عقد المنتدى الثقافي العربي التابع لـ “مركز حرمون للدراسات المعاصرة”، عبر البث المباشر، الجمعة 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، ندوةً بعنوان “السياسة الأميركية الجديدة والعرب… الآمال والأوهام”، شارك فيها عبد الرحمن الحاج، صادق أبو عامر، ورضوان زيادة من واشنطن، وأدارها الإعلامي السوري همام سراج، مقدّم برامج في “تلفزيون سوريا”.
سلّطت الندوة الضوء على سياسات الولايات المتحدة تجاه العالم العربي عمومًا، ودول الربيع العربي خصوصًا، واحتمالات حصول تغييرات فيها بعد انتخاب جو بايدن رئيسًا جديدًا للولايات المتحدة، وحجم هذه التغييرات، وحجم تأثير الفريق الذي سيختاره، بدءًا من الموقف من القضية السورية والحل السياسي المتعطل، مرورًا بالموقف من روسيا المتدخلة في عمق الشرق الأوسط، ثم إيران وملفها النووي وأرصدتها المجمّدة و ”حزب الله”، ومسار العقوبات الأميركية على هذه الدول، وصولًا إلى موقف السياسية الخارجية الأميركية المرتقبة من لبنان والخليج العربي وحصار قطر.
وناقشت الندوة نتائج الانتخابات الأميركية، ومستقبل القضية الفلسطينية، و” صفقة القرن” التي ظهر فيها انحياز الإدارة الأميركية السابقة إلى “إسرائيل”، وموقف بايدن من هذا الملفّ، والتغييرات التي يمكن أن تحدث فيه، ورؤيته لمسارات التسوية والمفاوضات والتطبيع وحلّ الدولتين والمستوطنات، وكيف ستتعامل القيادة الفلسطينية مع التغيرات المحتملة.
استهل عبد الرحمن الحاج الندوة، بالحديث عن انعكاس نتائج الانتخابات الأميركية على الملف السوري، وذكر أن مستقبل الملفّ السوري مرتبط بضرورة معرفة ما الذي يريده الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، وما الذي يمكن أن يفعله، في ضوء المتغيرات الكثيرة التي حصلت منذ أن غادر بايدن الإدارة الأميركية، بوصفه نائبًا للرئيس باراك أوباما عام 2016. وأشار الحاج إلى أن بايدن يسعى من خلال توجهه الجمهوري إلى تعزيز أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان، ضمن حدود الممكن، بالمزامنة مع وجود قوات عسكرية على الأرض، وسيكون من الصعب أن يغيّر كثيرًا من هذا الوضع، على الأقل على المدى القريب، لأن المآلات السياسية المترتبة على ذلك كثيرة جدًا، خاصة أن بايدن كان على ارتباط شديد بملف “قوات سوريا الديمقراطية” وملف مكافحة تنظيم “داعش”.
واعتبر الحاج أن بايدن يتحمّل جزءًا من الفشل والمعوقات التي واجهت مسار الحل في سورية، لأنه كان جزءًا من الإدارة الأميركية في عهد باراك أوباما، ومن المرجح أن يدفعه ذلك إلى الانخراط أكثر في الملف السوري، لافتًا النظر إلى وجود مجموعة من العقبات والتحديات التي قد تمنع بايدن من إحراز أيّ تقدّم في الملف السوري، وفي مقدّمتها وجود القوات التركية في سورية التي حاول بايدن منع وجودها، عندما كان يشغل منصب نائب الرئيس، ونتج عن ذلك توتر في العلاقات الأميركية – التركية. وتابع الحاج قائلًا: “التحدي الثاني هو التدخل الروسي في سورية أواخر عام 2015، الذي لم يكن موجودًا في عهد الرئيس باراك أوباما، أما التحدي الثالث فهو امتداد نفوذ “قوات سوريا الديمقراطية” على مساحة كبيرة، بعد أن تم تحرير الأراضي التي كانت تحت سيطرة تنظيم “داعش”، وما نتج عن ذلك من توترات قبلية في المنطقة لا بد من إيجاد حل لها، وفي مواجهة هذه التحديات التي تحد من إمكانية إحداث تغيرات جذرية، ليس أمام بايدن سوى المزيد من الانخراط في المساحة السياسية، والدفع باتجاه الحل السياسي”.
وفي السياق ذاته، أوضح الحاج أن بايدن لا يستطيع في الفترة الأولى من توليه الرئاسة أن يُحدث تغييرات كثيرة، بسبب اضطراره إلى مراعاة الانقسام الحاصل في الولايات المتحدة بين الجمهوريين والديمقراطيين، وبالتالي سيواجه إشكالية في السيطرة على الكونغرس الأميركي، وسيضطر إلى مراعاة توجهات الجمهوريين إلى حد كبير. ورجّح الحاج أن يتجه بايدن إلى تعزيز قوة الأكراد، ككيان مستقل يتمتع بإدارة ذاتية، على غرار ما حصل في العراق، خاصة أنه معروف بحماسه لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، وتربطه علاقة وثيقة بالأكراد في سورية والعراق، غير أنه قد يصطدم بمشكلة أخرى مع تركيا، ما قد يعطل مسار الوصول إلى حلّ في شمال شرق سورية.
من جانب آخر، ذكر الحاج أن قانون قيصر أحد الأمور التي قد تؤثر في السياسة الخارجية الأميركية، من حيث الحل السياسي في سورية، وهو القانون الذي منعته الإدارة الأميركية التي كان بايدن جزءًا منها، مشيرًا إلى أن قانون قيصر سيكون سلاحًا يمكن للأميركيين استخدامه من أجل الضغط باتجاه الحل السياسي. وأضاف: “السؤال الأهم هو: إلى أي حد تمتلك الإدارة الأميركية برنامج عمل بخصوص الحل السياسي؟ وهل سوف تدفع باتجاه اللجنة الدستورية أم أنها ستعود إلى بيان 2254، وذلك وفقًا للتصريحات الأخيرة للمبعوث الأممي غير بيدرسون، حول إمكانية العودة إلى هيئة الحكم الانتقالي”.
تطرقت الندوة إلى السياسة الأميركية المتوقعة تجاه إيران واتفاق النووي ونشاطها في عدد من الدول، كسورية ولبنان والعراق واليمن، وأشار الحاج إلى أن بايدن صرّح مرارًا بأنه يسعى للتوصل إلى اتفاق مع إيران، وشدد على ضرورة معرفة القاعدة التي سيُبنى عليها هذا الاتفاق، وقد تكون إطلاق يد إيران في الشرق الأوسط، لكنه نبّه إلى وجود كثير من المتغيرات التي لا يمكن لبايدن تجاهلها، خاصة الثورات التي حدثت في لبنان والعراق، وسيضطر إلى التعامل مع هذه الوقائع الجديدة، وهذا يجعل موضوع إبرام صفقة مع إيران أمرًا غير متاح.
وفي الشأن اللبناني، ذكر الحاج أن الملفّ اللبناني مرتبط بأزمة “حزب الله”، وهناك أطراف مرتبطة بمعالجة هذا الملف، لكنه مرتبط ارتباطًا رئيسيًا بسورية وإيران، لافتًا النظر إلى أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع إيران، فسيكون حل الملف اللبناني عسيرًا جدًا، وسيكون على الإدارة الأميركية حلّ العديد من الملفات، كي تستطيع التأثير في مسار الأزمة اللبنانية. وتوقّع الحاج أن تدخل “إسرائيل” على خط الأحداث في المرحلة القادمة، وأن تتصاعد الأمور على نحو مختلف، على الرغم من أن الإدارة الأميركية الجديدة لا تميل إلى استخدام الحلول العسكرية، لكن قرب بايدن من “إسرائيل” يضع احتمالًا لحدوث قصف إسرائيلي مستمر على لبنان.
عرّجت الندوة على مسار الربيع العربي، في المرحلة القادمة، في ظل الإدارة الأميركية الجديدة، وأشار الحاج إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة ستولي أهمية لملف انتهاكات حقوق الإنسان، وإيقاف دعم الدكتاتوريات الذي حصل في عهد الرئيس دونالد ترامب، خاصة في بعض دول الخليج العربي ومصر، لكن في المقابل لن يكون هناك اختلافات عميقة، ودفع باتجاه إحداث تغييرات في المنطقة، لأن ذلك لا يندرجُ ضمن سياسات الحزب الديمقراطي، بالإضافة إلى وجود خطوط حمراء تتعلق بالأمن الإسرائيلي الذي يُعدّ أولوية لأميركا.
وتخلل الندوة مداخلة مسجّلة من واشنطن للدكتور رضوان زيادة، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حول السياسة الأميركية الجديدة تجاه دول الخليج وتركيا، وذكر فيها أن سياسة بايدن تجاه منطقة الشرق الأوسط ستختلف في طريقة المقاربة عن إدارة الرئيس دونالد ترامب، وسيكون اهتمامها بملف حقوق الإنسان حاضرًا في سياستها الخارجية، مبيّنًا أن هذا الأمر ربّما لا يكون من الأولويات الرئيسية لدى إدارة بايدن. وأشار زيادة إلى أن الإدارة الجديدة ستركز -بشكل أو بآخر- على الملف السوري، في مسعى لتصحيح الأخطاء التي ارتُكبت في عهد الرئيس باراك أوباما.
وأوضح زيادة أن بايدن لن يتعامل مع دول الربيع العربي بالمنطق ذاته الذي تعاملت به الولايات المتحدة مع أوروبا، في مشروع مارشال بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولن يكون هناك تصوّر أو رؤية إستراتيجية كبيرة لنشر الديمقراطية في المنطقة العربية، مؤكدًا أن الاهتمام الأميركي سيكون منصبًا على حل الملفات الداخلية، كالقضاء على وباء كورونا، والنهوض بالاقتصاد الأميركي، والتعامل مع القضية العرقية، والتغير المناخي.
وفي الشأن الخليجي، رجّح زيادة أن تقوم الإدارة الأميركية بإعادة تفعيل مجلس التعاون الخليجي كوحدة إقليمية متجانسة، ذات أهمية رئيسية في علاقتها مع إيران، وهذا يتطلب إنهاء الحصار المفروض على قطر منذ سنوات، من دون وجود مبررات قانونية أو سياسية، وستكون الأولوية لفكرة المصالحة بين الدول الخليجية وإنهاء الخلافات.
في القسم الثاني من الندوة، ناقشت الندوة مستقبل القضية الفلسطينية و “صفقة القرن”، واحتمالية استمرار الإدارة الأميركية الجديدة في تطبيق بنود هذا الاتفاق، وذكر صادق أبو عامر أن بايدن لا يستطيع، من الناحية النظرية، إبقاء هذه الصفقة على الطاولة، لأنها في الأساس تتعارض مع السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، وأنها كانت محاولة استغلال للضعف الفلسطيني، وحالة الفوضى والضياع في المنطقة العربية بالعموم، ورأى أن أولويات بايدن ستكون العودة إلى المبادئ الأساسية الأميركية التي تدعو إلى حل الدولتين، والاعتراف بوجود التمثيل السياسي الفلسطيني. وأضاف أبو عامر: “في جوهر أو روح المسألة، لن يكون هناك فرق واضح بين سياسة الديمقراطيين والجمهوريين، باستثناء الاختلاف في الإطار الزمني، حيث كانت هناك رغبة واضحة من إدارة ترامب في فرض استسلام سريع، وتقويض الحقوق السياسية للفلسطينيين، لكن في المقابل، سيستمر الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، وستبقى السفارة الأميركية في القدس، ولن يُلغى الاعتراف بالتوسعات الاستيطانية التي أقرتها إدارة ترامب، وقرار ضم هضبة الجولان في سورية، وبذلك ستحافظ إسرائيل على جميع المكتسبات التي حققتها في عهد ترامب، ولن يكون بمقدور بايدن العودة عنها، وسيكون أقصى ما يمكنه فعله هو منح الفلسطينيين شيئًا من المرونة السياسية، وإعادة مسار التفاوض”.
وأشار أبو عامر إلى أن الإدارة الأميركية لطالما كانت منحازة إلى إسرائيل خلال رعايتها لمسار التسوية، ولم تكن في أي مرحلة من المراحل تمسك العصا من المنتصف، واعتبر أن أكبر الأخطاء التي ارتكبها الفلسطينيون هو تسليم قضيتهم للوسيط الأميركي، ولذلك فإن أيّ تعويل أو رهان على وجود تغيرات كبيرة في السياسة الأميركية، تجاه القضية الفلسطينية، هو مجرد وهم. وأكد أبو صادق أن قضية “صفقة القرن” لا تخصّ فلسطين وحدها، بل تخصّ المنطقة العربية بأكملها، وأن مسؤولية إفشالها وتعطيلها هي مسؤولية الجميع، وفي مقدمتهم الفلسطينيون.
وفي الختام، تحدث أبو عامر عن كيفية تعامل القيادة الفلسطينية مع التغيرات المحتملة في السياسة الأميركية، وبيّن أن القيادة الفلسطينية كانت دائمًا تضعُ رهاناتها على الإدارة الأميركية، حتى في ظل الرفض الفلسطيني للإرادة الأميركية، لافتًا النظر إلى أن هناك كثيرًا مما يمكن أن يقوم به الفلسطينيون، على صعيد بناء قدرتهم الذاتية وإصلاح البيت الداخلي والمصالحة، بالإضافة إلى وجود جملة من التحالفات التي من الممكن أن تقوم بها القيادة الفلسطينية على مستوى المنطقة، والاستفادة من موقف بعض الدول الرافض للابتزاز الذي مارسته أميركا من أجل فرض التطبيع مع إسرائيل، ومحاولة إطلاق يد إسرائيل في المنطقة.