في العام الماضي، استخدمت شركة زوتيه (Zotye)، وهي شركة تصنيع سيارات، الرقمنة لمعالجة ضعف المبيعات، وشركة ووليانغي (Wuliangye)، وهي شركة مشروبات، لتحسين جودة الكحول المقطّر (بايجو baiju)، وساعدت بنك جيس هانغ (Zheshang) في تحويل عملياته إلى عمليات رقمية، وحفزت تطوير تقنيات توفير الطاقة في الصين الوطنية للطاقة النووية. يُعد “فكر تشي جين بينغ، حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لحقبة جديد”، على أساس التقارير السنوية لهذه الشركات، العلاجَ المثالي (الترياق) لممارسة الأعمال التجارية.
مضى الوقت الذي قلّلت فيه الشركات الصينية الخاصة من أهمية صلاتها بالحزب الشيوعي. وبحسب إحصائيات صحيفة الإيكونوميست، فإن ما يقرب من 400 شركة، من بين 3,900 شركة مدرجة في بورصات الأوراق المالية في الصين القارية، قد أشادت بالحزب الشيوعي وزعيمه في تقاريرها السنوية لهذا العام. ازدادت الإشارات من قبل كل من الشركات المملوكة للدولة ونظيراتها في القطاع الخاص بتوجيهات السيد شي أكثر من أي سلالة أو حاكم منذ 1017 (انظر الرسم البياني).
التملق السنوي
الصين، عدد من الشركات التي استشهدت بـ شي جي بينغ في تقاريرها السنوية
يعكس هذا الاتجاه الواقع الجديد للصين، حيث يتمتع الحزب الشيوعي بسيطرة كبرى على جميع جوانب الحياة، وللسيد شي السيطرة الأكبر على الحزب. هذا لا يعني أن ذلك العمل فكرة جيدة للشركات لتتملقه، وإنما يعني أن (شي) في وضع يسمح له بإعادة تشكيل الاقتصاد الذي يزدهرون فيه أو يفشلون.
ماذا يفعل به؟ لا شيء جيد، كما يقول النقّاد، في الداخل والخارج. لقد أدخل الإصلاحات التي أدت إلى تحرير (لبرلة) الاقتصاد، ووقف قوى السوق وخنقها، عائدًا إلى نموذج نمو ثقيل تهيمن عليه الدولة، وهو نموذج باد قدِمُه. اندفعت الشركات الخاصة إلى تشكيل لجان حزبية تتمتع برأي متزايد بصدد الإستراتيجية، وتبنّى رؤساؤها الذين كانوا في السابق مغرورين وطائشين بروفايلات أقلّ شأنًا. يلخص عنوان الكتاب “الدولة تنتقم، The State Strikes Back”، الذي صدر حديثًا لـ نيكولاس لاردي من معهد بيترسون، وهو مركز أبحاث أميركية، تلك المخاوف.
هذه الملاحظات صحيحة، لكن الاستنتاج خاطئ إلى حد التضليل، حيث إنه يشجّع على الاستخفاف بالمسار المحتمل للصين وعلى الانقياد. ببساطة، لا يقوم السيد شي بتضخيم دور الدولة على حساب القطاع الخاص، إنما يترأس ما يأمل أن يكون تأسيس صيغة أكثر قوة من رأسمالية الدولة. الفكرة هي أن تحصل الشركات المملوكة للدولة على مزيد من المجال في السوق، وأن تتصرف الشركات الخاصة بمزيد من الانضباط الحزبي، وهو الأمر الأفضل لتحقيق المهمة الجماعية الكبرى للصين. إنه مشروع مليء بالتناقضات الداخلية، لكن التقدم واضح بالفعل في بعض المجالات.
أعلن السيد شي جدول أعماله (أجندته) عام 2013، متعهدًا بأن الصين “ستسمح للسوق بلعب الدور الحاسم في تخصيص الموارد”، مع تعزيز “الدور الرائد للقطاع الذي تملكه الدولة”. عندما انهارت الأسهم المحلية عام 2015، تحوّل تركيز الحكومة إلى إعادة رسملة بنوكها، وتشديد الضوابط على التحويلات النقدية عبر الحدود، وكسب أعنف أركان نظامها المالي، لكن الحزب يعتقد اليوم أنه فاز في هذه “المعركة ضد المخاطر المالية”، ويعيد أجندة شي إلى مسارها الصحيح بصيغة جديدة أكثر جرأة.
أقنعت العلاقات المتوترة دائمًا مع أميركا الحزبَ بأن الصين يجب أن تكون قادرة على المضي قدمًا بمفردها. وفي الوقت نفسه، فإن نجاح الصين في وقف وباء فيروس كورونا وإعادة تشغيل اقتصادها يعزز إيمانها بما يسميه السيد شي “المزايا المؤسسية” للصين، وهي الفكرة القائلة بأن على الصين، كدولة قوية بحزب واحد، أن تجمع مواردها الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق الأهداف الأساسية.
يمكن تقسيم مسعى السيد شي الهجومي إلى قسمين كبيرين: الأول هو وضع حدود أكثر وضوحًا لفوارن وتخمر السوق الصينية: نظام قانوني أقوى للشركات، وقواعد مبسطة للأنشطة اليومية، ونظام مالي أفضل في تخصيص الأموال؛ والثاني هو الاستفادة بشكل أكثر براعة من قبضة الحكومة على الروافع الرئيسة للاقتصاد، لجعل الشركات الحكومية أكثر كفاءة، وتشكيل فريق مع الشركات الخاصة في مبادرات السياسة الصناعية الجديدة.
لا يزال رواد الأعمال يتمتعون بمجال واسع، ما داموا في مضاميرهم ويتنقلون في اتجاهات معتمدة من الحكومة. ولا يزال لديهم حوافز قوية. “أن تصبح ثريًا ذلك أمرٌ مجيد”، وهي المزحة التي تُنسب إلى دينغ سياو بينغ، أصبحت شعارًا للصين في أعوام انطلاقتها، لا تزال صالحة. ولكن إذا كان سعيك وراء الثروات يفيد الدولة أيضًا.
لا يملك كثير من المسؤولين التنفيذيين والدبلوماسيين الأجانب سوى القليل من الوقت لفكرة وجود إصلاح حقيقي مؤيد للسوق؛ يتحدثون عن تقييم موعود. إن التعهدات المتكررة لتسوية ساحة اللعب التي تلتقي فيها الشركات الصينية والأجنبية كانت بلا جدوى. تستفيد الشركات الحكومية من مجموعة من الإعانات والقواعد التفضيلية، التي غالبًا ما تكون مبهمة. الشركات الأجنبية لها وجود شحيح في القطاعات الرئيسة، مثل التمويل والطاقة.
من المحتمل أن تفلس الآن
كلها شكاوى لها ما يبرّرها. لكنها تتجاهل حقيقة أن السيد شي، عندما يتحدث عن إصلاح السوق، يسعى وراء النظام، لا وراء العدالة. يريد أن يحدد بشكل أوضح كيف يمكن للشركات والأفراد العمل، وضمن أي حدود.
ابدأ بالنظام القانوني. إنه أداة للقمع، حيث إن امتداده إلى هونغ كونغ يتوضح أكثر من أي وقت مضى. يمضي السيد شي بلا هوادة في استهداف أي شخص يدافع عن حقوق الإنسان. ومع ذلك، فقد أشرف أيضًا على إضفاء طابع مهني جزئي على النظام القضائي، ومنح المحاكم مزيدًا من السلطة في الأمور غير السياسية. الاقتصاد ببساطة، معقد للغاية، والفساد منتشرٌ أكثر، بحيث لا يمكن الاعتماد على المسؤولين المحليين للفصل في النزاعات، كما كانوا يفعلون من قبل.
تزامنت هذه التغييرات في المحاكم مع زيادة كبيرة في القضايا. تضاعفت الدعاوى القضائية الإدارية، التي تشمل عادةً أشخاصًا يقاضون الحكومة، لأكثر من الضعف منذ عام 2012، وهو العام الذي أصبح فيه السيد شي الزعيم الأهمّ في الصين (انظر الرسم البياني 2).
القضايا بالأرقام (أمثلة على ذلك)
زادت ملفات الإفلاس عشرة أضعاف. في العام الماضي، قبلت المحاكم الصينية أكثر من 480 ألف قضية ملكية فكرية، أي ما يقرب من خمسة أضعاف ما كانت عليه في عام 2012، حيث ذهب بعضها إلى محكمة وطنية جديدة مخصصة لهذه المنطقة. فاز المدعون الأجانب بنسبة 89 في المئة، من جميع قضايا التعدي على براءات الاختراع، وفقًا لشركة روس (Rouse) الاستشارية.
كان أمام المسؤولين المحليين خيار تجاهل قرارات المحكمة ببساطة: يشكو رئيس شركة الخدمات الطبية من أنه حُمّل المسؤولية في فضيحة صحية في مدينة داخلية صغيرة، بسبب شركة سرقت سابقًا اسم شركته واستمرت في استخدامه بعد ثلاث أعوام من حكم محكمة ضدها. ويرجع ذلك جزئيًا إلى ردم مثل هذه الثغرات، حيث تعمل الحكومة على تطوير نظامها في “الائتمان الاجتماعي”. يمكن للمحاكم وضع الأشخاص على ما يسمى بقوائم الائتمان السوداء، في الواقع تجنيد عملاء آليين للدولة لتنفيذ أحكامها. على سبيل المثال، إذا وجدت المحكمة أن المدين مدين بمال، فإن حكمها، عبر نظام القائمة السوداء، يمكن أن يمنعه من شراء تذكرة طائرة أو الحصول على قرض. اعتبارًا من نهاية عام 2018، كان هناك حوالي 29 ألف مدير تنفيذي على القائمة السوداء.
من السهل أن نتخيل أن النظام يأخذ منعطفًا بائسًا (ديستوبي) حقًا، إذا كان سيتوسع نطاقه أكثر ليحتضن الجميع، مع حصر الوصول إلى أي شيء في المجتمع مشروطًا بتاريخ يمتد إلى ما وراء الجدارة الائتمانية، من خلال نشاط وسائل التواصل الاجتماعي وصولًا إلى الموثوقية السياسية. لكن كثيرين في الصين يؤيدونه في الوقت الحالي “إنه ثمن يجب دفعه لتهيئة بيئة عمل صحية”، بحسب توقيت يان Yan، المحامي الذي يركز على مخالفات الشركات.
مع زيادة صدقية القانون، تصبح الإدارة أكثر بساطة. وجد البنك الدولي أن متوسط الوقت المستغرق لبدء النشاط التجاري، الذي كان 23 يومًا حتى عام 2017، هو الآن تسعة أيام فقط (أسرع قليلًا من اليابان، وأبطأ قليلًا من أميركا). كانت تصاريح البناء في السابق تستغرق 247 يومًا؛ وباتت تستغرق الآن 111 يومًا. دفعت عملية التحول نحو الرقمنة تقديم الضرائب إلى الأمام. عندما تصدر شركة ما فاتورة، تنتقل نسخة منها مباشرة إلى السلطات الضريبية. في الواقع، يخشى البعض أن يكون الأمر ملائمًا للغاية؛ فالأبواب الخلفية في البرامج التي تفرضها الحكومة يمكن أن تمنح المتسللين (الهاكرز) الوصول إلى شبكة حاسوب الشركة.
كان آخر تركيز رئيس لإصلاحات نظام السوق التي أجراها السيد شي هو النظام المالي. بالنسبة إلى أولئك الذين يعتقدون أن التنظيم المصرفي هو عمل ورقي جاف، كانت إعادة تأكيد السيطرة الحكومية على البنوك والسمسرة وشركات الاستثمار عملًا متقنًا، يتميز بتكتيكات مثل اختطاف زياو جيانهو، وهو ممول كبير، ذات يوم، من فندق فاخر في هونغ كونغ في عام 2017.. كما اختفى العديد من حيتان المال الآخرين، فقط ليعودوا للظهور إما معاقبين أو قيد المحاكمة. كانت الرسالة الموجهة إلى المصرفيين مرعبةً: يجب الالتزام بالنظام الجديد، وإلا.
الإصلاح ليس مجرد شخصنة (ad hominem). هناك تغيير بنيوي حقيقي. بين عامي 2008 و2016، ارتفعت نسبة الدين الصيني إلى الناتج المحلي الإجمالي (debt-to-GDP) بنحو عشر نقاط مئوية سنويًا، ومن 2017 إلى 2019، بلغ متوسط الزيادة السنوية أربع نقاط مئوية فقط. سترتفع الديون هذا العام نتيجة لفيروس (كوفيد -19)، لكن المسؤولين يصرون على أن هذا الارتفاع سيكون مرة واحدة. لقد بدؤوا بالفعل تقليص الحوافز النقدية مع انتعاش النمو.
طعم لطلقات القمر(1) (Moonshots)
تبدو الرافعة المالية التي يعتمد عليها النظام أكثر أمانًا أيضًا. في العشرية الأولى من القرن ألقت البنوك الصينية بأنفسها في النشاط المربح لإعادة تغليف الأصول إلى منتجات استثمارية مبهمة: من عام 2010 حتى نهاية عام 2017، ارتفعت مطالبات البنوك في المؤسسات المالية الأخرى مرات عديدة، حيث قامت بوضع ائتمان متعدد المستويات على رأس الائتمان. على مدى العامين الماضيين، أجبرت القواعد الجديدة البنوك على الانسحاب. وبدأ قطاع الظلّ المصرفي، وهو عالم متنوع من شركات الإقراض والاستثمار ذات التنظيم الضيق، ينكمش.
على النقيض من ذلك، شهد سوق السندات ازدهارًا، حيث انتقلت حصته من 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2012، إلى أكثر من 100 في المئة اليوم، وسهلت القواعد المعدلة إلى حد ما على الشركات زيادة رأس المال عن طريق إصدار الأسهم. من نواح كثيرة، يبدو النظام المالي الصيني طبيعيًا ومطمئنًا أكثر من أي وقت مضى.
من نواحٍ أخرى، وهذا ما كانت عليه الحال، تدرك البنوك أن الحكومة تنقذ الشركات الحكومية في أغلب الأحيان، بينما تُترك الشركات الخاصة لأجهزتها الخاصة، إنهم بارعون في التلاعب بعدم سماع دعوات رسمية لهم لمساعدة الشركات الصغيرة المتعثرة. وبدلًا من ذلك، يوجهون معظم إقراضهم إلى الشركات الحكومية، وهو خيار عقلاني في سوق لا تزال مشوهة، يشير هذا إلى الجانب الآخر من أجندة السيد شي: إعادة صنع شركة الصين.
منذ كانون الثاني/ يناير 2019، كانت عربة جوالة (rover) صينية صغيرة تتجول على الجانب الآخر من القمر، مرسلة صورًا بانورامية واضحة تمامًا لعالم لم تبلغه أي دولة أخرى. ولكن بالنسبة إلى الاقتصاد، كانت الصورة الأكثر أهمية هي اجتماع السيد شي مع مئات العلماء والبيروقراطيين المسؤولين في قاعة الشعب الكبرى، وهو حدث أشاد فيه السيد شي بنجاحهم، بكونه رمزًا “لنموذج جديد من نظام الأمة بأكملها”.
لطالما روّج كل من داعمي الصين وضحاياها الذين يفصحون عن أنفسهم وجهةَ نظر مثالية للغاية لسياستها الصناعية. يقرر الماندريون (أعضاء الطبقات العليا في الإمبراطورية الصينية) ما تحتاج إليه الدولة، ويطبقون مزيجًا من رأس المال الرخيص، وأولويات البحث المحددة جيدًا، وسرقة الملكية الفكرية، والنزعة الحمائية protectionism والقوة القاهرة لإنجاز ذلك.
في الحقيقة، نادرًا ما كانت السياسة الصناعية الصينية متماسكة تمامًا، هذا إن وجدت. لقد شجعت التصنيع من أي نوع كان. تتنافس المدن مع بعضها البعض لجذب الشركات. تتكدس الشركات في كل ما يبدو أنه جاهز للازدهار. وأوضحت دراسة تفصيلية أجراها كارستن هولز Carsten Holz، من جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا، أن أنماط الاستثمار هذه لم تحمل سوى علاقة قليلة بالسياسة الصناعية الحكومية، التي غالبًا ما كانت تدرك الحقائق على الأرض. في بعض الأحيان يعطي هذا نتيجة. هناك قطارات سريعة ومحطات طاقة نووية آمنة المظهر. لكن عقودًا من التركيز الرسمي على أنصاف النواقل والسيارات التي تعمل بالاحتراق الداخلي فشلت في رفع الصين إلى الدوري الممتاز في أيّ منهما. تم شراء النمو الهائل في قطاعات مثل الطاقة الشمسية وبناء السفن، من خلال التبذير الذي نتج عنه طاقة فائضة وخسائر فادحة وعمليات دمج وحشية.
الأراضي الرخيصة ورأس المال، والبنية التحتية الممتازة، والعمالة الرخيصة، والعملة المقوّمة أعوامًا طويلة بأقل من قيمتها (البخسة)، سمحت بإحراز تقدم ممتاز، بغض النظر عن الإستراتيجية المتهالكة. لكن الزمن تغيّر. الشعب يتقدم في السن، وعبء الديون يزداد. وقد بدأت الآثار البيئية الناتجة عن التصنيع الشامل تظهر في جميع القطاعات. تحتاج الصين إلى أدوات جديدة لتكوين ثروة جديدة من خلالها. تم تصميم النموذج الجديد من نظام الأمة بأكملها الذي وضعه السيد شي، لجعل السياسة الصناعية المركزة والتأسيسية الأسطورية حقيقةً ظاهرة.
في هذا الصدد، أثبتت الإستراتيجية الصناعية الجديدة “صنع في الصين 2025″، التي أُعلنت عام 2015، أنها حاسمة، وإن لم يكن ذلك بالشكل المنشود. وعلى الرغم من أنها تغطي تقريبًا كل الصناعات التحويلية، فهي ليست مركزة على الإطلاق. يقول يو يونغ دينغ Yu Yongding، الخبير الاقتصادي المشارك في تطوير بعض الخطط الخمسية للصين: “في الأساس، ابتكر كل قسم في وزارة الصناعة مشاريع ذات تفضيل شخصي، رغم عدم أهميتها. ولكن لم تكن هناك إستراتيجية عمل حقيقية”. ومع ذلك، فإن طموحها، إلى جانب سحر السياسة الصناعية للصين واعتياد التجسس، دفع أميركا إلى الرد. وقد وفر ذلك للسيد شي المعايير التي من خلالها يختار أولوياته الحقيقية.
ما تحتاج إليه الصين هو توفير الأشياء التي قد تتضرّر بانقطاعها، إذا حجبتها أميركا: مصطلح “التكنولوجيا الخانقة kabozi jishu”، رائج كثيرًا. بدلًا من استهداف قطاعات كاملة، يتحدث المخططون عن إعطاء الأولوية للتفوق في التوربينات النفاثة، والطباعة الحجرية الضوئية الدقيقة لأنصاف النواقل، والحوامل عالية السرعة للأدوات الآلية مجموعة صغيرة من التقنيات المفتاحية الأخرى.
يُنظر إلى الشركات المملوكة للدولة على أنها ضرورية لهذه العملية، حيث إن الحصة المسيطرة للحكومة -على الرغم من أن كثيرًا من الشركات فيها مساهمون من القطاع الخاص- تسمح لها بإملاء إجراءات وتدابير الشركات. لكن هذا لا يمثل ميزة كبيرة، ما لم تكن تلك التدابير في صلب العمل. في الوقت الحاضر، تتأخر باستمرار الشركات المملوكة للدولة عن نظيراتها في القطاع الخاص، من حيث الإنتاجية. إن رؤساءها، بوصفهم سياسيين، حذرون من المخاطر، وهم دائمًا مثقلون بالالتزامات تجاه الدولة. في مرحلة الاستجابة لـفيروس (covid-19)، أشاد المسؤولون بالشركات المملوكة للدولة، مثل الصين للبترول (PetroChina)، وهي شركة نفطية كبرى، بخلق وظائف إضافية.
خلط الشركات
أشار السيد شي إلى أنه لا يحبذ القيام بإصلاح جذري للشركات التي تملكها الدولة. لن يكون هناك شيء مثل موجة الملابس والخصخصة التي تم تنفيذها في التسعينيات، وهي عملية قتلٍ ثمنُها ارتفاع الأسعار الاجتماعية للبطالة، ولكنها ساعدت أيضًا في تمهيد الطريق أمام رواد الأعمال المغامرين. لكن من الخطأ اعتبار الوضع ثابتًا. تحاول الدولة الحصول على مزيد من الشركات المملوكة لها، واستخدامها لتحقيق مزيد من الاستفادة من القطاع الخاص.
أعلنت الحكومة في العام الماضي أن الربحية الصافية، لا الإجمالية، هي المقياس الأساسي لنجاح الشركات المملوكة للدولة، وقد يشجعها ذلك على أن تكون أكثر تشددًا في مسألة تكاليف التشغيل. يقول خبير إستراتيجي يعمل مع أحد أكبر صناديق التحوط [وهي استثمارات بديلة تستخدم التمويل الجماعي الذي يستخدم بدوره كثيرًا من الإستراتيجيات المختلفة لكسب عائد نشط أو العائد ألفا م.] في الصين: “ما يجعلنا متفائلين إلى حد ما هو أنهم يتحدثون أكثر عن قيمة المساهمين”. من الواضح أن بعضها يعمل بشكل أفضل من الآخرين؛ فالأسهم في بنك التجار الصيني، على سبيل المثال، يتداول قيمة دفترية تبلغ 1,5 مرة، مقارنة بـ 5 مرات فقط لبنك الاتصالات.
من المحتمل أن يكون الأمر الأكثر أهمية -وقد أُسيء فهمه- هو دفع الحكومة المتجدد من أجل “الملكية المختلطة”؛ فهي تريد المزيد من الشركات الحكومية لجذب مستثمري القطاع الخاص والشركات الخاصة، للعثور على شركاء تعود ملكياتهم للدولة. وقد حدثت عمليات التأبير (التلقيح المتبادل) على طول هذه الخطوط من قبلُ (ولا سيّما عندما أُدرجت الشركات الرئيسة المملوكة للدولة في البورصات في أوائل الألفية). لكن هذه المرة ستربط مجموعة أكبر من الشركات معًا، كما يشير تشن لونغ، من شركة أبحاث بلينوم (Plenum). في الأعوام القليلة الماضية، سحبت الشركات الحكومية أكثر من تريليون يوان (145 مليار دولار) من رأس المال الخاص. وفي النصف الأول من العام 2020، اجتذبت شركات القطاع الخاص المدرجة في الصين تقريبًا استثمارات ضخمة من الشركات الحكومية.
ليست هذه هي الطريقة الوحيدة التي تجعل الحدود بين القطاعين الخاص والحكومي أكثر ضبابية؛ فقد طُلب منذ مدة طويلة من الشركات الخاصة أن تكون لها لجان حزبية، لكن كثيرًا منها لم يزعج نفسه مدة طويلة. بالنسبة إلى الشركات الأكبر هذا لم يعد خيارًا. وقد عبّر وانغ سياو شوان، الرئيس التنفيذي لشركة سوغو (Sogou) التي تملكها الدولة للبحث على الإنترنت، عن حقائق المواءمة الجديدة بصراحة في عام 2018، إذ قال: “إذا فكرتَ بوضوح في هذا الأمر، يمكنك حقًا أن تلقى صدى لدى الدولة وتتناغمًا معها. يمكنك الحصول على دعم هائل”. الويل لأي شركة تحاول أن تسير في طريقها الخاص. وأضاف: “من المحتمل أن تجد أن الأمور مؤلمة، وأكثر إيلامًا مما كانت عليه في الماضي”.
هناك بعض الأدلة على أن هذه التغييرات تحقق الأثر أو الصدمة الذي تريده الحكومة. وجد جانغ سياو كيان، الاقتصادي في جامعة جيانغ Zhejiang، أن كلًا من الشركات الحكومية والشركات الخاصة تزيد من إنفاقها على البحث والتطوير، بعد إعادة تشكيلها كشركات ذات ملكية مختلطة. تستفيد الشركات الحكومية من ضخ الأفكار والرغبة في المخاطرة، وتستفيد الشركات الخاصة من تحسين العلاقات مع الدولة؛ فتسهل زيادة رأس المال.
خذ على سبيل المثال الدارات المتكاملة، وهي مجال يستهدفه المخططون دائمًا من دون نجاح كبير (انظر الرسم البياني 3)، التي أصبحت الآن ذات أهمية كبيرة. تقوم الحكومة بتحويل أكثر من 100 مليار دولار إلى الشركات الحكومية والشركات الخاصة، وفي أغلب الأحيان، إلى المشاريع التي تجمع الاثنتين معًا. هناك كثير من النفايات، لكن هناك بوادر تقدّم. في نيسان/ أبريل، أعلنت شركة يانغتزيه لتقنية الذواكر (YMTC)، وهي شركة أنصاف نواقل تأسست عام 2016 برؤوس أموال عامة وخاصة، أنها تستطيع الآن جعل شرائح الذاكرة متطورة تقنيًا، مثل أفضل ما تقدمه شركة سامسونغ (Samsung)، وتتميز بتقديم 128 من الطبقات المميزة في الدارة.
خطط، ثم خطط، ثم خطط
يقول دان وانج، من شركة غافيكال دراغونوميكس (Gavekal Dragonomics) للأبحاث: إن رقائق شركة يانغتزيه لتقنية الذواكر (YMTC) ربما لا تكون في الواقع جيدة، مثل رقائق شركة سامسونغ (Samsung)، لكن الإنجاز يدل على تقدم الصين في تصميم الرقائق وفي إنتاجها. أحد العناصر اللافتة للانتباه في قصة شركة يانغتزيه لتقنية الذواكر (YMTC) هو أنها تقع في ووهان، نقطة الصفر لوباء فيروس كورونا، حيث أبقت الحكومة مصنعها مفتوحًا وظلت تزوده بالإمدادات، بشكل يضمن أن العمال يمكنهم العمل كل يوم، حتى عندما كانت بقية المدينة في حالة إغلاق تام، كان “النوع الجديد من نظام الأمة بأكملها” يعمل.
ومع ذلك، فإن التوتر الأساسي في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة لا يزال من دون حل. نعم، لقد ركزت الحكومة بشكل أكبر على الربحية، لكن هذا لا يعني اتخاذ القرارات وفقًا للمنطق التجاري. في الواقع، نجد أن واجب السيد شي الوطني (دعم صعود الصين) أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى. يؤدي تشديد سيطرة الحزب إلى إرباك صفوف المسؤولين. يقول مسؤول تنفيذي في شركة تأمين كبرى مملوكة للدولة إن لجنته الحزبية تتحكم الآن في جميع تعيينات كبار الموظفين، ويعبّر عن “آراء” بخصوص جميع الاستثمارات التي تزيد قيمتها عن 20 في المئة من صافي قيمة الأصول. الرأي هو تعبير ملطف بدلًا من آخر جارح. وقال: “هذا هو القرار النهائي عادة. لن يعارض أحدٌ سكرتير الحزب. ولكن إذا ساء أمرٌ ما، فسيكون المجلس مسؤولًا”.
في القطاع الخاص، على الرغم من كل الانتقادات التي يوجهها الأجانب لمدى وصول ذراع السيد شي المتزايد، فمن المفيد ملاحظة مدى نجاح بعض أكبر اللاعبين تحت رعايته. أضافت أكبر عشر شركات غير حكومية في الصين ما يقرب من 2 تريليون دولار إلى رسملة السوق، منذ أن أصبح رئيسًا للحزب. يساعد تعزيز السيد شي، لقرارات المحاكم وانضباط النظام المالي، الشركات القائمة على المقتنيات، وفي مقاضاة الشركات التي تنتهك براءات الاختراع الخاصة بها لكي تحصل على التمويل.
تاريخ متناقض
يساعد كل هذا في دعم التوطيد التدريجي الذي يحدث عبر مجموعة من الصناعات، وهي عملية توضح أن هناك بالفعل قوى سوق قوية تلعب دورًا في الاقتصاد وتُوجه بطرق أكثر فاعلية من الماضي. في قطاع العقارات، على سبيل المثال، يمتلك أكبر عشرة متعهدين الآن حصة سوقية تبلغ 34 في المئة، حيث سجلت ارتفاعًا بنسبة 20 في المئة، في خمس سنوات، وفقًا لبنك يو بي إس (UBS).
لكن حكم السيد شي لم يكن مجرد وقت توطيد. نشأت عديدٌ من الشركات الجديدة في عهده، ومن ضمنها الشركة التي أنشأت تيك توك (TikTok)، التطبيق على الوسائط الاجتماعية الذي أصبح الآن في قلب عاصفة جيوبوليتيكية، وشركة بينداودو (Pinduoduo)، وهي شركة للتجارة الإلكترونية تشغل موقعًا شركة علي بابا (Alibaba) حاليًا في الصين، وشركة سينس تايم (Sense Time)، إحدى شركات الذكاء الاصطناعي (Al) في طليعة تقنية التعرف على الوجه.
القلق -بالنسبة إلى الاقتصاد وبالنسبة إلى أولئك الذين قد تستهدفهم منتجات شركة (Sense Time)- هو ما يأتي بعد ذلك. إن الإصرار على تشكيل لجان حزبية في الشركات الخاصة، حتى لو كانوا يصممون الواجهة في الوقت الحالي، وعلى مبادرات الملكية المختلطة، لا يمكن إلا أن يسحب رواد الأعمال بقوة إلى تحت قبضة الدولة. هل يمكن للتقدم التكنولوجي الذي يوفره نظام الأمة بأكملها أن يعوّض -بأي شكل من الأشكال- عن تلك القيود؟ وهل يمكن التنبؤ بما سيجلبه المستقبل والحوافز المتباينة التي تأتي معه حتمًا؟
كان من الممكن دائمًا، منذ مدة طويلة، أن تخضع القرارات الكبرى -الاستثمارات والتسريح والعلامات التجارية- في الشركات الصينية الكبرى، سواء كانت مملوكة للدولة أم لا، للتدقيق الحكومي، لكن هذا الاحتمال يُنقَل الآن بشكل أكثر وضوحًا، ويزداد الشعور بآثاره. جميع الشركات، بغض النظر عما يملكها، مُسخرّة لمجد الصين.
حامل راية النموذج الجديد هو من أمثال شركة (BYD)، وهي أكبر صانع للسيارات الكهربائية في العالم. على أحد المستويات، هي تجسد روح الأعمال الريادية التي عززت نمو الصين. ترك وانغ شوان فو، الكيميائي، وظيفة حكومية منخفضة الأجر، في منتصف القرن التاسع عشر، وبدأ يعمل بمفرده، حيث قام أولًا بتطوير بطاريات الهاتف، ثم بطارية السيارات. اليوم، تعد شركته وارن بافيت Warren Buffett أكبر مستثمر لها [وارن بافيت رجل أعمال، وهو أشهر مستثمر أميركي في بورصة نيويورك، ورئيس مجلس إدارة شركة بيركشير هاثاواي، وهو ثالث أغنى أغنياء العالم لعام 2014، بحسب مجلة فوربس الأميركية، بثروة 65,6 مليار دولار أميركي، بعد أن كان أغنى رجل بالعالم لعام 2008، بثروة 40 مليار دولار أميركي. م.].
لكن علاقة شركة (BYD) بالحزب قوية. فالسيد وانغ عضو في الحزب. وعلى الرغم من أن الشركة لم تناقش خطاب لجنتها الحزبية بشكل رسمي مع المساهمين، فإن وسائل الإعلام الحكومية ذكرت أنها تساعد في توجيه قرارات الشركة. وتتوافق قراراتها التجارية أحيانًا بشكل لافت للنظر مع أولويات الحكومة. عندما فرضت أميركا عقوبات في العام الماضي على شركة هاواوي (Huawei)، عملاق الاتصالات الصيني المحاص، بدأت شركة (BYD) تصنع هواتف ذكية لها.
تزداد صعوبة التمييز بين قطاع الدولة والقطاع الخاص، ويصعب التمييز بين مصالح الشركات والمصالح الوطنية. وعلى الرغم من جميع أوجه القصور والتناقضات والسلطوية، فضلًا عن العبادة المتزايدة لشخصية الفرد، فمن الصعب الادعاء بأن رأسمالية الدولة ستعوق محاولات الصين لإنتاج الشركات والتقنيات الرئيسة التي تضعها على حافة ريادة الاقتصاد العالمي.
اسم المقال الأصلي | Blooming for the glory of the state |
الكاتب | NONE |
مكان النشر وتاريخه | الإيكونوميست،THE ECONOMIST، 15 آب/ أغسطس 2020 |
رابط المقالة | https://econ.st/36nR3KI |
عدد الكلمات | 3564 |
ترجمة | قسم الترجمة/ أحمد عيشة |
[1] – في سياق التكنولوجيا، هو مشروع طموح واستكشافي ورائد يتم تنفيذه دون أي توقع للربحية أو الفوائد على المدى القريب، وربما أيضًا، من دون إجراء تحقيق كامل في المخاطر والفوائد المحتملة. م.