ترجمة علي كمخ
حزب العمال الكردستاني (PKK) الذي كان يكيل التهديدات للحزب الديمقراطي (KDP)، عبر تصريحات استعلائية شديدة النبرة، بدأ يضغط على المكابح، بعد أن شعر بأنه سيتلقى ضربة موجعة في حال دخول الطرفين في صراع محتمل.
فالتوتر بين تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي والحزب الديمقراطي الكردستاني، أكبر أحزاب حكومة إقليم كردستان في شمال العراق، يتصاعد باطراد، إذ إن حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي كان حتى ما قبل شهرين، يكيل التهديدات للحزب الديمقراطي (KDP) عبر تصريحات استعلائية شديدة اللهجة، بدأ بالضغط على فرامله بعد أن شعر بأنه سيتلقى جرحًا مؤلمًا وكبيرًا، في حال دخول الطرفين في اشتباك محتمل.
وقد صرح مراد قرايلان (أحد زعماء العصابة في حزب العمال الكردستاني) في بيان له صدر أخيرًا، بأن احتمال نشوب نزاع بين الطرفين أمر وشيك للغاية، وقال: “إذا اندلعت حرب بين الأكراد، فسوف نفقد كل شيء”، وطالب زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني بالتدخل لتخفيف حدة التوتر.
أما مسعود بارزاني فهو ملتزم بالصمت حاليًا، لكن حزب العمال الكردستاني يتعرض لانتقادات شديدة من قبل كبار المسؤولين في الحزب الديمقراطي الكردستاني، في تصريحات تصدر تباعًا، في الآونة الأخيرة.
لنحاول في هذا المقال الإجابة عن التساؤلات المتعلقة بولادة هذا التوتر، وكيف وصل إلى هذه المرحلة، وماذا يريد كل من حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني من بعضهما البعض؟
الحدث الأول الذي أشعل التوتر بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني، كان الهجوم على موظفي القنصلية العامة التركية في أربيل، العام المنصرم. حيث أسفر الهجوم المذكور عن استشهاد المسؤول القنصلي عثمان كوسه، واعتقلت قوات أسايش أربيل على إثر العملية الإرهابي المدعو “مظلوم داغ” منفذ العملية، وأحد أعوانه. فبعد أن تبيّن أن الإرهابيين المعنيين قد دبّروا الهجوم انطلاقًا من مخيّم مخمور الخاضع لسيطرة حزب العمال الكردستاني، بدأت إدارة أربيل بوضع مداخل هذا المخيم ومخارجه تحت سيطرتها. فردّ حزب العمال الكردستاني بشدة على الجهود المبذولة لوضع مخيم مخمور تحت السيطرة. ولجأ بعد أن قُيّدت حركة وصوله إلى التجمعات السكنية عبر مخيم مخمور، إلى وسائل بديلة، إذ انتشرت في أيار/ مايو من هذا العام وحدة تابعة لقوات البيشمركة، في منطقة “رينة ويرتي” الواقعة في الجزء الغربي من قنديل، حيث يقع المقر الرئيس للتنظيم الإرهابي. وأعلن حزب العمال الكردستاني أن ذلك الإجراء يُعدّ “عاملًا موجبًا للحرب”، لكونه يعرقل وصوله إلى التجمعات السكنية. ومع تبادل الاتهامات بين الجانبين، أطلقت تركيا في أواسط حزيران/ يونيو الماضي عمليتي المخلب (النسر والمخلب) والنمر العسكريتين الشاملتين، ضد حزب العمال الكردستاني الذي بدأ تحويل نشاطه -بعد الضربات الموجعة التي تلقاها نتيجة هاتين العمليتين حيث أصبح غير قادر حتى على الخروج من الكهوف التي يختبئ فيها- إلى منطقة سنجار التي تربط الحدود العراقية بالحدود السورية.
وعلى إثر ذلك، وبعد أن تمت السيطرة على المنطقة بدرجة كبيرة بفضل العمليات العسكرية التركية، وقع بتاريخ 9 تشرين الأول/ أكتوبر اتفاقٌ بين الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان، بشأن إبعاد حزب العمال الكردستاني من منطقة سنجار. هذا الاتفاق أثار غضب حزب العمال الكردستاني أكثر.
وفي الفترة نفسها، قتل مدير الأمن العام لبوابة جمارك سرزيري (غازي صالح) في هجوم مسلح بين منطقة جوكورجا في هكاري ومنطقة العمادية في دهوك في شمال العراق. وقد حمّلت أربيل حزبَ العمال الكردستاني مسؤولية الهجوم، وردّت عليه بشدة، واستخدمت لأول مرة مصطلح “منظمة إرهابية” في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني، الذي وصفته بـ “القوة الأجنبية المسلحة” أو “المنظمة الخارجة عن القانون”.
أما آخر الوقائع التي أدت إلى تصعيد التوتر فقد حدثت في الأسبوع الماضي؛ إذ أعلن رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني، بالتزامن مع اعتقال قوات أسايش أربيل لـ 12 شخصًا من المنتمين إلى حزب العمال الكردستاني، أن الأشخاص المذكورين كانوا يُعدّون لهجمات ضد الدبلوماسيين الأجانب وأوساط الأعمال في المنطقة الكردية، وقال: إنهم “لن يسمحوا لحزب العمال الكردستاني بتعكير صفو الأمن والسلام في المنطقة”. فقد كثفت إدارة أربيل عملياتها ضد حزب العمال الكردستاني في مراكز المدن، وعجلت في الوقت نفسه بنقل قوات البيشمركة إلى المناطق التي تتواجد فيها معسكرات التنظيم الإرهابي في المناطق الريفية. حيث إن الوضع الآن يشير إلى تمركز إرهابيي حزب العمال الكردستاني وقوات البيشمركة بشكل متقابل في العديد من النقاط في شمال العراق. غير أن حزب العمال الكردستاني يطالب إدارة أربيل بسحب هذه القوات. وبالمقابل تقول حكومة أربيل لحزب العمال الكردستاني: “كفاكم، اتركوا منطقتنا”.
ففي حين يتهم حزب العمال الحزبَ الديمقراطي بأنه يتعاون مع تركيا، يتهم الحزب الديمقراطي حزبَ العمال بالإضرار بمصالح الكرد من خلال العمل لصالح قوى خارجية أجنبية.
وكما ذكرنا آنفًا، فإن بدء الاشتباكات المسلحة بين حزب العمال الكردستاني وقوات البيشمركة، في المرحلة التي وصلت إليها الأمور، هي مسألة وقت ليس إلا. في حقيقة الأمر؛ كانت الإدارة في أربيل قد تأخرت كثيرًا في التحرك ضد حزب العمال الكردستاني، لأن المذكور ينفذ منذ عشرات السنين هجمات إرهابية ضد تركيا مستخدمًا هذه المنطقة. حيث إن التنظيم استقر في هذه المناطق بعد الإخلاء القسري لأكثر من 5 آلاف قرية، وفقًا للبيانات الرسمية لحكومة إقليم كردستان شمال العراق. وقد اكتفت حكومة أربيل بردود الأفعال الشفهية ضد ممارسات حزب العمال الكردستاني، حتى الآن.
على الرغم من أننا ذكرنا مرات عديدة في هذه الزاوية أن هذا الموقف السلبي لحكومة إقليم كردستان خاطئ، وأن حزب العمال الكردستاني سيخلق مشكلة لها في المستقبل، فقد نأت إدارة أربيل بنفسها وأحجمت عن اتخاذ خطوات ملموسة ضد التنظيم، حتى هذا اليوم. غير أن بدء حزب العمال الكردستاني بتنفيذ هجماته في المنطقة الكردية، على غرار الهجمات الإرهابية الموجهة ضد تركيا، دفعت حكومة أربيل إلى التحرك ضد التنظيم واتخاذ إجراءات ضده.
والحقيقة أن تنبّه إدارة أربيل إلى إرهاب حزب العمال الكردستاني وبدء اتخاذ خطوات ملموسة ضده، ولو كان ذلك متأخرًا، هي تطورات إيجابية؛ وأعتقد أن تنعكس هذه التطورات بالإيجاب على العلاقات بين أنقرة وأربيل، وتساهم أيضًا في منع جهود إقامة دولة إرهابية في شمال وشمال شرق سورية.
إذ إن الجهود المبذولة في تلك المنطقة حول هذا الهدف، برعاية الولايات المتحدة وفرنسا، تجري من خلال العمل المشترك لـحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) ذراع حزب العمال الكردستاني في هذه المنطقة وامتداده، وبين المجلس الوطني الكردي السوري (ENKS) القريب من الحزب الديمقراطي الكردستاني (KDP) حزب البارزانيين في شمال العراق. ولا مفرّ من أن تنسحب آثار هذا التوتر القائم بين حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني على المفاوضات الجارية بين PYD و ENK، في نهاية الأمر.
وإضافة إلى ذلك، يعي المجلس الوطني الكردي السوري، على الأقل بقدر ما يدرك الحزب الديمقراطي الكردستاني، أنواع القمع والظلم التي يمكن أن يلجأ إليها حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي (PKK/PYD) في حال تمكنه من السلطة. لذا؛ فإن القضاء على حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي وتصفيته في كل من سورية والعراق، هو لفائدة الحزب الديمقراطي الكردستاني والمجلس الوطني الكردي السوري معًا، بقدر فائدته لتركيا على أقل تقدير.
وعليه؛ فإنّ ابتعاد المجلس الوطني الكردي السوري، عن حزب العمال الكردستاني وأذرعه وامتداداته في المنطقة، مستخلصًا الدروس من التطورات التي يشهدها شمال العراق.. وتخليه عن أن يكون أداة في الجهود الرامية إلى إقامة دولة الإرهاب التي يجري العمل عليها تحت رعاية ووصاية واشنطن وباريس، وعن أن يكون في موقع عدائي مع تركيا.. سيكون لمصلحته ومنفعته.
ومن الواضح أن الحزب الديمقراطي الكردستاني قد فهم ذلك، ولو جاء هذا الفهم متأخرًا، ونأمل أن يفهم المجلس الوطني الكردي السوري هذ أيضًا، قبل فوات الأوان.
اسم المادة الأصلي | KUZEY IRAK’TA PKK-KDP GERİLİMİ VE MUHTEMEL SONUÇLARI |
الكاتب | فاروق أكطاش – Faruk AKTAŞ |
المصدر وتاريخ النشر | صحيفة- يني بيرليك التركية. 30.10.2020 – YENİBİRLİK GAZETESİ |
رابط المادة | https://bit.ly/3694mgg |
المترجم | قسم الترجمة- علي كمخ |
عدد الكلمات | 1602- 1175 |