المحتويات
ثانيًا: القضية السورية وحيز التوافق الروسي-التركي الجديد
ثالثًا: إيران وتركيا: مساحة مشتركة للقاء
رابعًا: حول ردّة الفعل الأميركية
خامسًا: ماذا عن مجلس عسكري انتقالي في سورية؟
أثارت زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى روسيا، وما فتحته هذه الزيارة من آفاق للتعاون بين البلدين، وبينهما وإيران، شغفَ كثير من المتابعين الذين شطحت تصورات بعضهم؛ فمن المؤكد أن الدول الثلاث المتجاورة، والمتورطة في الصراع الدائر في سورية وعليها، حريصة على تعميق هذا التعاون، كلٌّ لأهدافه وهمومه. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا يدور حول السقوف التي يمكن أن يصل إليها هذا التعاون في ضوء المعطيات الجيوسياسية التي تفرضها هذه المرحلة من التاريخ. وهل يمكن لهذا التعاون أن يدفع في اتجاه الحل السياسي في سورية؟
لم يكن التوتر الشديد الذي شهدته العلاقات الروسية– التركية على مدى تسعة أشهر بعد إسقاط طائرة السوخوي الروسية مبيتًا ولا مرغوبًا، بل أفرزته حالة الصراع المستعر في سورية، ومواقف الطرفين المتناقضة في هذا الصراع. وبدا واضحًا أن ردة الفعل التصعيدية الروسية، كانت تعبيرًا عن كرامة مجروحة أكثر منها تصيدًا لفرصة لها ما بعدها. تدلل على ذلك سهولة المهمة أمام الوسيطين، الرئيس الكازاخي والرئيس الأذري، التي انتهت باعتذار الرئيس التركي، وتسريع خطوات التطبيع بين البلدين بعد ذلك، لأن ما يجمع بينهما من مصالح وهموم، يحتم عليهما أن يُبقيا باب التشاور والحوار مفتوحًا.
حظيت زيارة الرئيس التركي في التاسع من آب/أغسطس الجاري إلى سان بطرس بورغ باهتمام ومتابعة واسعين، وكثرت التحليلات والاستنتاجات حول النتائج التي تمخضت عنها. ومما لا شك فيه أن الزيارة انطوت على أهمية كبيرة، ليس كونها أول زيارة لأردوغان خارج بلاده بعد الانقلاب الفاشل في الخامس عشر من تموز/ يوليو الماضي، وليس لأنها تأتي بعد توتر شديد في علاقاتهما فحسب، بل لما يمكن أن تفتحه من إمكانيات التعاون أو التفاهم حول الصراع الدامي الدائر في سورية وسبل حله، ذلك أن الطرفين يشعران بثقل ورطتهما في هذا الملف، كما أنهما يعانيان من صدّ وخذلان أميركيين وغربيين، لم يكونا في حسبان حليفهم التركي، وتسعى روسيا جاهدةً لأن تضيّقه وتحدّ من تطوره نحو الأسوأ.
ثمة ملفان أساسيان كانا حاضرين في لقاء بوتين وأردوغان، أولهما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية التي تأثرت كثيرًا في فترة القطيعة، وتضرر منها الطرفان، والثاني هو الحل السياسي في سورية وإمكانيات تحققه والتعقيدات التي تحيط به، وحدود التلاقي والتعاون بينهما.
أنجز الرئيسان تطبيعًا واسعًا لعلاقاتهما الاقتصادية، وهذا كان يسيرًا ومتوقعًا، لأن الطرفين كانا في حاجة ماسة إلى مثل هذا الإنجاز، فالروس في وضع اقتصادي أنهكته العقوبات الغربية التي فُرضت على خلفية تدخلهم في أوكرانيا، كما عانت قطاعات اقتصادية تركية مهمة من هذه القطيعة، إذ تقدر خسائر تركيا الاقتصادية خلالها بأكثر من مليار دولار، وتوقفت مشاريع إستراتيجية في مجال الطاقة النووية والغاز بقرار سياسي روسي.
تم رفع الحظر عن سفر الروس إلى تركيا، وكذلك الطيران المدني الروسي، وهذا سوف ينعكس إيجابًا على قطاع السياحة التركي، لكن من غير المتوقع أن تعود السياحة إلى سابق عهدها بالسرعة المرغوبة نظرًا إلى الأوضاع الأمنية وعقابيل الانقلاب في تركيا، وينسحب هذا التطبيع على قطاعي التجارة والإنشاءات. ويطمح الطرفان إلى رفع قيمة التبادل التجاري بينهما من 32 مليار دولار قبل القطيعة إلى مئة مليار دولار. غير أن الإنجاز الأهم يبقى في قطاع الطاقة، فهناك مشروعان مهمّان وحيويان لكلا الطرفين، أولهما، خط نقل الغاز الروسي إلى البحر المتوسط فأوروبا عبر الأراضي التركية المعروف بخط تورك ستريم، وتقدر كلفته بـ 25 مليار دولار، هذا الخط الذي تحرص روسيا على إنجازه لأنه يمكّنها من تجاوز الابتزاز الأوكراني، ومطالباته الدائمة بأسعار تفضيلية، فضلًا عن تلكئه وعجزه الدائمين عن السداد، ويؤمن المشروع طريقًا إضافيًا لغازها نحو الأسواق الأوروبية الشرهة للطاقة الذي تعرقل العمل به نتيجة ضعف القدرة التمويلية الروسية قبل قرار العقوبات عليها، الأمر الذي دفع تركيا إلى تقاسم أعباء كلفته مع روسيا بعد التطبيع، وهذا دليل آخر على أهميته بالنسبة إلى تركيا أيضًا. يؤمن هذا الخط 60في المئة من حاجتها إلى الغاز، كما يرضي طموحاتها وسعيها الحثيث لأن تكون محطة توزيع الغاز الآتي من روسيا وأذربيجان وإيران، وربما قطر، مستقبلًا نحو أوروبا إذا سمحت صراعات النفوذ والتنافس الاقتصادي الدولية بذلك؛ فقد لا يسمح الأوروبيون على الرغم من حاجتهم، بأن تصبح إمداداتهم من الطاقة رهينة بيد الأتراك. كذلك الروس الذين تعلموا من الدرس الأوكراني وإدراكهم لتبدلات الإستراتيجيات والتحالفات، يهمهم أن يعدِّدوا طرقهم وخياراتهم، فإضافة إلى خط تورك ستريم لديهم خطط أخرى لمد خط آخر في الشمال عبر البلطيق إلى أوروبا.
الملف الاقتصادي الآخر في مباحثات الرئيسين، هو مشروع المفاعل النووي المعروف بمشروع أكويو، الذي تبنيه شركة أتوم ستروي إكسبورت الروسية في مدينة أضنة جنوب غربي تركيا، وتقدر كلفته بـ 20 مليار دولار، حيث ستعاود العمل فيه أيضًا.
لا شك في أن تركيا عانت في السنتين الأخيرتين تراجعًا وتوترًا في علاقاتها الخارجية مع أطراف عديدة، كان آخرها تدهور علاقتها بروسيا؛ فقد جاء هذا التراجع على خلفية مواقفها من الصراع في سورية، عندما ساندت المعارضة السورية، وأيدت مطالبها بالتغيير، وخرجت على الإستراتيجية الأميركية في إدارتها للصراع إلى حدود مزعجة. هذا الواقع دفعها إلى الاستدارة، فقد اعتذرت من روسيا وطبّعت علاقاتها مع إسرائيل، وتوجهت صوب مصر، ثم زاد الانقلاب الفاشل في ضعفها الداخلي.
روسيا هي الأخرى المحاصرة بالأطلسي ومشاريعه الزاحفة في مجالها الحيوي، والتي تنوء تحت عقوبات غربية مؤلمة، وصعوبات اقتصادية فاقمها تدهور أسعار النفط بقرار سياسي من خصومها الدوليين، لا تريد التورط في المستنقع السوري، وتستعجل حلًّا يحفظ مصالحها في سورية- وهي على كل محدودة- وأيضًا مصالح حلفائها ما أمكن، لكنها تلح على الغرب من أجل الحوار معها حول القضايا العالقة، وتواجه صدًا محسوبًا من جانبه. فهل تكفي هذه الأرضية لتحقيق اختراق سياسي يُبدّل في مواقف الدولتين تجاه المسألة السورية؟ نتائج الزيارة وما تكشّف منها حتى الآن تقول لا، خاصّة عند الأخذ في الحسبان أن معركة كسر الحصار في حلب، وما أنجزته المعارضة السورية بقرار تركي خليجي ورضا أميركي، كانت حاضرة على طاولة التباحث، وبيّنت أن تركيا ليست ضعيفةً إلى الدرجة التي توهمها الخصوم، بالقدر ذاته الذي تدرك فيه روسيا حدود قدرتها على قلب موازين القوى، وفرض رؤيتها للحلّ مادامت تعتمد طيرانها فقط، ومدى ضعف حلفائها على الأرض.
هذه الحقائق فرضت على الطرفين أن يركّزا على نقاط الاتفاق، ويتركا الباب مفتوحًا للحوار حول نقاط الاختلاف، لأن روسيا في حاجة إلى الموقف التركي لتخفيف الضغوط الأوروبية في مواجهة مشروعها للحل السياسي، الذي يحاول الإبقاء على وجود الأسد ولو في المرحلة الانتقالية، كما أن تركيا في حاجة إلى روسيا في هذا السياق، وفي تجاذباتها مع الغرب؛ لذلك صرح أردوغان قبل مغادرته إلى سان بطرس بورغ بقوله: “إن روسيا الاتحادية هي أهم لاعب في ما يتعلق بجلب السلام إلى سورية ، وأعتقد أنه ينبغي علينا حل هذه المسألة، من خلال إقدام روسيا وتركيا على خطوات مشتركة في هذا الصدد” .
يشير اتفاق الطرفين على تشكيل لجنة ثلاثية، سياسية وعسكرية وأمنية، للمتابعة والتنسيق، إلى ضيق مساحة التوافق السياسي بينهما، كما أن قرارهما بفتح قناة اتصال مباشر بين رئاستي الأركان في البلدين ذو طابع عسكري وتقني، أكثر منه سياسي، ويريدان منه رفع سويّة التنسيق العسكري بينهما في سورية.
لعل تصريح إبراهيم كالين، المستشار السياسي لأردوغان، على غرابته، ذو دلالة حين قال: “يبدو مرجّحًا صعوبة حصول توافق روسي-تركي على حل في سورية، فهناك مشكلة الأسد، لأنه حتى إذا قبلت تركيا بوجود الأسد لفترة فإن هذا الوقت سيتيح للولايات المتحدة إفشاله، والشيء الثاني أن روسيا تؤيد الفدرالية في سورية، وتركيا لا تلائمها فدرالية تعطي وجودًا كيانيًا للأكراد فيها، الأمر الذي لا تقبله أميركا”.
توافق الطرفان على محاربة داعش، وسوف يشارك الطيران التركي بضرب داعش في الأراضي السورية تحت بند محاربة الإرهاب، كما سيجري تشديد الرقابة التركية على حدودها مع سورية للحدّ من تدفق المقاتلين الأجانب للالتحاق بداعش، وكما أقرّ الروس بالصفقات التي جرى الحديث عنها بحصر قوات وحدات الحماية الشعبية، الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي pyd، شرق الفرات، وهذا يتطابق مع الوعود الأميركية للجانب التركي.
سارع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى زيارة أنقرة في عقب عودة أردوغان مباشرة، وأشاد مطولًا بالعلاقات التاريخية بين طهران وأنقرة، وهي بالفعل علاقات حافظت على درجة كبيرة من الاستقرار مع تبدّل الأنظمة فيهما، لكنهما على طرفي نقيض فيما يخص الموقف من المسألة السورية. فهل جاء لاستكشاف أبعاد التطور الجديد في العلاقة الروسية التركية؟ وماذا يقلق إيران بهذا الخصوص مادام تحالفها مع موسكو متينًا؟ أم أن إيران تريد أن تثبت أنها حاضرة دائمًا؟ ربما لهذه الأمور مجتمعة؛ فما رشح عن الزيارة هو تأكيد المتفق عليه منذ سنين، فالطرفان يجمعهما الموقف المشترك المحافظة على وحدة الأراضي السورية ورفض أي مشاريع تقسيمية فيها، ولو أن تركيا أكثر ثباتًا والتزامًا بهذا المبدأ، كما يجمعهما بقوة أشدّ الموقف المشترك من القضية الكردية في سورية ورفضهما قيام كيان كردي بأي صيغة جاء. ولا يغيب عن البال أن الدولتين منذ العام 2004 عضوان في مجموعة دول جوار العراق التي أنشئت لهذه الغاية، وكلاهما لديه مشكلة كردية في بلاده.
بعد التطورات الأخيرة، يُكثر بن علي يلدريم، رئيس الوزراء التركي، من الحديث المتفائل والعمومي عن قرب التوصل إلى حلّ سياسي في سورية. فقد صرح لصحيفة قرار التركية بقوله: “لقد اقتربنا من حلّ الأزمة السورية”، وتابع موضحًا: “إن الحلّ يشمل ثلاث خطوات هي حماية الحدود، وعدم السماح بقيام دولة يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وعودة اللاجئين المقيمين في دول الجوار إلى بلدهم بعد تحقيق الحل النهائي”. في حين أوضحت صحيفة (سبوتنيك الروسية) “أن هذا الحل يستند إلى عدة مبادئ منها المحافظة على وحدة الأراضي السورية، وهذا يعني رفض إقامة دولة يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، كما أن البناء الهيكلي للدولة لن يقوم على تفوق إحدى الكيانات المذهبية، أو العرقية أو الإقليمية، وهذا يعني أن الأسد لن يكون موجودًا على المدى الطويل”.
من الواضح أن الأطراف الثلاثة تكثف جهودها، للوصول إلى تفاهمات حول الحلّ السياسي في سورية، لكن المسافة إلى ذلك تبدو بعيدة حتى الآن، لذلك، هم يعملون على إجراءات مشتركة من شأنها تمهيد الأجواء لإنضاج مثل هذه التفاهمات، ومنها التوافق على وقف الأعمال القتالية.
جرت السياسة الأميركية في تعاملها مع الصراع الدائر في سورية بطريقتها المعروفة (الإدارة من الخلف) في المستويات التي لا يتهدد فيها الأمن القومي الأميركي. فهي تعمل على مبدأ “فليجرب الآخرون ونحكم على النتائج”، وعليه لا يبدو أن الأميركيين منزعجون من نتائج زيارة أردوغان، فقد صرح الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض بشكل مقتضب “إن التنسيق بين الأتراك والروس لا يُزعجنا ما دام الهدف منه محاربة داعش”، في وقتٍ ترفض فيه الولايات المتحدة محاولات روسيا المتكرّرة للمشاركة في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب!! لكن الانزعاج الأميركي طفا على السطح أمام تطورين مُلفتين يُثيران الريبة في المواقف والنوايا الروسية، أولهما، إعلان وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، “أن روسيا تنوي، مع حلول الذكرى السنوية الأولى لوجودها في قاعدة حميميم، توسيع هذه القاعدة بحيث تستطيع استقبال قاذفاتها الإستراتيجية”، مضيفًا “إن قاعدتنا هناك ضرورية كي نتمكن من التصدي على مسافات بعيدة عن أراضينا لهؤلاء المجرمين”، وثانيهما، استخدام القاذفات الإستراتيجية الروسية قاعدة همدان الإيرانية في قصف مواقع في حلب وغيرها على الأراضي السورية، هذا التطور شككت الخارجية الأميركية فيما إذا كان يشكل خرقًا لقرار مجلس الأمن، الذي صدر بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، والقاضي بعدم تزويدها بأسلحة متطورة. تبدو التبريرات الروسية بتقصير مسافات الطيران في مهماتها واهية، تمامًا كالنفي الإيراني بتأجير قاعدة همدان لروسيا، إلا أنها، وبعيدًا من الاستعراض السياسي للخطوة الروسية، تحمل في طياتها رسائل إلى حلف الأطلسي والولايات المتحدة ذات بعد إستراتيجي، ردًا على خطوة الحلف مدّ مظلته الصاروخية إلى دول البلطيق وبلغاريا وتركيا، ورسائل إيرانية إلى خصومها بأنها ليست مكشوفه ولديها غطاؤها الإستراتيجي أيضًا. فرحة التمدد الإستراتيجي الروسي في همدان لم تطل، فالرسائل الأميركية المعاكسة قد وصلت، كما أن نقاشًا داخليًا بين أجنحة النظام قد علا صوته، وساهم في إعلان إيران عن إلغاء تأجير القاعدة، لأن موضوع وجود قواعد عسكرية أجنبية، يتعارض مع المادة 146 من الدستور الإيراني، كما أنه محاولة لإفشال تيار روحاني الذي يريد الانفتاح على الغرب بعد توقيع الاتفاق النووي. اللافت هو تصريح وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان الذي لام روسيا، وعدّ تصرفها استعراضيًا، لأنها أفشت سر التأجير، ثم جاء الرد الروسي بأنها ستعاود استخدام القاعدة إذا دعت الضرورة إلى ذلك. هذه “الهيصة” السياسية داخل إيران حول الموضوع لن تغير فيه شيئًا، سوى أنه محاولة لرفعه من التداول موقّتًا؛ ذلك أن المرشد هو صاحب القرار أولًا وأخيرًا، وعندما يعطي قرارًا من هذا الوزن، فإن التأجير لا بدّ أن يبقى ساريًا.
بين فينة وأخرى يتجاذب الإعلام تسريبات تفيد، مرًة بتفاهم أميركي روسي على تشكيل مجلس عسكري انتقالي في سورية بديلًا من هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، التي وردت في بيان جنيف 1 عام 2012، ومرًة أخرى باختبار روسي حذر لفكرة المجلس إياه مع تركيا وغيرها. حدث هذا في أثناء زيارة أردوغان إلى روسيا وفقًا لجريدة الحياة اللندنية، التي أوردت تفاصيل مستفيضة حول ماهية المجلس المقترح، إذ حددت أنه يتألف من 40-45 ضابطًا من الجيش النظامي والجيش الحرّ، ومن الضباط المنشقين الموجودين في تركيا والأردن وبعض دول الخليج، على أن يكون برئاسة ضابط من الجيش النظامي ورجحان عدد أعضاء الضباط المنشقين فيه، مع بقاء الأسد في السلطة، على الأقل في المرحلة الانتقالية؛ وتتحدّد مهمته بإعادة هيكلة الجيش والمؤسسة الأمنية، وتوحيد الجهد لمحاربة الإرهاب الذي حددته الأمم المتحدة بداعش والنصرة (فتح الشام لاحقًا). ويتابع كاتب الحياة “شكّل تشكيل هذا المجلس ركنًا أساسيًا من خطط فصائل المعارضة السياسية- (الهيئة العليا للمفاوضات) أو (هيئة التنسيق الوطني) – لمؤسسات الانتقال السياسي، كما أضاف رئيس (الجبهة الوطنية للتغيير) قدري جميل، بعدًا إضافيًا باقتراحه تعيين خمسة نواب للأسد، يكون أحدهم للشؤون العسكرية ويرأس المجلس العسكري المذكور، وفي السياق ذاته يأتي اقتراح المبعوث الخاص للأمم المتحدة، ستيفان ديمستورا، بتعيين ثلاثة نواب للأسد أو أكثر. والغاية من مجمل هذه الاقتراحات، هي تذويب أو توزيع صلاحيات الأسد للخروج من مأزق مصيره.
وإذا تم تجاوز الإرباك الذي يعانيه نص الحياة سواءً في بنيته أم في طريقة صناعته وتسويقه للخبر؛ فهناك جملة من الملاحظات والتساؤلات تطرح نفسها حول الموضوع، ومنها:
1- لم يصدر رسميًا عن المعارضة السياسية المؤسسية (كالهيئة العليا للمفاوضات أو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أو هيئة التنسيق الوطني) أي بيان أو مشروع أو خطة حول مجلس عسكري، ولم يُعرض عليها مثل هذا الأمر، وهي تصرّ على بيان جنيف 1 الذي يتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، وكل ما تستلزمه المرحلة الانتقالية من مجالس أو هيئات أو إدارات هو من اختصاص هيئة الحكم الانتقالية، وهي التي تنشئه وتحدد صلاحياته وآليات عمله. فكيف يكون المجلس المقترح ركنًا أساسيًا من خططها ما دامت روسيا تختبره بحذر؟!
2- يلاحظ أن كل قرارات مجلس الأمن الدولي الأساسية بخصوص المسألة السورية كالقرارين 2118 و2254 للعامين 2013 و2016 على التوالي، أو المؤتمرات الدولية الهامة كفيينا 1 وفيينا2 ومؤتمر الرياض للعام 2015، لم تستطع تجاوز جنيف1 وبند هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات. فما مشروعية الاختبار الروسي، وروسيا كانت حاضرة في كل هذه المحطات؟
3- السؤال المهم: ما رأي الشعب السوري وقوى المعارضة المسلحة خارج الجيش الحر، على افتراض موافقة الجيش الحر على فكرة مجلس عسكري أو حكم عسكري في سورية؟ وماذا لو رفضت هذه القوى الفكرة أو أي قرار دولي بشأنها؟ فما خيارات المجتمع الدولي عندئذ؟ وما مصير الحل السياسي؟ ثم ما موقف النظام من الموضوع؟ يرجح أن فكرة المجلس واحدة من “بالونات” الاختبار التي يتداولها حلفاء النظام، وفي أحسن الأحوال هي تقليب للأمور في الوقت الضائع، ما دامت كل الأطراف المعنية تدرك أن شروط الحل السياسي لم تنضج بعد.
أثارت زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى روسيا وما فتحته هذه الزيارة من آفاق للتعاون بين البلدين، وبينهما وبين إيران، شغفَ كثير من المتابعين الذين شطحت تصورات بعضهم. فمن المؤكد أن الدول الثلاث المتجاورة، والمتورطة في الصراع الدائر في سورية وعليها، حريصة على تعميق هذا التعاون، كلٌّ لأهدافه وهمومه. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا يدور حول السقوف التي يمكن أن يصل إليها هذا التعاون، في ضوء المعطيات الجيوسياسية التي تفرضها هذه المرحلة من التاريخ. وهل يمكن لهذا التعاون أن يدفع في اتجاه الحل السياسي في سورية؟
1- يَجمع الأطرافَ الثلاثة حرصٌ نسبي على وحدة سورية، وتباين نسبي في كيفية المحافظة على هذه الوحدة؛ تفرض هذا التباين وذلك الحرص الأهداف الخاصة لكل طرف من مآلات الصراع وخرائط النفوذ في الشرق الأوسط برمته.
2- تتشارك تركيا وإيران بقوة الهاجس الكردي، وتقلقهما النوازع الاستقلالية للأكراد التي باتت ترتسم واقعيًا. أما روسيا، فلا تبدي حماسًة لدعم الأكراد إلا لأسباب تكتيكية، لأنها تدرك أن أي استثمار لها في المشاريع الكردية في المنطقة مصيره الفشل، ذلك أن الأكراد سيختارون أميركا عندما تحين لحظة الاختيار.
3- تريد إيران من تركيا أن تتفهم مشاريعها التوسعية في العراق وسورية، وتاليًا لبنان، وهذا ما لا تستطيع تركيا أن تهضمه، لأنه سيكون على حسابها؛ أما روسيا، فإنها أقرب إلى طهران بهذا الخصوص، ذلك أن أي مكاسب تحصلها إيران ستصب في طاحونتها على مستوى الإستراتيجيات الدولية، في حين أن أي مكاسب تركية سوف تصب في الطاحونة الأميركية.
4- مصدر الخلافات التركية المتواترة مع حليفها الغربي، يكمن في نوازعها الاستقلالية، حيث تحاول تركيا البحث عن مصالحها ومكانتها الخاصة، لكنها لا تستطيع الذهاب بعيدًا من حليفها التاريخي، ولا الغرب في وارد طرد تركيا خارج فضائه، على الرغم من تصريح كيري الأخير “بأن تركيا قد تخسر عضويتها في حلف الأطلسي إذا بقيت مصرة على ممارساتها الداخلية”، بخاصة أن البديل، والمعني هنا روسيا، غير قادر على تحمل أعباء مثل هذه التبدلات. وبما أن الدول الثلاث تعي أن حقائق الجغرافيا تضبط إيقاع التاريخ بصرامة، يصبح الحديث عن حلف روسي- تركي- إيراني، وكأنه لا يعدو أن يكون شطحة ليس أكثر.