عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، عبر البث المباشر، الأربعاء 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، ندوة بعنوان “سورية والتحولات المحتملة في السياسة الأميركية“، شارك فيها الدكتور زكي لبابيدي رئيس المجلس السوري – الأميركي، وأدارتها الإعلامية نسرين طرابلسي.
ناقشت الندوة نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، وسياسة الرئيس الأميركي الخارجية في التعامل مع الملفات الخارجية، وخصوصًا الملف السوري، وأوجه اختلاف سياسة الديمقراطيين عن الجمهوريين تجاه القضية السورية، ومآلات قانون قيصر والعقوبات الأميركية على النظام السوري وإيران، وآفاق تعامل الإدارة الأميركية مع الملف الكردي شمال شرق سورية، وشكل العلاقة بين الولايات المتحدة وكلّ من تركيا وإيران وروسيا، في المرحلة المقبلة.
استهلّ الدكتور لبابيدي الندوة بالحديث عن السياسة الخارجية، لكل من جو بايدن ودونالد ترامب، وأشار إلى أن أميركا تشهد انتخابات غير مسبوقة تاريخيًا، وإقبالًا جماهيريًا كبيرًا، خاصة من الفئات العمرية الشابة، وأرجع أسباب ذلك إلى الخلاف الحاد بين المرشحين ترامب وبايدن، حول السياسات الداخلية الأميركية، والسياسات الخارجية تجاه حلفاء الناتو، والعلاقات الأميركية مع روسيا والصين، لافتًا إلى أن المرشح الرئاسي جو بايدن عازمٌ على إقامة علاقات سلمية خالية من التوتر مع روسيا والصين، بينما وصف سياسة ترامب بـ “المتأرجحة” ومن الصعب توقّع ومعرفة قرارته.
وفي ما يخص سورية، أشار لبابيدي إلى أن سياسة المرشح الديمقراطي ونظيره الجمهوري لا تختلف كثيرًا، بسبب عدم رغبة الشعب الأميركي في الخوض في حروب لا نهاية لها، خاصة في الشرق الأوسط، حيث تكبّدت الولايات المتحدة، منذ دخولها العراق وأفغانستان، كثيرًا من الخسائر المالية والخسائر البشرية في صفوف جنودها، مبيّنًا أن الشرق الأوسط لن يكون على قائمة أولويات ترامب وبايدن.
استعرض لبابيدي التغيرات التي طرأت على الملف السوري، منذ عهد الرئيس باراك أوباما، عندما تم إلغاء الضربة العسكرية للنظام السوري التي كان من المقرر أن تنفذها القوات الأميركية متمركزة على السواحل السورية، وغيرها من الأخطاء التي أدت إلى انزلاق القضية السورية في العديد من المطبات. وأشار إلى أن المجلس السوري-الأميركي ناقش الملف السوري مع موظفي الحملة الانتخابية ونائب المرشح بايدن، وكان هناك تعهّد بمحاولة عدم تكرار الأخطاء المدمرة التي ارتُكبت في عهد الرئيس أوباما، وأدت إلى التدخل الروسي العسكري في سورية عام 2015. وأضاف: “في الحقيقة، تقاعست الإدارة الأميركية في عهد الرئيسين أوباما وترامب عن أداء ما كان متوقعًا منها تجاه الملف السوري، وكان بالإمكان اتخاذ كثير من الإجراءات التي تُوقف القتل والتدمير في سورية، و في حال وصول بايدن إلى البيت الأبيض، أعتقد أن على السوريين أن يضغطوا من أجل المطالبة بحلّ، وعليهم قبل ذلك أن يتوحدوا ويقدموا رؤيتهم للحل الذي يريدونه، يجب أن نغيّر طريقة تفكيرنا ونبحث عن المصالح المشتركة بيننا وبين الدول الكبرى، كي نستطيع التوصل إلى حل، لأن كل دولة تضع مصالحها فوق إرادة ورغبة السوريين، ولا أحد معني بالتوصل إلى حل”.
تحدث لبابيدي عن أبرز النقاط الإيجابية التي حدثت في عهد الرئيس ترامب بخصوص القضية السورية، وذكر أن موقف ترامب المتشدد تجاه إيران هو أحد أهم النقاط التي صبّت في مصلحة السوريين، إضافة إلى توقيع قانون قيصر الذي لم يصادق عليه الرئيس أوباما، منبّهًا إلى صعوبة إلغاء هذا القانون، وإنْ وصل جو بايدن إلى البيت الأبيض، بسبب المصادقة عليه بالتوافق ما بين الديمقراطيين والجمهوريين معًا، والفرق الوحيد الذي يمكن أن يحدثه الرئيس الجديد هو مدى التزامه أو تقاعسه بتطبيق بنود قانون قيصر. من جانب آخر، استعرض لبابيدي إيجابيات وصول جو بايدن إلى الحكم بالنسبة إلى السوريين، وأشار إلى أن سياسة بايدن التقليدية من الميزات الإيجابية، بسبب إمكانية توقّع قرارته وقراءة الأحداث على ضوئها، على عكس ترامب الذي كانت معظم قرارته غير متوقعة.
وفي سياق مختلف، ناقشت الندوة قضية إعادة اعمار سورية في عهد الرئيس الأميركي الجديد، وذكر لبابيدي أن السياسة الرسمية الأميركية تقوم على عدم إمكانية دعم إعادة الإعمار، في حال وجود بشار الأسد على رأس السلطة، مؤكدًا في الوقت ذاته أن إعادة الإعمار لا يمكن أن تتم بوجود قانون قيصر، بغض النظر عن المواقف الرسمية للدول والحكومات، لأن الشركات العالمية الكبرى لن تغامر بإقامة علاقات مع النظام والمساهمة في إعادة الإعمار، وتضع نفسها تحت العقوبات الأميركية.
من جانب آخر، تطرقت الندوة إلى الجهود التي يجب على السوريين بذلها، من أجل دعم قضيتهم وتحقيق مطالبهم، وشدد لبابيدي على ضرورة توحّد السوريين وتوافقهم على مشروع واحد، والعمل على إيجاد القواسم المشتركة بين جميع أطياف المعارضة، من أجل التعامل مع الأزمات الإنسانية التي يعانيها السوريون، داخل سورية وخارجها، وإيجاد حل جذري للملف السوري، والبحث عن نقاط تلاقي مصلحة الشعب السوري مع مصالح الشعوب في أميركا وأوروبا.
وفي المحور الأخير، سلطت الندوة الضوء على نشاطات المجلس السوري – الأميركي وخططه المستقبلية، وأوضح لبابيدي أن المجلس أجرى العديد من الزيارات واللقاءات مع عدد من السوريين المتنفذين في دول مختلفة، سعيًا للتوصل إلى حلٍّ يُرضي جميع السوريين، وملء الفراغ السياسي الذي يهيمن حاليًا على الملف السوري، بسبب فشل محادثات جنيف وأستانا، مشددًا على ضرورة عدم السماح بتمرير أي حل سياسي من قبل اللاعبين الإقليميين والدوليين، دون موافقة الشعب السوري. وأشار لبابيدي إلى أن توافق السوريين في الداخل وفي جميع عواصم العالم، شرط أساسي للتوصل إلى حل يرضيهم جميعًا، وشدد على ضرورة إعلاء المصلحة الوطنية السورية المشتركة فوق أي اعتبار أو خلاف، والعمل على ضمان العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى وطنهم، وإنقاذ سورية من الوضع الأمني والمعيشي المأساوي الذي انزلقت إليه، حيث بات أكثر من نصف السوريين تحت خط الفقر.
اختتم لبابيدي الندوة باستعراض أبرز الآليات التي يمكن اعتمادها للوصول إلى صنّاع القرار في الولايات المتحدة والتأثير في قرارتهم، مبيّنًا أن أهم هذه الآليات بناء علاقات جيدة مع السياسيين الأميركيين، والبحث عن المصالح المشتركة للشعبين السوري والأميركي، والدفع باتجاه إقرار قوانين ذات فائدة للشعب السوري.
تلا ذلك نقاشٌ أجاب خلاله الدكتور زكي لبابيدي عن أسئلة المتابعين للندوة. ويشار إلى أن هذه الندوة تأتي مباشرة بعد انتهاء سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية.
د. زكي لبابيدي: رئيس المجلس السوري-الأميركي، عضو مجلس إدارة الجمعية الطبية الأميركية (SAMS)، سياسي سوري.