إسهأن ثأرور/ ترجمة أحمد عيشة
في ليلة الاثنين، 10 أيار/ مايو، تبادل المقاتلون في قطاع غزة والجيش الإسرائيلي إطلاق الصواريخ والهجمات الجوية وسط تصاعد قاتل للعنف. فقد أطلقت حماس والجهاد الإسلامي، وهما جماعتان مسلحتان تتمركزان في غزة، وابل من الصواريخ سقطت بالقرب من القدس، وفي أجزاء من جنوب إسرائيل، حيث نتج عنها إصابة شخص واحد على الأقل. ووفقًا لوزارة الصحة في غزة، قتلت الغارات الجوية الإسرائيلية انتقامًا 20 شخصًا على الأقل في غزة، من بينهم تسعة أطفال.
بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، قال إن “الجماعات الإرهابية” في غزة “تجاوزت الخط الأحمر” بهجماتها بالصواريخ. ولكن الانفجار الأخير للأعمال القتالية له تراكمات عديدة، بعد كثير من الأعمال العدوانية التي قامت بها قوات الأمن الإسرائيلية، والجماعات اليهودية اليمينية المتطرفة في القدس. وقبل أسبوعين، قامت عصابات من المتطرفين اليهود، من ضمنهم بعض المستوطنين في الضفة الغربية، بمسيرة عبر المناطق التي يسكنها الفلسطينيون في المدينة المقدسة، وهتفت “الموت للعرب”، وهاجمت المارة، وألحقت أضرارًا بالممتلكات والمنازل الفلسطينية. وقد أثارت المحاولات الإسرائيلية لطرد عدد من الأسر الفلسطينية في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية -وهو نموذج مصغر لما يعده الفلسطينيون جزءًا من تاريخ طويل من نزع الملكية والطرد على أيدي الدولة الإسرائيلية -احتجاجات التضامن الفلسطيني في مختلف أنحاء الأراضي المحتلة وفي إسرائيل نفسها.
كما أثارت التوترات قبل الاحتفال بيوم القدس يوم الاثنين، وهو يوم عطلة إسرائيلية رسمية تحتفل فيها بالاستيلاء على المدينة خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967. وألغِيت مسيرة سنوية مخطط لها من قبل متطرفين إسرائيليين يمينين بعد أن غيرت السلطات مسارها في اللحظة الأخيرة. ولا تزال أعداد كبيرة تشق طريقها إلى الحائط الغربي وتردد أغنية انتقامية متطرفة ضد الفلسطينيين.
وأفاد زملائي بأن “الهجمات الصاروخية التي شنتها حماس، التي شملت الضربات الأولى على القدس منذ عدة أعوام، جاءت بعد مواجهات دارت بين الشرطة الإسرائيلية والمحتجين الفلسطينيين والإسرائيليين اليهود اليمينيين المتطرفين حول البلدة القديمة. حيث كان من بين مئات الجرحى سبعة أُدخلوا المستشفى في حالة خطيرة، وفقًا لما ذكره الهلال الأحمر الفلسطيني. ونشرت لقطات مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي لضباط الشرطة الإسرائيلية وهم يضربون بصورة وحشية رجلًا فلسطينيًا معتقلًا “.
وفي بيان لوزارة الخارجية، طالبت الولايات المتحدة “التهدئة”، وحثت “جميع الأطراف على وقف التصعيد”، بينما انفردت بإدانة حماس وحق إسرائيل بالدفاع عن النفس. وجاء ذلك في أعقاب بيان سابق بعد أن اقتحمت القوات الإسرائيلية مجمع المسجد الأقصى، وأطلقت الغاز المسيل للدموع والقنابل اليدوية الصاعقة على المئات المجتمعين هناك للاحتجاج والصلاة، وحث فيه مسؤولون أميركيون “الطرفين” على تجنب الأعمال الانفرادية. ألقى المتظاهرون الفلسطينيون الحجارة على الشرطة وعلى بعض المواطنين اليهود الإسرائيليين، حيث أسفر ذلك عن إصابة عشرات الإسرائيليين. وفي الوقت نفسه، قال الهلال الأحمر الفلسطيني إن أكثر من 600 فلسطيني أصيبوا بجروح في مشاجرات القدس.
بالنسبة للناشطين المؤيدين للفلسطينيين، فإن موقف إدارة بايدن يعكس الإرث الأوسع لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة. وهناك قائمة متزايدة من الجماعات الحقوقية ترى الآن أن الوضع الراهن للاحتلال العسكري الإسرائيلي على ملايين الفلسطينيين يعادل الفصل العنصري (الأبارتهيد) وترى أن الولايات المتحدة بوصفها قوة تمكن من وضع قائم غير مقبول أخلاقيًا.
جينان دينا، المنظمة الوطنية للجنة العربية الأمريكية لمناهضة التمييز، قالت لمعهد الشرق الأوسط (MEI): “لا يوجد هنا جانبان. الفلسطينيون تحت الاحتلال، وقد أيدت الولايات المتحدة ذلك بصورة منهجية -سواء من خلال تمويل الجيش الإسرائيلي بدولارات ضرائبنا أو سرد مثل هذه الرواية حيث توزع اللوم على كلا الجانبين”.
وفي رأي نشر الشهر الماضي، حذر ثلاثة من القادة السابقين لجيش الدفاع الإسرائيلي من أن الإسرائيليين والفلسطينيين هم على “مسار تصادمي” -ليس فقط بسبب “سياسة حماس المتشددة، ولكن بسبب تجمع عوامل أخرى، ومن ضمن ذلك الضم الفعلي للضفة الغربية “الذي يجري الآن” وغياب الفعالية والضعف المتزايدين للسلطة الفلسطينية، التي تحكم اسميًا على الأراضي المحتلة، ولكنها لا تحظى بشعبية في الضفة الغربية، وبلا أسنان في غزة التي تسيطر عليها حماس.
وكما كتب الجنرالات الرئيسون المتقاعدون: “هناك حاجة إلى مشاركة الولايات المتحدة النشطة لوقف هذه الاتجاهات والبدء في عكس مسار الانزلاق نحو مأساة دولة واحدة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن -وصفة لصراع لا نهاية له”.
ولم تخفِ إدارة بايدن رغبتها في تجنب التداخل العميق في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولكن بعض المحللين يزعمون أن دعم الإدارات الأميركية المتعاقبة لإسرائيل -من خلال مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية، والإذعان لتوسيع إسرائيل المستمر للمستوطنات في الضفة الغربية وحماية إسرائيل من اللوم في المحافل -أدى بالصراع إلى هذه النقطة. وكما غرد شبلي تلحمي من معهد بروكينغز على (تويتر): “الولايات المتحدة ليست متفرجة في الصراع؛ إنها جزء لا يتجزأ من اختلال القوة الذي يؤذي بشكل غير عادل أحد الجانبين لصالح الآخر، ويجعل السلام أكثر بعدٍا “.
في العقدين الماضيين، انقلبت السياسة الإسرائيلية أكثر فأكثر. لا يوجد لدى نتنياهو أي التزام جوهري بـ “حل الدولتين” الذي يناصره كل من الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة، بينما يرفضه بعض حلفائه السياسيين ومنافسيه من جانب واحد.
كتب خالد الجندي، وهو زميل كبير في معهد الشرق الأوسط، “ما زالت واشنطن تنكر بحزم الاتجاه المتزايد للتطرف في السياسة والمجتمع الإسرائيليين -وهو واقع مكّنته وغذّته على حد سواء. حتى عندما لا يشاركون بشكل مباشر في صنع السياسات، فإن الأصوات الراديكالية -سواء في السياسة الإسرائيلية أو في السياسة الأميركية- لا تزال قادرة على صياغة السياسة العامة والخطاب السياسي من خلال تغيير مواقع الأهداف السياسية والدبلوماسية. القضايا التي كانت مسألة توافق في الآراء بين الحزبين خلال إدارتي كلينتون وجورج دبليو بوش، على سبيل المثال -مثل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي والتأكيد على مركزية خطوط عام 1967 كأساس للمفاوضات- ينظر إليها الآن من قبل كثيرين على أنها خلافات شديدة أو حتى خارج حدود السلوك المقبول”.
لقد كشفت الاضطرابات التي شهدتها الأيام الأخيرة عن انقسام ناشئ، إن كان غير متكافئ، حول سياسة إسرائيل في واشنطن. يوم الاثنين، أصدر كثير من المشرعين الأميركيين من كلا الحزبين تغريدات تدين هجمات حماس الصاروخية. ولكن في الأيام السابقة، احتج الساسة البارزون على يسار الرئيس بايدن، ومن ضمنهم السيدة إليزابيث وارن (ديمقراطية)، والسيد بيرني ساندرز (فيرمونت، تقدمي)، على عمليات الإخلاء التي تلوح في الأفق للفلسطينيين في القدس الشرقية.
حظيت محنة سكان الشيخ جراح باهتمام دولي في الأيام الأخيرة وأجبرت المخاوف من تصاعد التوترات المحكمة العليا الإسرائيلية على تأخير عقد جلسة استماع بخصوص مطالبات المستوطنين اليهود بالمنازل في الحي الذي يغلب عليه الطابع الفلسطيني. وانتشرت لقطات بالهاتف المحمول لامرأة فلسطينية تواجه مستوطن يهودي خارج منزلها انتشارًا واسعًا شبيهًا بانتشار الفيروسات.
“إذا أنا لم أَسْرقُه، شخص آخر سَيَسْرقُه”، هذا ما كان يقوله مستوطن للمرأةَ.
يوم السبت المقبل، 15 أيار/ مايو، سيحيي الفلسطينيون ذكرى النكبة، أو “كارثة” الطرد القسري والوحشي لمئات الآلاف من الفلسطينيين من ديارهم وقراهم في عام 1948 فيما هو الآن إسرائيل. إن احتمال حصول هؤلاء اللاجئين على “حق العودة” -كما يسعون إليه منذ أمد بعيد- هو أبعد من فكرة إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة، وهو أمر محرم (تابو) سياسيًا ليس فقط في إسرائيل، بل في الولايات المتحدة.
ولكن في مقالة مقبلة في مجلة التيارات اليهودية ذات الميول اليسارية، التي شاركتها مجلة اليوم العالمية، يجادل المعلق الأميركي اليهودي بيتر باينارت ضد الصمت حول “عودة” الفلسطيني في وقت حيث يتحول التركيز عن آمالهم المتلاشية في الدولة إلى القضية الأكثر جوهرية المتمثلة في حقوق الإنسان الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي.
كتب باينارت: “إن عواقب هذه الجهود لترشيد ودفن النكبة ليست نظرية، إنها تحدث وتتطور لآن تمامًا في شوارع الشيخ جراح. إن القادة الإسرائيليون الذين يبررون طرد الفلسطينيين اليوم من أجل جعل القدس مدينة يهودية هم يعيدون صياغة مجرد عبارات المنظمات اليهودية التي أمضت العقود العديدة الماضية تبرر طرد الفلسطينيين في عام 1948 من أجل إقامة دولة يهودية”.
اسم المقال الأصلي | American officials call for ‘calm’ in Israel. But the U.S. is part of the problem. |
الكاتب | إسهأن ثأرور، Ishaan Tharoor |
مكان النشر وتاريخه | واشنطن بوسن، The Washington Post، 11 أيار/ مايو 2021 |
رابط المقال | https://wapo.st/3xXZoAh |
عدد الكلمات | 1186 |
ترجمة | وحدة الترجمة/ أحمد عيشة |