المحتويات
ثانيًا: الأهداف المُعلنة وغير المُعلنة
رابعًا: ردّات فعل الدول الكبرى
خامسًا: ردّات الفعل المحلية والإقليمية
تدخّلت تركيا عسكريًا في سورية، وحققت مع “المعارضة السورية” انتصارات سهلة، لكن النتائج بعيدة المدى ليست بالضرورة بالسهولة ذاتها، وتبقى السيناريوهات غير محدودة في ظل العدد الكبير من القوى المؤثرة في المشهد السوري.
في الربع الأخير من آب/أغسطس الماضي، وردًا على إطلاق قذائف طالت قرى داخل تركيا، بدأت المدفعية التركية تقصف أطراف مدينة جرابلس السورية التي تمركز فيها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وسهّلت تركيا لفصائل المعارضة المسلحة، المنتمية إلى الجيش السوري الحر، التحرك عبر أراضيها لتجميع صفوفها. وعلى غير المتوقع، بدأ المشهد يتغيّر بسرعة في شمال سورية كلّه، ففي صبيحة 24 آب/أغسطس بدأت الدبابات التركية تتقدم قرب الحدود السورية وتخترقها، وأخذت تدعم بقوتها النارية فصائل المعارضة المسلحة بهدف طرد “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش) من المدينة، واستطاع مقاتلو “المعارضة السورية” السيطرة على المدينة وتمشيطها، في أقل من 24 ساعة، بفضل الدعم البري والجوي التركي. وبعد أن أُنجزت المهمة المُعلن عنها بسرعة لافتة، استقرت القوات التركية بالقرب من مقاتلي المعارضة استعدادًا لمدّ يد العون إليهم في أي لحظة يحتاجونها، ليبدأ ما يُشبه فصلًا جديدًا في مسار القضية السورية.
الهدف التركي المُعلن للتدخل العسكري المباشر في سورية، قبل انطلاقه، هو طرد “تنظيم الدولة الإسلامية” من جرابلس، البلدة الحدودية التي تُعدّ مركزًا إستراتيجيًا للتنظيم الإرهابي، ومنفذًا للتهريب والتجارة وتسلّل المقاتلين الأجانب، وما يتبع ذلك من إزاحة عبء عن كاهل المعارضة السورية التي يحاربها هذا التنظيم أكثر مما يحارب النظام.
لكن الهدف غير المُعلن كان هو الهدف الأهم والأسمى بالنسبة إلى تركيا، وقد تم الإفصاح عنه بعد بدء التدخل، وهو وقف وإجهاض الجماعات الكردية السورية المعادية لأنقرة وصاحبة مشروع الفدرالية والإدارة الذاتية، ضمن مُسمّى “غرب كردستان” أو “فدرالية روج آفا”، ووضع حد لطموحاتها، لمنع خطر تعدّه تركيا أمنًا قوميًا لا مساومة فيه.
فضلًا عن هذين الهدفين، هناك هدف آخر غير مباشر، تضعه تركيا في الحسبان، وهو تأمين منطقة عازلة على طول حدودها، يمكن للمعارضة السورية المسلّحة أن تتخذها منطلقًا لعملياتها، كما يمكن أن تستقبل مئات الآلاف من السوريين الفارين من جحيم الحرب، ما يُخفف عن كاهلها عددًا إضافيًا من اللاجئين.
أما على الصعيد الاستراتيجي، فإن تركيا بتدخلها الصاعق هذا، واستقرارها في هذه المنطقة، فرضت لنفسها دورًا مهمًا بين أصحاب الشأن في الحرب السورية، ولم تعد روسيا والولايات المتحدة وإيران هي التي تُقرر في الميدان فحسب، إنما باتت تركيا أيضًا صاحبة كلمة في هذا المجال، ولاعبًا لا يمكن القفز فوق مصالحه الإقليمية وخاصة في سورية.
جاء التدخل التركي العسكري في سورية بعد فترة وجيزة من تطبيع العلاقات مع روسيا، التي ضمنت -على ما يبدو- لتركيا “عدم الممانعة” وغضّ الطرف عمليًا، وألّا يصطدم سلاح الجو الروسي مع القوات التركية، أو قوات المعارضة المدعومة من جانبها، عند عبورها الحدود نحو سورية.
كما جاء هذا التدخل بُعيد عودة العلاقات بين تركيا وإسرائيل إلى مجاريها الطبيعية، وبالتلازم مع إشاعات عن توافقات تركية-إيرانية فيما يخصّ ضرورة وضع حدّ لبعض القوى الكردية في سورية، حتى لا ينتقل ما يؤسِّسونه من مشاريع فدرالية تحمل طموحات انفصالية، بالعدوى، إلى أكراد إيران.
كما أتت العملية التي أُطلق عليها اسم (درع الفرات) في فترة توتر تشوب علاقة تركيا بالولايات المتحدة، بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، إذ اتهمت أوساط تركية واشنطن بالوقوف خلفها، كما أبدت انزعاجها الكبير من دعم واشنطن لـ “حزب الاتحاد الديموقراطي” الكردي السوري الذي لا يخفي ارتباطه بحزب العمال الكردي التركي.
لا بدّ من الانتباه أخيرًا، إلى أن هذه الخطوة التركية، جاءت بعد محاولة انقلابية فاشلة ضد الرئيس أردوغان، قام في إثرها بتغييرات عميقة في قيادة الجيش التركي وتركيبته، شملت قادة جيوش وفرقًا وألوية؛ ويمكن عدّ التدخل هذا فرصة إضافية للتذكير بقوة الجيش التركي وتماسكه والتزامه ما تقرره السلطة السياسية.
في العموم؛ يبدو أن القيادة التركية، كانت تنتظر الظرف والزمان الملائمين لتتدخل، ولتقوم بتبديل المشهد العسكري في شمالي سورية بشكل واضح وبسرعة قياسية، لكن النقطة الأساس التي حسمت أمر التوقيت التركي، هو إعلان “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية، التابعة لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي، الشقيق التوأم لحزب العمال الكردستاني، المُصنّف إرهابيًا في تركيا، عن نيّته التوجه نحو مدينة جرابلس للسيطرة عليها، بعد أن سيطر على مدينة منبج الواقعة في النطاق الجغرافي نفسه الذي تعدّه تركيا نطاقًا أحمر غير مسموح للأكراد تجاوزه (مُتضمَّن في اسم العملية)، وبالفعل كان للقرار التركي دور كبير في إفشال مخطط “حزب الاتحاد الديمقراطي”، بل وتراجعه حتى من مدينة منبج التي سبق وسيطر عليها.
كانت ردّات فعل اللاعبين الدوليين غير متوقعة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى ردّة فعل إيران، بينما كانت ردّات فعل المعارضة السورية والنظام السوري وكثير من القوى الكردية ضمن النطاق المتوقع الذي يمكن تقديره بشكل مسبق.
اللافت أن روسيا لم تعترض على التدخل التركي، ولم تحاول منع الأتراك من استهداف الأكراد المتحالفين ضمنيًا مع الروس، فتُرك الأكراد يواجهون مصيرهم منفردين، فيما وصف بعضُ المحلّلين الأمرَ بأنه درس متعدد الأطراف للأكراد الذين لم يعرفوا حجمهم في المنطقة، وتوهّموا بأنهم قادرون على تنفيذ مشاريع خاصة على هامش تعاون الدول الكبرى معهم كذراع عسكري، يمكن أن يعمل خارج سورية لمصلحتهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
أصدرت روسيا بيانًا سياسيًا خفيف اللهجة، فلم تَدِن تركيا ولم تشجب فعلتها، فقد اكتفى بيان الخارجية الروسية بالإشارة إلى أن موسكو “تشعر بالقلق العميق” من التطورات على الحدود التركية-السورية، كما أعربت بلباقة عن أنها “”قلقة من أن يرافق العملية سقوط ضحايا من المدنيين”، ومن “تفاقم المواجهة القومية بين العرب والأكراد”، وتناست كل عمليات سلاح الجو الروسي الذي يقتل العشرات من المدنيين السوريين كل يوم من دون أن تُعرب روسيا عن خوفها عليهم أو عن أسفها لسقوطهم. وبرّر مسؤولون روس سطحية البيان ورخاوته بأنه “ليس لهجة خفيفة” بل “فهم دقيق” للأوضاع في تلك المنطقة من سورية.
المفاجئ أيضًا، أن الولايات المتحدة التي تدعم قوى كردية مسلحة محدّدة، وتُقدّم لها غطاءً جويًا يساعدها على الانتصار في معاركها كلها، وقفت بشبه حياد، ولم تحاول قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة منع الأتراك من التقدم، بل ولم تمنعهم من توجيه مدافعهم صوب القوات الكردية التي تكبّدت خسائر مهمة وهي تحاول المناورة للسيطرة على قرى في ريف جرابلس، ما أبرز شكوكًا حول وجود تفاهم سرّي بين تركيا والولايات المتحدة حول العملية.
وعلى العكس، أعلنت الولايات المتحدة، أنها تدعم موقف تركيا وتتفهمه، وعلى التوازي مع انطلاق العملية، طالب جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي، الذي كان يزور أنقرة، الجماعات الكردية بالتراجع إلى شرق نهر الفرات فورًا، وقال “يجب أن تتحرك هذه القوات إلى الخلف عبر نهر الفرات”، وأوضح “لا يستطيعون بسط الإرادة تحت أي ظرف دون الحصول على الدعم الأميركي”، وتبعت هذا التصريح تصريحات لعسكريين أميركيين يؤكدون فيها أن الأكراد سيعودون إلى الوراء ويبتعدون عن الحدّ الافتراضي الذي وضعته تركيا لعملياتها.
صحيح أنه لا يمكن الجزم بتغيّر الموقف الأميركي تجاه الأكراد، لكن هذا الموقف يؤكد أن الولايات المتحدة تدعمهم بقدر، ولن تسمح لهم بالتقدم في مشروعهم خطوة واحدة إن لم تكن موافقة عليه، وهو الأمر غير المتوافر حاليًا، خاصة أن سفيرها السابق في دمشق أعلن أن الإدارة الأميركية تدعم الأكراد عسكريًا لمحاربة “تنظيم الدولة الإسلامية-داعش”، لكنها لا تدعمهم سياسيًا.
من جهتها، كانت إيران أقلّ حدّةً حتى من روسيا، وتجنّب المتحدث الرسمي للخارجية الإيرانية إدانة التدخل التركي في سورية، ودعا تركيا إلى “التنسيق مع الدولة السورية”، ويبدو أن سلسلة اللقاءات الإيرانية-التركية، لقاءات محمد جواد ظريف ونظيره التركي شاويش أوغلو، آتت أُكلها، خاصة أن إيران وتركيا والعراق وسورية متّفقة على منع تشكيل دولة أو إقليم كردي قومي صرف في أراضيها.
مع انطلاق العملية العسكرية التركية، قامت القيادة التركية بحركة دبلوماسية محسوبة بدقّة، إذ تعمّد أردوغان أن يقوم رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، الذي يمثل أكبر زعامة سياسية كردية في المنطقة، بزيارة تركيا في يوم انطلاق العملية العسكرية في سورية، ليُرسل رسالة إلى الأكراد والعالم بشكل عام، بأنّ تدخُّلَ جيشه في جرابلس أو منبج في سورية ليس بهدف شن حرب ضد الأكراد، كما ادعى صالح مسلم رئيس “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي وصاحب المشاريع الانفصالية في سورية. وكانت هذه الرسالة من البارزاني أيضًا لمسلّم بأن أكراد العراق لا يوافقون على كل ما يفعل في سورية، وأن قطعه للعلاقات مع الإقليم الكردي في شمال العراق الذي يشكل مرجعيةً لعموم الأكراد، وتمرده عليه، سيرتد عليه سلبًا، سياسيًا وعسكريًا.
أما النظام السوري، فقد اكتفى بإدانة توغل تركيا في شمال سورية، ودعا إلى “التنسيق” مع الحكومة السورية، بما يُشبه الغزل غير المباشر للأتراك، أو رقص على الحبال، عسى أن يُقنع هذا الأمر تركيا بتخفيف حدّة موقفها من النظام السوري. وكانت دمشق قد أرسلت قبل التدخل التركي العسكري بنحو أسبوع، رسائل غير مباشرة لتركيا، بقيامها باشتباكات نادرة مع الأكراد في الحسكة، وقصفها إيّاهم للمرة الأولى بالطيران.
من جهتها، رحّبت “المعارضة السورية” بالتدخل التركي، فهو تدخّل أفادها كثيرًا، ووضع حدًا لتمرد قوى كردية محدّدة وأوقف مشروعها الانفصالي، وأعاد إلى “الجيش السوري الحرّ” بعض المشروعية على المستوى الشعبي، وأعاد السوريين إلى الحديث عن جيش منضبط وقوي للمعارضة، خاصة أن من سيطر على جرابلس من مقاتلي المعارضة كانوا منضبطين نسبيًا، وحافظوا على أملاك السكان وساعدوهم خلال يومين في العودة إلى مدينتهم التي طردهم منها “تنظيم الدولة الإسلامية-داعش”. وأخيرًا، لأن التدخل التركي أحيا لدى المعارضة فكرة إقامة منطقة آمنة في شمال سورية طالبت بها كثيرًا.
قوى كردية عديدة سورية من جهتها، شنّت حربًا إعلامية ضد الأتراك، وحذّر سياسيوها من أن ما تقوم به تركيا في سورية ليس لإنهاء طرف سياسي كردي بعينه فحسب، بل هو مشروع أكبر من ذلك بكثير، ويتجاوز القضية الكردية في سورية، وهو مرتبط بالدور التركي في المنطقة وبمحركات الصراع، وبما وصفوها بـ “أوهام” الرئيس أردوغان، وقالوا إن أردوغان يحلم بإمبراطورية عثمانية جديدة، في محاولة منهم للتأثير في “المعارضة السورية”.
نُوقشت سيناريوهات عديدة محتملة تلي التدخل التركي المباشر في سورية، من بينها إمكانية توغّل تركيا عبر فصائل “المعارضة السورية” التي تدعمها، إلى عمق 25 كيلومترًا لتأمين عمق حدودها من الجانب السوري، ومنها أيضًا أن تقوم بفرض منطقة آمنة على طول 90 كيلومترًا وبعمق يمتدّ من 15 إلى 30 كم داخل سورية، تكون مقرًّا للمعارضة السورية المسلّحة، ومركزًا لإقامة مناطق آمنة يمكن أن تستوعب مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، بدلًا من دخولهم إلى تركيا؛ سيناريو آخر يرى متبنُّوه أن يكون التدخل التركي تمهيدًا للتوجه نحو مدينة الرقة، عاصمة “تنظيم الدولة الإسلامية-داعش” بالتعاون مع كتائب سورية مقبولة أميركيًا، وكذلك أن يكون الهدف الأميركي-الروسي من وراء السماح لتركيا دعم كتائب مسلّحة عربية، في شمالي سورية، وتحقيق توازن للقوى بين العرب والأكراد في سورية، يريح المعارضة السورية، ويقنعها بالمشاركة في قتال “تنظيم الدولة الإسلامية” كمسار منفصل عن مسار إسقاط النظام أو محاربته.
لكن النتائج المرتقبة، أو إيجاد الاحتمال الأقرب إلى الواقع، يعتمد على مراقبة عدة معطيات وعناصر، أهمها معرفة المدى الزمني للعملية التركية، وهل سيكون هناك خطر بتورط تركيا في المستنقع السوري؟ وهل سترسل المزيد من القوات والأسلحة الثقيلة؟ وهل ستجد القوى الكردية من يؤمن لها أسلحة قوية توجع الجيش التركي؟ أم سترفع سقف تحدّيها، كما هدّد صالح مسلم رئيس “حزب الاتحاد الديمقراطي” وهو تهديد يمكن أن يؤخذ على محمل الجد، وخصوصًا أن هذا الحزب مرتبط بحزب العمال الكردستاني ذي التاريخ الطويل من العمليات الانتحارية الإرهابية داخل تركيا، أم أنها سترضخ للأمر الواقع وتتخلّى عن أحلامها التقسيمية التي عطّلها التدخل التركي بشكل عملي.
كذلك تعتمد النتائج على مدى قدرة تركيا على تحقيق منطقة آمنة في شمالي سورية، وكذلك على مستوى ردّة فعل “تنظيم الدولة الإسلامية” على تركيا التي جعلته ينهار في مواقع إستراتيجية، وعلى ما سيجري في حلب التي تقع بين الأكراد والأتراك والمعارضة الإسلامية والنظام وحلفائه.
سرعة التدخل التركي، وسرعة انتصار المعارضة السورية المسلّحة المدعومة من تركيا، وصمت الدول الكبرى والإقليمية، ليست عناصر كافية لرسم الصورة، إذ تبقى السيناريوهات المُحتملة غير محدودة، في ظل العدد الكبير من الدول والقوى المؤثرة في المشهد السوري.
ليست المعارضة السورية، كما النظام، على اطلاع على الإستراتيجية التركية بعيدة المدى، وكل ما يظهر على السطح هو التكتيكات التنفيذية لهذه الإستراتيجية، وعليها في هذه المرحلة القلقة أن تراقب بدقة كل التحركات المرتبطة بالتدخل التركي، ومن المفترض أن تقوم بالإجراءات الافتراضية التالية:
* على المعارضة السياسية السورية، أن تراقب موضوع إنشاء “منطقة آمنة” موقّتة، وأن تدرس جدّية تركيا وأوروبا والولايات المتّحدة في هذا الشأن، وأن تستثمرها لمصلحة السوريين في حال أُقرّت، على الرغم من جزئيّتها، وما قد يكتنفها من سلبيات معروفة؛ إذ ينبغي لها أن تنقل نشاطها السياسي من دول الجوار إليها، لتصير أكثر قربًا من السوريين، ولتصبح أكثر استقلالية في القرار، وتسعى لتأمين الحاجات الأساسية لها من رجال الأعمال السوريين بشكل أساسي، ومن الدول الداعمة ثانيًا، لتضمن حياة إنسانية معقولة لمن يلجأ إلى هذه المنطقة من السوريين، وتشجيع الضباط المنشقين المقيمين في مخيمات بدول الجوار على العودة إلى هذه المنطقة، ليكونوا عناصر مفيدة فيها.
* على المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، أن تراقب الموقف التركي، من حيث خدمته لأهداف الثورة أو الإضرار بها؛ ذلك لأن السياسة لا تعرف صديقًا دائمًا ولا عدوًا دائمًا، ومن الحكمة ألّا يضع المرء كل بضاعته في سلّة واحدة، وأن تُبقي خياراتها مفتوحة، خاصة مع بروز مؤشرات غير مريحة كزيارة فاطمة شاهين رئيسة بلدية غازي عينتاب لجرابلس في غياب المعارضة السياسية السورية، وكذلك إطلاق تسميات تركية على بعض البلدات السورية مثل (الراعي).
* على المعارضة السورية تقدير الموقف التركي، لكن ضمن شروط وحدود، وأن تعي أن الأرض السورية ليست للعدو ولا للصديق، وإنما للشعب السوري وحده، الآن وفي المستقبل، وألّا تُخطئ خطأ النظام السوري الذي تنازل عن لواء اسكندرون لتركيا، ووقع معها اتفاقية أضنة غير المتوازنة، وتخلّى عن الجولان لإسرائيل مقابل مكاسب مادية وسياسية مباشرة له وحده.
* على المعارضة المسلّحة التي سيطرت على جرابلس وما حولها، وتتمدّد بشكل معقول وثابت نسبيًا نحو مناطق أخرى، أن تُعطي أفضل ما عندها من التزام وأخلاق وإنسانية، لتعيد للسوري بعض الثقة بـ “الجيش السوري الحر”، وأن يُفتح الباب، بهدف التنسيق والاندماج، للفصائل الأخرى التي يمكن أن تقبل الوطنية السورية مرجعية لها، ما يمكن أن يغير من نظرة المجتمع الدولي إليها أيضًا.
* على القوى الكردية، خصوصًا “حزب الاتحاد الديمقراطي”، التي سارت في طريق الفدرالية بشكل قسري وأحادي، والتي لم يبق لها حليف في المعارضة السورية، الإقلاع عن حلم بناء شريط كردي على الحدود التركية، له طابع قومي، وأن تعيد حساباتها استنادًا إلى الحقائق الجيوسياسية من جهة، والوطنية السورية من جهة ثانية، وأن تستفيد من دروس التجربة السابقة، وتدرك أن الخارج يمكن أن يتخلى عنها بسهولة وبسعر بخس، وأن الولايات المتحدة أو روسيا أو غيرها من الدول أو القوى التي تدعمها، يمكن أن توقف الدعم عنها في أي لحظة، لتقع حينئذٍ في محيطٍ من السوريين، العرب والكرد، الذين تعاملت معهم بعنصرية وعنف وقمع خلال الفترة الماضية، وأن تسارع إلى عقد تحالفات مع القوى الوطنية السياسية والعسكرية السورية، تستند إلى مشروع مشترك هدفه بناء دولة سورية واحدة مترابطة ومتكاملة تمنح الجميع الحقوق نفسها، وإرساء نظام ديمقراطي في ضوء حاجة السوريين، لا في ضوء الشعارات والأيديولوجية وردّات الفعل السلبية.