الدور الإيراني في سورية وآفاقه المستقبلية

الكاتب: جابر أحمد

تزايد الدور الإيراني في سورية، بعد إسقاط نظام الشاه وإقامة نظام الجمهورية الإسلامية في سورية، وذلك في المجالات الاقتصادية والسياحية الدينية، وأخيرًا تنامى هذا الدور في المجالات العسكرية، ويمكن القول إن هذا الدور غطى على جميع الأدوار الأخرى.

 ويرجع تاريخ العلاقات بين سورية وجمهورية إيران الإسلامية إلى عام 1980، وذلك بعد أن سيطر رجال الدين على السلطة، وأقاموا نظام “ولاية الفقيه”، حيث ذهبت أول دفعة من الحرس الثوري الإيراني لتستقر في أحد المعسكرات الواقعة في مدينة بلودان القريبة من العاصمة السورية، ومن ثم تنامت العلاقات بين الجانبين في مجالات عدة، ولا سيما في مجال السياحة والاستثمار.

ومع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، تطورت العلاقات بين البلدين إلى حد كبير، حيث وصل الأمر بسورية -إبان فترة حكم حافظ الأسد- إلى شراء الأسلحة وخاصة الصواريخ بالمال الإيراني، من الاتحاد السوفيتي السابق، ومن ثم إرسالها إلى إيران، الأمر الذي حافظ على توازن القوى العسكرية بين الجانبين إيران والعراق، وبسببه تمكنت إيران من قصف العاصمة العراقية بالصواريخ الروسية القادمة إليها من سورية.

 نشرت أخيرًا المواقع الإيرانية الحكومية، وخاصة تلك المقربة من الحرس الثوري، الوصية التي تركها اللواء حسين همداني (وهو أحد قادة الحرس وعمل مستشارًا عسكريًا إيرانيًا لدى سورية مدة ثلاث سنوات، وقُتل قبل شهور على يد المعارضة السورية في جبهة حلب) وتحدث فيها عن الدعم السوري إبان الحرب العراقية، حيث قال: “على الرغم من أن حافظ الأسد كان (أبا ذر) حزب البعث، فإنه وقف بكل إمكاناته إلى جانب المعسكر الإسلامي وإلى جانب إيران، وذلك ليس بالشعارات والكلام وحسب، وإنما دخل الساحة منحازًا إلى إيران، ومبادرًا إلى قطع أنبوب النفط العراقي الذي كان يربط العراق عبر الموانئ السورية بالبحر الأبيض المتوسط، وإن سورية بعملها هذا قد قطعت الوريد الاقتصادي الذي يغذي العراق، وبذلك يكون قد قدم لنا خدمة كبرى”. وإضافة إلى ذلك وقف النظام إلى جانب قوات التحالف، في عملية تحرير الكويت التي تمت من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

مع رحيل حافظ الأسد ومجيء ابنه بشار الأسد؛ تطورت العلاقات بين الجانبين إلى حد كبير، وتزايد الدعم الإيراني لنظام بشار الأسد، واستنادًا إلى تصريحات السيد إستيفان ديمستورا (المبعوث الخاص لهيئة الأمم المتحدة في سورية)، فإن حجم المساعدات التي تقدمها إيران إلى النظام السوري قد بلغ -على أقل تقدير- ما يقارب 6 مليار دولار سنويًا، وذلك من أجل الحفاظ على هذا النظام، وبعض المحليين يقدرون أن هذا الدعم قد بلغ ما بين 15 إلى 20 مليار دولار سنويًا.

مع اندلاع انتفاضة الشعب السوري، في منتصف آذار 2011؛ تزايد التدخل الإيراني، ولا سيّما في المجال العسكري والدعم المالي إلى حد كبير، وقد تزامن هذا التدخل مع تقديم المزيد من الدعم المالي، حيث وصل حجم المساعدات المالية التي قدمها نظام الجمهورية الإسلامية، من أجل قمع هذه الانتفاضة والإبقاء على نظام بشار الأسد، إلى أرقام خيالية، ولم يُخفِ النظام الإيراني ذلك، بل تحدث عنه بمناسبة ودون مناسبة، وفي هذا المجال، صرح حشمت الله فلاحت بيشه (عضو لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإسلامي) بهذا الأمر، حيث قال: “إن ما قدمته الجمهورية الإسلامية الإيرانية من أموال إلى سورية قد بلغ ما يقارب بين 20 إلى 30 مليار دولار، وإن هذه الأموال يجب استعادتها من هذا البلد “، ويشكّل هذا الدعم والتدخل الإيراني في سورية ركنًا مهمًا من أركان السياسة الإيرانية، وينطلق من اعتبارات عدة، لعل أهمها ما يسمى “تصدير الثورة”، وهو الأمر الذي نص عليه الدستور الإيراني.

يسعى النظام الإيراني، من خلال تدخله في سورية ولاحقًا في العراق، لأن يصل إيران -عبر العراق وسورية- بالبحر الأبيض المتوسط، سواء عبر مد سكة حديد تمتد من مدينة كرمنشاه الإيرانية عبر الأراضي العرقية إلى سورية، أو عبر الطرق البرية العراقية، لإكمال ما يسمى بمشروع “الهلال الشيعي”، لأن النظام يرى أن أمنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بوجوده في سورية، حتى إن قادته صرحوا علنًا بأن سورية أهمّ لديهم من “خوزستان” أي “عربستان” البترولية التي يؤمن بترولها 80 % من الاقتصاد الإيراني.

اليوم، بعد نحو أكثر من عشر سنوات، من التدخل العسكري المباشر والمساهمة في قمع انتفاضة الشعب السوري؛ نرى أن هذا النظام يواجه معضلة كبرى في سورية، وذلك للأسباب التالية:

  • – الأزمة الاقتصادية التي يعانيها النظام الإيراني، بسبب العقوبات التي فرضتها عليه الولايات المتحدة الأميركية، حيث انخفض بسببها إنتاج وتصدير النفط من 2 ونصف مليون برميل، إلى 400 ألف برميل يوميًا، وبذلك لم تعد عائدات البترودولار تمكنه من دعم النظام السوري ماليًا، إضافة إلى تزايد الدعوات داخل المجتمع الإيراني وداخل بعض النخب الإيرانية الموالية للنظام، بضرورة ترك سورية وحالها والاهتمام بالشأن الإيراني.
  •  – الضربات الإسرائيلية الموجعة التي وجهت إلى قواعد ورجالات الحرس في سورية، حيث فرضت واقعًا جديدًا، إضافة إلى استهدافها العمق الإيراني نفسه، وذلك من أجل حملها على الانسحاب وعدم الاقتراب من الحدود الإسرائيلية السورية، وخاصة من مرتفعات الجولان.
  • – التدخل العسكري الروسي الذي جاء بعد أن فشل النظام الإيراني وحلفاؤه، وخاصة “حزب الله”، في حسم الصراع لصالح النظام.
  • – التناقض التركي الإيراني، والتقارب والتفاهم بين تركيا وروسيا الهادف إلى الحد من نشاط قوات الحرس الثوري الإيراني في سورية، إلى درجة الاصطدام معها أحيانًا.
  • – ما أفرزته الحرب الأهلية السورية من رغبة لدى بعض السوريين المحسوبين على الحكم الذين يطالبون بإخراج قوات الحرس والقوى الموالية لها من سورية.
  • – الانتفاضات الشعبية المعادية للنظام الإيراني في العراق، ومطالبة الشعب العراقي بوضع حد للتدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي العراقي.

وإضافة إلى ما ورد، فإن روسيا بعد تدخلها العسكري في سورية فرضت واقعًا جديدًا في هذا البلد، وهذا الواقع يتمثل في الحد من تنامي دور الحرس الثوري الإيراني، حيث اعتمدت سياسةً تهدف من خلالها إلى جمع قوات الحرس في أماكن معينة، لا يحق لها مغادرتها إلا بأوامر روسية، كما يشاركها في هذا النهج الجانب التركي أيضًا، حيث نرى أن هناك مناطق في سورية محرمة نهائيًا على وجود أي من قوات الحرس الثوري والميليشيات الموالية.

وصلت اليوم العلاقات بين روسيا والنظام الإيراني، بخصوص الوجود الإيراني في سورية، إلى درجة غير مسبوقة، وهذا ما كشفته الزيارة التي قام بها جواد ظريف (وزير الخارجية الإيراني) أواخر تموز/ يوليو 2020، إلى روسيا، حيث أظهرت أن هناك خلافات كبرى بين طهران وموسكو، ولعل أكبر دليل على ما نقوله هو امتناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيًا، على غير عادته، عن استقبال ظريف. وعلى ذلك؛ يكون تصريح ظريف عن وضع ما سمّاه “اللمسات الأخيرة على اتفاق طويل الأمد للتعاون الاستراتيجي الشامل مع روسيا”، ذرًا للرماد في العيون، من أجل الاستهلاك الإعلامي الداخلي، لأن موسكو تدرك جيدًا أن نظام ولاية الفقيه، في حال فوز الديمقراطيين في الانتخابات الأميركية القادمة، سوف يتوجه نحو أميركا والغرب، إضافة إلى الصين، وسوف تتغير سياساتهم تجاه روسيا 180 درجة، وأن هذا النظام سوف يضع كل بيضه في السلّة الأميركية الغربية، ولعلّ أولى المتغيرات التي سوف يتخذها في المجال الخارجي هي التسليم بما يريده المجتمع الدولي والتخلي عن مشروعه النووي والصواريخ الباليستية، وكذلك عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، ومن ضمنها سورية، وسحب حرسها الثوري منها.