بحث الحضور في ورشة العمل المشتركة بين مركز حرمون للدراسات المعاصرة، ومركز الدراسات الإيرانية في أنقرة (إيرام)، التي عُقدت يوم السبت 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2017 في العاصمة التركية أنقرة، محددات العلاقات الإيرانية – الروسية وتجلياتها في سورية، مؤكدين أن العلاقة بين البلدين ليست استراتيجية، وإنما تكتيكية، في حين ذهب البعض إلى وصفها بأنها تكتيكية و”هشّة” في آن معًا.
وشارك في ورشة العمل كل من أحمد أويسال، عبد الله تركماني، عبد الوهاب بدرخان، فاطمة الصمادي، أفشار سليماني، محمود حمزة، إسماعيل ساري، حسين علي زادة، عبد السلام سليمي، صالح يلماز، حامد هاشمي، صابر عسكر أوغلو، علي باكير.
وفي مداخلته خلال ورشة العمل التي حملت عنوان (محددات العلاقات الإيرانية – الروسية وتجلياتها في سورية)، قال السفير الإيراني في أذربيجان سابقًا، د. أفشار سليماني إن روسيا في واقع الأمر “تُفضّل التعاون مع إيران في خارج مناطق النفوذ الروسي”، مشيرًا إلى أنه وعلى الرغم من أن هناك تعاونًا بين البلدين، لكن هدا التعاون لم يصل إلى مستويات عليا.
وأضاف “إذا ما تابعنا تصرفات وسلوكيات روسيا، نستنتج أن كلا البلدين (روسيا وإيران) لهما خصوصيات متباينة تمامًا”، وقال “بعد الثورة الإيرانية، وخاصة الحقبة التي تشمل 40 سنة، لا يمكن القول إن العلاقات جيدة، بغض النظر عن تاريخ العلاقات بين البلدين، ولا ننسى أن هناك قرارات سلبية اتخذتها روسيا بحق إيران، وخصوصًا أن روسيا رفعت الفيتو أمام إيران”، مؤكدًا أن “إيران تخاف من انقلاب روسيا عليها”.
وتابع “على أرض الواقع، نجد أن هناك تحفظًا من الجانب الروسي تجاه إيران، ما يطرح أسئلة كثيرة حول طبيعة هذه العلاقة. روسيا حاولت توظيف إيران في مواجهة أميركا”، وأنه “لم يكن هناك تعاون استراتيجي بين البلدين، بل تعاون جزئي”.
بدوره، قال د. محمود حمزة، المختص بالشأن الروسي إنه “من الصعوبة بمكان تصنيف العلاقات الروسية الإيرانية بأنها استراتيجية أو تكتيكية، فهناك قضايا كبرى تربط البلدين؛ في البرنامج النووي مثلًا، التعاون في برنامج النفط مقابل الغذاء والتعاون في سورية وفي العداء الظاهري للغرب وفي محاربة الإرهاب السني”.
وأضاف “نتذكر قول أحد المحللين السياسيين الروس إن العلاقة بين إيران وروسيا تشبه زواج المتعة، أي هي تكتيكية وليست استراتيجية. هناك حقيقة أخرى وهي أن القيادة الإيرانية تحلم بإقامة علاقات جيدة مع الغرب وأمريكا، وكذلك القيادة الروسية التي ترتبط مصالحها الاقتصادية بالغرب إلى درجة كبيرة، لذلك يخشى الطرفان (الروسي والإيراني) من أن يبيعه الطرف الآخر للغرب”.
الاستراتيجية الروسية بعيدة المدى في المنطقة
الباحث في معهد دراسات السلام في فنلندا، حسين علي زادة، قال إن الأزمة السورية “لم تكتف بالحرب الأهلية، وإنما عرّت مصالح روسيا وإيران في المنطقة”، مشيرًا إلى أن “المشكلة في سورية اليوم عالمية وليست محلية”.
وأضاف “لقد جاء تدخّل روسيا في الأزمة السورية في زمن أوباما، حيث كانت الأمم المتحدة غير موجودة في المنطقة، وروسيا بوتين تفكر كيف تواجه واشنطن في المنطقة”، وتابع “لقد هاجمت روسيا جورجيا بشكل مفاجئ، وهي إشارة إلى الحرب الباردة الجديدة، وإلحاق القرم إلى روسيا أيضًا يأتي في هذا السياق”.
وأشار إلى أن “روسيا وقعت على كل العقوبات الخاصة بإيران في الأمم المتحدة، في حين لم توقع على مثيلاتها بحق النظام السوري”، وتابع “لقد قرر النظام الإيراني -لأول مرة في تاريخ إيران- السماح لروسيا باستخدام مطار همدان من أجل شن غارات جوية على سورية”، متسائلًا “لماذا تم إشعال الفتيل من داخل الأراضي الروسية، السبب في ذلك هو قرار سري، وعلى الرغم من أن الإيرانيين لم يتحدثوا حول الموضوع، إلا أن روسيا صرحت عن ذلك علنًا، وهو ما أدى إلى صدمة عند الإيرانيين”، وأكد أن “روسيا لا تريد أن تكون هناك اتفاقية طويلة الأمد مع إيران”.
في السياق، قال عبد السلام سليمي، الكاتب في وكالة (الأناضول) التركية، إن روسيا “ما كانت تساعد إيران، بل كانت تساعد العراق، نحن كنا نحاول أن نشتري الأسلحة الروسية من الجزائر أو من الدول الأخرى التي باعتها إياها روسيا”، موضحًا أن “الرأي العام الإيراني ضد روسيا، ودائمًا كانت نظرة الخبراء نحو روسيا سلبية، كما أن حراس الثورة يحملون نفس الفكرة، وأحد قادة القوات البحرية يقول إن قصف صاروخ روسي من بحر قزوين عبر الأراضي الإيرانية هو انتهاك للحقوق السيادية الجوية الإيرانية، كما أن هناك تصورات أن روسيا لن تقدم شيئا لإيران حول سورية”.
ونبّه إلى أن أحد الأكاديميين الإيرانيين قال “إن الخنجر الروسي حاضر، وما إن تفرغ موسكو من إيران سيتم غرسه في طهران”.
إلا أن صالح يلماز، الدكتور المُدرّس في جامعة يلدريم بيازيد، رأى أن روسيا “تدافع عن الأسد، وإيران تدافع عن الأسد، ونستطيع القول إن الأفكار التي تدافع عنها إيران تنفذ من قبل روسيا، ثم إن العلاقات الإيرانية الروسية تتطور وفق مبادرات روسيا، ولا نرى مبادرات إيرانية لأن الأخيرة تعلم أن نظام الأسد في الزاوية”.
وحول ما يتعلق بسياسة روسيا في سورية أضاف “نرى أن روسيا نجحت هناك، فروسيا عندما دخلت سورية فرضت على الاتحاد الأوروبي وأميركا أن يكون هناك اتفاق بينهم على جزيرة القرم، كما أن روسيا من خلال تدخلها في الملف السوري أظهرت أن الولايات المتحدة الأميركية أخفقت في سورية، وأسقطت معها فكرة أن الولايات المتحدة هي المهيمن”.
وقال إن “روسيا تريد فرض سيطرتها على الشرق الأوسط، لأن المنطقة غنية بالغاز الطبيعي والبترول؛ ونرى أنه في دير الزور صراع روسي – أميركي من أجل السيطرة على النفط ليس في سورية فحسب، بل النفط الذي يمر عبر المنطقة أيضًا”.
وأضاف “لقد أرسلت روسيا الجهاديين إلى سورية، وقضت عليهم في سورية لتفرض سيطرتها عليهم، وبسبب الأزمة السورية نرى زيادة في نسبة الولادات في روسيا، ليكون هناك جيل شاب، وفي الفترة الأخيرة لوحظ تعاون البلدان المحيطة بسورية مع روسيا، وهو نجاح للسياسة الروسية في المنطقة، وستسعى إلى الاستفادة من هذه البلدان في مواجهة الولايات المتحدة”.
معوقات التعاون الروسي الإيراني
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي عبد الوهاب بدرخان إن أهداف إيران هي “إنقاذ النظام السوري، وبشكل أهم تمكين النفوذ الإيراني في المنطقة”، موضحًا أن بين موسكو وطهران “مصالح مشتركة في مواجهة النفوذ الأميركي”.
وأكد أنه “ليست هناك علاقة استراتيجية بين إيران وموسكو، وفي حال بحثنا في التفاصيل نرى أنه حتى هذه التكتيكات هشة. روسيا تريد إنقاذ النظام لكن من خلال المحافظة على المؤسسات الموجودة في الدولة، أما بالنسبة لإيران فإنقاذ النظام هو بقاء الأسد لأن بينهما حسابات”.
ورأى بدرخان أن العلاقة الروسية – الإيرانية تواجه عدة معوقات، منها أنه “بعد أقل من شهرين من التدخل أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نوعًا من الاتفاق، مفاده أن إسرائيل تستطيع أن تواصل عملياتها دون الأخذ بالحسبان الوجود الروسي”، وأوضح أن “إسرائيل أصبحت أكثر وقاحة بغاراتها دون وجود أي عائق: ولذلك لا يمكن أن تكون الشراكة الروسية – الإيرانية مراهن عليها، من جانب الإيرانيين خصوصًا”.
وأضاف أن إيران “كانت تعتبر أن النتيجة الطبيعية من تدخلها في سورية أن يكون لها قاعدة على الأقل في سورية، بينما لوّحت روسيا لمسؤولين في النظام السوري بأنه لا يمكن أن يكون هناك أي قاعدة إيرانية على الساحل السوري”.
وتابع “لا يقبل الروس أن يتعاطى الإيرانيون مع موضوع الفوسفات، وهناك اتفاق واضح وشركة روسية كبيرة تقوم بالتنقيب عن الفوسفات في سورية، كما أن الروس لن يسهلوا لشركة اتصالات للإيرانيين أن تعمل في سورية، يمكن أن يكون هناك شراكة، لكن ليس بشكل جوهري”.
(حرمون) و(إيرام) توضحان أهداف ورشة العمل
وكان قد جاء في الكلمة الافتتاحية لمركز (حرمون) للدراسات المعاصرة التي ألقتها نور آل عمو أن أهمية هذه الورشة “تأتي استكمالًا لمشروع المركز في التكامل والتعاون، مع عدة جهات بحثية ومشاريع مختلفة”، وأن مركز (حرمون) “يهتم في هذه الندوة بالتعمق في أفكار الباحثين في مركز الدراسات الإيرانية، إذ يُعتقد أن أبحاثهم ودراساتهم المتخصصة في الجانب الإيراني، إضافة إلى الرؤى التي يطرحها المركز، ستساهم في تفسير العلاقات المتشابكة في منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة سورية، بما يتيح لنا رصد السياسات التي تتبعها الدول الإقليمية، تجاه المنطقة، وتفسير المواقف المتغيرة وتقدير الأوضاع المستقبلية”.
بدوره، قال رئيس مركز الدراسات الإيرانية (إيرام) في أنقرة أحمد أويسال خلال افتتاح ورشة العمل إن إيران “حاضرة في كافة الملفات الإقليمية والدولية، ولا سيّما في سورية والعراق”، وأضاف: “بعد سقوط الاتحاد السوفييتي؛ لم يقم نظام مستقر في العالم، وإنْ كان الرئيس الأميركي بوش الأول قد حاول بعض الشيء تحقيق ذلك”، وتابع “بعد المشاريع التقسيمية التي باتت جلية، في أجندة الولايات المتحدة، باتت المنطقة في مرحلة أصعب، ونحن في منطقة غير هادئة من حيث الحركية والفوضوية”، مشيرًا إلى أنهم (في المركز) سيركزون في المرحلة القادمة، على موضوع إقليم كردستان.
ورأى أويسال أن ما يلفت الانتباه “هو أن النظام السوري كاد أن يسقط ثلاث مرات، حيث تدخّل (حزب الله) في المرة الأولى لمنع سقوطه، وفي المرة الثانية تدخلت إيران لمنع ذلك، لكن في المرة الثالثة، عندما فشلت إيران، تدخلت روسيا مباشرة لمنع سقوط النظام”، وتابع: “حتى لو اجتاحت روسيا سوريةَ عسكريًا، فإن ذلك لن يكون حلّا، الحل الدائم لا بد أن يكون مقبولًا من الشعب”، وقال مشددًا “هنا يأتي دور تركيا في التأسيس للمرحلة القادمة”، واختتم أويسال كلامه بالقول إن روسيا وإيران “يستفيدان من بعضهما في سورية، لكن الأهداف متباينة”.
من جهته، قال الباحث في مركز (حرمون) للدراسات المعاصرة د. عبد الله تركماني إن روسيا “سعت إلى تثبيت حلفاء في مواقع مختلفة كمناطق عازلة، ضد النفوذ الأميركي في العالم، ووفق هذا التصور، تحتل إيران مكانتها لدى موسكو، باعتبارها شريكًا لروسيا، في منطقة الشرق الأوسط والخليج وآسيا الوسطى، بحيث يحقق المحور الجنوبي لروسيا الخروجَ إلى المياه الدافئة عبر الخليج”.
وأوضح أن روسيا تتعاون مع إيران “بوصفها محفزًا متقدمًا في وجه النفوذ الأميركي المتغلغل على مقربة من روسيا، سواء في أفغانستان أو الخليج العربي أو تركيا”، وأكد أن أهمّ المحددات لسياسة موسكو تجاه إيران تتمثل في “الأولوية التي تحظى بها العلاقات الروسية الأميركية، وعزم موسكو على رأب العلاقات مع الولايات المتحدة، وبصورة أساسية من خلال المقايضات والمساومات”.
واعتبر تركماني أن روسيا تحاول تمتين العلاقات الاقتصادية، مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا، من خلال محور شمال – جنوب، حيث برأيه تلعب هنا إيران “دور الترانزيت ذي الأهمية المحورية بالنسبة إلى روسيا”. وأكد أن “روسيا -وهي التي التزمت تسوية سلمية للمسألة السورية- لا تريد أن تتحول سورية إلى مستعمرة إيرانية متشيعة”، ونبّ÷ من أن روسيا حاولت التعامل مع القضية السورية “من منطلق كونها قوة كبرى تسعى لأن تصبح قوة عظمى”.
جلسات الورشة
وقد تضمن برنامج الورشة عقد ثلاث جلسات، وجلسة افتتاحية ترأسها المدير العام لـ (إيرام) د. أحمد أويسال، وتضمنت كلمات تعريفية عن المركزين، قدّمها عن (إيرام) أويسال، وعن (حرمون) مديرة العلاقات العامة نور آل عمو، ومقاربة افتتاحية قدّمها الباحث في مركز (حرمون) د. عبد الله تركماني.
فيما ترأس الجلسة الأولى الكاتب والمحلل السياسي اللبناني عبد الوهاب بدرخان، وتضمنت ثلاثة محاور: (إيران وروسيا: حدود التعاون ما بين الاستراتيجي والتكتيكي) قدّمتها الباحثة فاطمة الصمادي، و(العلاقات الإيرانية الروسية؛ استراتيجية أم تكتيكية) قدّمها سفير إيران السابق في أذربيجان أفشار سليماني، و(العلاقات بين روسيا وإيران: استراتيجية أم تكتيكية) قدمها الباحث محمود حمزة.
أما الجلسة الثانية فترأسها الباحث إسماعيل ساري، وناقش فيها الباحثون: حسين علي زادة، عبد السلام سليمي، صلاح يلماز، المحاورَ التالية بالترتيب: (نظرة عامة إلى الاستراتيجية الروسية بعيدة المدى في المنطقة)؛ إضاءة على آراء بعض الدبلوماسيين وأساتذة العلوم السياسية في إيران حول علاقة بلادهم بروسيا في سورية؛ السياسة الروسية في سورية).
أما الجلسة الثالثة والأخيرة فترأسها الباحث في (إيرام) د. محمد عبد المجيد، وتألفت من أربعة محاور (معوّقات العلاقات الإيرانية – الروسية في سورية) قدّمها عبد الوهاب بدرخان، و(معوقات التعاون الإيراني الروسي في سورية) قدّمها الباحث حامد هاشمي. (التباين بين السياسة الروسية والإيرانية في سورية) قدّمها الباحث صابر عسكر أوغلو. (التباين بين روسيا وإيران حول مستقبل سورية) قدّمها الباحث والمحلل السياسي علي باكير.
يُذكر أن اتفاق تعاونٍ بين (حرمون) و(إيرام)، وُقّع في 12 أيار/ مايو الماضي، ونظّم الجانبان فاعليات مشتركة، كان آخرها مشاركة للباحث في (حرمون) عبد الله تركماني بورقة حول (التغيير الديموغرافي في سورية سياسة ممنهجة)، خلال ندوة عقدها (إيرام) في 10 تموز/ يوليو الماضي في أنقرة، حول (الوجود الإيراني في سورية: الواقع والمستقبل).