عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، يوم الثلاثاء 25 أيار/ مايو 2021، ندوة بعنوان “لماذا انتخابات الرئاسة في سورية غير شرعية“، شارك فيها كلّ من رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني؛ والكاتبة السياسية عالية منصور؛ والمحامي والسياسي محمد صبرا، وأدارتها الإعلامية السورية ديمة ونوس.
ركّزت الندوة على الأسباب الرئيسة التي تؤكد عدم شرعية الانتخابات الرئاسية السورية، وأنها لا تستجيب لقرارات مجلس الأمن، وتتعارض معها، ومنها القرار 2254، بالإضافة إلى إثبات أن هذه الانتخابات تستند إلى دستور غير شرعي أساسًا، تم إقراره في فترة الحرب عام 2012. وتطرقت الندوة إلى مواقف الدول الفاعلة في الملف السوري من هذه الانتخابات، وأسباب ودوافع روسيا في دعمها، على الرغم من أنها تتعارض مع أساس العملية السياسية، وغير ذلك من المواضيع ذات الصلة.
استهلّ فضل عبد الغني الندوة بوصف الانتخابات الرئاسية في سورية بأنها هزلية ومسرحية محسومة النتائج، وأوضح أن هذه العملية تأتي كنوع من السخرية، لكنّ النظام السوري يتعامل معها بطريقة مدروسة، لأسباب متعددة.
وعدّد عبد الغني أبرز الانتهاكات التي ارتكبها رأس النظام السوري (بشار الأسد) منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة في حزيران/ يونيو 2014 حتى الانتخابات الحالية 2021، ومن أهمها: مقتل 47.967 مدنيًا، واحتجاز حوالي 58.574 معتقلًا من المعتقلين السياسيين على خلفية حراك شعبي، وإخفاء أكثر من 85% منهم قسرًا، والتسبب في موت 4900 مواطن تحت التعذيب، يضاف إلى ذلك التشريد القسري وغيرها من الانتهاكات الأخرى التي ارتكبها النظام.
وأشار إلى أن هذه الانتخابات تنسف العملية السياسية، واللجنة الدستورية، معتبرًا أن هذا الأمر فرصة حقوقية يجب استغلالها لإثبات أن هذا النظام غير جاد، وعلى المجتمع الدولي نفسه أن يتحمّل المسؤولية أيضًا، كونه يكتفي فقط بالإدانة.
وتناولت الندوة الأسباب التي تقف وراء إصرار موسكو على إجراء هذه الانتخابات الرئاسية في سورية، والأهداف التي تسعى إليها.
وفي هذا الجانب، قال عبد الغني: إن “الروس بذلوا كل جهد ممكن منذ 2011 حتى الآن، لإعطاء النظام صورة قانونية وشرعية للنظام، وهدفهم الأساسي هو إعادة تدوير النظام على ما هو عليه، وسيعملون على استثمار هذه الانتخابات، وأعتقد أن النظام هو خيار الروس الوحيد للبقاء في سورية جيوسياسيًا، ويمكن القول إن الروسي متورط مع هذا النظام، وربّما هو محرج دوليًا، ولا خيارات أخرى أمامه”.
واعتبر عبد الغني أن مقاطعة الانتخابات من قبل السوريين هي إحدى أوراق الضغط على النظام السوري، وأشار إلى أن السخرية من الانتخابات وحدها لا تكفي، بل يجب استمرار التظاهرات واستثمار هذا الأمر، للضغط على الدول من أجل التحرك لإيجاد حلّ، والتأكيد أن هذه الانتخابات تجرى وفقًا لدستورر 2012 الذي تمت صياغته بأوامر من النظام وتمّ تفصيله على مقاسه، وهي نسف للمسار السياسي الموجود، وعلى الدول أن تجد البديل عن هذا المسار، لذا من المهمّ استغلال اللحظة التي يجري فيها النظام السوري الانتخابات.
من جهة ثانية، رأت عالية منصور أن المعارضة السورية “أخطأت” في التعاطي مع هذه الانتخابات، إذ أعطتها أكبر من حجمها، وأوضحت أنه كان من المهم التركيز على نقاط أخرى من ضمنها هذه الانتخابات، ولكن دون تجاهل معاناة كلّ السوريين والعقوبات المفروضة بقانون “قيصر”، لا التركيز على الانتخابات: أين قامت وأين مُنعت، أو على انتقاد المؤيدين والموالين، وغير ذلك من ردات الأفعال، وتجاهل جميع الأحداث التي كان من الممكن أن نضغط من خلالها على نظام الأسد.
وأضافت أن “النظام استطاع جرّ المعارضة إلى ملعبه، بالحديث عن هذه الانتخابات (المهزلة)، تمامًا كما حصل في لبنان، إذ كانت نسبة الاقتراع أقل من 3% مع كل التشبيح والضغط والتهديد الذي مورس على السوريين، ومع ذلك تم تصويرها في أول 48 ساعة وكأنها انتصار للنظام، مع أنها كانت قمة الفشل للنظام ولحلفائه في لبنان”.
وبيّنت أنه لم يحصل إقبال كبير على الانتخابات في لبنان، وأن ما حصل هو ردة فعل مبالغ بها، أعطت انطباعًا أن هناك إقبالًا كبيرًا على الانتخابات، الأمر الذي أعطى النظام مكسبًا إعلاميًا آنيًا، ولم يعد بالإمكان إقناع كثيرين أن من صوّت هم فقط 3%، ومن هنا، فإن ردة الفعل كانت خاطئة. وأضافت: “العتب هنا على الأحزاب المعارضة للنظام السوري التي أعطته هذا المكسب، لأنها كانت ردة فعل شعبوية حققت لهم شيئًا آنيًا، لكن من بعد ذلك بفترة قصيرة خسرنا جميعًا من ردة الفعل هذه”.
وعن مدى استعداد روسيا لخوض صراع مفتوح الأجل من أجل التمسّك ببشار الأسد، أوضحت منصور أن روسيا فتحت صراعًا منذ سنوات، عندما بدأت التدخل العسكري المباشر، وبدلًا من التصدي لها فإن جزءًا من حلفاء الثورة السورية صدّقوا أن روسيا أتت لإخراج إيران من سورية، بينما في الواقع كانت إيران تسيطر على أقل من 20% من سورية، وأصبحت اليوم تسيطر على 60% تقريبًا من سورية، وما زال البعض متمسكًا بأن روسيا ستُخرج إيران من سورية!
وأضافت أنه لا يوجد تصد للمشاريع الروسية على المستوى الرسمي، وما نشاهده اليوم هو “مسايرة” لروسيا، كوننا نحن من خلق “وهم” أن روسيا غير إيران، وأنها قد تكون مستعدة للتخلي عن الأسد، وحقيقة الأمر أن روسيا وإيران والأسد شركاء في الجرائم التي ارتُكبت في سورية. وذكرت أن من الأخطاء الأخرى (التي وقعت فيها المعارضة السورية) عدم التمسك بالقرار الدولي المتعلق بالانتقال السياسي، وتنازلها ومشاركتها في “المهزلة” التي تسمى اللجنة الدستورية، وكأن مشكلة السوريين هي في الدستور فقط.
من جانبه، قال محمد صبرا: “بمجرد أن نطلق على ما يحدث الآن في سورية (انتخابات) فإننا نُهين كل نضال البشرية منذ القرن الثاني عشر حتى الآن، ذلك النضال الذي أفضى إلى تأسيس الديمقراطية التمثيلية التي ناضلت البشرية ودفعت مئات ملايين الشهداء من أجل تحقيق مثل هذا النظام الديمقراطي. وإطلاق اسم (الانتخابات) بحد ذاته هو إهانة لهذا السياق الإنساني بأكمله”، وأضاف: “في سورية، لا يوجد نظام حكم، وعندما نتحدث فإننا نقول النظام السوري أو نظام الحكم في سورية، مجازًا”.
وعن أبرز النقاط التي تؤكد عدم شرعية الانتخابات، استنادًا إلى عدم شرعية الدستور الحالي، أوضح صبرا أنه في سورية هناك الآن 4 حكومات: حكومة في دمشق تسيطر على جزء من إقليم سورية وجزء من السكان هي حكومة بشار الأسد؛ وحكومة في إدلب تسيطر على جزء من إقليم سورية وعلى جزء من السكان هي حكومة (جبهة النصرة)؛ وحكومة في إعزاز هي حكومة الائتلاف وتسيطر على جزء من الإقليم وعلى جزء من السكان؛ وحكومة في المنطقة الشرقية هي حكومة (قسد)، وهذه الحكومات الأربع على درجة واحدة من عدم الشرعية.
وتابع موضحًا أن بشار الأسد لم يعد يمثل سلطة حكم تحكُم إقليمًا. بشار الأسد وحلفاؤه يسيطرون على نصف عدد محافظات سورية، وعملية إعادة تأهيل بشار الأسد تحتاج إلى إعادة السيطرة العسكرية على ما بقي من محافظات سورية، وهذا يعني إعادة إنتاج حرب مدمرة وكبيرة جدًا، كما تحتاج إلى إعادة ترميم مؤسسات الحكم في سورية التي انهارت، وإلى دعم الاقتصاد السوري المنهار الذي يحتاج إلى ضخ ما يقارب حوالي 80 مليار دولار، حتى يستطيع أن يَدور. وأضاف أن هناك عناصر كثيرة مفقودة عند نظام الأسد، و”الفكرة الأساسية هي كيف تستطيع أن تؤمن اقتصادًا سياسيًا وأمنًا اجتماعيًا؟ وكيف تستطيع أن تسيطر على الأرض؟”.
وفي ردّ على سؤال حول جدوى الاستمرار في العملية التفاوضية خاصة حول اللجنة الدستورية، أوضح صبرا أنه لا يوجد مفاوضات في ما تسمى اللجنة الدستورية، فالمفاوضات دائمًا بين طرفين أو عدد من الأطراف، والموجود في اللجنة الدستورية هم 150 شخصًا، وكل 50 شخصًا يمثلون جهة، ولكنهم في النتيجة لا يمثلون 3 جهات متقابلة، وهذا يتضح من لائحة إجراءات اللجنة الدستورية، “ومع الأسف، إن خيار الذهاب إلى ما تسمى اللجنة الدستورية، والتخلي عن مطالب الثورة السورية ومطالب السوريين بالقرارين 2254 و2118، هو أبلغ تعبير عن الهزيمة النفسية لهؤلاء المعارضين الذين اختاروا أن يذهبوا بداية إلى مسار آستانا، ثم مسار سوتشي ثم مسار ما يسمى اللجنة الدستورية، وهذا تعبير عن هزيمتهم، ومع الأسف هم الآن يشكلون قطاعًا واسعًا من المعارضة الرسمية في الائتلاف وسواه”.