوء الوضع الذي أنتجته الكارثة، تستعرض هذه الورقة عددًا من السيناريوهات التي تواجه السوريين المقيمين في الولايات المنكوبة، وتختم بجملة من التوصيات للتخفيف من وقع الكارثة، ومساعدة الناجين في الاستقرار والحصول على تعويضات وتأمين أوراق ثبوتية.
يسكن في الولايات التركية المنكوبة قرابة نصف السوريين المقيمين في تركيا تحت وضع الحماية المؤقتة، وقد بلغ عددهم، بتاريخ 2 شباط/ فبراير 2023،[1] 3.500.964، ويبلغ عدد السوريين المقيمين في الولايات المنكوبة 1.738.035، أي حوالى 49.64% من السوريين حاملي الحماية المؤقتة، إضافة إلى السوريين الحاصلين على الجنسية التركية، أو الذين لديهم إقامة عمل أو غيرها من أنواع الإقامات التي لا تُدرَج تحت الحماية المؤقتة، لذلك يمكن الحديث عن نحو مليونَي سوري كانوا يقيمون في تلك المناطق المنكوبة.
ويسكن السوريون في تلك الولايات، ولا سيّما في الأحياء القديمة والعشوائية، وكان لذلك دورٌ في ارتفاع عدد الضحايا والمتضررين من الزلزال من بينهم، ووفقًا لوزير الداخلية التركية، فقد بلغ عدد السوريين الذين فقدوا حياتهم نتيجة الزلزال 4267[2] مواطنًا، وهذا الرقم لا يشمل الحاصلين على الجنسية التركية، لأنهم يُعَدّون في الإحصاءات الرسمية مواطنين أتراكًا، لذلك يمكن أن نقدّر العدد بنحو 5 آلاف سوري، أي أن قرابة 10% من ضحايا الزلزال في الولايات التركية المنكوبة كانوا من السوريين.
لم تقتصر خسائر السوريين على الأرواح فقط، حيث فقد كثير من السوريين بيوتهم وممتلكاتهم وعملهم وحتى أوراقهم الثبوتية..، وأصبحت كثير من المساكن التي كانوا يقيمون فيها غير صالحة للسكن، ولذلك اضطر قسمٌ منهم من سكان تلك الولايات إلى بدء رحلة نزوح جديدة، وذلك بعد أن تمكّنوا من تأسيس حياة وأعمال واستقرّوا بشكل جزئي في تلك المناطق التي تعرضت للزلزال، ويواجه السوريون صعوبات كبيرة في إيجاد مسكن مناسب في الولايات الجديدة.
وكذلك اضطر بعض السوريين المقيمين في الولايات المنكوبة إلى العودة إلى شمال سورية، بعد أن صدر قرار بإعطائهم إذن سفر إلى سورية، لمدةٍ لا تقلّ عن شهر ولا تزيد عن 6 أشهر، ولأنّ كثيرًا من السوريين لم يتمكنوا من تأمين مكان إقامة بديل لهم، بلغ عدد العائدين قرابة 42 ألفًا، حتى بداية آذار/ مارس 2023، وفقًا لتصريح وزير الدفاع التركي[3]، دخل منهم قرابة 13500 عبر معبر باب الهوى، وما يقارب 10 آلاف عبر معبر جرابلس، و7 آلاف عبر معبري باب السلامة وتل أبيض[4].
بالنسبة إلى المواطنين الأتراك، فقد أعلنت الحكومة التركية توفير دعم مبدئي لكل عائلة متضررة، وأنها ستتعاقد مع الفنادق وأصحاب السكن لتأمين سكن مجاني لهم لمدة سنة، أو حتى إنجاز إعادة إعمار مناطق الزلزال، ولم يشمل هذا الأمر السوريين المتضرّرين من الزلزال.
كان التحدّي الذي واجه السوريين بعد الزلزال أكبر من التحدي الذي واجه المواطنين الأتراك، إذ تلا الزلزال حملة إعلامية عنصرية وخطاب كراهية تجاه السوريين، قادها بعض زعماء المعارضة التركية، وعلى رأسهم أوميت أوزداغ (رئيس حزب النصر التركي)، وإيلاي أكسوي (نائب رئيس الحزب الديمقراطي)، وتانجو أوزجان (رئيس بلدية بولو)، وغيرهم من الشخصيات التي تتبنى الخطاب العنصري تجاه السوريين واللاجئين، حيث وجدوا في كارثة الزلزال فرصة لزيادة شعبيتهم قبيل الانتخابات، ولزيادة احتقان الشارع تجاه المهاجرين والسوريين، وانتقاد حزب العدالة والتنمية والحكومة الحالية.
وكانت أبرز الادعاءات التي ركزت عليها تلك الحملات:
وكان العنصر الرئيس في نشر هذه الأخبار الكاذبة أوميت أوزداغ، زعيم حزب النصر المعارض، وقد فنّدت الجهات الرسمية أغلب هذه الادعاءات وأظهرت زيفها.
وفي السياق نفسه، تقدّم الحزب الجيد بمشروع قرار في البرلمان، يطالب الحكومة بوضع خطة لإعادة السوريين إلى وطنهم، لكن تم رفضه من نواب حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية[5]، كذلك طالب رئيس بلدية بولو المعارض تانجو أوزجان بطرد كل السوريين الذين تراوح أعمارهم بين 20-40، من تركيا[6].
ووصل الأمر بفرع حزب النصر في بورصة إلى مشاركة تغريدة تتهم الصفيحة العربية بأنها سبب الزلزال، وأن تركيا ابتُليت بالعرب وصفيحتهم وكذلك بالسوريين، وكذلك شارك عددٌ من مشجّعي فريق بشكتاش مقطع فيديو، وهم يغنّون ويدعون لإطلاق النار على السوريين والأفغان، ويتوعّدون بقتل اللاجئين بشكل مباشر[7].
من جانب آخر، ترافقت عمليات الإنقاذ مع عدد من الحوادث العنصرية والتمييزية، نتيجة التحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي تجاه السوريين، حتى إنّ أحد السوريين الذين كانوا تحت الأنقاض سُئل عن سبب إحجامه عن طلب النجدة، فقال: “إن فرق الإنقاذ حين سمعت أني أستنجد بالعربية لم تستجب لي”، كذلك حصلت بعض الاعتداءات على بعض السوريين الذين قدِم بعضُهم لتقديم المساعدة[8].
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الاستجابة الشعبية للسوريين كانت مميزة، وأثمرت الكثير، وكان هناك تضامن شعبي واسع من السوريين في الولايات الأخرى، ومن خارج تركيا، وأثبتت الشبكات الاجتماعية أنها أقدر وأكثر فعالية في إيصال الدعم والمساعدة إلى مستحقها وبأسرع وقت، لكن مؤسسات المعارضة الرسمية فشلت في استجابتها، حتى إن بعض المؤسسات التي مهمتها الأساسية الاهتمام بشؤون السوريين في تركيا ذهبت إلى الشمال السوري، بحجة مساعدة السوريين هناك، مع أن مهمتها هي مساعدة السوريين المقيمين في تركيا، وأعداد السوريين المتضررين من الزلزال في تركيا كانت أكبر منها من المتضررين في الداخل السوري.
انقسمت استجابة السوريين المتضررين في تلك المناطق المتضررة من الزلزال إلى قسمين:
وكل نوع من هاتين الاستجابتين ترافق بتحديات متشابهة أو مختلفة، لذلك سوف ندرسها بالتفصيل:
واجه السوريون الذين فضّلوا البقاء في مكان إقامتهم مجموعة من التحديات أبرزها:
اضطر كثير من السوريين المقيمين في الولايات المتضررة، شأنهم شأن الأتراك، إلى مغادرة تلك المناطق، والبحث عن مكان جديد للإقامة، وذلك بسبب فقدان مكان السكن أو العمل أو تضررهما، وكذلك بسبب استمرار الهزات الارتدادية والخوف من العودة لتلك المناطق.
وترافق ذلك بمجموعة من التحديات، منها:
وهناك تحدّ يواجه فئةً أخرى من السوريين، وهم حاملو إذن العمل أو الإقامة السياحية، وخاصة أنهم مضطرون إلى تثبيت العنوان، لتمديد إذن العمل أو الإقامة السياحية، إضافة إلى التحديات الأخرى التي يواجهونها، مثلهم مثل السوريين من حملة الحماية المؤقتة، وخاصة ما يتعلق بالتعليم والإجراءات القانونية وغيرها.
ربما لم تظهر هذه المشكلات على السطح بشكل كبير حتى الآن، لأن القسم الأكبر من السوريين نزح إلى أماكن يقيم فيها أفراد من أسرته أو أقارب له، وهم يقيمون معهم حتى الآن، لكن هذه إقامة مؤقتة، ولا بد من البحث عن مسكن أو العودة لمكان الإقامة السابق، وهنا ستظهر هذه التحديات التي يواجهها السوريون بشكل كبير.
ويُضاف إلى كل تلك التحديات والعقبات، التحدي النفسي والاجتماعي، وخاصة لمن فقد فردًا أو أكثر من أسرته بسبب الزلزال، وحالة الخوف والهلع التي يعيشونها، وخاصة الأطفال، وهذا الأمر ينطبق على كل من عايش تلك اللحظات، ممّا يعني ضرورة تقديم دعم نفسي واجتماعي لهم. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن هذا ربما ينطبق على كل السوريين المقيمين في تركيا، في ظلّ حالة عدم اليقين بمصيرهم ومستقبلهم: هل سيبقون في تركيا أم سيعودون.
يمكننا توقّع سيناريو ما سيجري في الفترة القادمة، فإلى أن يأتي موعد الانتخابات القادمة المزمع عقدها في 14 أيار/ مايو 2023، من المتوقّع أن تزداد الضغوط لإعادة السوريين إلى بلادهم، وخاصة النازحين إلى مناطق جديدة، وربما تزداد الضغوط أكثر مع قرب موعد الانتخابات، في ظلّ رغبة الحزب الحاكم في عدم خسارة أصوات أكثر، وخاصة أن المعارضة تستغلّ ورقة اللاجئين والسوريين لكسب أصوات، وللتحريض على الحزب الحاكم والحكومة.
ومن المتوقع أيضًا تزايد هجرة السوريين إلى أوروبا، عبر التهريب، سواء من يحملون بطاقة الحماية المؤقتة أو من يحملون أنواع الإقامات الأخرى، حتى الحاصلين على الجنسية التركية، وستزداد أعدادهم مع تحسّن الطقس وبداية فصل الربيع والصيف.
ومن المتوقّع أيضًا عدم تعويض كلّ السوريين عن الخسائر التي تكبّدوها، والاكتفاء بتعويض المواطنين الأتراك، وذلك خشية حدوث ردّة فعل شعبية من الأتراك قُبَيل الانتخابات، ممّا يشكّل تحدّيًا اقتصاديًا كبيرًا على السوريين من حملة بطاقة الحماية المؤقتة. وهناك تحدٍّ آخر سيواجه السوريين، من حملة الإقامة السياحية أو إذن العمل، حيث من المتوقع عدم تمديدها، وخاصة أن من شروط التمديد وجود عنوان مثبت في النفوس. وفي حال عدم تمديد أذون السفر للنازحين السوريين لولايات أخرى، فسيشكل هذا تحديًا كبيرًا من كافة النواحي للسوريين، مع ما يرتبط به من أمور أخرى، كالصحّة والتعليم والسكن.
أما في مرحلة ما بعد الانتخابات، فوضع السوريين المتضررين من الزلزال والسوريين المقيمين في تركيا عمومًا متوقّف على من سيفوز في الانتخابات، في ظلّ وعود من بعض الأحزاب المعارضة بطرد السوريين وإعادتهم إلى سورية بالقوة، من خلال التواصل مع نظام الأسد، لذلك يمكن القول إن الأشهر القادمة ستكون قاسية على السوريين، وستزيد من الضغوط الاقتصادية والقانونية والنفسية المفروضة عليهم.
ثمة مجموعة من التوصيات التي يمكن أن تسهم في التخفيف من حدّة التحديات التي تواجه السوريين المتضررين، في حال تم الأخذ بها أو ببعضها:
[1] موقع إدارة الهجرة التركية، شوهد بتاريخ 3 آذار/ مارس 2023 على الرابط التالي https://www.goc.gov.tr/gecici-koruma5638
[2] وزير الداخلية التركي: عدد ضحايا الزلزال 45 ألف و968 من بينهم 4267 سوري، موقع DHA، تاريخ النشر 4 آذار/ مارس 2023 على الرابط التالي : http://bit.ly/3ZfXuIp
[3] وزير الدفاع التركي 40-42 ألف سوري عادوا إلى وطنهم، موقع أيدنليك، شوهد في تاريخ 28 شباط/ فبراير 2023 على الرابط: https://bit.ly/3IQcPbH
[4] ارتفاع عدد السوريين العائدين من تركيا إلى بلدهم بعد الزلزال إلى 40 ألف، موقع تلفزيون سوريا، تاريخ النشر 28 شباط/ فبراير 2023، على الرابط: http://bit.ly/41LvRIT
[5] مشروع قانون للحزب الجيد حول اللاجئين السوريين يرفضه حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، صحيفة سوزجو، شوهد بتاريخ 38 شباط/ فبراير 2023 على الرابط: http://bit.ly/3EVTyo0
[6] تصريح ملفت لتانجو أوزجان حول السوريين، صحيفة سوزجو، شوهد بتاريخ 27 شباط/ فبراير 2023 على الرابط: http://bit.ly/41HNVUl
[7]عنصريون أتراك يهتفون لقتل اللاجئين السوريين في هاتاي بعد الزلزال، موقع أورينت، شوهد بتاريخ 14 شباط/ فبراير 2023 على الرابط: http://bit.ly/3SRxlxa
[8] – النائب مدحت سنجار: لن يتم نسيان أحد ضحايا الزلزال السوريين الذي خاف من التحدث بالعربية، صحيفة odatv، شوهد بتاريخ 5 آذار/ مارس 2023 على الرابط: http://bit.ly/3IXg2Gk
[9] – موقع إدارة الهجرة التركية، شوهد في 5 آذار/ مارس 2023 على الرابط: https://www.goc.gov.tr/mahalle-kapatma-duyurusu-hk2
[10] – للمزيد حول الاتفاقية ومواقف الأحزاب التركية، يمكنكم مراجعة دراسة سمير العبد الله ومحمد طاهر أوغلو، مواقف الأحزاب التركية من السوريين المقيمين في تركيا وقضاياهم، على الرابط: https://bit.ly/3JjgJeL