ترجمة علي كمخ
أطلقت وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني، سراحَ الآلاف من عناصر (داعش) وعائلاتهم المحتجزين في معسكرات ومعتقلات المناطق الخاضعة لسيطرتها في شمال شرق سورية. وكان قد أعلن في بيان صادر عن مجلس سوريا الديمقراطية (المظلة السياسية لوحدات حماية الشعب الكردية)، في 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، إطلاق سراح قرابة 25 ألف سوري في مخيم الهول، في نطاق عفو عام ([1]). وكان من بين المطلق سراحهم عناصرُ من تنظيم (داعش) وعائلاتهم أيضًا. وزعم البيان الذي أدلى به التنظيم أن “المفرج عنهم هم ثلة من الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء، بسبب عدم اشتراكهم في النزاعات المسلحة، وندموا على التحاقهم بـ (داعش)”. غير أن مواصلة تنظيم الدولة (الذي خسر حاكميته وفقد سيطرته الميدانية) وجوده في البلاد، فكرًا وعقلًا، هي حقيقة لا يمكن تجاهلها. فقد لوحظ ارتفاع كبير في معدل هجمات تنظيم الدولة الإسلامية في سورية خلال عام 2020. إضافة إلى ارتفاع احتمال تشكيل عناصر (داعش) المفرج عنهم، خطرًا على دول مثل سورية وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي.
وقد أعلن ممثلو ما يسمّى “الإدارة الذاتية” التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، من جانب واحد، إطلاق سراح 631 سوريًا محتجزًا في معسكر في القامشلي، في نطاق العفو العام المعلن في المنطقة في 15 تشرين الأول/ أكتوبر، وسيتم إنزال الأحكام الصادرة بحق 253 شخصًا ما زالوا رهن الاحتجاز إلى النصف ([2]). كما تم الكشف ([3]) عن أن وحدات حماية الشعب أطلقت سراح 70 عائلة بلغ عدد أفرادها 290 شخصًا من مخيّم الهول بتاريخ 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2020. وأخيرًا، تأكد خبر إخلاء سبيل 35 عائلة أخرى كانت محتجزة في مخيم الهول، مقابل ضمانات من وجهاء العشائر العربية البارزة في الرقة ([4]). وقد جرى تسليم المفرج عنهم إلى “مجلس الرقة المدني” المسؤول عن النظام الإداري في مدينة الرقة، والذي تأسس في 19 نيسان/ أبريل عام 2017 بتوجيه من وحدات حماية الشعب.
في المنطقة الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب ما يزيد عن عشرين سجنًا، وأكثر من عشر مخيمات مقسمة إلى قسمين؛ نظامية وغير نظامية للاجئين، حيث تُحتجز المجموعات المكونة من أعضاء (داعش) وعائلاتهم، إضافة إلى اللاجئين السوريين الفارين من الاشتباكات التي حدثت في مخيمي هول وروج (وهما أكبر المخيمات في المنطقة)، في ذلك المكان. فهناك ما يقرب من 10000 مقاتل من (داعش) في السجون وأماكن الاحتجاز التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب، مع عدم الكشف عن الأرقام الدقيقة من قبل التنظيم ([5]). إضافة إلى وجود ما يقارب من 2000 شخص من “المقاتلين الإرهابيين الأجانب” الذين رفضت بلدانهم قبولهم. ومن المعروف أن مخيم الهول يحتوي على نحو ألفي عنصر من 50 دولة، من بينهم عدد كبير من الإرهابيين السوريين والعراقيين. وقد ذكر أن قرارات العفو والإخلاء تمت في سياق مطالب زعماء القبائل في الشرق والشمال الشرقي. كما وردت معلومات تفيد بأن العمل جار لإصدار قرار عفو جديد، بسبب عدم القابلية الاستيعابية للمخيمات التي يُحتجز فيها عناصر (داعش)، وأن العملية في حالة تسارع، وخاصة مع تفاقم الوضع الذي أحدثه وباء فيروس كورونا.
وقد صرّح خالد درويش، ممثل ما يسمى بالإدارة الذاتية في ألمانيا، في مقابلة أجراها عقب عملية إطلاق سراح المعتقلين، بأن الأشهر المقبلة “ستشهد إطلاق سراح عدد أكبر من السجناء”. وقد أكد درويش أن القرار المتخذ كان لمواجهة الخطر المستقبلي المحتمل داخل البلاد وخارجه، بسبب أن “المفرج عنهم ممن يحملون أيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية، وبالرغم من عدم ملاحظة نزعات التطرف لديهم في المخيم، فإنهم لا يستطيعون تقديم ضمانات حول عدم إمكانية تشكيل هؤلاء لأي تهديد في المستقبل” ([6]). ومع ذلك، فإن المعتقلين في المعسكرات والسجون الواقعة تحت سيطرة وإشراف وحدات حماية الشعب يعيشون الظروف القاسية ذاتها التي تعيشها أسر وعائلات عناصر (داعش)، وخاصة مخيم الهول الذي يوصف بأنه “مفرخة داعش”، والذي يؤوي ما يقارب من 73000 معتقل ([7])، من بينهم 31000 عراقي، و10000 أجنبي من دول مختلفة ([8]). ومن المعروف أن المتعاطفين مع (داعش) أسسوا لنفسهم في بعض المخيمات كيانًا ذاتيًا (بسبب عدم كفاية إدارة وحدات حماية الشعب) وانخرطوا في عمليات لتلقيح فكر وأيديولوجية التنظيم في نفوس أطفال دون الـ 18 من العمر، وبالأخص في مخيم الهول الذي استخدم من قبل تنظيم (داعش) تقريبًا كساحة لتوظيف وتنشئة جيل جديد، خلال العام ونصف العام الماضيين. من ناحية أخرى، ذكرت مصادر في ما يسمى بالإدارة الذاتية المستقلة أن إطلاق سراح “المقاتلين الإرهابيين الأجانب” أمرٌ غير وارد في الوقت الراهن، إذ إن وحدات حماية الشعب تستخدم مقاتلي (داعش) كوسيلة ضغط على الدول الأطراف من حين لآخر. وقد كُشف حديثًا، وفي موقفٍ متناقضٍ لافت للنظر، رفضت وحدات حماية الشعب تسليم مجموعة من عناصر (داعش) تضمّ أكثر من 25 مواطنًا ألمانيًا، إلى السلطات الألمانية. في حين كانت العديد من الدول الغربية مترددة في الماضي في إعادة قبول مواطنيها، على الرغم من الدعوات الملحة من وحدات حماية الشعب.
وفي سياق المعلومات التي حصلت عليها مصادرُ محلية في المنطقة، تشير التقديرات إلى أنه تمّ إخلاء سبيل نحو 6000 شخص حتى الآن، وأنهم خرجوا من مخيّم الهول بكفالة القبائل العربية التي تعيش في المنطقة. لكن ليس هناك ضمانات كافية بخصوص عدم انخراط المجموعة التي سيبلغ مجموع عدد أفرادها (مع الـ 25 ألف شخص المتوقع إطلاق سراحهم بموجب قرار العفو) 31 ألف شخص، في صفوف (داعش). علاوة على أن شيوخ العشائر لا يتمتعون بأي سيطرة تقريبًا على أولئك الذين أُطلق سراحهم، وبالتالي فهم لن يتمكنوا من تقديم الضمانات اللازمة بهذا الخصوص. ومن المعروف أن تنظيم (داعش) الذي لا يزال يمتلك قاعدة أيديولوجية معينة، يحافظ على وجوده المادي في شرق الفرات عبر خلاياه النائمة. ولذلك، سيتمكن التنظيم من استعادة قوته بسهولة، في حال حدوث أي فراغ محتمل في السلطة، أو إذا تمّ اتخاذ خطوات تفسح المجال لـ (داعش) في المنطقة. هذا الوضع سيغدو أداة بيد وحدات حماية الشعب، من حيث إحياء حاجة الغرب إليه، في سياق القتال ضد (داعش) في هذه الحرب، وسيسهم في جهوده لكسب الشرعية على الصعيد الدولي. إذ ستقيم وحدات حماية الشعب ازدياد قوة (داعش) على أنها فرصة لتعزيز سيطرتها على المنطقة، وتلقّي المزيد من المساعدات العسكرية والمالية. لذلك، يمكن القول إن وحدات حماية الشعب تريد فتح مساحات لنفسها، من خلال القتال ضد (داعش).
لم تتمكن وحدات حماية الشعب من تحقيق أي مكسب ملموس بخصوص المشاركة في عملية الحل السياسي في سورية، واكتساب الشرعية على الساحة الدولية؛ إذ باءت تسعة أشهر من المباحثات بين المجلس الوطني الكردي السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، من أجل الحصول على الشرعية، بالفشل، لعدم تلبية التنظيم لمطالب المجلس الوطني الكردي السوري. فالمجلس الوطني الكردي معترف به كممثل شرعي لأكراد سورية، وقد دُعي كأحد الأطراف في المفاوضات التي عقدت في سياق البحث عن حل للأزمة السورية، وهناك شخصان ينوبان عنه في اللجنة الدستورية المؤلفة من 150 شخصًا، كممثلين لأكراد سورية. لذلك سعت وحدات حماية الشعب إلى سلوك طرائق شتى من أجل الانضمام إلى المجلس الوطني الكردي، بغاية المشاركة رسميًا في أعمال اللجنة الدستورية. وبهذا ربما يكون قد اعتقد أن الفرصة سنحت له للالتفاف، لأن يكون الممثل الشرعي لأكراد سورية بشكل غير مباشر. غير أن رفض وحدات حماية الشعب استبعاد كوادر حزب العمال الكردستاني، ومنعه لـ “بيشمركة روجآفا” شمال العراق التابعة للمجلس الوطني الكردي، من دخول سورية، وعدم التزامه بتنفيذ الاتفاقات السياسية الأخرى التي تم التوصل إليها، كل ذلك أدى إلى فشل المفاوضات الجارية بين الطرفين. إضافة إلى ذلك، فقد حدثت اشتباكات ساخنة بين وحدات حماية الشعب والعشائر العربية، في منطقة دير الزور في الأشهر الأخيرة. وبسبب هذه التطورات، قد ترغب وحدات حماية الشعب في استخدام ورقة (داعش) تجاه الضغط المتزايد في الداخل؛ إذ من المتوقع أن ينتقل عناصر (داعش) المحتملون الذين أُطلق سراحهم، إلى دير الزور لدعم أنشطة (داعش) المتزايدة هناك. وبذلك سيبقى وجود (داعش) في المنطقة بعيدًا عن مناطق السيطرة المباشرة لـ وحدات حماية الشعب، من جهة، وسيأخذ حالة أكثر تهديدية للأمن في المناطق التي تنتشر فيها العشائر العربية بكثافة، وبالتالي ستزداد أيضًا حاجة القبائل العربية إلى حماية وحدات حماية الشعب نفسها، في ظل الظروف التي خُطط لها.
يُبدي عشرات الآلاف من الأشخاص المعتقلين في المعسكرات والسجون في شمال شرق سورية ميلًا إلى التطرف، وذلك بسبب شروط الإدارة السيئة والقمع الممارس ضدهم، فضلًا عن عدم قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية. حيث تستخدم وحدات حماية الشعب أولئك الأشخاصَ كوسيلة ضغط، ولن تتردد في استخدامهم لتحقيق مصلحتها، عندما يحين الوقت. وبسبب مشاركة الأفراد والعائلات التي تحمل أيديولوجية (داعش) البيئة ذاتها، مع طالبي اللجوء الآخرين، يُنظر إلى الجميع على أنهم تهديد محتمل. وقد أفرجت وحدات حماية الشعب -كما ذكرنا آنفًا- منذ بداية تشرين الأول/ أكتوبر، عن أشخاص قد يشكلون تهديدات محتملة، مقابل ضمانات قبلية. غير أن اتجاهاتهم في المرحلة التالية ضبابية وغير واضحة المعالم. ولكن في حال حدوث تغيير محتمل في السلطة في الولايات المتحدة الأميركية، فمن المتوقع أن تنتهج الولايات المتحدة سياسةً تتجه نحو البقاء في شرق سورية مدة زمنية إضافية؛ وسيوفّر التهديد (الداعشي) الذي تصنعه وحدات حماية الشعب الظروفَ اللازمة لهذه السياسة.
اسم المادة الأصلي | IŞİD Suriye’de YPG Eliyle Canlandırılıyor mu? |
الكاتب | Sibel DÜNDAR |
المصدر وتاريخ النشر | مركز دراسات الشرق الأوسط (ORSAM) 09.11.2020 |
رابط المادة | https://bit.ly/32GMisY |
المترجم | قسم الترجمة- علي كمخ |
عدد الكلمات | 1235- 1598 |
[1] Campbell MacDiarmid، “السلطات الكردية السورية تفرج عن 25000 سوري من معسكر لتنظيم الدولة الإسلامية”، التلغراف، 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2020. https://bit.ly/2Iw7IlG
[2] “الإفراج عن 631 مشتبهًا بانتمائهم لـ (داعش) من سجون شرق الفرات”، The Nation Press، 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2020.
[3] Zehra Nur Duz ، “YPG / PKK يطلق سراح إرهابيي (داعش) في شمال شرق سورية”، وكالة الأناضول، 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2020. https://bit.ly/32HqAoH
[4] “إطلاق سراح 35 عائلة سورية نازحة في مخيم الهول في سورية بعد ضمانات عشائرية”، A24 Agency News ، 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2020. https://bit.ly/3f3yoGw
[5] YPG / PKK يطلق سراح إرهابيي (داعش) في شمال شرق سورية”، وكالة الأناضول، 6 كانون الثاني/ يناير 2020. https://bit.ly/36vmf9f
[6] “هل يشكل عناصر (داعش) المطلق سراحهم تهديدًا في سورية؟” ,Deutsche Welle (DW) Türkiye17 تشرين الأول/ أكتوبر 2020. https://bit.ly/3krSUl2
[7] Aaron Y. Zelin, “Wilayat al-Hawl: Remaining’ and Incubating the Next Islamic State Generation”, The Washington Institute For Near East Policy, October 2019 p.3,
[8] Eva Kahan “ISIS Poised to Exploit Mass Releases of Displaced Persons from Syrian Camp”, 14 October 2020, Institute For The Study Of War, https://bit.ly/36BqGQ9