يستضيف مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في حوار الأسبوع، المعارض الكردي السوري شلال كدو، رئيس “حزب اليسار الديمقراطي الكردي في سوريا”، وعضو الأمانة العامة في “المجلس الوطني الكردي في سوريا”ENKS ، وعضو الدائرة الإعلامية في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، ممثلًا عن المجلس.
ضيفنا من مواليد عام 1967، وهو يقيم حاليًا في إقليم كردستان العراق (أربيل)، وأنهى دراسته الجامعية في جامعة تشرين، كلية الآداب – قسم اللغة العربية. وحضر أكثر من مرة “مؤتمر الأحزاب الاشتراكية الدولية”، بصفته رئيسًا لـ “حزب اليسار الديمقراطي الكردي في سوريا” في جنيف، وفي إقليم كردستان العراق، وقد انضم إلى الحياة السياسية والحزبية المعارضة منذ عام 1985. وهو من المساهمين في الصحافة الحرة واللجان الحقوقية في سورية.
يقول ضيفنا في حوارنا معه إنّ “المجلس الوطني الكردي في سوريا” يرى أنّ “المعارضة السورية بيتنا ومكاننا الطبيعي، الذي لا بدّ أن نكون في داخله بشكل فعّال، بغض النظر عن بعض التجاذبات وبعض الاختلافات في الرؤى، وتحليل هذا الحدث أو ذاك”، ويرى أنّ نظام الأسد جلب “حزب الاتحاد الديمقراطي” PYD وفتح له مخازن الأسلحة وسلّمه معظم المناطق ذات الغالبية السكانية الكردية، بهدف تحييد الكرد السوريين عن الثورة وإبعادهم عن النسيج الوطني السوري. مشددًا على أنّ الوصول إلى حل سياسي في سورية يستند إلى بيان جنيف 2012 والبيانات والقرارات الدولية ذات الصلة بالمسألة السورية، وخاصة القرارين 2118 و2254، وهو مبدأ راسخ لدى “المجلس الوطني الكردي في سوريا”،منذ تأسيسه في 26/10/2011 إلى يومنا هذا.
بيّن رئيس “حزب اليسار الديمقراطي الكردي في سوريا”، وعضو الأمانة العامة في “المجلس الوطني الكردي في سوريا”، أنّ من المستبعد أن تسمح الولايات المتحدة الأميركية، في الوقت الراهن، للنظام، بالسيطرة على آبار النفط ومنابعه قي شرق الفرات، باتفاق أو من دون اتفاق مع (قسد)، كون واشنطن لم تنفض يدها بعدُ من الملف السوري، وهي تحتفظ بآبار النفط ومنابعه، كورقة ضاغطة ورابحة في أية مفاوضات مستقبلية، ولتقض بذلك مضاجع النظام بالدرجة الأساس، وتمنع تمكينه اقتصاديًا، في الوقت الراهن على الأقل.
هنا نص حوارنا معه
مع تعثر المسارات السياسية المتعددة في الملفّ السوري، ومرور أكثر من عَقد من عمر الثورة السورية، وخمس سنوات على إصدار القرار الأممي رقم 2254، وتجاوز عمر “اللجنة الدستورية” السنة، وبعد فشل اجتماعات الجولة السادسة في جنيف، لم يكن لهذه العملية السياسية حتى الآن أي تأثير عملي وواقعي يشعر به السوريون، فلماذا تواصل المعارضة -ممثلة بــ “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” و”الهيئة العليا للمفاوضات”- العمليةَ التفاوضية في ظل المعطيات الحالية؟ وهل أمامها بدائل وخيارات أخرى؟
لا شكّ في أن المعارضة السورية الرسمية المتمثلة بـ “الائتلاف الوطني” و“الهيئة العليا للمفاوضات” و“اللجنة الدستورية”، تؤمن إيمانًا حقيقيًا وعميقًا بالحل السياسي للأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من عقد من الزمن، ولا ترى في الأفق القريب أو البعيد أية حلول أخرى بديلة عن المسار السياسي الجاري بإشراف الأمم المتحدة في جنيف، وليس تعثر هذا المسار إلّا نتيجة لتعنت النظام وعدم التزامه بالقرارات الدولية، وخاصة قرار مجلس الأمن 2254 الذي ينص بشكل واضح وجلي، لا لبس فيه، على الحل السياسي للأزمة.
وفي هذا السياق، فإنّ المعارضة السورية بمؤسساتها المذكورة آنفًا، نجحت إلى حد كبير في تحميل النظام مسؤولية فشل مختلف جولات التفاوض، وكذلك الجولات الست لـ “اللجنة الدستورية”، وبالتالي فإن معظم دول العالم تعي جيدًا أنّ النظام في دمشق يسعى من خلف موافقته على حضور وفده إلى جولات التفاوض لشراء الوقت لإطالة عمره، من خلال إطالة أمد الأزمة، كونه يراهن على صبر حلفائه ودعمهم المستدام له على كافة الصعد، وكذلك يراهن على نفاد صبر دول أصدقاء الشعب السوري أو حلفاء المعارضة، لأن أي حل سياسي في سورية مرهون بتوافق دولي وإقليمي.
إنّ تدويل الأزمة السورية منذ سنوات طويلة، أدى إلى انخراط المعارضة بشكل تلقائي مع المجتمع الدولي والتفاعل مع مواقف الدول المؤثرة في المشهدين السياسي والميداني، ولا سيّما الدول الصديقة للشعب السوري أو الحليفة للمعارضة، التي سخرت جلّ طاقاتها للوصول إلى القرار الأممي رقم 2254 والقرارات الأخرى ذات الصلة، لإطلاق عميلة سياسية بإشراف الأمم المتحدة، تكون فيها المعارضة السورية المتمثلة بـ “الائتلاف الوطني” و“الهيئة العليا للمفاوضات” مُمثلة للشعب السوري، وبالتالي فإنّ الطرف الذي سينسحب من هذه العملية الجارية وفق الشرعية الدولية، ربما يجازف بمكاسب كبيرة لسنا بصدد الخوض في تفاصيلها.
ماذا عن نتائج اجتماعات قيادة “الائتلاف الوطني” وقيادات “هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي”؟ وهناك من يرى أنّ قيادة “الائتلاف” صارت أقرب لرؤية الهيئة للحل والتقارب مع نظام الأسد؛ فما تعليقكم؟
لقد عقدت قيادة “الائتلاف”، اجتماعات ودّية مع قادة “هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي” في مدينة إسطنبول، برئاسة الأستاذ حسن عبد العظيم بمقر “الائتلاف”، وقد جاءت هذه اللقاءات في سياق زيارة نادرة لوفد من الهيئة إلى إسطنبول، أواسط الشهر الماضي، وحظيت باهتمام إعلامي، كما جاءت الزيارة وكذلك الاجتماعات في إطار الشراكة بين منصات المعارضة السورية التي تتألف منها “الهيئة العليا للمفاوضات”، وضرورة تفعيلها أكثر فأكثر، ومحاولة تنسيق الرؤى والمواقف للقضاء على الخلافات التي طرأت بين مكوناتها أو منصاتها، بالتعاون مع الدول الصديقة والداعمة لثورة الشعب السوري.
وفي السياق ذاته، لا أتفق البتة مع الرؤية القائلة بأنّ “الائتلاف” بات أقرب إلى رؤى سياسية تهدف للتقارب مع نظام الأسد، بل العكس تمامًا هو الصحيح؛ لأنّ “الائتلاف” يرى في نفسه ويراه الآخرون، سواء أكانوا دولًا أو حكومات أو منظمات دولية ومجتمعية هنا وهناك، أنه حامل أمانة تمثيل ملايين السوريين الذين شردهم النظام وغيّب مئات الألوف منهم في غياهب السجون والزنزانات، فضلًا عن الأعداد الهائلة من النازحين والمهجرين قسرًا إلى مخيمات الذل والعبودية التي تحط من كرامة الإنسان، فضلًا عن ملايين آخرين من المشردين في شوارع وأزقة مختلف دول العالم، هربًا من بطش هذا النظام الذي لم تشهد البشرية مثيلًا لاستبداده وبطشه وإمعانه في تدمير ممتلكات ومقدرات شعبه وتشريده والقضاء على مقومات الحياة في مختلف مناطقه، وإن أيّ شعب، حينما يُقتل بشكل جماعي ويُشرد ويُهّجر بالملايين من دياره ومن بلده، وتُرتكب بحقه عمليات إبادة جماعية وجينوسايد واسعة النطاق، سيرفض التعاون أو التلاقي مع الطغاة المستبدين.
كيف تصفون في “المجلس الوطني الكردي في سوريا” علاقاتكم بمختلف التشكيلات السياسية للمعارضة السورية، داخل سورية وخارجها؟
نحن في “المجلس الوطني الكردي في سوريا” نرى أنّ المعارضة السورية بيتُنا ومكانُنا الطبيعي، الذي لا بدّ أن نكون داخله بشكل فعّال، بغض النظر عن بعض التجاذبات وبعض الاختلافات في الرؤى وتحليل هذا الحدث أو ذاك. وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلًا، وجدنا أنّ الكرد السوررين كانوا معارضة لنظام البعث، منذ وصوله إلى سدة الحكم في البلاد منذ نصف قرن من الزمن، وكانوا من أوائل المشاركين أو المنضمين إلى الثورة السورية، فمدينة عامودا تعدّ ثاني مدينة انضمت إلى الثورة السورية بعد مدينة درعا (مهد الثورة)، وإنّ معظم السوريين -بمختلف مكوناتهم وأطيافهم- انضموا إلى الكرد في عام 2011، وأصبحوا معارضة وأقاموا معًا ثورة أوصلت أصواتهم إلى كل أنحاء العالم.
وفي هذا المضمار، كنا ننظر إلى خروج ملايين السوريين آنذاك إلى شوارع وساحات وأزقة مدنهم وقراهم، وكذلك ننظر إلى هتافاتهم التي كانت تنادي بالحرية والوحدة ورحيل النظام، ولا سيما هتافهم الشهير الذي كان يشق عنان السماء (آزادي، آزادي) بأنه دليل ساطع يعكس إرادة السوريين في أرجاء البلاد، بضرورة التغيير وبأحقية وعدالة القضية الكردية التي تعدّ جزءًا لا يتجزأ من القضية الوطنية السورية، هذه القضية التي من غير الممكن أن ترى أي حلّ بمعزل عن حلّ المسألة السورية برمتها.
إنّ خيارنا كـ “مجلس وطني كردي” بالانضمام إلى المعارضة السورية خيارٌ إستراتيجي، لا يمكن التراجع عنه، نظرًا لإيماننا العميق بوحدة مصير السوريين جميعًا، بغض النظر عن الانتماءات المذهبية والدينية والعرقية، وكذلك نظرًا لقناعاتنا الراسخة بالأبعاد الوطنية لكل القضايا العالقة في البلاد، ومنها القضية الكردية العادلة، التي لا بدّ أن ترى النور في سياق الحل السياسي المنشود للأزمة السورية، مهما طال الزمن.
من منظوركم في “المجلس الوطني الكردي في سوريا”، أين تكمن عُقد الاستعصاء السياسي لدى المعارضة السورية؟ وماذا تحتاج المعارضة ممثلة بـ “الائتلاف الوطني” لتكون أقرب إلى السوريين وتمثلهم بشكل حقيقي؟
لا يخلو مختلف الطيف السوري المعارض من الأخطاء والنواقص، ولعلّ عقد الاستعصاء، كما سميتها في سياق السؤال، تكمن في عدم توحيد أطراف المعارضة، وكذلك في التباينات الواضحة والصريحة في الرؤى والمواقف السياسية، والتعاطي مع الأحداث أو التصدي لها من قبل هذا الإطار وذاك. أما المعارضة الممثلة بـ “الائتلاف الوطني”، فهي قريبة من السوريين، إن لم نقل ملتصقة بهم، فهي جزء لا يتجزأ منهم، ويتمثل فيها طيف واسع وكبير من قوى الثورة والمعارضة التاريخية، إضافة إلى تلك التي برزت إبان الثورة أو بُعيد انطلاقتها المباركة، وبالتالي يُعد الائتلاف -حسب قناعتنا- الإطار السياسي الأنسب للمعارضة السورية، مع ذلك يتطلب الأمر أن يواكب “الائتلاف” بوتيرة أسرع الأحداث والتطورات السياسية والميدانية، وأن يستمر في التعبير عن تطلعات وأماني السوريين، بمختلف فئاتهم ومكوناتهم، داخل البلد وفي الشتات.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإنّ “الائتلاف” ربما سيحتاج في الفترات اللاحقة إلى دينامية عملية، وكذلك إلى خطة عمل وإلى أدوات نضالية، للتعاطي مع التطورات والمستجدات، التي قد تطرأ بشكل مفاجئ على الأوضاع السياسية والميدانية والإنسانية السورية.
ما المساعي التي يقوم بها “المجلس الوطني الكردي في سوريا”، على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي، للوصول إلى حل سياسي في سورية يستند إلى بيان جنيف 2012 والبيانات والقرارات الدولية ذات الصلة بالمسألة السورية، وخاصة القرارين 2118 (2013) و2254 (2015)؟
إنّ الوصول إلى حل سياسي في سورية، يستند إلى بيان جنيف 2012 والبيانات والقرارات الدولية ذات الصلة بالمسألة السورية، وخاصة القرارين 2118 و2254، هو مبدأ راسخ لدى “المجلس الوطني الكردي في سوريا”منذ تأسيسه في 26/10/2011 إلى يومنا هذا، ولم يتزحزح المجلس عن هذا المبدأ وهذه القناعة قيد أنملة، بالرغم من عسكرة الحراك الشعبي السوري المسالم، كردة فعل طبيعية أو دفاع عن النفس، مقابل قمع النظام للمتظاهرين العزل، وحرق الأخضر واليابس في معظم أنحاء البلاد بُعيد انطلاقة الثورة السلمية، وبالرغم من كل ذلك، فإنّ المجلس لم يألُ جهدًا في سبيل تحقيق هذه الغاية التي تعدّ هدفًا لمعظم السوريين في الوطن والمهاجر، من النخب والفعاليات السياسية والثقافية والمجتمعية، وينشدها مختلف الطيف السوري المعارض.
لقد شكّل هدف العثور على حل سياسي للأزمة، المحور الرئيسي في مختلف نشاطات “المجلس الوطني الكردي في سوريا” السياسية والديبلوماسية والإعلامية، ويدعو في مختلف لقاءاته مع مسؤولي وممثلي دول العالم والدول الإقليمية، وكذلك في مختلف نشاطاته المجتمعية، إلى ضرورة الوصول إلى حلّ سياسي للأزمة وفق قرارات الشرعية الدولية، وخاصة القرار 2254. ويتفق كثيرون على أنّ المجلس يعدّ من أشد المدافعين عن العملية السياسية الجارية في جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة، بالرغم من إبداء عدد من المعارضين السوريين اعتراضهم الصريح حين إطلاق جولاتها الأولى.
ما رأيكم باقتراح “المجلس العسكري” ليكون مدخلًا لحلّ شامل للأزمة الحالية؟ وما هي رؤيتكم لهذا المجلس؟ وكيف يمكن أن تشاركوا فيه، إذا تم الاتفاق على إنجازه وتشكيله؟
نحن نرى أنّ الأطر والمؤسسات السياسية للمعارضة السورية الشرعية (“الائتلاف الوطني” وكذلك “الهيئة العليا للمفاوضات”) أكثر تأهيلًا من المجلس العسكري، للاستناد عليها لتكون حاملًا لمشروع حل سياسي شامل للأزمة السورية، باعتبار أنّ الجميع ينادي بالحل السياسي وليس الحل العسكري.
إنّ الحل السياسي يجب أن يكون من خلال الكيانات السياسية للمعارضة السورية، وإنّ أي اقتراح بتسليم زمام الأمور إلى العسكر أو إلى “المجلس العسكري الانتقالي”، يتناقض مع روح العصر، وكذلك مع قيم الثورة السورية التي كانت أبرز شعاراتها منذ البداية (سورية حرة مدنية ديمقراطية)، فمدنيّة الدولة أحد أبرز شعارات السوريين، وهم يرددونه منذ عشر سنوات وضحّوا من أجله بالغالي والنفيس، ولذلك فإنّ الإتيان بنظام عسكري يحكم البلاد، بعد نجاح الثورة، أمرٌ يناقض مفاهيمها وروحها وأهدافها، فضلًا عن أنّ تجارب المجالس العسكرية في العديد من الدول أثبتت فشلها، كما نرى في السودان وليبيا وغيرهما.
السوريون -بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم ومكوناتهم- يسعون إلى بناء دولة عصرية حضارية مدنية، تكون فيها مهام العسكر أو الجيش هي الدفاع عن حدود الوطن وحمايته والذود عن حياضه والسهر على أمن الوطن والمواطنيين، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التدخل في الشأن السياسي.
كيف تقرؤون التحركات الروسية في الفترة الأخيرة في مناطق نفوذ “الإدارة الذاتية”، سياسيًا وعسكريًا؟ وهل هناك توافقات وتفاهمات روسية أميركية بشأن المكوّن الكردي في سورية؟
روسيا تسعى إلى تحقيق مصالحات بين النظام و(قوات سوريا الديمقراطية/ قسد) في مختلف المناطق التي تسيطر عليها الأخيرة، على غرار المصالحات التي جرت في مناطق أخرى من البلاد، مثل الغوطة ودرعا وريف دمشق وبعض مناطق حلب وغيرها، وبما أنّ (قسد) واقعة في هذه المرحلة بين فكي كماشة، فهي تبحث عن طريقة للارتماء في أحضان النظام، معتقدة بأنها سوف تتمكن من خلق واقع جديد، يتمثل في وقوف جيش النظام سدًا بينها وبين تركيا، في حين أنّ النظام نفسه هو من جلب “حزب الاتحاد الديمقراطي” PYD، وفتح له مخازن الأسلحة وسلّمه معظم المناطق ذات الغالبية السكانية الكردية، بهدف تحييد الكرد السوريين عن الثورة وإبعادهم عن النسيج الوطني السوري.
أما فيما يتعلق بالتفاهمات بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأميركية، بشأن المكون الكردي، فلا أعتقد أن يكون هناك شيء من هذا القبيل، ولكن يبدو أنّ هناك نوعًا من التفاهم غير المعلن بين البلدين المذكورين آنفًا، حول مناطق شرقي الفرات برمتها، والتي تضمّ مختلف المكونات السورية، ربما يتركّز على نفض يد أميركا من منطقة شرق الفرات رويدًا رويدًا، وتسليم الملف السوري برمته إلى روسيا، في الأشهر المقبلة، في حال أبرمت أميركا اتفاقًا شاملًا مع إيران في إطار الاتفاق النووي المرتقب، الأمر الذي يفسر وجود نيّات أو استعداد أميركي لإبرام صفقة مع ايران، يكون أولى ضحاياها “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سورية، كما يحلو لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي” PYD تسميتها.
إلى أين وصل الحوار الكردي – الكردي؟ وما هي ملاحظاتكم حول مسار المفاوضات الكردية – الكردية؟ ومن يعرقل التوصل إلى حلّ يجمع الأحزاب الكردية على رؤية سياسية واحدة؟ وماذا تريدون من هذه المفاوضات، كـ “حزب اليسار الديمقراطي الكردي في سوريا”، و“المجلس الوطني الكردي في سوريا”؟
الحوار الكردي – الكردي ما زال يتعثر، وهو متوقف منذ أكثر من سنة، منذ دخول الولايات المتحدة الأميركية راعية الحوار إلى الانتخابات الرئاسية، وفوز الرئيس جو بايدن بالرئاسة، الأمر الذي يبعث على الاعتقاد بعدم جدية الإدارة الأميركية الحالية في التعاطي مع الشأن السوري عامة، والشأن الكردي السوري خاصة، لا سيما أن إستراتيجيتها حول الملف السوري ما زالت غامضة ومرتبكة وغير واضحة. وعلى الرغم من ذلك فإنّ البعثة الدبلوماسية الأميركية موجودة في المنطقة، ومن غير المستبعد -حسب التصريحات الأميركية- استئناف جلسات الحوار قريبًا جدًا.
ولكن هناك امتعاض كبير في صفوف “المجلس الوطني الكردي في سوريا”ENKS من التراخي الأميركي في هذا المسار وعدم جديتها، وبالرغم من أنها أحد الطرفين الضامنين للحوار ومخرجاته، فإنها تغض الطرف عن ممارسات “حزب الاتحاد الديمقراطي” PYD، الذي يهدف إلى نسف الحوار، من خلال تسميم المناخات إعلاميًا، فضلًا عن استمرار مسلحيه، ولا سيما “منظمة الشبيبة الثورية” (جوانن شورشكر) باعتقال القاصرين والقاصرات والاعتداءات المتكررة على الاعتصامات والتظاهرات السلمية، وعرقلة مختلف نشاطات المجلس والاعتداء على مقاره وإضرام النيران فيها وتكسير مقتنياتها، مع أن قائد (قوات سوريا الديمقراطية/ قسد) تعهد شخصيًا، بحضور الأميركان، بضمان أمن هذه النشاطات والكفّ عن الاعتقالات الكيفية من قبل هذه المجموعة، ووقف الحملات الإعلامية المضللة ضد “المجلس الوطني الكردي في سوريا”.
وإذا أمعنا النظر في تاريخ “حزب العمال الكردستاني”PKK وفروعه في أجزاء كردستان الأخرى، رأينا أنه يخلو من إجراء حوارات مع الأطراف والقوى السياسية الكردية، في هذا الجزء أو ذاك، وأن تاريخه مليء بالتناحر والاقتتال مع الآخر المختلف معه، سياسيًا وأيديولوجيًا وثقافيًا، ولذلك هناك مخاوف كبيرة لدى معظم قطاعات الرأي العام الكردي من أن يكون مصير هذا الحوار الفشل، إذا لم تمارس الولايات المتحدة الأميركية ضغطًا جديًا وشديدًا على “حزب الاتحاد الديمقراطي” PYD، وتجبره على إبرام اتفاق مع “المجلس الوطني الكردي في سورية”، وإطلاق حوار مسؤول وجدي مع المكونات الأخرى في المنطقة.
مع تسارع الأحداث وما يرشح من تسريبات حول سياسات الإدارة الأميركية تجاه (قوات سوريا الديمقراطية/ قسد)، نسألكم هل من الممكن أن تسمح واشنطن لنظام الأسد بالسيطرة على آبار ومنابع النفط في شرقي الفرات بالاتفاق مع (قسد)؟
من المستبعَد أن تسمح الولايات المتحدة الأميركية في الوقت الراهن للنظام بالسيطرة على آبار النفط ومنابعه قي شرق الفرات، لا باتفاق مع (قسد) ولا من دون اتفاق؛ لكون واشنطن لم تنفض يدها بعد من الملف السوري، وهي تحتفظ بآبار النفط ومنابعة كورقة ضاغطة ورابحة في أية مفاوضات مستقبلية، ولتقض بذلك مضاجع النظام بالدرجة الأساس، وتمنع تمكينه اقتصاديًا في الوقت الراهن على الأقل، إضافة إلى رغبة أميركية شديدة في حرمان حليفي النظام روسيا الاتحادية وإيران بالوصول إلى منابع النفط والاستثمار فيه وقطف ثمار تدخلهم عسكريًا في الأزمة السورية.
المعطيات تشير إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية ستحتفظ بمناطق شرقي الفرات (سلّة اقتصاد سورية)، في المدى المنظور على الأقل، ولكن لا يخلو الأمر من مخاوف تتعلق باحتمال إبرام صفقة أميركية – إيرانية كبرى، في سياق المفاوضات الجارية حول الملف النووي الإيراني، يكون أحد أبرز عناصرها أو لنقل ضحاياها، هو التنازل الأميركي عن الملف السوري برمته، لصالح روسيا ومن خلفها النظام بطبيعة الحال، وسيكون هناك آنذاك سيطرة روسية على منابع النفط، وعلى مفاصل العملية السياسية، ومن ثم البدء بحل سياسي للأزمة وفق المنظور الروسي، ولو بتوافق شكلي أو سطحي مع الولايات المتحدة الأميركية ودول المنطقة.
تؤكد “الإدارة الذاتية” أنها تقوم باستثمار النفط في منطقة الجزيرة لصالح أبناء المنطقة وإقامة مشاريع تخدمهم، لكن هناك من يقول إنّ ملف النفط هو بيد واشنطن، وفق تفاهمات وقعتها شركات نفط أميركية مع سلطة الأمر الواقع، أين ملف النفط الآن؟ ومن يتحكم فيه؟ وفيمَ تستخدم موارده؟ وما حدود صلاحية الشركات الأميركية فيه؟
لا شكّ في أنّ ملف النفط بيد “الإدارة الذاتية” التابعة لـ “حزب العمال الكردستاني” PKK التي تتصرف به بشكل غامض وغير شفاف البتة، ولا تصرف هذه العائدات على إعادة إعمار المنطقة، أو إقامة مشاريع استثمارية، أو إنتاجية، أو خدمية فيها، كونها تفتقر إلى الحد من الخدمات وإلى البنى التحتية الضرورية؛ حيث لم تشهد مناطق الجزيرة برمتها أي تحديث لشبكات الكهرباء أو المياه أو شبكات الصرف الصحي المترهلة -على سبيل المثال لا الحصر- وإنّ السكان في غالبية المدن والقرى محرومون من مياه الشرب، فضلًا عن أنّ قطاعات واسعة منهم على أعتاب مجاعة حقيقية، مع أنّ عائدات النفط والغاز في مناطق شرقي الفرات التي نتحدث عنها كانت عصب الاقتصاد السوري لعشرات السنين، وكانت هذه المنطقة (الجزيرة) سلة غذاء البلد برمته. ومن غير المستبعد أن “الإدارة الذاتية” تنفق جزءًا يسيرًا من واردات النفط في مناطقها على (قوات سوريا الديمقراطية/ قسد)، وخاصة على حفر الخنادق في معظم أنحاء المنطقة، تحسبًا لهجمات من هنا وهناك، كون هذه الإدارة غير متصالحة مع محيطها ولا مع شعبها ولا مع نفسها، وهي تعيش أجواء ومناخات الحرب التي تستنزف قسمًا كبيرًا من إيرادات وعائدات النفط.
وفي هذا السياق، فإن ملفات الفساد الشائكة والصادمة التي تتحدث عن اختفاء أرقام ومبالغ خيالية وتهريبها إلى الخارج، تنخر في جسد مختلف مؤسسات “الإدارة الذاتية” في المنطقة، وتبعثر أو تشتت عائدات النفط، دون أن يكون هنالك جهة تشريعية أو قضائية ذات خبرة تقوم بمسائلة السلطات التنفيذية، وتُجري تحقيقات شفافة تؤدي إلى استرجاع الأموال العامة المنهوبة.
من وجهة نظركم، كيف يمكن تقريب وجهات النظر بين الأحزاب الكردية وقوى وأحزاب المعارضة السورية؟
وجهات النظر متقاربة جدًا بين “المجلس الوطني الكردي في سوريا”، الذي يضم معظم الأحزاب الكردية الرئيسية، وبين قوى وأحزب المعارضة السورية المتمثلة في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، في العديد من القضايا الرئيسية التي تخص مستقبل البلاد، وكذلك حول أدوات وأساليب النضال، منذ بداية الثورة حتى اللحظة، مع الإشارة إلى بعض الأمور المختلف عليها مثل (الدولة الاتحادية) أو (الفيدرالية) وأمور أخرى لا تتعدى البعض منها كونها ثانوية، وهي بمجملها سوف ترى طريقها نحو التوافق، إذا كانت هناك استحقاقات سياسية جدية حول الحل السياسي المنشود للأزمة.
ومن شأن الحوار المستدام بين الطرفين، تذليل العقبات التي تعتري طريق التوافق، لا سيما أنّ هناك إرادة حقيقية لدى مختلف الطيف السوري المعارض، للذهاب نحو سورية جديدة موحدين ومتفقين في الرؤى والمرامي والأهداف الوطنية الكبرى أو الإستراتيجية، مثل الشراكة الحقيقية واسم الدولة ونشيدها الوطني وعلمها، التي لا بدّ أن تكون معبرًا عن حقيقة الموزاييك البشري لسورية، إضافة إلى تحصين حقوق مختلف مكونات الشعب السوري وخصوصياتها ولغاتها وثقافاتها، من خلال مواد فوق دستورية في الدستور نفسه، تقيها من حالات تحالفية ربّما تحدث مستقبلًا في برلمان البلاد، وتشكّل أغلبية تقوم بتغيير الثوابت الوطنية التي يجب أن تبقى مصانة وغير قابلة للتغيير أو التعديل أو الإلغاء، كي يشعر السوريون -بغض النظر عن دينهم أو طائفتهم أو لونهم أو عرقهم- بانتماء وطني حقيقي.
كيف ينظر “المجلس الوطني الكردي في سوريا” إلى مجريات الأحداث في عفرين ورأس العين وتل أبيض، واستمرار معاناة أهالي المنطقة من جراء الانتهاكات التي يتعرضون لها على أيدي بعض المجموعات من الفصائل المسلحة التابعة للمعارضة السورية؟ وما هي رسالتكم لقادة هذه الفصائل لوقف الانتهاكات وتوفير البيئة الآمنة لعودة الأهالي؟
“المجلس الوطني الكردي في سوريا” كان له موقف واضح من مجريات الأحداث في عفرين ورأس العين (سري كانيه) وتل أبيض (كري سبي)، وأصدر عشرات البيانات بهذا الخصوص، وإن ملف هذه المناطق حاضر في مختلف لقاءات واجتماعات المجلس مع مختلف الجهات الدولية والإقليمية، فضلًا عن الاجتماعات مع أطياف المعارضة السورية، ولا سيما اجتماعات “الائتلاف الوطني”. وإن “المجلس الوطني الكردي في سوريا” يدين بشكل مستمر الانتهاكات التي يتعرض لها الأهالي في تلك المناطق، على يد بعض المجموعات والعناصر المسلحة، سواء أكان ذلك في عفرين أو في رأس العين أو غيرهما، وما زال يطالب بصوت عال بضرورة إخراج المسلحين من المدن والقرى إلى الثكنات العسكرية، تفاديًا لتكرار مثل هذه الانتهاكات بحق الأهالي التي تحدث بين الفينة والأخرى.
وفي هذا السياق، تعمل كتلة “المجلس الوطني الكردي في سوريا” في “الائتلاف الوطني”، بشكل مكثف وجدي، على ملف عودة الأهالي من مخيمات الذل إلى مدنهم وقراهم، بالتنسيق مع “الائتلاف” ومع بعض الفصائل، إضافة إلى الجانب التركي الذي يبدي استعداده لتقديم التسهيلات اللازمة من أجل عودة الناس إلى منازلهم. وقد عاد في الأشهر الأخيرة نحو ألف وخمسمئة عائلة، معظمهم من المخيمات، إلى أماكن سكناهم الأصلية والتاريخية في عفرين ونواحيها وقراها، نتيجة هذه الجهود وهذا التنسيق بين الأطراف المذكورة آنفًا، على أمل أن نرى وتيرة عودة أسرع وأسهل في الأشهر المقبلة.
ما موقفكم في “المجلس الوطني الكردي في سوريا” من مسألة تجنيد الأطفال من قِبل “حزب الاتحاد الديمقراطي” للقتال في صفوف الميليشيات التابعة لها؟
نحن في المجلس نعلم أنّ تجنيد الأطفال لحمل السلاح والقتال في صفوف الميليشيات “جريمة حرب”، حسب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تؤكد أنّ “تجنيد الأطفال إلزاميًا أو طوعيًا” في القوات أو الجماعات المسلحة، يعدّ “جريمة حرب” في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، بالرغم من أنّ هذه الظاهرة كثرت في شرق الفرات وفي المناطق الكردية تحديدًا. فمنذ سنوات، خطفت وجندت منظمة تابعة لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي” تسمى “منظمة الشبيبة الثورية“ (جوانن شورشكر) مئات الأطفال القُصر، وزادت وتيرة هذه الجرائم منذ بداية العام الجاري، وكان “المجلس الوطني الكردي في سوريا”يدين بأشد العبارات جرائم وانتهاكات هذه المنظمة بحق أبناء شعبنا، وخاصة خطف وتجنيد الأطفال القُصر، وحمّل مرارًا وتكرارًا (قوات قسد) المسؤولية الكاملة لمنع هذه المنظمة من ارتكاب هذه الجرائم ومحاسبتها وحلها بشكل نهائي. وناشد المجلس الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والإنسانية المعنية بحماية حقوق الطفل، وقوات التحالف الدولي، بالقيام بمسؤولياتهم والضغط على (قسد) لإعادة عشرات الأطفال القُصر المخطوفين لدى منظمة (جوانن شورشكر) والميليشيا التابعة لها، ودعا إلى الإيقاف الفوري لعمليات تجنيد الأطفال القُصر نهائيًا، وحماية حقوقهم وفق ما تنص عليه وتضمنه القوانين والمواثيق الدولية.
برأيكم، لماذا تعمل سلطة الأمر الواقع في شرق الفرات على رفع أسعار الخبز والمحروقات، بين الحين والآخر ، في الوقت الذي تتحكم فيه بخيرات وفيرة جدًا؟
سلطة الأمر الواقع في شرق الفرات ترى في نفسها سلطة مؤقتة للمنطقة، وانطلاقًا من هذا الاعتقاد، فهي غير مهتمة بالمستوى المعيشي للمواطن وقوته الشرائية وتأمين فرص العمل، وخفض مستويات البطالة ومستوى الفقر بين عامة الناس، والعمل على التنمية والعمران.
وفي هذا السياق، لا يخفى على أحد أنّ هناك أطيافًا واسعة من الناس تعيش الآن على حافة المجاعة، إن لم نقل مجاعة حقيقية، مع أنّ مناطقهم تشتهر بمختلف الخيرات الوفيرة، وكانت سلة غذاء سورية ومفتاح استقرارها، فضلًا عن أنها كانت ترفد ميزانية الدولة السورية بروافد أساسية وحيوية، كالنفط والإنتاج الزراعي والحيواني الوفير. وتهدف سلطة الأمر الواقع، من وراء اللعب بأسعار السلع الأساسية كالخبر والمحروقات، إلى التضييق على الناس أكثر فأكثر، ودفع ما تبقى من الشعب إلى الهجرة والتشرد، هنا وهناك، في مخيمات الذل والفقر والحاجة والحرمان، أو ركوب البحار وتسليم أرواحهم للأمواج المتلاطمة للتوجه نحو مصائر مجهولة.
هل ترجّحون قيام الناس في شرق الفرات بانتفاضة شعبية قريبًا تعمّ المنطقة ضد القوى المتحكّمة في قوت الناس ورقابهم وأرواحهم؟
نعم، نرجّح ذلك، نظرًا لوجود أسباب كثيرة جدًا تستدعي قيام الناس بتظاهرات واحتجاجات واعتصامات، ومن ثم التحوّل إلى انتفاضة ضد سطوة “حزب الاتحاد الديمقراطي” والممارسات الفجة لمسلحيه بحق الأهالي، ولا سيما المواطنين الكرد الذين يعانون الأمرّين على يد أجهزته القمعية، مثل اختطاف القاصرين والقاصرات، وقمع الحياة السياسية للمعارضين لسياساته ولأيدولوجيته الطوباوية التي تُفرض بقوة السلاح على الناس، وكذلك الاعتقالات السياسية لقيادات “المجلس الوطني الكردي في سوريا”وأحزابه، فضلًا عن الغلاء المعيشي وانعدام فرص العمل وعمليات النهب والسلب في مختلف مؤسسات الإدارة.
ولكن الأهم من هذا وذاك هو خوف الناس، في ظل هذه الإدارة، من المستقبل، فهي غير معترف بها لا من النظام ولا من المعارضة ولا من الدول الإقليمية ولا من المجتمع الدولي ولا من الأمم المتحدة، ولا تمتلك شرعية قانونية أو دستورية أو دوليه أو شعبية، وهي في حالة عداء شديد، إن لم نقل حالة حرب، مع كل جيرانها من سائر الجهات، وكذلك مع مكونات المنطقة، الأمر الذي يقلق الناس ويدفع بهم إلى الهجرة من مدنهم وقراهم، وقد وضعت “الإدارة الذاتية” نفسها في حالة حصار، ولا سيما بعد الاعتداء الأخير، بقنابل المولوتوف والعصي والحجارة، الذي قام به مسلحو منظمة شبيبتها الثورية (جوانن شورسكر) على معبر (سيمالكا) الحدودي مع إقليم كردستان العراق، يوم الأربعاء (الخامس عشر من الشهر الحالي)، والذي أدى إلى إغلاق المعبر نهائيًا، وعزل المنطقة أكثر فأكثر.
في نهاية حوارنا؛ اليوم هناك احتلالات متنوعة على الأراضي السورية، نتج عنها مناطق مختلفة في المصالح والتفكير والولاءات، إلى أين يذهب مستقبل سورية؟
مستقبل سورية ذاهب إلى إزالة كل الاحتلالات والحكومات والإدارات المناطقية الطارئة، وكذلك ذاهب إلى حلّ سياسي حتمي، مهما طال الزمن أو قصر، وذلك من خلال كتابة دستور عصري يتوافق عليه نُخبها، ويرقى بالبلاد إلى مصافي الدول التي تحترم نفسها وتتصالح مع ذاتها ومع شعبها، وتعيش في سلام ووئام، مع محيطها الإقليمي وكذلك مع المجتمع الدولي، بعيدًا عن الأيديولوجيات الهدامة العابرة للحدود، كأيديولوجيا (الإسلام السياسي الراديكالي) التي تعبر الحدود وتدعو إلى إقامة نظام الخلافة، ليس في سورية وحدها فحسب، بل في عموم أنحاء العالم الإسلامي المترامي الأطراف، وكذلك أيديولوجيا “حزب البعث العربي الاشتراكي” التي لا تقف بدورها عند الحدود السورية، بل تعبره إلى الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وبالتالي فإنّ كل شيء في سورية مؤجل حتى تحقيق حلم أيديولوجيا “حزب البعث” المريضة، والأمر ذاته ينطبق على “حزب الاتحاد الديمقراطي” الذي يتبنى أيديولوجية “حزب العمال الكردستاني” العابرة للحدود السورية، والداعية إلى الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب، وتطبيق فلسفة زعيمه عبد الله أوجلان، في كل من سورية وتركيا والعراق وإيران كخطوة أولى، إضافة إلى أيديولوجيا “الحزب الشيوعي السوري” الذي لا يعمل بدوره ضمن الجغرافيا السورية، بل يدعو من سورية إلى تطبيق النظام الشيوعي في عموم أنحاء العالم، وبالتالي فإن سورية ليست إلّا محطة مؤقتة أو قاعدة تصدير لهذه الأيديولوجيا.
سورية ذاهبة في النهاية إلى التخلص من هذه الأيديولوجيات الهدامة، ومن كل الجيوش الغريبة على أراضيها، وكذلك من النظام الدكتاتوري الاستبدادي الجاثم على صدور أبنائها منذ نصف قرن من الزمن، وإلى بناء دولة المساواة بين مكوناتها، وتحقيق الحرية والعدالة لمواطنيها كافة، من خلال توافق نخبها السياسية والأكاديمية على وضع دستور عصري لها، يرقى بها إلى مصافي الدول الحديثة التي تتصالح مع نفسها وتحترم شعبها وتتعايش مع جيرانها وتنشغل بإعادة إعمارها.