عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة عبر البث المباشر، السبت 16 أيار/ مايو 2020، ندوة بعنوان (تغيرات الموقف الروسي في القضية السورية)، شارك فيها من واشنطن د. رضوان زيادة، الباحث في المركز العربي في واشنطن، ومن موسكو د. محمود الحمزة، الأكاديمي والباحث السياسي، وأدارتها الإعلامية ربا حبوش.
حاول الضيفان تحليل واستقراء دلالات التصريحات الإعلامية الصادرة عن مؤسسات ودوائر مقربة من الحكومة في روسيا، ضد الأسد، وردة فعل النظام السوري وحاشيته، وحقيقة التفاهمات الروسية – الأميركية الممكنة والمتوقعة، وأسباب موافقة الولايات المتحدة على انسحاب جميع القوى الأجنبية من سورية عدا القوات الروسية، وغير ذلك من المواضيع ذات الصلة بالموقفين الروسي والأميركي.
في البداية، تحدث محمود الحمزة عن دلالات التصريحات الروسية التي طالت بشار الأسد، وسلطت الضوء على فساده وعائلته، ووصف هذه الحملة الإعلامية الروسية ضد النظام بأنها جديدة، من حيث الخطاب والمضمون والمصادر أيضًا. وقال: “هناك مصادر من الكرملين هي التي بدأت هذه الحملة، وهناك لهجة جديدة طالت فساد النظام، واتهمته بأنه قاتل وأنه يتعاون مع تنظيم (داعش)، وهذه الاتهامات والحقائق كنا نقولها سابقًا، لكن الروس كانوا يتجاهلون ذلك. واللافت أيضًا تسليط الضوء على بشار الأسد، ووصفه بالشخص الضعيف، وبأنه غير قادر على إدارة البلاد. ونستطيع القول إن هذه التصريحات الإعلامية الروسية هي رسائل للنظام، فإما أن ينصاع للروس ويكون مع طروحاتهم، خاصة أن هناك تأثيرًا واضحًا لإيران على النظام، وإما الاستمرار في هذه الحملة”.
وتابع: “أعتقد أن أسباب هذا التحول في الموقف الروسي ليست اقتصادية فقط، ولكن هناك أسباب سياسية، وهناك كثير من المعطيات التي تقول إن روسيا مضطرة إلى التنازل والاتجاه نحو إيجاد حل سياسي في سورية، فروسيا غير قادرة على الاستمرار في المعارك، خاصة في إدلب؛ لأنها ستصطدم بتركيا، وهي حريصة على إقامة تحالف مع أنقرة. وهناك أيضًا الضغوطات الدولية مثل قانون قيصر، وتصريحات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وبدء محاكمة المجرمين في أوروبا، كما أن الوضع الداخلي في سورية سيئ للغاية، حتى بين صفوف الموالين للنظام، وهذا يجعل روسيا مضطرة إلى أخذ كل هذه الأسباب بعين الاعتبار”.
في المقابل، علّق رضوان زيادة على المقال الذي نشره عضو مجلش الشعب التابع للنظام خالد العبود، ووجّهه إلى الرئيس الروسي، وقال: “أولًا خالد العبود هو أمين سر مجلس الشعب السوري، ومهما كانت تصريحاته شخصية فلا بد أن تحمل طابعًا رسميًا، وفي الواقع أحدثت رسالة العبود انعكاسًا في الصحافة الروسية، وتم تداول أخبار في صحف روسية، تتحدث عن تهديدات سورية لموسكو. لكن أعتقد أن القيادة الروسية لا تأخذ هذه التصريحات على محمل الجد، لأنها تعرف أنها لا تستند إلى قيمة أو قوة حقيقية”.
وأضاف: “وفي العودة إلى تناقض الموقف الروسي، نجد أن روسيا -بالرغم من التصريحات التي طالت النظام وفساده- انسحبت من اجتماع مجلس الأمن الخاص بمناقشة تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، الذي يؤكد للمرة الأولى استخدام نظام الأسد للسلاح الكيمياوي في منطقة اللطامنة في حماة، وبالتالي نجد أنفسنا أمام معضلة متكررة، وهي أن روسيا تقول شيئًا للمعارضة والمجتمع الدولي، ثم تتصرف على نحو مختلف، حيث إنها استخدمت حق النقض الفيتو 11 مرة في مجلس الأمن، ضد قرارت تدين النظام السوري. ما تريده روسيا حاليًا من هذه التصريحات هو الحصول على بعض الدعم، وإظهار نفسها بأنها لا تدعم النظام وغير راضية عنه”.
وحول سؤال عن الجهة الدولية الأقوى في سورية حاليًا، ومن هو الضامن الذي يعوّل عليه، أجاب الحمزة: “اعتمدت روسيا على إيران في مرحلة الصراع العسكري، والآن جاء دور تركيا بشكل أساسي في المجال السياسي، ولا يخفى على أحد أن هناك تنافسًا، بين روسيا وإيران، انعكست تجلياته بوضوح في الخلافات الدائرة بين بشار الأسد ورامي مخلوف. أعتقد أن الضامن الأكبر لأي اتفاق يخص سورية هو الولايات المتحدة، لأنها اللاعب الأكبر في المشهد السياسي السوري، وأرى أن هناك تفاهمًا روسيًا أميركيًا منذ عام 2014 حول سورية، بهدف حماية أمن إسرائيل، وستكون روسيا هي الضامن لأمن إسرائيل في سورية، وهذا ما يفسر السكوت عن الدور الذي لعبته روسيا وتدخلها العسكري بشكل كبير في سورية، لتبدو وكأنها صاحبة القرار في الملف السوري”.
وحول تصريحات المبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري، التي قالت بضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية من سورية عدا القوات الروسية، علّق زيادة قائلًا: “أعتقد أن هذا التصريح يهدف إلى مغازلة الروس، وشرعنة وجودهم العسكري والسياسي في سورية، إذا تعاونت موسكو مع واشنطن في طرد الميليشيات الإيرانية من سورية، وهذا هو الهدف التكتيكي -برأيي- من هذا التصريح، وهو تصريح لافت، لأن انسحاب جميع القوات الأجنبية من سورية معناه انسحاب أميركا أيضًا، ومن المعروف أن جيفري من أشد المعارضين لخروج القوات الأميركية من سورية، وهذا ينقلني إلى النقطة الأخرى التي أريد أن أعقب عليها، وهي تتعلق باللاعب الإقليمي المهم للغاية: تركيا، أعني أن تركيا استثمرت كثيرًا في القضية السورية، عسكريًا وسياسيًا وماليًا، ولن تقبل أن تكون فرق عملة أو أن تكون ضحية تصفية حسابات بين روسيا وأميركا، وأعتقد أن تركيا أظهرت للجميع، من خلال منعها شن حملة عسكرية للنظام على إدلب ومنع تقدم القوات الروسية، أن خياراتها ومصالحها قبل كل شيء، حتى إنها وصلت إلى مرحلة الاصطدام مع روسيا بشكل مباشر، وأدخلت قواتها العسكرية في مواجهة مباشرة مع قوات النظام وميليشيا (حزب الله)، وهذه القوة العسكرية التي أظهرتها تركيا جعلت روسيا تفكر في الموضوع كثيرًا، وهي حاليًا تريد الحفاظ على الاتفاق العسكري الروسي – التركي، على ما هو عليه، وترفض أي تحريض من قبل نظام الأسد، من أجل شن حملة عسكرية على إدلب، لأن موسكو تدرك أن الرد التركي سيكون قاسيًا جدًا، وليس من مصلحتها التصعيد في هذا الإطار.
وأضاف: “أعتقد أن إطار الحل السياسي الحقيقي يكون باتفاق ثلاثي تركي روسي أميركي، وهذا سيكون من مصلحتنا كمعارضة بشكل رئيسي، لأن اتفاق أستانا كان ثلاثيًا أيضًا، وضمّ كلًا من إيران وروسيا وتركيا، لكن كلا الطرفين الروسي والإيراني هم أقرب وأكثر دعمًا لنظام الأسد، وحاليًا إذا تم اتفاق يضم روسيا وتركيا وأميركا، فإن الأطراف التي تؤيد الثورة السورية سوف تدعمه من أجل الوصول إلى حل سياسي. وأعتقد أن نظام الأسد يخشى كثيرًا من هذا التقارب بين روسيا وتركيا، الذي يعكس تغيرًا واضحًا في الموقف الروسي تجاه الرؤية التركية”.
وناقش الضيفان في الختام مدى إمكانية التوصل إلى حل سياسي في سورية، في ضوء الهوة الكبيرة بين مصالح كل من موسكو وواشنطن، خاصة بعد أن يبدأ تطبيق قانون قيصر، مطلع الشهر القادم، الذي سيؤثر في العديد من الشركات الروسية الموجودة على لائحة العقوبات، إضافة إلى الضغوط الأميركية على الدول الأوروبية، من أجل إقرار قانون شبيه بقانون قيصر، لمنع إعادة تأهيل نظام الأسد، ومدى جدية الضغوطات الروسية على النظام في سبيل التوصل إلى حل سياسي. وحول ذلك، قال الحمزة: “أعتقد أن الضغوطات لا يجب أن تكون فردية من جانب روسيا فقط، بل يجب أن تتكامل مع الضغوطات الأميركية، وإذا لم يحدث تفاهم أميركي – روسي بالدرجة الأولى، فلن يكون هناك آفاق لأي حل سياسي في سورية، وبالتالي أميركا هي التي تعطي الضوء الأخضر لروسيا، مع ضرورة الإشارة إلى أن روسيا ليست ضعيفة، لكنها بدأت الآن -كما يُقال- تُظهر العين الحمراء للنظام، لأن الأمور في سورية وصلت إلى طريق مسدود”.