عمر كاراسابان/ ترجمة أحمد عيشة
في 10 تموز/ يوليو 2021، ربّما يُغلَق معبر “باب الهوى”، وهو آخر معبر حدودي متبق بين تركيا ومحافظة إدلب السورية التي يسيطر عليها المتمردون، حيث تعتزم روسيا استخدام حق النقض (فيتو) ضدّ تمديد قرار مجلس الأمن رقم 2533. وبالنسبة إلى 3,4 مليون مدني في إدلب (أكثر من 2 مليون منهم مهجرون من أماكن أخرى في سورية) فإن حدوث هذا الأمر يمكن أن يشكل كارثة؛ حيث يعتمد ما يقرب من 75 في المئة من السكان في شمال غرب سورية على مساعدات الأمم المتحدة لتلبية احتياجاتهم؛ وحوالي 85 في المئة من تلك المعونة تأتي من عبر هذا المعبر الحدودي.
الوضع بائسٌ في جميع أنحاء سورية العالقة بين أزمة اقتصادية حادة تفاقمت بسبب الانهيار الاقتصادي اللبناني، ومزيد من العقوبات الأميركية في عام 2020، ووباء (كوفيد -19). وتقول وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) إن 13,4 مليون سوري يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وهو ما يزيد بنسبة 20 في المئة عن العام الماضي، لكن المساعدات لم تصل إلا إلى 7,7 مليون. تسعة، من أصل 10 أشخاص يعيشون في حالة فقر، بينما زاد عدد السوريين الذين لا يحصلون على الغذاء بشكل آمن على أكثر من 57 في المئة، في العام الماضي. وتقول (يونيسيف) إن 90 في المئة من الأطفال السوريين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية. والمهجرون داخليًا معرضون للخطر، خاصة في إدلب المعرضة للصراع، وفي شمال غرب سورية. هذه المعونة عبر الحدود أساسية لتفادي وقوع كارثة إنسانية. ولكن هذا بالضبط ما قد يحدث، مصحوبًا بتشريد واسع النطاق للمدنيين وحرب محتملة بين روسيا وتركيا.
كيف وصلنا إلى هنا؟
في عام 2014، سمح مجلس الأمن لوكالات الأمم المتحدة وشركائها باستخدام الطرق عبر خطوط الصراع والمعابر الحدودية إلى تركيا في باب السلامة (إعزاز)، وباب الهوى (إدلب)، فضلًا عن اليعربية (إلى العراق) والرمثا (إلى الأردن). وكان ذلك “لضمان وصول المساعدة، ومن ضمنها الإمدادات الطبية والجراحية، إلى المحتاجين في جميع أنحاء سورية عبر الطرق المباشرة”. وكان الإذن يُجدَد سنويًا، من خلال قرارات يتم الاتفاق عليها باستمرار حتى عام 2018. إذ يتم إخطار الحكومة السورية بالشحنات سلفًا، وتشرف آلية مراقبة تابعة للأمم المتحدة على التحميل في البلدان المجاورة. وفي 2019، في خضم خلافات متصاعدة، سمح قرار مجلس الأمن 2504 بالمعبرين من تركيا، من دون معبري العراق والأردن، ولمدة 6 أشهر فقط. وبحلول تموز/ يوليو 2020، في أعقاب القتال العنيف في إدلب، لم يبق سوى معبر باب الهوى.
كان القتال عام 2019 بمنزلة نهاية لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في أيلول/ سبتمبر 2018 بين روسيا وتركيا. وبعيدًا عن الاستيلاء على المنطقة الأكثر اكتظاظًا بالسكان التي يسيطر عليها المتمردون في سورية، فإن أحد الأهداف الرئيسة لهجوم النظام كان السيطرة على الطرق السريعة الحيوية، بين اللاذقية وحلب (M4) ودمشق وحلب (M5). ولكن لم يُفتح أيّ منهما أو ليس هناك موافقة على فتحه من قبل تركيا، كما هو متفق عليه، ولم يتم تحييد العناصر المتطرفة، ولم تنسحب القوات الحكومية السورية والروسية.
ويركز “الخط الأحمر” في أنقرة على منع ملايين اللاجئين من الانضمام إلى اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا، وعددهم 4 ملايين نسمة، بعدما انقلب الرأي العام بشدة ضدهم، حيث صار ما كان موضع ترحيب في البداية يتلاشى بعد عام 2017، مع تباطؤ نمو الاقتصاد بشدة وتعرضه لمزيد من الانحدار بسبب الوباء. أدى القتال المكثف بعد 19 كانون الأول/ ديسمبر 2019 إلى تشريد أكثر من مليون شخص يائس على طول الحدود التركية، وهو ما دفع تركيا إلى رد عسكري ضد قوات النظام السوري وحلفائهم من الإيرانيين واللبنانيين والروس.
أدى التدخل التركي إلى اتفاق آخر لوقف إطلاق النار، في آذار/ مارس 2020، حيث تقلصت مساحة الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون إلى 60 في المئة من المحافظة. ونصّ ذلك الاتفاق مرة أخرى على فتح الطريق السريع (M4) مع إقامة ممرّ آمن على مسافة 6 كيلومترات منه، وعلى إبعاد الجماعات المسلحة من المنطقة. لم يحدث أي من الأمرين. ولا يزال هناك نحو (15,000) جندي تركي في إدلب وفي المناطق المحيطة بالجيوب التي تسيطر عليها تركيا في شمال سورية. هناك علاقة قلقة مع الجماعة المسلحة المهيمنة (هيئة تحرير الشام) وهي جماعة كانت تابعة لتنظيم القاعدة سابقًا، وتحاول وسم نفسها كمجموعة ثورية وطنية، وقد حققت نجاحًا محدودًا. على الرغم من أن لديها علاقة عمل شائكة مع تركيا، وأفيد أنهم اجتمعوا سرًا مع المسؤولين الأوروبيين، واستمعوا إلى تصريحات إيجابية بعض الشيء من جيمس جيفري، ممثل الولايات المتحدة الخاص لسورية، الذي غادر أخيرًا ولم يُعيّن بديل له. ولا تزال هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية، وفقًا للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وغيرهما.
بالنسبة إلى الروس ودمشق، فإن هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية، وبقاءُ معبر باب الهوى الحدودي تحت سيطرتها يحافظُ عليها، ويُقوّض السيادة السورية. ويتمثل الهدف المضاد في استخدام ممرات عبر خطوط الفصل من مناطق النظام لتقديم المساعدة الإنسانية. وهذا أمرٌ غير مقبول، بالنسبة إلى الغرب والمانحين الآخرين. إن سجلّ ذلك المسار سيئٌ، مع كثير من التأخيرات والرفض حتى لنقل السلع الأساسية، وهم يخشون تلاعب النظام بتلك المساعدات. وقد كشفت منظمة (هيومان رايتس ووتش) هذه التحديات بشكل منهجي: “لقد وضعت الحكومة السورية سياستها وإطارها القانوني الذي يسمح لها باختيار المساعدات الإنسانية وتمويل إعادة الإعمار، لتمويل أعمالها الوحشية، والنهوض بمصالحها الخاصة، ومعاقبة أولئك الذين ينظَر إليهم على أنهم معارضون، وتقديم المنفعة للموالين لها”.
في الظاهر، تبدو المواقف غير قابلة للتوفيق. والواقع أن البعض مثل تشارلز ليستر دعا إلى العودة إلى حقبة عام 2014، حين يتم تسليم المساعدات عبر الحدود، من دون قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لويس شاربون أو، مدير الأمم المتحدة في (هيومن رايتس ووتش)، دعا إلى البحث عن طرق خارج مجلس الأمن، للحصول على المعونة من خلالها. هل لدى الغرب والولايات المتحدة قدرة على دعم مثل هذه التدابير؟ ما زال هذا الأمر غير واضح. ويقترح جوليان بارنز -داسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وأندري كورتونوف من مجلس الشؤون الدولية الروسي، تمديد فتح معبر باب الهوى لمدة عام أخير، مقابل زيادة تدفقات المعونة عبر دمشق مع اتخاذ تدابير مصاحبة لرصد التنفيذ ومراقبته. ولكن في غضون هذا العام، سيجد سكان إدلب أنفسهم معتمدين اعتمادًا كليًا على نظام عدائي مستعص. وهناك آخرون مثل فابريس بلانش منجامعة ليون يرون إمكانية عقد صفقة بين تركيا وروسيا، بخصوص الطريق السريع (M4) قد تؤدي إلى محمية تركية، أو غزة جديدة تتألف من “شريط ضيق من الأرض تحت سيطرة… هيئة تحرير الشام، تدير أمور مجموعة من اللاجئين، بقدر قليل من المعونة الإنسانية الدولية”.
أنت تعرف أنك في حالة سيئة، عندما يبدو خيار غزة كنتيجة مقبولة، وخاصة في هذه الأيام، حيث يجتاح القتال مرة أخرى القطاع وفلسطين. ولكن من أجل أن يحدث ذلك، لا بدّ من التوصل إلى اتفاق مع هيئة تحرير الشام، أو أن يتم إبعادها عسكريًا بعيدًا عن الطريق السريع. حتى لو أرادت هيئة تحرير الشام التعامل، فإن الجماعات المسلحة الأكثر تطرفًا بوسعها أن تلعب دورًا مدمرًا، عندما يتعلق الأمر بالصفقات مع روسيا، وقد لعبت مثل هذا الدور سابقًا. ويبدو أن تركيا سوف تتشبث بما يسميه سابان كارداس من لجامعة توب (TOBB) بمهمتها المستحيلة، في الحفاظ على توازن إدلب غير المستقر.
ولكن على الرغم من الاشتعال المتكرر، لا أحد يريد حربًا شاملة، وليس من المرجح أن يكون النظام متحمسًا لاستيعاب ما يزيد على 4 مليون من المعارضين السُنّة في إدلب وشمال غرب سورية. وعلى الرغم من ابتعاد إدارة أردوغان عن الولايات المتحدة والشركاء في أوروبا، فضلًا عن عزلتها الإقليمية، فإن عضوية تركيا في منظمة حلف شمال الأطلنطي لا تزال قائمة. لذلك، قد يظهر دعم لإدلب، وخاصة مع فتح الطريق السريع (M4)، ولكن المسألة الحاسمة لمشاركة الأمم المتحدة في جهود المساعدات ستكون مثيرة للجدل تمامًا. وكما الحال في غزة، من المرجح أيضًا أن تظل طرق التجارة والمعونة محل نزاع وتنافس لأعوام، إلى أن يحين وقت التوصل إلى تسوية سياسية دائمة.
اسم المقال الأصلي | The coming crisis in Idlib |
الكاتب | عمر كاراسابان، Omer Karasapan |
مكان النشر وتاريخه | بروكينغز، BROOKINGS، 13/5/2021 |
رابط المقال | https://brook.gs/3yN86S3 |
عدد الكلمات | 1228 |
ترجمة | وحدة الترجمة/ أحمد عيشة |