نشرَت وكالة (سانا) على موقعها، في 15 آب/ أغسطس 2021، نصّ القانون رقم 21 المتضمّن حقوق الطفل، والذي يهدف -كما جاء في مقدمته- إلى “تعزيز دور الدولة، بمختلف مؤسساتها العامة والخاصة، في حماية الطفل ورعايته وتأمين التنشئة والنماء والتأهيل العلمي والثقافي والنفسي والاجتماعي، لبناء شخصيته، بما يمكِّنه من الإسهام في مجالات التنمية كافة”[1]. وضمّ القانون 65 مادة، وردت في اثني عشر فصلًا.
في هذه الورقة، سوف نرصد مواد القانون المذكور، ونناقش ما لها وما عليها، من جهة، ثم ننتقل إلى ما يمكن تسميته بالفجوة بين القول/النص، والفعل. القول كما ورد في المرسوم الرئاسي،والفعل الذي تعكسه الممارسات الحقيقية للقوى المتحكمة في العمليات العسكرية – الأمنية على الأرض، سواء كانت قوى النظام وداعميه أم القوى المناوئة له، من دون إعفاء قوى ما يسمى بالتحالف الدولي من مسؤوليتها عن وقوع عدد من التجاوزات بحق الأطفال، كما بدت خلال العشرية السورية السوداء.
أهم ما يمكن ملاحظته على مواد قانون حقوق الطفل رقم 21 أنها جاءت مطبوعة بصفتين من صفات دولة النظام. الصفة الأولى: تقييدات ذات مغزى سياسي على بعض حقوق الطفل، مقارنة بنظيراتها في اتفاقية حقوق الطفل الأممية الصادرة عام 1989، التي وقّعتها سورية في عام 1992 وتعهّدت بإنفاذها عبر قوانينها المحلية عام 2003. والصفة الثانية: تقييدات ذات خلفية دينية طبعت بعض الحقوق. فيما يُفترض أن يكون هذا القانون قد وُضع ليكون ملائمًا لجميع أطفال سورية، من دون تمييز على أساس الدين!
ويمكن ذكر الملاحظات التالية على عدد من مواد القانون:
الملاحظة الأولى: في فصل المبادئ العامة، نصّت المادة السابعة على أن “لكل طفل الحق في التمتع بجميع الحقوق الشرعية المنصوص عليها في قوانين الأحوال الشخصية”.
إن قوانين الأحوال الشخصية المنشورة، بدءًا من القانون رقم 59 لعام 1953 ثم تعديلاته في القانون رقم 34 تاريخ 1975، ثم القانون رقم 18 لعام 2003، والقانون رقم 4 لعام 2019، تخص السوريين من أبناء الديانة الإسلامية [2].
فماذا عن حق رعاية الطفل وحضانته في هذه القوانين؟ لقد ورد في المادة 146، من قانون الأحوال الشخصية رقم 4 لعام 2019 [3]، أنّ مدة الحضانة تنتهي بإكمال الولد (ذكرًا كان أم أنثى) الخامسة عشرة من العمر. وهي السن التي ينتقل فيها حق رعاية الطفل للأب، ولا خيار للولد بين أبويه.
وبالرغم من منح المُشرع أبناء الديانات غير الإسلامية، بموجب القانون 59 عام 1953، حقّ التصرف بشؤونها المتصلة في الخطبة وشروط الزواج وعقده، والمتابعة والنفقة الزوجية ونفقة الصغير، وبطلان الزواج وحله وانفكاك رباطه وفي البائنة (الدّوطة)والحضانة، فإنه عاد ليؤكد ضرورة الانسجام في تلك المسائل مع الفقه الإسلامي، حفاظًا على النظام العام الذي يتطلب الالتزام بالمرجعية الإسلامية، وقد لوحظ ذلك في قوانين الأحوال الشخصية للمسيحيين، في الطائفتين الكاثوليكية والأرثوذكسية [4].
عمومًا، فقد تم تغليب الفقه الإسلامي على المصلحة الفضلى للطفل في قانون حقوق الطفل، على الرغم من نص المادة الثانية من قانون حقوق الطفل السوري على أولوية مصلحة الطفل، في جميع القرارات والإجراءات المتعلقة به، أيًّا كانت الجهة التي تصدرها أو تقوم بها، وهو ما أكدته المادة الثالثة من اتفاقية حقوق الطفل الأممية لعام 1989، والسؤال الذي نطرحه: ماذا لو كانت مصلحة الطفل في أن يبقى بحضن أمه؟!
وعلى هامش المسألة المطروحة، ننبّه إلى زيف ادعاء النظام حول طابعه العلماني، فهو لم يستطع الخروج من حالة التلاعب في إطلاق العناوين المضللة التي لا معنى حقيقيًا لها، والتي يتاجر بها لدى بعض الأوساط والبلدان هنا وهناك.
الملاحظة الثانية: التمييز يُمارس بحق الطفل عبر تمييزه للرجل مقابل المرأة/ الأم، من نواح متعددة مرتبطة بمسألتي نسب الطفل وجنسيته، فعلى الرغم من خلوّ القانون من أي نص يتعلق بحق الطفل في أن يكون له جنسية، فقد جاءت الفقرة الرابعة من المادة 44 المتعلقة بالرعاية البديلة، لتؤكد أهمية الحفاظ على نَسَبِ الطفل، وفق الحقوق الشرعية. وهذه القاعدة وردت منسجمة مع ما نصّ عليه قانون الأحوال الشخصية رقم 59 لعام 1953 المعدّل بالقانون رقم 34 لعام 1975، الذي نص على أنه في حال عُرفت والدة الطفل، يسجل في السجل المدني اسم الأم ونسبها الحقيقي، ويسجل مجهول الوالد، وتستطيع تربيته والاحتفاظ به، إذا أرادت ذلك، وتكون بذلك أمًّا عزباءَ، ويظهر اسمها في جميع الأوراق الثبوتية، ويعامل معاملة مجهول الأب (أي يتم تسجيله لقيطًا)، هذا النص يتضمن تمييزًا وانتهاكًا لحقوق الطفل.
وهنا نعود مرة أخرى لطرح مسألة إنهاء التمييز بين الرجل والمرأة، من خلال رفع التحفظ على بعض مواد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وبالتالي منح الأم حقّها -كما الرجل- بمنح جنسيتها السورية إلى أولادها، بغض النظر عن جنسية الأب. وعلينا أن نؤكد ارتباط مصلحة الطفل بحقوق المرأة ارتباطًا وثيقًا، فعندما يتم إلغاء التمييز الواقع على المرأة، بما يخص الجنسية والنسب؛ تنتفي مشكلات تسجيل الطفل ونسبه وحق تسجيله في دوائر الدولة من دون حاجتها إلى انتظار الرجل، سواء كان زوجًا أو أبًا أو جارًا…
الملاحظة الثالثة: في المادة 9 (الفقرة أ)، لكل طفل حق الانتساب إلى المنظمات والجمعيات والنوادي، بما يناسب مستوى وعيه، ليمارس من خلالها نشاطاته الاجتماعية والثقافية، وفق القوانين، وبموافقة نائبه الشرعي. والعبارة الأخيرة تضع هذا الحق في خطر الانتهاك من جانب القوانين التي تضعها النظم الحاكمة في بلدان لا تحترم مبدأ فصل السلطات، وكذلك من جانب النائب الشرعي للطفل، كائنًا من كان.
في مقابل ذلك، تعترف المادة 15، من الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل 1989، بحرية تكوين الجمعيات وبحرية الاجتماع السلمي، وتحذّر من تقييد ممارسة هذه الحقوق بأية قيود غير القيود المفروضة طبقًا للقانون، والتي تقتضيها الضرورة في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن الوطني أو السلامة العامة أو النظام العام، أو لحماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق الغير وحرياتهم.
الملاحظة الرابعة: في المادة ذاتها (التاسعة) وفي (الفقرة ب)، “لا يجوز قبول انتساب الطفل إلى أي حزب سياسي”.
يحظر المُشرِّع هنا أي ممارسة سياسية للطفل، وهي مادة سورية بامتياز، يختص بها النظام ولا شبيه لها في قوانين حقوق الطفل، وبخاصة في اتفاقية حقوق الطفل الأممية لعام 1989. إنها مادة تعبّر عن تمييز واضح وانحياز إلى جهة النظام، في وقت يمارس تأثيره على الأطفال، عبر توجيههم سياسيًا وتعبئتهم عقائديًا، في المناهج المدرسية، وفي برامج المنظمات الموجهة بأفكار الحزب ومنطلقاته النظرية وخطب الرئيس… إنها معاملة تمييزية احتكارية غير عادلة، تدعونا لطرح المسألة من منطلق قانوني – فلسفي، يأخذ صيغة السؤال: ما المستند القانوني، والمبرر الفلسفي الذي يمنح السلطة الحاكمة في بلد من البلدان -وهي سلطة ذات طابع أيديولوجي حصري- الحقّ في الاستئثار بالأطفال وفرض أيديولوجيتها عليهم؟! ألا يمكن عدُّ امتلاك تلك السُلطة هذا الامتياز نوعًا من أنواع إساءة استعمال السلطة، خاصة إذا كانت سلطة أمر واقع لم يشارك الناس في اختيارها؟!
عمومًا، يمكن القول بأن جملة التقييدات ذات الطابع السياسي والديني التي أشرنا إليها أدت إلى حرف قانون حقوق الطفل عن أهدافه المرجوة، وفي مقدمها “منح الأولوية لمصلحة الطفل الفضلى في جميع القرارات والإجراءات المتعلقة به، أيًّا كانت الجهة التي تصدرها أو تقوم بها”، فكانت المواد التي تمت ملاحظتها أعلاه منحازة، لا تخدم المصلحة الفضلى للطفل، بكل تأكيد.
كل ما تقدم من ملاحظات كان مرتبطًا بنصٍ قانونيٍ، ومن حقنا أن نناقشه، بل إن مناقشته أمر حسن ومطلوب. لكن ما هو أخطر من كل ذلك هو تلك الآثام التي تم ارتكابها بحق أطفال سورية، بالفعل الواضح والصريح، لا عبر الكتابة أو القول! فهي لجهة نوعيتها وأحجامها ونتائجها ترقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تم ارتكابها من قبل قوى النظام وداعميه بصورة أساسية، وكذا من قبل بعض القوى المناوئة له، على مدى سنوات الحرب.
إنها الشيزوفرينيا الحقيقية/ الفصام، بين نص قانون يهدف إلى “حماية الطفل ورعايته وتأمين التنشئة والنماء والتأهيل العلمي والثقافي والنفسي والاجتماعي، لبناء شخصيته…الخ”، في مقابل ممارسات أدت إلى إزهاق أرواح أعداد كبيرة من الأطفال، وإحداث الإعاقات المتنوعة لأعداد كبيرة: جسدية كانت أم نفسية، فضلًا عن حرمانهم من التعليم والمداواة والغذاء والأمان…
عمومًا، يمكن وصف الانتهاكات المرتكبة بحق الأطفال بأنها معمّمة، أصابت جميع أطفال سورية، وإن كان حجمها وتأثيرها متفاوتًا بين منطقة وأخرى، وفي ما بين القوى المتصارعة وأدوارها في العمليات القتالية.
لقد كتبت عن الحرب في سورية، وكيف أثرت على حق الطفل في التعليم، وذكرت وقائع موثقة بتقارير أممية تناولت انتهاكات كثيرة بحق الأطفال، فالملايين منهم اليوم هم خارج المدرسة، سواء أكانوا مقيمين داخل سورية أو في بلدان اللجوء المجاورة. وكتبت حول الحرب، وكيف أثّرت سلبًا على حق الطفل في الحصول على النسب والهوية، وكانت النتيجة حرمان أكثر من مليوني طفل من التسجيل والهوية، وكتبت عن الاضطرابات النفسية التي أصابت أعدادًا كثيرة من الأطفال بسبب الحرب[5] .
إن توثيق الانتهاكات الجسيمة المرتكبة بحق أطفال بلدنا ما زال ناقصًا، ويحتاج إلى جهود مخططة لرصدها وتوصيفها وتصنيفها، كي يجري التعامل معها بهدف تجاوزها في قادم الأيام، من دون أن ننسى أهمية توثيق مرتكبيها، فالمحاكم العادلة يجب أن تُعقد لكلّ من ارتكب تلك الجرائم.
[2] المادة 308: يطبق بالنسبة إلى الطوائف المسيحية واليهودية ما لدى كل طائفة من أحكام تشريعية دينية، تتعلق في الخطبة وشروط الزواج وعقده، والمتابعة والنفقة الزوجية ونفقة الصغير وبطلان الزواج وحله وانفكاك رباطه وفي البائنة (الدوطة) والحضانة.
[3] https://2u.pw/e93F3 قانون رقم 4 القاضي بتعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 لعام 1953وتعديلاته.
[4] انظر القانون رقم 31 عام 2006 للطوائف الكاثوليكية، والقانون 7 عام 2012 للطوائف الأرثوذكسية.
[5] انظر أطفال سوريون مهددون بفقد هويتهم https://2u.pw/3TUSI
كلفة الحرب خسارة الأطفال حقوقهم حق التعليم أنموذجًا https://2u.pw/yVkgE
الصحة النفسية للطفل السوري- حالة الطفل اللاجئ https://2u.pw/JfKcE