يستضيف مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في هذه الفسحة الحوارية، العميد المنشق الدكتور إبراهيم الجباوي، عضو “الهيئة العليا للمفاوضات” وعضو “اللجنة الدستورية”، ومدير المكتب الإعلامي بالهيئة، وكان قد انسحب من اللجنة في السابع والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
ضيفنا، من مواليد “جاسم” – درعا عام 1959، وهو يقيم في العاصمة الأردنية، وعمل قبل ثورة الحرية والكرامة مساعدًا لقائد شرطة حمص، للشؤون المالية والتوجيه المعنوي، منذ تاريخ تموز/ يوليو 2009. وكان أن انتسب إلى سلك الشرطة في 20 أيلول/ سبتمبر 1980، وتدرّج في الرتب حتى رتبة عميد 2009. وما بين 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، و1 نيسان/ أبريل 2013، تولى منصب مدير “قناة سورية الكرامة” في عمّان، الأردن. وهو حاصل على شهادات عدة، منها إجازة في العلوم العسكرية/ الكلية الحربية – حمص، 1985؛ وماجستير في الإعلام والصحافة/ جامعة سنت كليمنتوس العالمية للتعليم المفتوح، 2007؛ وشهادة دكتوراه فلسفة في الإعلام والصحافة/ جامعة سنت كليمنتوس العالمية للتعليم المفتوح، 2010.
هنا نص حوارنا معه:
في 27 من الشهر الماضي (ديسمبر) أعلنتم انسحابكم من “اللجنة الدستورية”؛ فما هي الأسباب التي دعتكم إلى ذلك؟
تراكمت الأسباب نتيجة لفشل ستّ جولات متتالية لأعمال “اللجنة الدستورية”، وقد أعلن المبعوث الأممي الخاصّ إلى سورية السيد غير بيدرسون، نهاية الجولة السادسة، أنها كانت مخيبة للآمال، ثم حاول أن ينتزع موافقة النظام على عقد جولة سابعة، لكنه -حتى اللحظة- لم يتلقَّ الإجابة من النظام، وأعلن ذلك من خلال إحاطته الأخيرة في مجلس الأمن، بتاريخ 20 كانون الأول/ ديسمبر الماضي (وكلنا يعلم أنّ إجابة النظام مبنية على أوامر روسيا). وكان قد اتحفنا السيد بيدرسون، في ختام زيارته الأخيرة لدمشق، بأنه لمس من بعض الدول موافقتها على انتهاج سياسة الخطوة مقابل خطوة، وهي في نظرنا تنسف القرار 2254 كليًا، ومعه “بيان جنيف1”.وهو يعيدنا -بهذا النهج- إلى نقطة الصفر، وهذا ما لا يقبله الشعب السوري الثائر، ولذلك لن يتحقق أي حلّ وفق ذلك، وإن تحقق بالقوة فلن يكون هناك استقرار أبدًا، ثم جاءت تصريحات ألكسندر لافرنتيف (المبعوث الروسي الخاصّ إلى سورية) الأخيرة التي تبرهن على أنّ روسيا عدوة لا تسعى لإيجاد حلّ سياسي، بل تعمل على كسب الوقت لمحاولة إنهاء الحلّ العسكري، وهذا مرفوض دوليًا، وتلك التصريحات تنسف “اللجنة الدستورية”، ولن تنجز أي شيء من الدستور الذي من المفروض إنتاجه من خلال “اللجنة الدستورية”. كل ما سبق أكد لي أنه لا جدوى من استمرار اللجنة، ولا جدوى من وجودي فيها، وإرضاءً لله والضمير والشعب الثائر، قرّرت انسحابي منها.
كيف تقرؤون تصريحات ألكسندر لافرنتيف، المبعوث الروسي الخاصّ إلى سورية، بأنّ “الدستور السوري الجديد يجب ألّا يهدف إلى تغيير السلطة”؟ وقد أشار فيها إلى السعي إلى هدف وضع دستور جديد من أجل تغيير صلاحيات الرئيس، ومن ثم محاولة تغيير السلطة في دمشق.
كلّنا يعلم أّن روسيا جاءت لإنقاذ الأسد، وهي تسعى جاهدة لإعادة تدويره، عربيًا ودوليًا، وفي الأيام الأخيرة من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم، استخدمت السعودية الفيتو ضد عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، وعلّلت موقفها بشكل منطقي، وقد شكّل هذا الفيتو صدمة لروسيا، بعد أن كانت قد تلقت تطمينات من عدد من الدول العربية، بأنّ عودة الأسد للحضن العربي باتت قاب قوسين أو أدنى، إضافة إلى أنّ المجتمع الدولي لم يُعر انتباهًا لمساعي روسيا وطلبها المتكرّر تقديم العون المادي للنظام من أجل إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، ولذلك خرج لافرنتيف عن صمته ليضع الحقيقة التي بجعبته أمام العالم وأمام السوريين أنفسهم، وإن غاية “اللجنة الدستورية”، بالنسبة إلى روسيا، هي كسب الوقت، ولن تسمح بأن ينخرط النظام فعليًا في أعمال اللجنة، لأنها تُضمر إبقاء الأسد على رأس السلطة، لكونه من يضمن مصالحها الاقتصادية أو العسكرية اللامشروعة. وقد قال، من جهة أخرى، إن المعارضة إن كانت تريد شيئًا فعليها تقديمه ليطرح على الاستفتاء أو ليوافق عليه نظام الأسد، وهذا مخالف تمامًا لروح القرار 2254، فلو كان الأمر أصلًا كذلك، لتقدّمت المعارضة منذ عام 2011 ببعض مواد الدستور، ولحُلّ الإشكال حولها، لكن هذا لا يلبي تطلّعات الشعب السوري الذي انتفض من أجل حريته وكرامته، حيث إنّ مشكلتنا ليست بالدستور كأساس، إنما بالحمار الذي أكل الدستور.
مسار آستانا” هدفه إفراغ القرار 2254 من مضامينه..
هل يمكنكم التنبؤ بمآلات الأوضاع مستقبلًا في ظل تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في الجغرافيا السورية الممزقة؟
إن من يعقّد المشهد في الساحة السورية، على الصعد كافة، هي الدول الفاعلة في المأساة السورية، وعلى رأسها قطبا العالم أميركا وروسيا. ولذلك لا يمكن لأيّ سوري -مهما كانت صفته، من كلا المقلبين- أن يتنبأ بمآلات الكارثة السورية التي حلّت بالشعب السوري بكل أطيافه، بفعل تسلط وعنجهية وإجرام نظام الأسد مدعومًا من الدول الفاعلة آنفة الذكر. إن العالم أجمع سارع لإنقاذ نظام الأسد من السقوط، بعد أن كاد يهوي هو ومن معه من الميليشيات، منتصف عام 2015، وذلك بتفويضه روسيا للتدخل المباشر أواخر أيلول/ سبتمبر من ذلك العام؛ حيث مارست، بتدخلها الإجرامي وبسطوة الترسانة العسكرية الجوية للقوات الروسية، القتلَ والتدمير المنهجيين، واستطاعت بذلك قلب المعادلة رأسًا على عقب، وبدأت باسترجاع المناطق والمدن من قبضة القوى الثورية، ووضعها تحت سلطان النظام الفاشل. فكانت البداية من مدينة حلب، واستمر هذا المسلسل بعد أن استحدثت روسيا، بموافقة دولية، “مسار آستانا” وقسّمت الجغرافيا السورية إلى أربع مناطق خفض تصعيد، ليسهل عليها قضمها تباعًا، كان آخرها الجنوب السوري، وتسعى اليوم لمثل ذلك في الشمال. تلك السياسات العسكرية الإرهابية الروسية أدّت إلى مزيد من التهجير والتشريد وإلى مزيد من الاعتقالات التعسفية. ونتيجة لما آلت إليه الأمور أخيرًا، باتت سورية برمّتها، أرضًا وشعبًا وكيانًا، مرهونةً للاعبين الدوليين، وعندما يتفق هؤلاء اللاعبون على مصالحهم -ولن يكون ذلك إلّا بموافقة إسرائيل- لن يلتفتوا إلى حقوق السوريين، وسوف يأمرون بالحلّ ويفرضونه على كل الأطراف، ولنا في التاريخ الماضي القريب خير دليل (البوسنة والهرسك).
البيان الصادر أخيرًا، عن اجتماع بروكسل للمجموعة المصغرة، تم من دون حضور أصحاب الشأن من السوريين، وركّز على دعم “سلة الدستور”، متجاهلًا باقي سلال قرار مجلس الأمن 2254، لا سيّما سلة الانتقال السياسي! فما هي قراءتكم للتحركات السياسية الدولية برعاية الولايات المتحدة تجاه الملفّ السوري؟
الذين اجتمعوا في بروكسل يدّعون أنهم أصدقاء الشعب السوري، والصحيح أنهم ليسوا كذلك، لأنهم لم يبذلوا الجهود اللازمة لإجبار روسيا على ضرورة أن يدلّ الحلّ على أنّ روسيا متفاهمة معهم، وخصوصًا مع أميركا، لإحداث ما حدث وإيقاع ما وقع على السوريين، ولولا ذلك لاستخدمت أميركا التحالف الذي ادّعت أنه لمحاربة تنظيم (داعش)، والطفل بات يدرك أنّ (داعش) صنيعة المخابرات العالمية، ولما انتظرت كل هذه المدة، ولما سمحت لروسيا باستخدام حق النقض (الفيتو) أكثر من خمسة عشرة مرة؟ الأمر الذي شلّ مجلس الأمن وجيّره لروسيا (فهل يمكن أن يكون هذا، لولا رضا المجتمع الدولي وعلى رأسه أميركا؟)، وكان بإمكان باقي أعضاء مجلس الأمن الذين يدّعون معارضتهم للنهج الروسي أن يذهبوا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويتخذوا القرارات التي من شأنها أن تحمي السوريين من البطش الروسي والإيراني والأسدي.
أمّا تركيزهم على “سلة الدستور”، فهذا انعطاف خطير في مسيرة وأد الثورة وحرمان الشعب السوري من نيل حريته وكرامته، وقد جاء ذلك بنتائج “مؤتمر سوتشي” المتفرع عن “مسار آستانا”، وذلك بعد أن ابتدع مصطلح “خفض التصعيد”، من خلال اختراع روسيا لـ“مسار آستانا” الهادف لإفراغ القرار 2254 من مضامينه، ولم تعترض أي دولة على ذلك، بل إنهم شاركوا فيه وفي ما نتج عن هذا المسار من قضم المناطق المحرّرة جزءًا جزءًا، حتى لم يبق هناك ما يخيف الأسد وداعميه، ومن سعي روسيا لقضم الشمالين الغربي والشرقي، وهي تحاول ذلك بموجب اتفاقات بينيّة مع الدول المتنفذة في المنطقتين. وبعد اجتماع بروكسل المذكور، طالعنا بالأمس السيد غير بيدرسون مؤكدًا أنّ كل تلك الدول، ومعها إيران وروسيا ولبنان، تطرح معه سياسة الخطوة مقابل خطوة التي اخترعتها هذه المرة أميركا، وليس روسيا، علمًا أنها تدرك بأنّ النظام سيقابل كل خطوة للأمام من قبل الدول بخطوتين إلى الخلف، وهذا يعني أنّ تلك الدول التي تدّعي صداقتها للشعب السوري إنما هي ساعية لإعادة التطبيع مع النظام وإعادة تأهيله، بعد أن فقد الأهلية.
هل هناك آمال معقودة على الجولة المقبلة (السابعة) من “اللجنة الدستورية”، التي يحضر لها المبعوث الأممي الخاصّ إلى سورية السيد غير بيدرسون؟ وما هي الفرص البديلة في حال وصول اللجنة إلى طريق مسدود؟
لا آمال ترجى من أي جولة من جولات “اللجنة الدستورية”، ولو وصلنا إلى الجولة المئة. بيدرسون تسلّم من ديمستورا هذه اللجنة، كميسّر لا كوسيط، وهذه هي وظيفته المحددة له، لكن يبدو أنه ترقى بالمهام قليلًا، ليبدأ وظيفة الميسّر بسياسة الخطوة مقابل خطوة، هذا ما أعلنه صراحة من دمشق، واليوم يكرّر تصريحاته من بعبدا ببيروت؛ فـ “اللجنة الدستورية” شُكّلت من قبل الدول الفاعلة، ومُهرت بخاتم الأمم المتحدة، ليوهموا السوريين بأن إنتاج دستور جديد أو إنجاز إصلاح دستوري سيحلّ المأساة السورية، متناسين أنّ الثورة لم تقم لأن هناك اختراقات للدستور السوري فقط، بل لأنّ سورية باتت مزرعة لآل الأسد، وكل سوريّ فيها محروم من الحرية، وكرامته على المحكّ، وليست له حقوق في وطنه، ومع ذلك، عليه واجبات الطاعة العمياء لصاحب المزرعة وشبيحته.
إنّ القوى الفاعلة التي رعت تشكيل “اللجنة الدستورية” والتي تمارس مهمتها بتيسير من المبعوث الخاصّ، على أن يقدّم إحاطة شهرية لمجلس الأمن، تدرك تمام الإدراك أنّ النظام لن يوافق على تلك اللجنة، بتوجيه روسيا وإيران، ولن ينخرط بجدية في اجتماعاتها، وقد لاحظنا ذلك جليًا من خلال الجولات الست التي باءت جميعها بالفشل، بسبب مماطلة النظام وعدم رغبته في تحديد جدول زمني لجولاتها، وعدم مناقشته أي مبدأ دستوري، وبذله الجهود للتباعد بين كل جولة وأخرى، بغية كسب الوقت، إلّا أنّ المبعوث الخاصّ لم يتمكن، بفعل الضغوط الدولية، من تحميل النظام سبب فشل أعمال اللجنة، ولذلك لم تتّخذ خطوات دولية حيال النظام، ويكتفي مجلس الأمن بالتصريح عن دعم مساعي المبعوث الخاصّ التي لا تقدّم ولا تؤخر. وبالرغم من إدراك المجتمع الدولي رفض السوريين لكل هذه الاختراعات في المسارات أو المصطلحات في ما يخصّ الثورة السورية، فقد بدأ الحديث في الآونة الأخيرة عن إعطاء أميركا الضوء الأخضر، بناء على طلب إسرائيل، لإعادة تعويم الأسد والتطبيع معه ورفد اقتصاده الذي يذهب لقتل السوريين.
مع إعلان دستوري يحدد مهام وصلاحيات المجلس العسكري..
من خلال متابعتكم، ألا تزال المحدّدات الأساسية التي تطالب بها قوى الثورة والمعارضة قائمة، وفي المقدّمة منها، القضايا الإنسانية، ولا سيما موضوع ملف المعتقلين وبيان مصير المغيبين ومحاسبة كل من ارتكب جرائم ضد الشعب السوري، وإنشاء “هيئة الحكم الانتقالي” بصلاحيات كاملة، ودستور جديد، وانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، أم تمّ التفريط بها أو ببعضها؟
من حيث المبدأ، لا يمكن لأي سوري ولأي كيان يمثّل كل السوريين أو بعضهم، مهما علا شأنه أو كانت ارتباطاته قوية، أن يجرؤ على التفريط بثوابت الثورة، ولا بأي ثابت إطلاقًا، لأنه لا أحد يملك ذلك، وليس هناك قيادة موحدة لقوى الثورة والمعارضة يمكن أن نعدّها ممثلة حقيقية لكل السوريين علاوة على رؤيتنا جميعًا بأنّ المعارضة مشرذمة وكل من أفرادها أو كياناتها يغنّي على ليلاه. فهناك مئات الأحزاب والتكتلات والكيانات السياسية وغير السياسة التي تدّعي تمثيل الشعب السوري، ولا شكّ في أنّ جميعها تنتهج الوطنية والثورية، وتسعى لحلّ الازمة السورية وفق القرار الأممي 2254 الذي جمد الحلّ العسكري ليكون الحلّ سياسيًا فقط، ولكن لكلّ من تلك المعارضات رؤيتها الخاصّة بها للحلّ، وجميعها تتخالف أو تختلف مع بعضها البعض، ولا أحد منها يقبل التنازل للآخر ولا حتى الاعتراف بالآخر، وكلّ منها يدّعي تمثيله للشعب السوري، ويسعى ليحظى بشرف إنجاز الحلّ وتبَوُّؤ القيادة المستقبلية بعد الحلّ، معتبرة أنها الأحق بذلك من غيرها من الكيانات والتكتلات والتحالفات والأحزاب المنافسة، وهذا هو سبب الشرذمة الرئيسي بين صفوف المعارضة. علاوة عن وجود خلافات التنافس بين القوى الثورية المتمثلة بما تبقى من فصائل ما يسمى بـ “الجيش الوطني” في الشمال من جهة، وبين المعارضة السياسية من جهة أخرى، وعدم الانسجام أو التنسيق بينها. ولا ننسى وجود فصائل متطرفة لا تزال تهيمن وتسيطر على بعض المناطق، الأمر الذي يعقد مشهد الحلّ، سواء لجهة عدم قبولها بالحلّ أو حتى منافستها لباقي القوى بالاستئثار بالحلّ والسيطرة الكاملة، وهذا ما لا تقبله الدول الفاعلة صاحبة الأمر بالحلّ. ولكننا لمسنا في الآونة الأخيرة أنّ بعض قوى المعارضة السياسية، التي تدّعي أنها لا تحمل أجندات خارجية وأن جلّ همها إنقاذ ما تبقى من الوطن، تسعى للتحالف فيما بينها أملًا بالوصول الى رؤية مشتركة، من أجل توحيد جهودها كتحالفي (جود، وشآم)، وكل منهما يضم كيانات وأحزاب عديدة، وقد سبقتهما محاولات غير قليلة مُنيت جميعها بالفشل، ويبدو أنّ هذا الدرب شائك للغاية. إن مصيبتنا جميعنا، أفرادًا وكيانات، أننا نسعى لأن نكون في المقدمة، فالأنانية غالبة على الجماعة. نأمل أن تنجح القوى الساعية للتوحيد بوأد الأنا.
ألا تُعدّ مطالبة قوى معارضة بتشكيل “مجلس عسكري انتقالي” دعوةً صريحة إلى عودة العسكر للحكم، وهو ما سعى الشعب السوري عبر ثورته إلى التخلّص منه؟
الجميع يدرك حتى من في الداخل حجمَ الفلتان الأمني وحجم السلاح المنفلت، وما ينتج عن ذلك من عمليات تصفية حسابات في المناطق كافة، سواء التي تحت سيطرة النظام أو التي خارج سيطرته، وعمليات الاغتيالات والتفجيرات التي لا تميّز بين مليح وقبيح، ولا بين شاب ومسنّ، ولا بين رجل وامرأة وطفل، وتتبناها مجموعات تدعي زورًا أنها تسعى “لتنظيف الوطن من الخونة والعملاء”، وهذا الادّعاء تمارسه كل الأطراف المتنازعة، وكل طرف يدّعي الوطنية دون غيره. ومن ثّم فإنّ أي حلّ سياسي سيكتفي بتشكيل حكومة انتقالية، من دون أن يكون معها مجلس عسكري يتمتع بصلاحيات عسكرية أمنية واسعة ليتمكن من ضبط الفلتان الأمني وضبط السلاح المنفلت، لن ينجح، ولا أعتقد أن أي حكومة انتقالية مدنية قادرة وحدها على ضبط الأمر، لذلك أرى أنّ الدعوة لتشكيل مجلس عسكري إلى جانب الحكومة الانتقالية هو أمرٌ غاية في الضرورة، ولا أظن أنّ هذا يفسح المجال لعودة العسكر إلى الحكم، ولا سيما إذا كان الدستور الجديد أو الإعلان الدستوري الذي سيقوم عليه الحلّ قد حدد مهام وصلاحيات المجلس العسكري، بأن ينتهي عمله زمانيًا ومكانيًا، ويحلّ نفسه بانتهاء مهمته والمدة المحددة لتنفيذها. ومن جهة أخرى، فإنّ الشعب السوري الذي كسر حاجز الخوف وثار على دكتاتورية الأسد سوف يثور على أي حكم قادم، مهما كانت قوّته كبيرة، إذا مارس الحكم بما يخالف الدستور، وبما يتعارض مع تطلّعات الشعب الثائر.
توعد وزير خارجية النظام فيصل المقداد، في أكثر من مناسبة، بعمل عسكري في إدلب وشرق الفرات، وهو ما صرح به أيضًا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكثر من مرة. برأيكم، من يستطيع اتّخاذ قرار الحرب في (سوريا الأسد)؟
لقد صرّح المقداد متوعدًا إسرائيل بأنّ رد نظامه على الغارات الإسرائيلية المتكرّرة سيكون من خلال قصف نظامه لما تبقى من شعب لم يشرّد بعد ولم يهاجر، ليحقق نظرية سيده المجرم بشار، بألا يبقى في سورية إلا شعب متجانس يمثل طائفية الأسد، ويحقق الحلم الإيراني الطائفي ببقاء من يؤمنون بولاية الفقيه ويقدّسون اللطم والتمرغ بالوحول تقرّبًا من أوليائهم. ولكن الجميع حتى المقداد ولافروف وكل الدول اللاعبة في الأزمة السورية يدركون أنه لا يستطيع أحد أن يُقدِم على أي عمل عسكري، في الشمالين الغربي والشرقي، ما لم يحظ ذلك بالموافقة الأميركية، فأميركا هي الكونترول الرئيسي لكل ما جرى ويجري وسيجري في سورية، بناء على مصالحها وتلبية لرغبات ربيبتها إسرائيل. أما قرار الحرب على الشعب السوري، في شمال شرق وشمال غرب سورية، إن توفر الضوء الاخضر الأميركي، فهو كان وما زال وسيظل بيد روسيا.
ما نظرتكم إلى التحركات الإماراتية والأردنية والموقفين المصري والجزائري لإعادة نظام الأسد لجامعة الدول العربية، وعودته الطبيعية للمشهد السياسي العربي والدولي؟
كل الدول دأبت أخيرًا على متابعة مصالحها ومصالح شعوبها، إلّا النظام السوري، فلا يهمّه إلّا موقعه ومصلحته بأن يبقى في سدة الحكم. لا ألوم أي دولة، ولا يحقّ لنا أن ننتقد تصرفات أي دولة، لأن ذلك يُعدّ تدخلًا في الشؤون الداخلية للدول، وتصرفاتها مسألة داخلية تتعلق بسياساتها وإستراتيجياتها ومصالحها، وتخص الدول ذاتها. وما علينا إلّا أن نلتفت إلى ما يمكننا من خلاله إنهاء أزمة شعبنا وإغاثته ما أمكن، بدلًا من إضاعة الوقت في العتب على بعض الدول أو ملامتها أو انتقادها. أما موضوع عودة النظام للجامعة العربية، فهو مرهون بإجماع عربي، وهذا غير متوفر حاليًا، وهو مرهون أيضًا بموافقة كنترول السياسة الدولية أميركا، بإشارة من إسرائيل. ولكن من حيث النتيجة، ماذا سيستفيد الشعب السوري أو يخسر، إن عاد النظام للجامعة أو لم يعد؟ الجامعة العربية مشلولة حيال الأزمة السورية، وهي من أقدمت على تدويلها أصلًا. وماذا استفاد الشعب السوري من قطع بعض الدول لعلاقاتها الدبلوماسية مع النظام؟ وما الشيء الإيجابي الذي انعكس على الثورة السورية من جراء ذلك؟ بالعكس، برأيي، لقد عانى الشعب السوري كثيرًا من جراء تلك السياسة، ولا سيما لجهة عدم توفر بعثات دبلوماسية للنظام فيها، الأمر الذي أضاف عبئًا ثقيلًا على السوريين في تلك الدول والدول المجاورة، خاصّة في مواضيع الجوازات والشؤون المدنية، من ولادات ووفيات وقيود نفوس وغير ذلك من الأعمال القنصلية التي لا غنى لأي مواطن عنها.
بتقديركم، هل هناك أي تغيير في موقف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من نظام الأسد، بالتزام الصمت على تعويمه عربيًا وعودته إلى جامعة الدول العربية، بخاصّة بعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق أخيرًا، بعد انقطاع دام نحو عقد من الزمن؟
إدارة الرئيس بايدن ما زالت متماهية مع إدارة أوباما السابقة، لأنهما ترتبطان بحزب واحد “الحزب الديمقراطي”، وله سياساته السلبية حيال الشعب السوري منذ انطلاقة الثورة، وقد لاحظنا أنّ السفير الأميركي في دمشق زار بعض المناطق الثائرة، وشجّعها متوعدًا بإسقاط النظام ونزع الشرعية عنه، وحينما استخدم النظام السلاحَ الكيميائي في الغوطة الشرقية، في آب/ أغسطس 2013، اكتفت إدارة أوباما بسحب سلاح الجريمة والإبقاء على المجرم طليقًا، ولسان حالها يقول للأسد: “اقتل ودمّر حيث شئت وكيفما شئت، بأيّ سلاح تشاء إلّا الكيماوي”! (وهذا ما حصل بعد ذلك فعلًا)، وتسعى هذه السياسة للقضاء على الثورة التي كان يمكنها القضاء على نظام الاستبداد في سورية، وهذا الفعل لا يروق لقوى الشر والغطرسة الأميركية التي تريد بقاء الأسد جزءًا من المنظومة الأمنية العالمية، وهو ركن أساسي فيها ذلك من جهة. ومن جهة أخرى، يأتي ذلك تماهيًا مع الرغبة الإسرائيلية في بقاء نظام الأسد حاميًا لحدودها الشرقية، بعد أن تنازل لها الأسد الأب عن الجولان مقابل استمراره وعائلته في حكم سورية. لذلك نرى إدارة بايدن هذه الفترة متذبذبة، وتصريحاتها متناقضة مع أفعالها؛ فتارة هي ضد التطبيع، وتارة ضد “قانون قيصر”، وأخرى ضد النظام، ومرة تطالبه بتصحيح سلوكه، وتعاقب وتفرج عن عقوبات، وتحجم ثم تعطي الضوء الأخضر هنا وهناك. وغالبًا ما تدير ظهرها لما يجري على الساحة وما يرتكب من مجازر، غير مهتمة لمئات آلاف الأرواح التي أزهقتها آلة الحرب الأسدية والإيرانية والروسية، فآخر همها حقوق الإنسان السوري، ولو لم يبق أحد من السوريين، فمصلحتها فوق كل المصالح، ولو دمّرت البشرية جمعاء، وبهذا تنافي ما تدّعيه باطلًا أنها حامية لحقوق الإنسان وتنادي بضمان حقوق الطفل، كون المستهدفين من غير شعبها. وحول هذه السياسة المجرمة، تدور كل سياسات الدول حتى المتنافسة معها على ريادة العالم (فالثابت أنّ العالم بأسره يسبح في فلك أميركا، إذا ما أرادت له أن يسبح).
نظام الأسد تحت الفصل السابع..
هل تؤيدون دعوات معارضين سوريين لإدارة الرئيس بايدن بضرورة عدم انسحاب الولايات المتحدة من سورية في الوقت الحالي، قبل الوصول إلى حلّ سياسي يستند إلى بيان جنيف 2012، والقرارين الأمميين 2118 و2254، وكذلك وضع خطة أميركية واضحة لمواجهة التمدد الإيراني والروسي في سورية والمنطقة؟
أنا، شخصيًا، لا أؤيد الدعوات التي تسعى للإبقاء على القوات الأميركية في شمال شرق سورية قبل الحلّ السياسي؛ لأنّ ذلك يسهم في تكريس التقسيم. فلترحل كل القوى الأجنبية دونما استثناء عن أرضنا، ومنها الميليشيات والفصائل غير السورية، وذلك لضمان أن تظل وحدة الأراضي السورية بعيدة عن شبح التقسيم. وإنّ الشعب السوري قادر وحده على أن يتعامل مع نظام الأسد وشبيحته، بما يليق وإجباره على الرحيل. فمن سمح لروسيا وإيران بالتدخل وسمح بإنتاج “داعش” و“النصرة”، واستقدام متطرفي العالم إلى سورية وتدخّلهم في الشأن السوري، هي أميركا، ولولا الضوء الأخضر الأميركي والإرادة والطلب الأميركي، لما تجرأ “حزب الله” اللبناني على تجاوز حدود لبنان ودخول سورية لقتل السوريين، ولما تجرأت إيران على إرسال حرسها الثوري وميليشياتها متعددة الجنسيات إلى سورية، لإيقاع مزيد من القتل والتدمير والتشريد، وإحداث تغييرات ديموغرافية في مناطق عديدة من سورية، ولما كانت روسيا لتتدخّل بقواتها الجوية لتقلب المعادلة العسكرية لصالح النظام، وتحقق بذلك المرام الأميركي، والرغبة الإسرائيلية. وكل هذا يحتم على أميركا اليوم، بعد أن اكتملت الفاتورة بالضحايا البشرية من شهداء وجرحى ومعتقلين وبتدمير ثلثي المدن والبلدات السورية وبتشريد وتهجير أكثر من نصف سكان سورية الأصليين، أن تنهي هذا الوضع المأساوي، فتأمر بسحب قواتها وكل القوى الأجنبية، وتأمر بعقد مؤتمر دولي للسلام في سورية، برعاية الأمم المتحدة وفقًا للقرار 2254، تفرض نتائجه على السوريين، وبالأخصّ على نظام الأسد، تحت الفصل السابع.
هل هناك توقعات معينة حول رؤية إدارة بايدن للمرحلة المقبلة في سورية، بخاصّة بعد فرض حزمة من العقوبات أخيرًا، على عدد من كبار ضباط نظام الأسد؟
عندما تستقر إدارة بايدن من تذبذبها، وتدير وجهها لمستحقات الشعب السوري، وتمارس دورها الأخلاقي، وتجسد رعايتها لحقوق الإنسان عامة والطفل والمرأة خاصّة، حينئذ يمكننا أن نتوقع منها صحوة ضمير لتأمر بأنه آن أوان الحلّ، فتعقد مؤتمرًا دوليًا وترغم الأطراف كافة على قبول نتائجه، وبذلك، يتم تنظيف الأراضي السورية من كل القوى العسكرية والسياسية الأجنبية غير السورية ورحيلها.
إن التحركات التي ترعاها أميركا، اليوم، برضا روسيا، لا تصبّ إلّا في صالح النظام، حتى “قانون قيصر” الذي صدّعوا رؤوسنا به لم يحقق الغاية منه، لأنّ العقوبات المفروضة بموجبه شملت أشخاصًا بعينهم، ولم تشمل جوهر النظام، وكذلك هناك عناصر الأمم المتحدة من الذين يعملون لصالح النظام، واستيلاء الأسد على المساعدات ومنعها عن السوريين لصالح الميليشيات، وأميركا تعلم بذلك، ولم تحرك ساكنًا.
برأيكم، هل من الممكن أن تنجح المعارضة السورية، ممثلة بـ “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، في خلق مبادرة سورية لتشكيل مظلة عربية تعمل على إيجاد حلّ سياسي يرضي السوريين كافة؟
لا أعتقد أنّ “الائتلاف الوطني” بصدد القيام بخطوة كهذه، أو أنه قادر على فعلها، لأنّ الساحة السورية المعارضة تحتوي على عشرات الكيانات والأحزاب والتحالفات السياسية، فضلًا عن الفصائل العسكرية، ولذلك ليس هو (الممثل الوحيد للشعب السوري)، شعبيًا وثوريًا، بغض النظر عن الاعتراف الدولي به كممثل، مع الأخذ بالاعتبار أنه لو كان مقرّه في دولة محايدة، وأنّ بعض القائمين عليه لا يمثلون دولًا متعددة ذات مصالح في سورية، وكان كل أعضائه لا يحملون أجندات، لأمكننا التعويل على مبادرات حيوية منه، ولأمكنه إنجاز كثير بإقناع الدول أن تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية، وبمساعدته على إجبار النظام على الرحيل وحقن دماء السوريين، مقتديًا بنهج “المجلس الوطني الليبي”، بقيادة مصطفى عبد الجليل، الذي كان قدوة لكل الثوريين في العالم، حيث حقّق ما كان مطلوبًا منه، وبعد أن انتهى دوره عمّت الفوضى أرجاء ليبيا، ففي “الائتلاف الوطني”، من أين نأتي بمثيل مصطفى عبد الجليل؟ لكن كما ذكرت أعلاه هناك قوى وطنية معارضة تسعى لتشكيل تحالف برؤى سياسية موحدة، استنادًا إلى القرار 2254، واستنادًا إلى ثوابت الثورة، لتعمل على خلق مبادرة سورية تقدّمها لدول العالم، ولتشكيل مظلة عربية تعمل على دعم تلك المبادرة، لإيجاد حلّ سياسي يرضي السوريين، وآمل أن تنجح تلك القوى في مسعاها.
كل الدول المعنية بالملفّ السوري ترى ضرورة أن يكون الحلّ في سورية ضامنًا لأمن الدول المجاورة، فهل المعارضة قادرة على وضع تصوّر عسكري وأمني يضمن استقرار المنطقة؟
سبق للمعارضة أن قدّمت للمجتمع الدولي تصوّرًا كاملًا لنظام حكم سورية في المستقبل بعد رحيل نظام الأسد. لكن المجتمع الدولي أعرض عنها وعن ذكرها، لتبقى حجته (أين البديل؟) حاضرة، وضمن التصوّر أيضًا استقرار المنطقة، إذا تم الاتفاق على إعادة الجولان المحتل. وأعتقد أنّ هذا هو تصوّر غالبية المعارضة وغالبية الشعب السوري؛ لأنّ السوريين لا يستهوون الحروب، فهم لطالما كانوا وما يزالون دعاة سلام. ومع ذلك فإنّ القوى السياسية المعارضة التي تسعى لتوحيد رؤاها تعمل على أن يكون الحلّ وفقًا لحرفية القرار 2254 الذي وافق عليه مجلس الأمن بالإجماع.
شعبنا تأذى كثيًرا من حركات الإسلام السياسي..
يقول محلّلون سياسيون وعسكريون إنّ هناك مؤشرات مقلقة تدل على أنّ تنظيم “داعش” الإرهابي يزداد قوة، نظرًا إلى زيادة وتيرة هجماته الأخيرة ومدى انتشار عناصره في الشمال السوري؛ كيف يمكن للاعبين الدوليين الرئيسيين التنسيق لإنهاء هذا التنظيم في مناطق تمركزه في سورية؟
كيف نشأ “داعش”؟ وكيف استطاع أن يجوب الصحارى المكشوفة دون عوائق طبيعية، من غير أن تتعرّض له الدول التي تدعي محاربته؟ وهي التي تمتلك الأقمار الصناعية التي ترصد دبيب النمل على الأرض، وهي التي تمتلك الطائرات متنوّعة المهام والأسلحة بعيدة المدى، وكيف خرج “داعش” من سجن “أبو غريب” في بغداد عابرًا الصحراء حتى وصل إلى الرقة، ومن ثم استدار ليسيطر على الموصل حتى كاد أن يصل إلى أطراف بغداد، بعد أن سيطر على أربع فرق عسكرية عراقية مدجّجة بكل صنوف الأسلحة، على حين أنه لا يمتلك إلّا السلاح المتوسط والفردي؟ إنّ من أسهم في إنتاج تنظيم “داعش” وموّله ودعمه لوجستيًا قادرٌ على إنهائه، ولا يحتاج الأمر إلى أكثر من أمر شفهي أو إيعاز، فيختفي “داعش” إلى الأبد. لكن الحقيقة أن “داعش” قنبلة موقوتة، وهو دمية مرعبة يحركها ولي أمرها كيفما يشاء، وفي أي اتّجاه يشاء، وبأي مكان يريد، ليبقي الوضع على حاله، وليبقي حجّة لبقاء قوات الاحتلال، وحجة قائمة لما يسمّى محاربة الإرهاب، من قبل من يمارس الإرهاب المنظم ضد الشعوب التي ترفع رأسها مطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية، لأن الديمقراطية لا يسمح لها بأن تمارس إلّا بين شعوبهم. وأظن أنّ هذه الحجج ستبقى قائمة إلى أن ينتهي قطبا العالم من الاتفاق على حلّ المشكلات القائمة بينهما حول العالم.
من وجهة نظركم، كيف ترى موقع حركات الإسلام السياسي في مستقبل سورية؟
أرى أنّ الشعب السوري تأذى كثيًرا من نهج تلك الحركات التي كانت سببًا في ازدياد معاناته على مدى عقد من الزمن. لذلك لا أتوقع موقع صدارة للإسلام السياسي في مستقبل سورية، إنما أتوقع له مكانة عادية، ولا سيما أنّ الدعوات اليوم تنشط لفصل الدين عن السياسة. وبلا شك، لا مكانة البتة في مستقبل سورية للتطرف باسم الإسلام، وهذا ما يجمع عليه السوريون من شرائح المجتمع السوري المسلم كافة.
عودة المفاوضات الأميركية – الإيرانية حول الاتفاق النووي ستلقي بظلالها على الملفّ السوري، فما تأثير ذلك حسب رؤيتكم؟
كما شهدنا، إنّ اتفاق عام 2015 الذي أبرمه باراك أوباما كان مرتبطًا بالملف السوري، وأعطيت إيران ما لا تستحق على حساب الشعب السوري. وبما أنّ إدارة بايدن هي امتداد لإدارة أوباما، فلا بدّ لمحادثات فيينا الحالية حول إعادة الاتفاق النووي من أن تلقي بظلالها على الملف السوري، إلّا إذا كان ما نسمع من التصريحات الإعلامية صحيحًا، بأن إسرائيل غير موافقة على ذلك ولا تريده، وهذا ما لا ثقة لنا به، لأنّ العداوة الظاهرية بين إسرائيل وإيران ما هي إلّا براغماتية إعلامية، لإيهام الشعوب بتلك العداوة التي لا أساس لها؛ فحجم التبادل التجاري بين إسرائيل وإيران لا يُنبئ بوجود عداوة، وكذلك هناك قنوات تلفزيونية إيرانية طائفية تبث سمومها للعالم العربي من قلب إسرائيل، وفي إسرائيل كثير من القادة من أصل فارسي، لهم علاقات طيبة مع إيران، ولا ننسى أنّ ما نسمعه أو نشاهده، بأنّ غارات إسرائيلية تستهدف مواقع إيرانية في سورية (غالبًا ما تكون فارغة ولا ينتج عنها أي خسائر)، إنما هو تكريس لوهم العداوة في نفوس شعوب المنطقة.
مع استمرار الحصار وفرض مزيد من العقوبات الأميركية والأوروبية على نظام الأسد، هل من الممكن أن يؤدّي تدهور الوضع الاقتصادي في مناطق سيطرة النظام، وبخاصّة من قِبل الحاضنة المؤيدة له، إلى احتجاجات شعبية واسعة تعيدنا إلى زمن بدايات ثورة الحرية والكرامة؟
ارتفعت في الآونة الأخيرة بعض الأصوات هنا وهناك، داخل حاضنة النظام، بالرغم من أنّ قسمًا منها كان من ترويج مخابرات النظام. وسواء أكان الأمر كذلك أو غير ذلك، فهذا لا يؤثّر على النظام الذي يقتات على دماء الشعب. فالنظام لا يأبه إن جاع مؤيدوه أو شبعوا، لأنه ضامن ولاءهم له بالترهيب، فلا أحد منهم يستطيع رفع رأسه معارضًا. ولذلك لا أتوقع أن تثور الحاضنة ضد سيدها الذي أوهمها بأنّ بقاءها مرتبط ببقائه. أما الرماديون، فهم في الأول والأخير بعيدون عن بطش الأسد وشبيحته، ولن يثوروا مهما حدث لهم. وكما ذكرت أعلاه، إنّ سياسة الخطوة مقابل خطوة بدأ العمل على نهجها بضوء أممي أميركي، وفق التصريحات الأخيرة لبيدرسون، ولم يعد يهتم النظام، وهو يتوقع تحسين حالته الاقتصادية من جهة ورفع العقوبات من جهة أخرى، بدعوى تحسين السلوك، ولا سيما إذا استمر جريان قطار التطبيع بضوء أميركي.