عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، عبر البث المباشر، الثلاثاء 8 أيلول/ سبتمبر 2020، ندوة بعنوان “التنوير ودوره في المشروع الوطني وسورية المستقبل“، شارك فيها أحمد الرمح، الكاتب والباحث في الفكر الإسلامي، وأدارتها الإعلامية نسرين الطرابلسي.
تضمنت الندوة محاور عدة، منها تعريف ومفهوم الأكثرية، إشكالية الدين ووظيفته في عصر المواطنة والدولة المدنية، علاقة الدين بالدستور السوري المرتقب.
في بداية الندوة، تحدث الرمح عن دور الدستور والقانون، كخطوة أولى في طريق بناء دولة قائمة على المواطنة في سورية، تضمنُ احترام جميع مكونات المجتمع لبعضهم البعض، والمساواة بينهم في الحقوق والواجبات. وقدّم الرمح شرحًا موجزًا لمعنى أو تعريف الدستور، كأداة لتنظيم وضبط عمل السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأكد أن للدستور مهمتين أساسيتين: الأولى تأمين حرية المواطن وكرامته وتحقيق العدالة الاجتماعية؛ والثانية منع تداخل عمل السلطات الثلاث التي تقود المجتمع.
وناقش الرمح كيفية التوصل إلى تعريفات للمصطلحات والمسائل الإشكالية توحّد جميع السوريين، وتكون مُرضية لجميع الأطراف وبعيدة عن الأيديولوجيات، كمفهوم الحريات الإنسانية والديمقراطية وحيادية الدولة والمجتمع المدني والعيش المشترك ودور الدين في المجتمع، منبهًا إلى ضرورة ترتيب الأولويات، لتجنب المطبات والمعوقات. وقدّم اقتراحًا لإنجاز كُتيب يتضمن تعريفًا واضحًا لكل المصطلحات التي يحتاج إليها السوريون، سواء في كتابة الدستور أو في الخطاب السياسي والحوارات.
وأشار الرمح إلى أن مصطلحي الأكثرية والأقلية قد تبدّلا مع تبدل شكل الدولة، وتختلف تعريفاتهما في علم الاجتماع السياسي، عنها في الدولة القومية أو ذات الشكل الديني، لافتًا إلى وجود مفهومين للأكثرية: الأكثرية السياسية الموجودة في السلطة وتدير الدولة والمجتمع، وتصل إلى السلطة من خلال برنامج واضح لا عن طريق الشعارات أو القوة، وكل من يختلف معها من المعارضة يكون من الأقلية؛ والأكثرية القانونية وهي المجموعة الموافقة أو المتوافقة على عقد اجتماعي، ولا يمكن للأفراد الخروج عن هذا العقد الاجتماعي، وإن اختلفوا معه، الأمر الذي سيُنتج مجتمعًا مستقرًا ومتوازنًا، ويكون خطوة أولى على طريق وضع الدولة والمجتمع على طريق التنمية والحضارة.
من جانب آخر، ناقش الرمح الأخطاء التي وقعت فيها اللجنة الدستورية، بشقيها النظام والمعارضة، في ما يتعلق بقضية الدين والدولة، مبينًا ضرورة أن تتفق اللجنة على معالم عريضة تستند إليها في كتابة الدستور، وهذه المعالم من الممكن أن تتحول إلى وثيقة عهد أو وثيقة شرف وطني، تسهل عملية كتابة الدستور، لكن التدخل الخارجي والصراع المحتدم، كي يكسب كل طرف نقاطًا مقابل الآخر، أدى إلى العديد من الأخطاء. ولفت النظر إلى أن من الخطأ القول إن “دين رئيس الدولة هو الإسلام”؛ لأن سورية تتألف من 9 مكونات، وكل واحد منها ينتمي إلى أيديولوجيات ومذاهب دينية مختلفة، وبالتالي سورية المستقبل بحاجة إلى ما يمكن أن يعطي الطمأنينة لجميع المكونات؛ لأن دولة المواطنة المعاصرة لا تعتمد على مبدأ الأكثرية الدينية أو العرقية، وإنما تعتمد على الأكثرية السياسية والأكثرية القانونية.
وناقشت الندوة إمكانية أن يكون للدين دور ناظم للمجتمع السوري، من خلال قوانين تحكم المجتمع، كقانون الأحوال الشخصية، أو في حال غياب النص في القانون المدني، الأمر الذي يقتضي العودة إلى التشريع الإسلامي. وشدد الرمح على ضرورة فصل الدين عن الدولة في عصر المواطنة، ذلك بأن الدولة -بمفهومها الحديث- لا يمكن أن تكون متدينة، لأن مهمتها حماية المواطن وتنفيذ الدستور وتطبيق القانون، إضافة إلى أن فصل الدين عن الدولة سيتيح لجميع الأطراف حرية التعبير التي ستولّد بدورها حالة من الإبداع، وفي الوقت نفسه سيحافظ الدين على طهرانيته ونقائه ولا يتلوث بالسياسة.
تطرقت الندوة إلى موضوع فشل الإسلام السياسي في العديد من الدول العربية، كالعراق والسودان ومصر وتونس وسورية، في قيادة الدولة والمجتمع، وإلى الحالة السيئة التي وصلت إليها الثورة السورية على الأصعدة كافة، بسبب سيطرة الإسلام السياسي، وكيف شاركت شخصيات تُحسب على التيار العلماني في هذا الفشل. وقال الرمح: “لم يعد بشار الأسد هو المشكلة الوحيدة في سورية حاليًا، اليوم لدينا مشكلتان أساسيتان هما أيديولوجية السلفية الجهادية، ومشكلة التشيّع الصفوي الإيراني، وذلك بسبب أخطاء الإسلام السياسي، وأصبح لدينا أشكال أخرى للاستبداد غير ذلك الذي يمارسه النظام السوري”.
في المحور الأخير، ناقش الضيف مفهوم الشورى في الإسلام، وإمكانية الاستناد إليه في النظام السياسي كقاعدة في الحكم والانتخاب، إضافة إلى مفهوم الإسلام الموازي الذي كان نتاج القادة والسلاطين المستبدين والفقهاء الذين اعتمدوا منهج التحريم بدلًا من التجديد والتنوير. وفي ختام الندوة، أجاب الباحث أحمد الرمح عن أسئلة المتابعين وتعليقاتهم.