يستضيف مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في هذه الفسحة الحوارية، الناشطة السياسية والنسوية والإعلامية نيفين حوتري، رئيسة مجلس إدارة “وحدة دعم وتمكين المرأة”، ومن أهداف هذه الوحدة إعداد المرأة للانخراط في الحياة السياسية. وهي عضو في “الحركة السياسية النسوية السورية”.
ضيفتنا من مواليد عام 1979. درست معهد إدارة أعمال، وعملت كمديرة مشاريع مدة 11 عامًا. وكان أن هُجرت قسرًا مع معظم أهالي الغوطة الشرقية إلى الشمال السوري عام 2018، وتقيم حاليًا في مدينة إعزاز في ريف حلب. عاصرت نيفين حوتري أحداث حماة في الـثمانينيات، وفترة حكم الدكتاتور الأب حافظ الأسد، وعايشت ثورة الحرية والكرامة في آذار/ مارس 2011 التي قامت ضد حكم مجرم الحرب بشار الأسد، ومنذ انطلاقة الثورة، انحازت إلى أحرار وحرائر شعبها، وانخرطت في الحراك الشعبي السلمي، من خلال المساهمة في نشاطات دعم الحياة المدنية في بلدتها الثائرة، كي لا تفقد البلدة مظاهر الحياة اليومية ويتسلل الإحباط إلى نفوس السكان، وركّزت جهودها -آنذاك- على التدريس، ومساعدة زوجها الطبيب في عيادته. ومع الأيام، ازداد اهتمامها بقضايا المرأة وسبل دعمها، فعملت على تقييم احتياجات الفتيات والنساء، وقررت أن تتفرغ للعمل المتعلق بحرائر سورية.
في 12 آذار/ مارس 2018، أدلت حوتري بشهادة لمجلس الأمن الدولي، ونقلت عبر الأقمار الصناعية، ملخصة في سبع دقائق، مرارة سبع سنوات ذاقتها الغوطة الشرقية من الإرهاب الأسدي. وفي حزيران/ يونيو 2020، شاركت عبر “منصة غازي عنتاب”، في “مؤتمر بروكسل للمانحين لسورية”، وممّا قالت للمشاركين في المؤتمر: “أتعلمون ما هو التهجير القسري، بالنسبة لسيدة عملت على تمكين النساء طوال سبع سنوات؟ هو أن أتخوّف دائمًا بأنّ كل عمل سأقوم به لاحقًا سيكون مصيره كعملي السابق. قبل التهجير كنتُ جزءًا من شبكة سياسية تضم 45 امرأة، كنا نتجهز لمرحلة ما بعد الأسد، ولكن جراء التهجير القسري -مع الأسف- تم تدمير ما قمنا ببنائه طوال سنتين من عمر الشبكة”.
تُعدُّ نيفين حوتري من أبرز الناشطات الإعلاميات في سنوات حصار الغوطة الشرقية القاسية، بخاصّة عام 2018، بعد تغطيتها للأحداث الجسام التي مرت بها هي والمدنيون العزل من أبناء وبنات بلدتها، في الملجأ الذي استجاروا به من قصف الطيران الأسدي الروسي، ونقلت بمهارة صورًا حية عن الحالات النفسية للأطفال والنساء والشيوخ، في منشورات تضعها باستمرار على جدار صفحتها في موقع (فيسبوك)، ما جعلها المصدر الأكثر قدرة إعلاميًا على نقل ما وراء الحدث، واستمرّت في تغطياتها اليومية الإعلامية، بعد التهجير القسري. ويعكف مجموعة من مستخدمي (فيسبوك) على ترجمة منشوراتها إلى اللغة الإنكليزية، ما حقق انتشارًا أكبر لها، وجعل من هذه المنشورات مصدرًا لوكالات أنباء ووسائل إعلام عالمية، بحسب مواقع إعلام سورية معارضة.
ووصفها موقع (ميديوم) الأميركي، بأنها “شهرزاد الحصار”، التي تنقل شهادات للتاريخ “من الخطوط الأمامية للإبادة الجماعية في سورية”. فيما ذكر موقع (جورنال) البريطاني، ضمن مقال عن دور نساء الغوطة اللاتي يصنعن الفرق، أنّ نيفين “عيّنة من النساء الملهمات اللاتي يلعبن دورهن لجعل الحياة أكثر احتمالًا، ويعملن لدعم مجتمعهن”.
هنا نص حوارنا معها..
بداية، من هي نيفين حوتري؟ ولماذا هذا الإصرار على البقاء في سورية، بالرغم من إمكانية خروجك من البلد والإقامة في الخارج؟
ناشطة مدنية، مهجرة قسرًا من الغوطة الشرقية، ومقيمة في الشمال السوري، أمٌّ لطفلين أعمل على قضايا النساء، وأسعى للوصول إلى وطن حرّ يتسع لنا جميعًا. البقاء في البلد هو الأساس، والخروج هو استثناء، ولو لم أُجبر على التهجير القسري لما خرجت من الغوطة، لذا آمل ألّا أُجبر على الخروج من البلد يومًا ما.
لِمَ كانت الثورة الحرية والكرامة في منتصف آذار/ مارس 2011، برأيك، “حاجةً لا خيارًا” للسوريين؟ ومتى قررت المشاركة في الحراك الشعبي السلمي؟
من عاش تحت سلطة آل الأسد وعايش التسلط والفساد، يعلم تمامًا أنّ الثورة كانت آتية لا محالة، فالضغط يولد الانفجار، ومن حق الشعوب أن تحيا بوطن يؤمن لها أدنى درجات المواطنة، وهذا لم يكن محققًا، ولن يتحقق بوجود العائلة الحاكمة ونظامها الاستبدادي. أنا طفلة الثمانينيات التي تربت على الخوف من الجدران التي تشي بأصحابها إن تجرؤوا على الحلم، لذا كانت الشرارة الأولى للثورة كافية لتحطيم حاجز الصمت والخوف، وكسر فكرة الحاكم الإله.
أما يزال بإمكاننا الحديث عن ثورة شعبية أبرز مطالبها إسقاط نظام بشار الأسد، بعد أن وصلنا إلى ما نحن عليه من وجود قوى الأمر الواقع في مناطق مختلفة من سورية، والتي شتّتَتْ القضية السورية على المستوى الدولي، بارتكابها ممارسات استبدادية، مثلها مثل النظام، وبعد أن أصبح الصراع متعدد الأطراف، واتسعت دائرة التدخلات السياسية والعسكرية الإقليمية والدولية، لتمكين مصالحها على حساب الشعب السوري؟
أولًا، لديّ تحفظ على جزئية “مثلها مثل النظام”؛ فلا شيء يشبه استبداد وإجرام النظام الذي يعدّ أصل كل فساد حالي في البلد. إذا كنا نتكلم عن الثورة، فالثورة للشعب، والشعب لم يحقق ما نادى به، وبرأيي أنّ الثورة كالجمر تحت الرماد، لن تنطفئ حتى تتحقق مطالبها. وكلّ ثورات التغيير الجذري تكون على شكل هبّات بفواصل زمنية مختلفة، وليست موجة واحدة.
لأنه لا بدّ لنا من مراجعة ثورية نقدية، وثورتنا المختطفة اليوم تدخل عامها الحادي عشر، نسألكِ: هل كانت لحظة انعطاف الثوار باتجاه حمل السلاح واستخدام العنف، ضرورة حتمية فرضتها الوقائع على الأرض؟
تحوّل الثورة من سلميّة إلى مسلحة هو واقع فرضه نظام الأسد وجيشه، عندما قابل السلمية بالرصاص، أذكر عندما دخلت قوات الجيش الأسدي لتفتيش البيوت في بلدتي في بدايات الثورة، وترافق التفتيش مع دخول الدبابات على مشارف البلدة، لترويع الأهالي الآمنين، على الرغم من عدم وجود أي حراك في البلدة في تلك الفترة، ولكن النظام اختار أن يروّعنا بقبضته الأمنية التي لا يستطيع التخلّي عنها. وأذكر أيضًا أولى جولات الهيلوكوبتر واستهداف الناس بالرصاص من السماء، وأول شهيدة في بلدتي كانت امرأة صادف قدرها أن تكون في الشارع عند نزول أول قذيفة على البلدة. النظام هو من حوّل مطالب المدنيين العزل بالديمقراطية والعدالة إلى دفاع عن الحياة، عند انتهاكه لحق الحياة الذي يعتبر أولوية.
ماذا علينا أن نتعلم من التاريخ القريب ودروسه، بخاصّة ما يحدث في مناطق الشمال السوري المحرر (إدلب وأريافها)؟
بالنسبة إلي، ما زلتُ أكرر ما قمت به من بداية الحراك السلمي، وما زلت أرى أنّ الحاضنة الحقيقية للثورة هي في صمود متبنيها، وأن لا خيار لنا إلّا بالصمود حتى إسقاط الأسد وتحقيق العدالة، إلّا أنني أعلم اليوم أنّ المشهد يرسمه غيرنا، والمستقبل المنشود ليس قريب المنال.
السخط والغضب والغليان تغمر شوارع المدن والأرياف الخاضعة لسيطرة قوات نظام الأسد وحلفائه، منذ شهور. فهل هي بشائر تجديد روح الثورة وعودة الناس للساحات والميادين العامّة منادية بضرورة رحيل النظام؟ وهل الوقائع المعيشة تسمح باندلاع ثورة شعبية سلمية مجددًا، بعد أن غيّب النظام قسمًا كبيرًا من الشعب السوري عن متابعة قضيته، بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي فرضت عليه؟
هناك جمرٌ تحت الرماد، كما ذكرت سابقًا، هذا الجمر لن ينطفئ حتى ننال المطالب وتتحقق العدالة ويُحاسَب كلّ من ارتكب الجرائم بهذا البلد. ربما القبضة الأمنية للنظام لن تسمح للعاصمة أن تثور، الأعوام الثلاثين التي مرت بين أحداث الثمانينيات وبداية انطلاق الثورة لم تُنسِ الشعبَ إجرام النظام، لذا أعلم أنّ الشعب سيقول كلمته، ولكني لا أستطيع تحديد كيف ومتى.
حدثينا عن تفاصيل الفترة التي عشتها في الغوطة الشرقية خلال سبع سنوات، بخاصّة فترة الحصار وقصف الطيران ودبابات جيش النظام والحلفاء، والدمار الذي أصاب البيوت والمشافي وكل المفاصل الحيوية في الغوطة؟
الحديث عن هذه التفاصيل يتطلب عمر أطول من الذي مضى، فكل يوم تحت الحصار والقصف هو عمر آخر، ما زالت التفاصيل حاضرة بذهني بكلّ جزئياتها، بداية من إغلاق المعابر والشعارات التي أطلقها عناصر النظام: “الجوع أو الركوع”، ومرورًا بأصوات القذائف التي رافقتنا يوميًا مصحوبة بجولات للطائرات الحربية. النظام كان يستهدف المدارس والمناطق السكنية والمشافي، ونادرًا ما يستهدف الجبهات، وكان يصعد القصف بأيام الأعياد، الحياة التي حاربنا بها لينتصر فرضت علينا شعورًا يوميًا بأنّ الموت قريب، مع كل موجة قصف أو تحليق للطيران، كنا نستسلم لفكرة أنّ الموت سيختارنا أو يختار أحد أقاربنا، وانتظار النتيجة كان مرعبًا أكثر من فكرة الموت ذاتها.
حربي بالسماء.. تعني أنّ القلب سينبض حتى يكاد يخرج من مكانه، واختراق جدار الصوت سيصيب آذاننا بشراسة، يتبعها صوت قوي وتطاير الشظايا والزجاج، سحابة من الغبار والأتربة ستغطي المكان وتمنع الرؤية وتجبرنا على الصراخ للاطمئنان على من حولنا: “أنا بخير.. إنتو بخير؟” الحالة الهيستيرية التي ترافق الثواني القليلة التي تمرّ قبل عودة الجواب: “نحنا بخير”، ما زالت ترافقنا جميعًا عند استرجاع هذه التفاصيل، حتى بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على التهجير.
أدليتِ بشهادة أمام مجلس الأمن الدولي لخّصتِ فيها قسوة ومرارة السنوات السبع التي عاشها أهلنا في الغوطة الشرقية. ما أهمّ ما ذكرتِه للمجتمع الدولي عن عذابات الناس؟ وكيف استقبل ممثلو الدول العظمى ما ورد في شهادتك؟ وما أهمية تقديم مثل هذه الشهادات من ناشطي وناشطات الثورة الميدانيين في المحافل الدولية؟
كان من الصعب أن ألخّص سبع سنوات بسبع دقائق أحمل فيها أمانة نقل معاناة ما يقارب النصف مليون محاصر، وأراهن فيها على إنسانية من يستمع إليّ في هذا المجلس، علّه يبادر بتحرك يوقف القصف ويساهم في فكّ الحصار، تنوّعت شهادتي بين وصف الواقع، وتحميل المسؤولية لمندوبي الدول لينقلوها إلى صنّاع قرارهم. لم يكن لديّ يقين بأنّ شهادتي ستغيّر شيئًا من تخاذل البشرية نحونا، ولكنني كنت على يقين بأنّ من واجبي تقديم هذه الشهادة، بالرغم من الخطر الأمني الذي سأتعرض له، ولأنني كنت أرى الموت محتمًا وقتها، قررت المضي للوصول إلى أحد الهدفين: إما أن يحرك كلامي إنسانيتهم ويحملهم مسؤولية إيقاف المجازر اليومية، وإما أن نموت جميعًا، ولكني على الأقل حظيت بفرصة إيصال صوتي الذي يمثل أصوات مئات الآلاف حولي في الأقبية، صوت المدنيين الذين ناضلوا من أجل دولة الحرية والكرامة، على الأقلّ لم أسمح لمجرم الحرب أن يكتب السيناريو الخاصّ به بعد موتنا، وأن يروّج لأكذوبة “محاربة الإرهابيين”.
ما المواقف الإيجابية التي أثّرت فيكِ خلال سنوات الثورة وبقيت في ذاكرتكِ؟ وهل من مواقف معينة تركت تأثيرًا سلبيًا في ذاكرتكِ؟
التهجير القسري والتغييب والاعتقال التعسفي الذي نال أغلب الشعب السوري وفقد الأقرباء، وضياع عشر سنوات من العمر. كلّها مواقف سلبية ترافقنا يوميًا، حتى الخلاص من المستبد وتحقيق العدالة، ولكن الحلم بمستقبل أفضل لأولادنا وما عشناه من نضال لأجل الوصول إلى هذا الحلم هو ما يمثل الجانب الإيجابي من المشهد، السر الغامض المتمثل بالصبر على حصار دام أكثر من خمس سنوات، بكل تفاصيل الحياة وقتها، والتمسك بالقضية هو من المواقف الإيجابية.
متى انضممت إلى “الحركة السياسية النسوية السورية“؟ وكيف تعرّفين قرّائنا بالحركة؛ تركيبتها والغايات والأهداف؟
انضممت رسميًا إلى الحركة قبل أكثر من سنتين، ولكني كنت على تواصل وعمل مشترك مع عضواتها قبل ذلك. نعرّف أنفسنا بـ “الحركة السياسية النسوية” على أننا سياسيات نسويات سوريات، وسياسيون نسويون سوريون، نناضل ضد نظام الاستبداد، ونطالب بالحرية والعدالة والكرامة. تتميّز الحركة بالتنوّع الفكري بين عضواتها وأعضائها الذين يقارب عددهم 200عضو/ة، والانسجام الذي يرافق هذا التنوّع، وأرى في هذا الانسجام ما يشبه حلمي بسورية المستقبل التي تتسع لنا جميعًا وتحافظ على هوياتنا.
ما هي توقّعاتك لما ستنجزه الحركة على المديين القريب والبعيد؟
لن أدخل بالتوقّعات، لكنني سأقول إننا نسعى للوصول إلى واقع سياسي ونسوي أفضل للسوريين/ات، من خلال ما نقوم به من لقاءات وحوارات على الصعيد الداخلي والخارجي، ومناصرة لقضايانا كسوريين، والضغط من أجل تغيير الواقع، لنقل إنها المساحة التي تجمع الفاعلات والفاعلين المنخرطين في الشأن السياسي للوصول إلى فهم مشترك للواقع، وتغيير الرأي العامّ في ما يخصّ هذا الواقع، سواء على المدى القريب أو البعيد.
ما هي الأشياء التي تعطيك الدافع للاستمرار في المشاركة في الشأن السياسي السوري العامّ؟
مستقبل الحلّ في سورية هو مستقبل سياسي، لذا علينا جميعًا أن نعي ما يحصل حولنا، وأن نكون مؤثرين بالضغط باتجاه حلّ يمثلنا ويحقق مطالبنا، وهذا يتطلب محو أمية سياسية رافقتنا منذ تولي الأسد الأب للحكم. وكوني مهتمة بتمكين النساء، أرى أنّ تغييب النساء عن مواقع صنع القرار هو تعطيل للعمل السياسي في سورية، لذا أسعى للوصول إلى وعي سياسي عامّ وأدوار حقيقية للنساء في رسم مستقبل البلد.
بصفتك رئيسة مجلس إدارة “وحدة دعم وتمكين المرأة“ العاملة في الشمال السوري المحرر؛ ما هي أبرز التحديات والمعوقات التي تواجه الفتيات والنساء في العملية التعليمية؟ وكيف يمكن تحقيق نتائج ترتقي لطموحاتكن؟
مع الأسف، ملفّ التعليم هو أحد الملفات المتأثرة بواقع عدم الاستقرار الذي نعيشه، بداية من التحديات التي ترافق تحسين القطاع التعليمي، ومرورًا بعدم الاعتراف بالتعليم الجامعي. ولكننا في “وحدة دعم وتمكين المرأة” نسعى لتأمين تعليم بديل ولتمكين النساء ورفع نسبة الوعي العامّ بأهمية تعليم الفتيات، وخلق فرص لمشاركة أفضل لزيادة خبراتهن، ونسعى لاستهداف شرائح متنوّعة ومنها شريحة الطالبات الجامعيات لدعمهن وإعطائهن الأدوات اللازمة ليكنّ فاعلات في مجتمعهن.
كيف يمكن ربط العمل السياسي بالعمل المدني والحقوقي، سعيًا لتعاون أوسع يمكّن ناشطات وناشطي “الحركة السياسية النسوية السورية” في الخارج من دعم وتمكين النساء في الداخل السوري؟
العمل السياسي لا ينفصل عن العمل المدني والحقوقي، فكل مشاركة على مستوى صنع القرار هي قاعدة عمل سياسي مستقبلي، النساء في الداخل لديهن الوعي الكافي بأهمية مشاركتهن السياسية، وقد تغيرت الظروف في الأعوام الماضية حتى إننا أصبحنا جزءًا من شبكة سياسية محلية في شمال سورية، تسعى للتمكين السياسي للنساء من الداخل، أطلقت قبل أشهر وتضم أكثر من 80 ناشطة، لديهن توصيات تخصّ مستقبل سورية ويسعين لإيصالها إلى أروقة صنع القرار للأخذ بها. أما في ما يخصّ الحركة، فالعمل ما زال مشتركًا بين الجميع، في الداخل والخارج وبكل تنوّع عضوات وأعضاء الحركة الفكري والمعرفي. نناقش القضايا بشكلٍ جماعي، وتجمعنا حوارات دورية يومية وشبه أسبوعية، للوصول إلى فهم مشترك للقضايا ورؤية مشتركة لمستقبل سورية، ولدينا جلسات تشاورية ينتج عنها أوراق سياساتية نقوم بنشرها ومشاركتها مع المعنيين.
بتقديرك، ما هي الأسباب الكامنة خلف ضعف المشاركة السياسية للنساء في الداخل السوري، بعد ثورة آذار/ مارس 2011؟ وكيف يمكن تذليل العقبات للوصول إلى ما هو مأمول في ظلّ وجود سلطات أمر واقع قمعية في عموم الجغرافية السورية الممزقة؟
المشاركة السياسية كانت إحدى الخطوط الحمراء المحرّمة، طوال عقودٍ مضت فرض فيها نظام الأسد الأب والابن عزلة سياسية تامة على الشعب. وبعد انطلاق الثورة ومحاولة النظام قمعها بأساليب استبدادية، كالحصار والقصف؛ من الطبيعي أن تكون الأولويات هي الحفاظ على حق الحياة أولًا، ومن ثم الانشغال بالتمكين الاقتصادي، وتحديدًا إذا كانت النساء هنّ المعيلات لأسرهن، ولكن هذا لم يمنع من مشاركات سياسية خجولة تتحدى كل الظروف. وهنا، لديّ تعقيب بسيط، أننا إذا أردنا تقييم العملية السياسية بالعموم، نرى أنها لم تكن في الصف الأول بمشهد الحلّ السوري قبل بضع سنوات، وعلى صعيد آخر، المشاركة السياسية في الداخل والخارج ضعيفة بالعموم، من جهة الرجال والنساء، وليس فقط من جهة النساء، إلّا أنّ ضعف مشاركة النساء بالداخل، في كثير من المجالات، له أسباب عدة، أهمها عدم توفر الظروف المساعدة، والتخوّف من خوض تجربة ليست سهلة ولا يوجد توافق عامّ عليها.
بالنسبة إلى سلطات الأمر الواقع، فهي تختلف بين منطقة وأخرى، ومعظم المناطق لا تتدخل فيها السلطات بالعمل المجتمعي أو السياسي، وعلى الرغم من التخوّف من تدخل السلطات بمناطق أخرى، فإننا نشهد وجود نساء ناشطات في عدد من المجالات، ومنها السياسي.
أخيرًا، أين يتّجه مسار الأزمة السورية الآن؟ وأيّ مستقبل ينتظره السوريون الطامحون لبناء دولة مواطنة ومؤسسات قانونية، تكون الكلمة الأولى فيها للقانون؟
لا أوافق على استخدام مصطلح “أزمة”، لارتباطه بسيناريو يروّج له النظام، بأنّ ما يحصل بسورية هو أزمة وليس ثورة، إلا أنني أتفق معكم بأنّ استبداد وإجرام النظام المتمثل بمقولة: “الأسد أو نحرق البلد” حوّل الواقع المعاش إلى أزمةٍ، من حيث تردّي الأوضاع. وفي ما يخصّ مستقبل سورية، ما زال الحلم الأول يراودنا جميعًا: دولة ديمقراطية تتحقق فيها المواطنة لكل أبنائها، والقانون فيها فوق الجميع. ولذلك نعمل ضمن الكيانات الصغيرة والحركات على خلق الوعي وتوسيع دوائر النشر، لنكون مستعدّين/ات للمستقبل المنشود، وإن طال الأمد. المسار حاليًا معطل، وما زال يراوح في مكانه منذ سنوات، والمستقبل ضبابيّ جدًا، ولا أحد يستطيع تحديد وجهة المسار، لأنّ بوصلة الفاعلين في المشهد السوري ليست واحدة. وعلى الرغم من ذلك، أراهن على تحقق إرادة الشعب، وهدفنا الواضح هو إسقاط النظام، والوصول إلى دولةٍ تحترم القانون وتحقق العدالة.