بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وفرضها عقوبات مشددة تهدف إلى تصفير النفط الإيراني؛ رفعت إيران مستوى التحذيرات وأعلنت أن جميع السبل والطرق متاحة للتحايل وتجنب قسوة العقوبات. وفي خضم مواجهتها للعقوبات الأميركية، صممت إيران آليات جديدة وفريدة لبيع نفطها، وعلى الرغم من عيوب تلك الآليات، فإنها كانت ناجعة إلى حد كبير في عملية تسويق وبيع النفط الإيراني. وعلى الرغم من أن العديد من مراكز تتبع البضائع، وأهمها مؤسسات كلبر وتانكر تركرز وبلومبرغ، المعنيات بتتبع حركة ناقلات النفط في العالم، تسعى للحصول على معلومات موثوقة في هذا الصدد، فإن إيران أصبحت تمتلك طرقًا مختلفة لنقل شحناتها النفطية سرًّا، مستعينة بعوامل عدة، وبعيدًا عن أعين تلك المؤسسات، حتى غدت طهران رائدة في مجال التحايل النفطي. وفي الوقت الحالي، تُجري إيران عمليات ناجحة لتسليم نفطها للعملاء أو لمنشآت تخزين النفط، وقد تجاوزت كل التوقعات في هذا المجال. وفي الحقيقة، استطاع مشترو النفط الإيراني، مستفيدين من طرق الدفع والشحن المبتكرة، شراء النفط من إيران حتى في أصعب فترات العقوبات الغربية والأميركية.
تسلط هذه الورقة البحثية الضوء على أساليب التحايل التي اعتمدتها إيران لمواجهة العقوبات النفطية الأميركية، بدءًا من إلقاء نظرة موجزة على صادرات النفط الإيراني خلال السنوات العشر الماضية، وتبيّن من هم المشترين الأساسيين للنفط الإيراني، ومن هي الدول التي التزمت بالعقوبات الأميركية، وأهم التكتيكات التي اتبعتها إيران بالتعاون مع بعض الدول والشركات والأفراد للتحايل على العقوبات، ولتسويق عملية بيع نفطها، ونختم الورقة بقراءة لمدى نجاعة سياسة الضغط الأميركية القصوى الرامية إلى تصفير النفط الإيراني، وما هي العوامل التي ساهمت في عدم تحقيق النجاح الكامل لسياسة تصفير النفط الإيراني.
أهمية البحث:
تنبع أهمية البحث من كونه يقدم إسهامًا جديدًا حول توضيح الآليات والتكتيكات التي اعتمدتها إيران للتحايل على العقوبات النفطية، مسلطًا الضوء على دور الحكومات والأفراد والشركات الخاصة والعامة معًا في مساعدة طهران للقيام بذلك، بغض النظر عن أسلوب التكتيك الاحتيالي نفسه، وفي الوقت ذاته تتابع هذه الورقة البحثية ترنح الصادرات النفطية الإيرانية تحت ضغط سياسة التصفير الأميركية، لتخرج بدراسة مبسطة عن جدوى السياسة الأميركية هذه، التي أصبحت تشبه إلى حد كبير حربًا اقتصادية تهدد وجود النظام الإيراني.
إشكالية البحث:
بعد مرور أكثر من أربعة عقود على العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، التي ما تزال محددًا قائمًا في العلاقة بين البلدين، ولا سيما بدء سياسة تصفير النفط الإيراني من جانب واشنطن منذ أكثر من عام بشكل جدي؛ يحتدم الجدال بين مختلف الباحثين والمتخصصين في الشأن الإيراني، حول مدى التأثير الذي وضعته سياسة التصفير الأميركية على معدل صادرات النفط الإيرانية على مدار السنوات العشر الماضية، وما هي التكتيكات التي اعتمدتها طهران لتخفف من شدة وقساوة هذه السياسة.
وتنبع إشكالية البحث من نقطتين اثنتين: الأولى أن أرقام الصادرات النفطية الإيرانية متضاربة على أغلب المصادر والمواقع التي تتبع الناقلات النفطية وشؤون الطاقة، لذلك سعى البحث للحصول على أرقام دقيقة من خلال تتبعه لبيانات المواقع والشركات الموثوقة كبلومبرغ وكلبر وتانكر تركرز، وغيرها.. والثانية أن التكتيكات الإيرانية للتحايل النفطي هي تكتيكات مبتكرة وفريدة من نوعها، وأصبحت عملية شرحها تشبه إلى حد كبير الولوج داخل متاهة كبيرة لا يمكن الخروج منها إلا باستخدام الأساليب التي أصبحت طهران متقنة لها، خاصة في ظل استخدام طهران لوكلائها الإقليميين في المنطقة، وشبكة علاقاتها الواسعة في العالم، وقوتها العسكرية في الخليج العربي ومضيق هرمز، لتمرير أجنداتها الاقتصادية.
افتراضات البحث:
ينطلق البحث من الافتراض التالي:
أثرت سياسة تصفير النفط الإيراني في صادرات النفط الإيرانية بشدة، لكنها لم تنجح عمليًا في بلوغ الهدف الذي وضعت من أجله حتى الآن، وهو تصفير النفط الإيراني، والفضل يعود بذلك للتكتيكات المبتكرة التي اتبعتها طهران في عملية بيع وتسويق نفطها للخارج.
أهداف البحث:
يهدف البحث إلى تتبع معدل صادرات النفط الإيراني خلال السنوات العشر الماضية، إذ كانت تخضع خلالها إيران للعقوبات الأميركية المشددة، واضعًا جداول بيانات موثقة توضح ذلك، ومبينًا مدى نجاعة التكتيكات الإيرانية للتحايل النفطي في تخفيف وطأة العقوبات الأميركية، والعوامل التي ساهمت في عدم إنجاح سياسة تصفير النفط الإيراني.
أقسام ومحاور البحث:
يتكون البحث من مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة
المبحث الأول: نظرة على صادرات النفط الإيراني
المبحث الثاني: التكتيكات الإيرانية للتحايل النفطي
المبحث الثالث: ما مدى نجاعة سياسة تصفير النفط الإيراني؟
المبحث الرابع: العوامل التي ساهمت في عدم تحقيق النجاح الكامل لسياسة تصفير النفط الإيراني
يوم الاثنين 22 نيسان/ أبريل 2019، أعلنت الولايات المتحدة رسميًا أنها ألغت جميع الإعفاءات من العقوبات النفطية الإيرانية، وهذا يعني، من وجهة نظر الولايات المتحدة، أن جميع عائدات بيع النفط الإيراني ستكون غير قانونية، وستعاقب الولايات المتحدة كل مشتري النفط الإيراني، من ذلك التاريخ فصاعدًا. لكن ما هو وضع مبيعات النفط الإيراني خلال السنوات السابقة؟ بالنسبة إلى الحكومة الإيرانية، عنى القرار الأميركي السابق أزمة شاملة، وذلك لأن صادرات النفط الإيراني التي تعتمد عليها الميزانية العامة الإيرانية بشكل أساسي، قد انخفضت إلى النصف في الأشهر الأولى من عام 2019، مقارنة بفترة توقيع الاتفاق النووي.
يبين الجدول التالي متوسط صادرات النفط الإيراني، خلال السنوات العشر الماضية، علمًا أن إيران كانت تصدر ما بين 2 و2.5 مليون برميل يوميًا، قبل فرض العقوبات الأميركية.
متوسط صادرات النفط الإيرانية قبل العقوبات، وقبل وبعد توقيع الاتفاق النووي، وبعد عودة العقوبات
الجدول رقم 1: تاريخ متوسط الصادرات النفطية (مليون برميل/ اليوم)
عام 2011 | 2.5 |
خلال فترة العقوبات | 1.1 |
بعد توقيع الاتفاق النووي | 2.5 |
قبل عودة العقوبات الأميركية | 1.6 |
يناير 2019 | 1.3 |
أبريل 2019 | 1.69 |
هذه الأرقام مستمدة من خدمات تتبع ناقلات النفط بلومبرغ، وهي فقط لتقدير الحالة العامة لصادرات النفط الإيرانية[1].
مشتري النفط الإيراني الأساسيين (نيسان/ أبريل 2019):
كانت الصين وكوريا الجنوبية أكبر المشترين للنفط الإيراني، في الأشهر التي تلت عودة العقوبات (4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018)، بينما احتلت كل من الهند واليابان وتركيا المراتب التالية، كما هو موضح في الجدول أدناه. من ناحية أخرى، كانت الصين المشتري الوحيد للنفط الإيراني، وقد عارضت بشدة سياسات الحكومة الأميركية بشأن العقوبات على إيران.
الجدول رقم 2
الترتيب | الدولة | معدل الاستيراد (ألف برميل في اليوم) |
1 | الصين | 613 |
2 | كوريا الجنوبية | 387 |
3 | الهند | 258 |
4 | غير معلوم | 226 |
5 | اليابان | 108 |
6 | تركيا | 97 |
باستثناء الصين، خفض المشترون الرئيسيون الآخرون للنفط الإيراني من مشترياتهم بشكل كبير، حتى تركيا، على الرغم من معارضة حكومتها للعقوبات الأميركية على إيران، خفضت مشترياتها من النفط الإيراني إلى أقل من النصف بعد عودة العقوبات (230 ألف برميل يوميا قبل العقوبات إلى 97 ألف برميل يوميًا في نيسان/ أبريل 2019).[2] كما خفضت أوروبا مشترياتها من النفط الإيراني إلى الصفر، واختارت تايوان أيضًا البحث عن بائعين آخرين غير إيران، بدلًا من حصولها على الإعفاءات الأميركية.
بحسب المعلومات الصادرة عن بلومبرغ، استوردت الصين في نيسان/ أبريل 2019، أكثر من 600 ألف برميل في اليوم الواحد، وإذا فرضنا أن الصين حافظت على هذا المقدار من ورادات النفط الإيرانية، نظرًا للعلاقات الاقتصادية المعقدة بين البلدين، وأن بقية مشتري النفط الإيراني في الجدول رقم 2 توقفوا عن شراء النفط الإيراني نتيجة للضغوطات الأميركية؛ فستصل صادرات النفط الإيراني إلى أكثر من 800 ألف برميل يوميًا. (600 ألف برميل يوميًا للصين، إضافة إلى 226 ألف برميل يوميًا تم بيعها لمشترين غير محددين، ولم يظهر مقصدها النهائي في بيانات بلومبرغ في الجدول رقم 2).
في الآونة الأخيرة، نُشرت تقارير تتحدث عن مساعي إيران لبيع نفطها سرًا، وإذا ما نظرنا إلى الجدول رقم 2، الذي يبين المشترين الرئيسيين للنفط الإيراني في نيسان/ أبريل 2019؛ فسنجد أن هناك نحو 13% (226 ألف برميل يوميًا) من صادرات إيران النفطية تم بيعها لمشترين غير معروفين، ولم يظهر مقصدها النهائي في بيانات بلومبرغ.
من غير المؤكد اعتبار هذا الجزء المباع من النفط الإيراني على أنه محاولة إيرانية لبيع النفط سرًا، أو للتحايل للنفطي، لكن كثافة التقارير الإعلامية المنشورة في هذا الصدد، تجعل هذا الرقم تقديرًا مقبولًا للفرضية السابقة.
صحيح أن صادرات النفط الإيرانية، بعد تاريخ 22 نيسان/ أبريل 2019 (تاريخ إلغاء كل الإعفاءات الأميركية)، قد انخفضت لأقل من النصف (800 ألف برميل يوميًا)، مقارنة بصادرات عام 2011، أو فترة توقيع الاتفاق النووي، كما يظهر في الجدول رقم 1، إلا أن هذا الرقم يعني أن العقوبات الأميركية لم تنجح عمليًا في عملية تصفير النفط الإيراني حتى الآن، خاصة مع اتباع إيران -في الآونة الأخيرة- لتكتيكات فريدة للتحايل النفطي، مستغلة الظروف والتطورات الدولية كجائحة فيروس كورونا، واقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية وغيرها.
كانت استراتيجية البحث عن طرق للتحايل على العقوبات الاقتصادية أهمّ الخطوات التي اتبعتها الحكومة الإيرانية، على مدار العقود الماضية التي تعرضت فيها إيران للعقوبات الاقتصادية، خاصة النفطية، وهذا ما ظهر على لسان العديد من المسؤولين الإيرانيين، ومن بينهم الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي أكد، بالتزامن مع إعادة الولايات المتحدة فرض دفعة ثانية من العقوبات على إيران في نهايات عام 2018، أن بلاده ستلتفّ بفخر على العقوبات[3].
وفي 11 شباط/ فبراير 2019، قال وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه: “في أوقات الحروب، لا تُعلَن الخطط، كي لا يطّلع عليها العدو، وسنسعى بكل جهد حتى نتجاوز العقوبات”، دون أن يعطي الوزير الإيراني مزيدًا من التفاصيل عن خطط إيران للتحايل على العقوبات النفطية.[4] حتى الآن، لجأت إيران إلى اتباع طرق مختلفة للتحايل على العقوبات وبيع نفطها سرًا، ومنها: تغيير علم ناقلات النفط، أو تغيير اسمها، أو لونها، أو تسجيلها على اسم دولة أخرى، أو إطفاء إشارات التتبع في ناقلات النفط، أو نقل نفط الناقلات الإيرانية إلى ناقلات أخرى في المياه المفتوحة، وغير ذلك من تكتيكات التحايل النفطي[5]، لكن النقطة المهمة في عملية التحايل نفسها هي دور الحكومات والأفراد والشركات (الحكومية والخاصة معًا) المختلفة التي ساهمت في تسهيل عملية شراء النفط الإيراني، طامعةً في كسب المزيد من الأموال من خلال ذلك ومتحدية العقوبات الأميركية. لذلك، إلى جانب أسلوب التكتيك التحايلي التي اتبعته إيران في بيع نفطها، تبرز لدينا أهمية دور الدول والحكومات والأفراد الذين تواطؤوا مع إيران، وسهّلوا عملية بيع نفطها، وهذا ما سنتطرق إلى شرحه تباعًا:
أولًا – بوابة العراق:
لطالما حرصت إيران على تعزيز علاقاتها، خاصة التجارية منها، مع دول الجوار، وأهمها العراق الذي شكل السبيل الأكثر أمنًا للتحايل على العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. لذلك، اعتمدت استراتيجية الحكومة الإيرانية، طوال السنوات التي تلت سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، على توسيع علاقاتها التجارية مع العراق، الأمر الذي وفر سوقًا نقية للمنتجات الإيرانية، ومكن إيران من التحايل على العقوبات الأميركية إلى حد كبير.
على سبيل المثال، في الوقت الذي وصل فيه ميزان التجارة الإجمالي لإيران مع الدول الأخرى إلى نحو 44 مليار دولار، احتلت العراق المرتبة الثانية بعد الصين في ميزان تجارتها مع إيران، حيث وصل إلى نحو 8 مليار دولار، ومن المرجح أن يصل هذا الرقم إلى 20 مليار دولار، نظرًا للاتفاقات والتفاهمات الاقتصادية التي تم إمضاؤها أخيرًا في الزيارات المتبادلة للرؤساء والمسؤولين الإيرانيين، وزيارات رؤساء الوزراء العراقيين.
في السنوات الأخيرة، برز السوق العراقي كسوق مهم واستراتيجي للقطاعين الخاص والعام في إيران، وبنى التجار الإيرانيون حسابات خاصة على هذا السوق الإقليمي، حتى غدا العراق واحدًا من أكبر خمس وجهات تصدير لإيران، وفي المقابل، كانت إيران أحد المصدرين الرئيسيين للسلع إلى العراق.
يبين الجدول التالي، الذي استُمدت أرقامه من إحصائيات منظمة تنمية وتطوير التجارة الإيرانية، معدل الصادرات الإيرانية خلال عام 2018[6].
الجدول رقم 3
الترتيب | الدولة | معدل التصدير |
1 | الصين | 8395 |
2 | العراق | 8239 |
3 | الإمارات | 5543 |
4 | أفغانستان | 2727 |
5 | تركيا | 2173 |
أما في ما يتعلق باستخدام إيران للعراق كبوابة رئيسية للتحايل النفطي، فقد سعت إيران على مدى أعوام ماضية لتشكيل شبكة معقدة من المؤسسات المالية والنفطية لتساعدها على تخطي العقوبات بمختلف أشكالها.
وبحسب ما أورده تقرير صحيفة نيويورك تايمز، في 18 آب/ أغسطس 2012، عمدت إيران، بالتعاون مع عدد من المسؤولين العراقيين وعلى رأسهم نوري المالكي، إلى القيام بعمليات تهريب النفط إلى العراق لتأمين النقص الحاصل في القطع الأجنبي لديها، وذلك بعد فرض عقوبات دولية استهدفت صناعاتها النفطية ونظامها البنكي، وأثرت بشدة في الاقتصاد الإيراني، في الأشهر التي سبقت تاريخ نشر التقرير[7].
في ذاك الوقت، ذكر تقرير صحيفة نيويورك تايمز أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أمر بوقف المعاملات بين النظام المصرفي الأميركي وبنك عراقي صغير يسمى (بنك إيلاف الإسلامي)، حيث كان هذا البنك يشارك في العمليات اليومية للبنك المركزي العراقي، محولًا مبالغ كبيرة من الدنانير العراقية إلى دولارات كان يحولها في المقابل إلى إيران[8].
وفي 12 آذار/ مارس 2019، ذكر تقرير صادر عن معهد الشرق الأوسط لبحوث الإعلام (مقره واشنطن العاصمة) أن “الحكومة الإيرانية ومسؤولي البنوك في بغداد عقدوا اجتماعات أولية لطمأنة المسؤولين الإيرانيين بأنهم يمكنهم الالتفاف على العقوبات الأميركية، من خلال النظام المصرفي العراقي”.
وبحسب تقرير معهد الشرق الأوسط لبحوث الإعلام، كان الهدف من هذه العملية هو “تصدير النفط والغاز الطبيعي الإيراني إلى العراق واستلام الأموال باليورو”. وأضاف التقرير أنه تم الاتفاق على أن يفتح البنك المركزي الإيراني حسابات باليورو والدينار في العراق، يمكن من خلالها دفع ثمن النفط والغاز الإيراني المصدر إلى العراق.[9]
على الجانب الآخر، قال عبد الناصر همتي، رئيس البنك المركزي الإيراني هذه المعلومات، في لقاءٍ له في العراق مع رؤساء البنوك وأعضاء غرفة التجارة والنشطاء الاقتصاديين العراقيين، في 6 شباط/ فبراير 2019: “وفقًا للاتفاقية، من المفترض أن يكون لدى البنك المركزي الإيراني حسابات باليورو والدينار، وسيتم تبادل الغاز والنفط بهذه الحسابات”[10].
وفي الوقت نفسه، تعهد رئيس الوزراء العراقي السابق، عادل عبد المهدي شخصيًا، بالتوصل إلى اتفاق مع إيران في هذا الخصوص، وأن يكون داعمًا لاستمرار المحادثات الثنائية مع إيران، فيما أكد أيضًا علي العلاق، محافظ البنك المركزي العراقي، سعيه لإزالة الحواجز التي تعترض التعاون الاقتصادي، التي تستهدف على وجه التحديد إمكانية تحويل العملات الأجنبية إلى إيران[11].
ونظرًا إلى حجم الهيمنة والتغلغل السياسي والعسكري والثقافي الكبير لإيران في العراق، نجد أن إيران قد حولت العراق إلى قناة لتحويل القطع الأجنبي لإيران وأداة مفيدة جدًا للتحايل على العقوبات، خاصة النفطية منها، دون إيلاء أي اهتمام من الجانب الإيراني للأخطار التي يمكن أن تشكلها هذه الخطوات على الاقتصاد العراقي، أو على البنوك العراقية التي يمكن أن تصبح هدفًا للعقوبات الأميركية.
تحويل العراق إلى أداة مفيدة في التحايل على العقوبات النفطية المفروضة على إيران لم يقف عند هذا الحد، ووصل إلى حد بيع إيران لنفطها في الأسواق العالمية على أنه نفط عراقي، في محاولة من طهران لتمويه مصدره، علمًا أن العراق يعدّ ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بعد السعودية، بمتوسط إنتاج 4.6 ملايين برميل يوميًا[12].
في 4 أيلول/ سبتمبر 2019، أعلن براين هوك، رئيس مجموعة العمل الخاصة بإيران في الخارجية الأميركية، أن إيران تبيع نفطها في الأسواق العالمية على أنه نفط عراقي، مشيرًا إلى أن كثيرًا من السفن الإيرانية تقوم بإغلاق أجهزة الإرسال والاستقبال، قبل تسليم نفطها إلى سورية والصين، ومؤكدًا أن كل من يتعامل مع شركات النفط الإيرانية سيتعرض لعقوبات[13].
وفي وقت لاحق من تهديد براين هوك، فرضت وزارة الخزانة الأميركية، في 19 آذار/ مارس 2020، عقوبات على 5 شركات تتخذ من الإمارات مقرًا لها، متورطة في تسهيل مبيعات نفطية إيرانية، في تحد للعقوبات الأميركية المفروضة على إيران. وشمل القرار شركات ألفابت إنترناشيونال دي أم سي سي، وبيترو غراند أف زي إي، وسويسول تريد دي أم سي سي، وعلم الثروة للتجارة العامة، وألوانيو. وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن هذه الشركات الخمس اشترت نفطًا يبلغ مئات الآلاف من الأطنان المترية، العام الماضي، من شركة نفط حكومية إيرانية، وزعمت أنه نفط عراقي، أو عمدت إلى تمويه مصدره[14].
ثانيًا – بوابة الإمارات:
خلال السنوات الأخيرة، كانت الإمارات العربية المتحدة عضوًا ضمن تحالفات وقفت في الصف المقابل لإيران، التي لم تخفِ انزعاجها الشديد من السياسة الخارجية لهذا البلد. ودخلت أبو ظبي بوضوح مع المملكة العربية السعودية على خط معاداة طهران، ودعمهما لتوجهات ترامب ضد إيران، منذ أن بدأت الأزمة بين واشنطن وطهران.
لكن الأمر، من وجهة نظر اقتصادية، مختلف بالنسبة إلى أبو ظبي؛ صحيح أن الطرفين مختلفان بوجهات النظر السياسية وفي العديد من الملفات الإقليمية المهمة، إلا أن ذلك لم يترك أي أثر ملحوظ على جانب التعاون الاقتصادي بين البلدين، وأكبر دليل على ذلك أرقامُ التبادل التجاري السنوية بينهما، ويظهر جزء يسير منها في الجدول رقم 3.
على مدار العقود الثلاث الماضية، شكلت دولة الإمارات جسر التواصل المالي لإيران مع العالم، فضلًا عن أن العديد من الأعمال التجارية والتحويلات المالية (الحكومية والخاصة معًا) لإيران مع الدول الأخرى من أميركا الشمالية إلى شرق آسيا، كانت تتم عن طريق الإمارات العربية المتحدة[15].
وبعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، تعاونت إيران بشكل ممتاز مع البنوك والمؤسسات المالية في دولة الإمارات، في حين لعب البنك الوطني الإماراتي وفرع دبي للصادرات دورًا مهمًا في التحويلات والانتقالات المالية لإيران[16].
وعلى الرغم من كل التطورات والتوترات السياسية والعسكرية الإقليمية، لعبت الإمارات العربية المتحدة دورًا مهمًا في التحايل على العقوبات المالية والمصرفية والنفطية الأميركية المطبقة ضد إيران على مدى العقود الثلاثة الماضية.
خلال هذه السنوات، تمكنت الإمارات من تخفيف العقوبات الأميركية المطبقة على إيران، من خلال ثلاث طرق: توفير العملات والقطع الأجنبي لإيران؛ وشراء ونقل شحنات النفط الإيراني من خلال الشركات الوهمية والصورية؛ وإعادة التصدير بالنيابة عن إيران[17].وتحقيقًا لهذا الهدف، تم إنشاء شبكات من الصرافين، وشركات شحن صغيرة، وعدد من المؤسسات المالية الوسيطة والعديد من شركات الاستيراد والتصدير في الإمارات العربية المتحدة، لتسهيل تلك الطرق الرئيسية الثلاثة للتحايل على العقوبات الأميركية المطبقة على إيران[18].
وعلى مر هذه السنوات، تمركزت معظم الشركات والأفراد المتورطين في التحايل على العقوبات في دبي، واستفادت هذه المدينة الساحلية التي تحتوي على موانئ أكثر تجهيزًا وأقل خطرًا، مقارنة بغيرها، بشكل كبير من أنشطة هذه الشبكات المالية. أولى التكتيكات المستخدمة في تهريب النفط الإيراني عبر موانئ الإمارات هي تغيير ملكية ناقلات النفط وأعلامها، أو الاستعاضة عنها بناقلات أخرى مستعدة للمخاطرة تحت طمع المردود المالي، فضلًا عن تزوير منشأ شحنات النفط.
على سبيل المثال، أظهر تحقيق لـ (رويترز) أن طهران حمّلت سفينة جريس 1، التي تم توقيفها لاحقًا من قبل سلطات جبل طارق قبل وصولها إلى السواحل السورية، بشحنة زيت الوقود، في كانون الثاني/ يناير 2019، وتم نقلها إلى سفينتين أصغر حجمًا في مياه الإمارات، ومن هناك سلمت إحداهما زيت الوقود إلى سنغافورة، في شباط/ فبراير 2019[19].
وفي 18 تموز/ يوليو 2019، قال موقع شركة “تانكر تريكرز”: إن ناقلة ترفع علم بنما، تُدعى جولف أكتف (GULF ACTIVE)، وتمتلك مؤسسة مقرها في دبي تسمى “Gulf Active DMCC”، جلبت نحو 400 إلى 500 ألف برميل من النفط المكرر من إيران، وسلمتها إلى محطة تخزين النفط في الفجيرة بالإمارات.[20]
ثالثًا – بوابة ماليزيا:
في الآونة الأخيرة، شكلت ماليزيا، هذه الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا، والمكونة من جزئيين رئيسيين يفصل بينهما بحر الصين، بوابةً لقفل العقوبات الأميركية المطبقة على كل من إيران وفنزويلا، حيث قامت الصين باقتناص شحنات النفط الإيرانية والفنزويلية من سواحل هذا البلد، بعد أن تدخل هذه الشحنات في دورة التحايل النفطي التي تجعلها تبدو كما لو أن أصلها هو ماليزيا.
فمن ناحية، تُظهر إحصاءات الجمارك الماليزية الرسمية أن ماليزيا استوردت ما قيمته 41 مليون دولار، من إيران، في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020، وهذا يعني زيادة بنسبة 64 % مقارنة بتلك الفترة من العام الماضي، لكن تفاصيل الواردات من إيران تظهر أنه لم يتم تسجيل شحنات نفط إيرانية في الجمارك الماليزية.
ومن ناحية أخرى، في الوقت الذي تُظهر فيه الأرقام الرسمية الصينية انخفاضًا كبيرًا في واردات النفط من إيران، في الأشهر الأربعة الأولى من العام 2020، تقول شركة كلبر المهتمة بتتبع معلومات الطاقة وتتبع الناقلات النفطية إن إيران أرسلت في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020 نحو 2 مليون برميل من النفط إلى ماليزيا، وفي شهر أيار/ مايو 2020، أرسلت إيران شحنات نفطية أخرى تقدر بـ 7.1 مليون برميل من النفط إلى ماليزيا أيضًا.[21] أي إن إيران سلمت ما يعادل 9.1 مليون برميل من النفط (ما يعادل 60 ألف برميل يوميًا) لماليزيا؛ في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2020، هذا في الوقت الذي لا تعدّ فيه ماليزيا أساسًا من مشتري النفط الإيراني، ولا تظهر فيه هذه الشحنات النفطية الإيرانية الكبيرة في البيانات الجمركية، لكل من ماليزيا أو الصين.[22] وهنا يبرز لدينا دور الدول والحكومات في مساعدة إيران للتحايل على العقوبات النفطية، لدرجة الكذب في البيانات الحكومية الجمركية.
ما يؤكد المعلومات المذكورة أعلاه، وكي تكتمل دورة التحايل النفطي، تؤكد بيانات الجمارك الصينية أن صادرات النفط الماليزية إلى الصين وصلت في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020 إلى 6.2 مليون طن (377 ألف برميل يوميًا)، أي هناك زيادة بمعدل 230 % في صادرات النفط الماليزية إلى الصين، مقارنة بالفترة نفسها من العام 2019.[23] إن ما يحدث حقيقة هو أن إيران أو فنزويلا، وهما الدولتان النفطيتان اللتان تخضعان لسياسة الضغط الأميركية القصوى، ترسلان هذه الشحنات النفطية إلى ماليزيا، لتدخل في دورة من التحايل النفطي، تشمل تغيير ملكية الناقلات ومصدر النفط الحقيقي، ومن ثم تُرسل هذه الشحنات نحو الصين على أنها نفط ماليزي[24].
رابعًا – بوابة النظام السوري:
لطالما تلقى النظام السوري شحنات النفط، خاصة المجانية منها، من إيران، طوال تسع سنوات من الحرب السورية التي بدأت في وقت واحد تقريبًا مع تطبيق العقوبات الغربية ضد إيران، لكن الإحصاءات الجديدة تشير إلى أن شحنات النفط الإيرانية إلى سورية قد بلغت ذروتها.
من الصعب معرفة طرق التعامل بين إيران والنظام السوري في هذا المجال: هل يدفع النظام السوري المال مقابل النفط الإيراني أم لا؟ لكن الثابت أن النظام اعتمد خلال السنوات الماضية اعتمادًا كبيرًا على واردات النفط الإيرانية، وبسبب العقوبات الأوروبية والأميركية ضد حكومة بشار الأسد، كانت إيران وحدها هي من تمدّه بالنفط، طوال سنوات عدة.
قبل تسع سنوات، كانت سورية تنتج 390 ألف برميل من النفط يوميًا، وتصدّر 150 ألف برميل، لكن في الآونة الأخيرة، أظهرت إحصائيات شركات تتبع ناقلات النفط ومعلومات الطاقة، مثل كلبر وتانكر تركرز، أن إيران كانت تسلّم 45 ألف برميل من النفط يوميًا إلى سورية في عام 2017، وذلك قبل أن تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وفي عام 2018 بلغ الإمداد نحو 35 ألف برميل[25].
وفي العامين 2018-2017، كان إجمالي النفط الإيراني الذي تم تسليمه إلى النظام السوري أقلّ من 2 % من إجمالي صادرات إيران النفطية، أما في عام 2019، عندما اشتدت العقوبات الأميركية على إيران، فقد سلّمت إيران 59 ألف برميل من النفط يوميًا إلى سورية، وهو ما يعادل 8 % من إجمالي صادرات إيران النفطية ذلك العام[26].
وفي 29 نيسان/ إبريل 2020، أظهرت تقارير إعلامية عديدة أن إيران ضاعفت من صادراتها النفطية إلى سورية ثلاث مرات، على الرغم من العقوبات الأميركية المفروضة عليها، حيث وصلت شحنات عدة إلى ميناء بانياس السوري الذي رست فيه سفن إيرانية تحمل أكثر من 6.8 مليون برميل من النفط[27].
وقال موقع (راديو فردا) الإيراني المعارض إن الصين، التي تعد أكبر مشتر للنفط الإيراني، خفضت في كانون الثاني/ يناير، وشباط/ فبراير 2020 وارداتها من طهران، لتصبح بذلك سورية في المرتبة الأولى، بين مستوردي النفط الإيراني[28].
ويبين الجدول التالي معدل صادرات النفط الإيراني إلى سورية من عام 2017، حتى نيسان/ أبريل 2020:
العام الميلادي | صادرات النفط الإيراني إلى سورية |
2017 | 45 ألف برميل/ يوميًا |
2018 | 35 ألف برميل/ يوميًا |
2019 | 59 ألف برميل/ يوميًا |
نيسان/ أبريل 2020 | 180- 225 ألف برميل/ يوميًا |
إن هذا المعدل المرتفع من صادرات النفط الإيراني المضاعفة إلى سورية لا يمكن بطبيعة الحال أن يكون كله جزءًا من الدعم الاقتصادي الذي واصل النظام الإيراني تقديمه للنظام السوري، على مدار تسع سنوات من الحرب السورية، فكميات النفط الضخمة هذه تزيد عن حاجة النظام السوري والميليشيات التي تقاتل معه على طول الجغرافية السورية التي انحسرت فيها المعارك والعمليات العسكرية، بعد أن بسط النظام السوري سيطرته على أكثر من 60 % من مجمل مساحة سورية.
لذلك، قد يكون هذا الارتفاع غير المسبوق في معدل صادرات النفط الإيرانية إلى سورية، أسلوبًا آخر من التكتيكات الإيرانية للتحايل النفطي، حيث أشارت مصادر إلى أن هناك أسبابًا عدة تكمن وراء ذلك، منها، أن مخزونات النفط الإيراني الزائد في خضم العقوبات، وفائض النفط العالمي، يجبران إيران على شحن الخام وربما تخزينه في بلد صديق كسورية، وقد يكون السبب أن النظام السوري و”حزب الله” اللبناني يمكن أن يكونا قنوات لبيع النفط الإيراني في السوق السوداء[29]، خاصة بعد صدور تقارير إعلامية عديدة تتحدث عن استيلاء إيران على ميناء اللاذقية، ومساعيها لإنشاء قاعدة عسكرية في بانياس[30].
خامسًا – بوابة السوق الرمادية:
التكتيك التحايلي الآخر الذي عمدت طهران إلى تطبيقه في عملية بيع نفطها، هو التوجه نحو الأسواق الرمادية، وهذا ما أشار إليه نائب وزير النفط الإيراني، أمير حسين زماني نيا، في أيار/ مايو 2020 بوجود خطة جديدة لطهران الجديدة للتحايل على العقوبات، تتلخص في “الأسواق الرمادية”.
السوق الرمادية هو مصطلح يعني التجارة في البضائع، من خلال قنوات مشروعة، لكنها تذهب إلى جهات غير التي يقصدها المصنع الأصلي للبضاعة. ولذلك أطلقت شركة النفط الإيرانية الوطنية خطةً لبيع جزء من نفطها في بورصة الطاقة، حيث يتم شراؤه من قبل عملاء في القطاع الخاص، ومن ثم يتم تصديره إلى دول أجنبية.
ومن أجل تشجيع العملاء على شراء النفط الإيراني من البورصة، قدّمت طهران عددًا من التسهيلات، كبيع النفط للعملاء بخصومات كبيرة وأسعار مخففة عن الأسعار العالمية، والسماح لهم بدفع قيمة نفط البورصة على دفعات وبالعملة الإيرانية المحلية أيضًا، والتستر على أسماء الشركات الخاصة التي ستشتري النفط الإيراني.
وعلى الرغم من ذلك، تسببت عوامل عديدة، مثل المخاطرة في تجارة النفط في البورصة وضمانات عمليات التصدير والنقل، في حدوث فشل نسبي لعملية عرض النفط الإيراني في البورصة، حيث لم يجد النفط الإيراني إلا عددًا قليلًا جدًا من المشترين، حتى المرة الخامسة من عرضه في بورصة الطاقة[31]. (في نيسان/ أبريل 2019 بيع 35 ألف برميل من أصل 6 ملايين برميل معروض في البورصة)[32].
لكن ذلك لا يعني أن عملية بيع النفط الإيراني باستخدام هذا التكتيك قد فشلت بالكامل، وقد تتمكن طهران مستقبلًا من بيع نفطها باستخدام هذا الأسلوب الجديد، بعد أن تزيل العقبات التي تواجه مشتري نفطها في بورصة الطاقة، وعمليات النقل والتصدير.
سادسًا – بوابة صادرات المشتقات النفطية:
قبل عامين، كانت إيران مستوردًا لمادة البنزين، ولكن تطوير مصفاة نجمة الخليج بطاقة إنتاجية 350 ألف برميل من المكثفات الغازية في اليوم، وكذلك الارتفاع الدراماتيكي في أسعار البنزين في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، الذي أدى إلى مقتل المئات من المواطنين الإيرانيين المحتجين، وانخفاض الاستهلاك المحلي في نهاية المطاف، بسبب القيود التي فرضتها جائحة كورونا، كلها عوامل حولت إيران من مستورد إلى مصدر لمادة البنزين، وأوصلت الصادرات الإيرانية من المشتقات النفطية إلى ذروتها.
صادرات المشتقات النفطية لا تشمل البنزين فقط، إنما تشمل أيضا كلًا من مادتي الديزل وزيت الوقود. هنا اعتمد التكتيك التحايلي للنظام الإيراني على استغلال الظروف المواتية أعلاه، إضافة إلى استغلاله نقطة مهمة أخرى، هي أن سوق المشتقات النفطية هو سوق متنوع يوفر إمكانية البيع بالتجزئة (بالمفرق)، خلافًا لسوق النفط الخام، الذي ينحصر مشتروه في مصافي النفط الأجنبية، ويمكن بسهولة تتبع معاملاته التجارية، مما يعرض مشتريه لمخاطر العقوبات الأميركية، وذلك لإيصال صادراته من المشتقات النفطية إلى ذروتها، لدرجة أن عائداتها تجاوزت لأول مرة عائدات تصدير النفط الخام الإيراني.
وفقًا لتقرير وكالة أنباء (رويترز) في حزيران/ يونيو 2020، فقد كانت إيران ترسل شهريًا خمس ناقلات (ليست كبيرة جدًا) تحتوي على مادة البنزين نحو أفريقيا ودول في آسيا، أي ما يعادل 50 ألف برميل بنزين يوميًا للأسواق البعيدة[33]، لكن أهم أسواق تصدير البنزين الإيراني هي البلدان المجاورة، خاصة أفغانستان وباكستان والعراق وأرمينيا، وذلك لأن تتبع صادرات البنزين الإيرانية لهذه البلدان يُعد أمرًا صعبًا بشكل أساسي، بسبب أن عملية التصدير تتم برًا، وبمشاركة ودور كبير للقطاع الخاص في تعاملاتها التجارية، الأمر الذي يوفر هامشًا ضخمًا لإيران للتحايل على العقوبات.
صحيح أن قضية تصدير إيران لمادة البنزين إلى فنزويلا، في أيار/ مايو 2020، قد احتلت صدارة الأخبار، حيث أرسلت إيران خمس ناقلات صغيرة بحمولة تصل إلى 1.5 مليون برميل (ما يعادل 50 ألف برميل يوميًا)،[34] وظهور تقارير إعلامية تتحدث عن نية طهران مواصلة إرسال ثلاث ناقلات إلى فنزويلا شهريًا، إلا أن قيمة البنزين الإيراني المصدر لفنزويلا، والتي بلغت نحو 50 مليون دولار، تبدو ضئيلة جدًا مقارنة بإجمالي ما صدرته إيران من مادة البنزين، خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020، حيث وصلت إيراداتها إلى 690 مليون دولار (ما يعادل 13 ضعف قيمة البنزين المصدر إلى فنزويلا)[35].
إضافة إلى مادة البنزين، تقوم إيران أيضًا بتصدير 500 ألف برميل من الديزل وزيت الوقود والغاز المسال، وإذا حسبنا قيمتها؛ فسنصل إلى نتيجة مفادها أن إيرادات صادرات المشتقات النفطية الإيرانية تعادل أضعاف قيمة صادرات الخام الإيرانية[36].
لدراسة مدى نجاعة وتأثير سياسة تصفير النفط الإيراني، لا بد لنا من إلقاء نظرة سريعة على المعدل أو المستوى الذي وصلت إليه صادرات النفط الإيرانية في عام 2020، وذلك بعد مرور عام كامل على إعمال هذه السياسة.
أولًا: تشير إحصائيات كلبر إلى أن صادرات النفط الإيراني وصلت، في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2020، إلى نحو 220 ألف برميل يوميًا، كمعدل وسطي، حيث كان معدل هذه الصادرات في كانون الثاني/ يناير، وفي شباط/ فبراير، وفي آذار/ مارس 2020، (254، 248، 160) ألف برميل في اليوم على الترتيب[37]. وكان مقصد هذه الشحنات هو الصين وسورية وماليزيا، وعملاء آخرين[38].
ثانيًا: بعد السقوط الحر في صادرات النفط الإيراني، في آذار/ مارس 2020، ووصولها إلى 160 ألف برميل يوميًا، ظهرت تقارير حديثة تؤكد استمرار هذا السقوط الحر في معدل الصادرات النفطية.
في أحدث تقرير لوكالة أنباء (رويترز)، أشارت البيانات إلى أن إيران خفضت إنتاجها من النفط الخام إلى أدنى مستوياته في العقود الأربعة الماضية، لدرجة أن خزانات الوقود والسفن الإيرانية قد أصبحت ممتلئة بالكامل، ويشير هذا بالتأكيد إلى استمرار تراجع الصادرات النفطية الإيرانية تحت ضغط سياسة التصفير[39].
وذكرت شركة كبلر أن متوسط مخزون الخام الإيراني في البر، في حزيران/ يونيو 2020، بلغ نحو 66 مليون برميل، وهو ما يعادل نحو 85 % من طاقة التخزين المتاحة على البر، كما امتلأت خزانات النفط الإيرانية العائمة، التي أصبحت تحتوي على أكثر من 50 مليون برميل من النفط المخزن في 30 ناقلة، من أصل 54 ناقلة تمتلكها إيران في أسطولها البحري لنقل النفط[40].
إذًا، ساهمت سياسة تصفير النفط الإيراني في التسبب بسقوط حر وانخفاض غير مسبوق في صادرات النفط الإيرانية، حيث انخفضت هذه الصادرات، من مليون برميل في اليوم، في نيسان/ أبريل 2019، إلى 160 ألف برميل في اليوم، في آذار/ مارس 2020.
وهذه نقطة تحسب للسياسة الأميركية الرامية إلى تصفير النفط الإيراني، إذ حققت هذه السياسة على مدار عام كامل نجاحًا باهرًا في تخفيض صادرات النفط الإيرانية إلى أقل من الخمس، وتسببت هذه السياسية في إحداث عجز في الميزانية العامة لإيران.
في الآونة الأخيرة، شكل انخفاض معدلات تصدير النفط الإيراني إلى مستويات غير مسبوقة، بسبب العقوبات الأميركية الرامية لتصفير النفط الإيراني، وتدني أسعار برميل النفط عالميًا، ضربةً قاصمةً للاقتصاد الإيراني الذي تعتمد ميزانيته العامة على صادرات النفط والغاز والمنتجات البتروكيماوية بشكل أساسي.
بلغة الأرقام، كما صرح العديد من المسؤولين الإيرانيين، جعلت العقوبات الأميركية الشاملة اقتصاد إيران يواجه نموًا سلبيًا بنسبة 7 في المئة، في عام 2019، وخفضت من إيراداتها النفطية من 80 مليار دولار في العام إلى 8 مليارات دولار فقط[41].
لكن من الناحية العملية، لم تنجح هذه السياسة في تصفير النفط الإيراني على أرض الواقع، حتى الآن، خاصة إذا ما أضفنا ما تقوم إيران بتصديره من المشتقات النفطية إلى صادراتها من النفط الخام، حينئذ ستصل الصادرات الإيرانية من النفط الخام ومشتقاته إلى قرابة المليون برميل في اليوم.
في الحقيقة، ساهمت عوامل عدة في عدم تحقيق نجاح كامل لسياسة تصفير النفط الإيراني، وهذه العوامل سنتطرق لذكرها تباعًا:
أولًا تعدّ الصين أهم عامل حال دون تحقيق نجاح كامل لسياسة التصفير الأميركية، حيث كانت وما تزال الصين أكبر مشتري للنفط الإيراني، باستثناء بعض الفترات المحدودة، حيث تصدرت سورية كأكبر وجهة للصادرات النفطية الإيرانية.
صحيح أن الصين تحدثت إعلاميًا عن التزامها بالعقوبات الأميركية المفروضة على إيران، لكنها على أرض الواقع كانت أكبر المعارضين وأول الخارقين لهذه العقوبات، وقد وصل الأمر بحكومة الصين وماليزيا إلى الكذب في بياناتهم الجمركية، كما شاهدنا آنفًا.
لذلك، فإن دور الحكومات والشركات الحكومية أو حتى الخاصة التي تتلقى أوامرها من حكومات البلدان التي تعمل فيها، يلعب دورًا كبيرًا في مساعدة طهران، وتوفير هامش كبير لها للتحايل على العقوبات النفطية.
وهذا ما أكدته مصادر إعلامية عدة تحدثت عن أن الشركتين الصينيتين (سي إن بي سي، ساينوبك) قد استثمرتا، في آذار/ مارس 2020، خمسة مليارات دولار في حقلي النفط (ازادغان، يادآفاران) الإيرانيين، مقابل حصولها على 140 إلى 170 ألف برميل من النفط يوميًا، بدلًا من المال[42].
من ناحية أخرى، ستوفر صفقة ربع القرن التي أبرمتها إيران أخيرًا مع الصين هامشًا كبيرًا لها للتحايل على العقوبات، ومخرجًا محتملًا من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها، وبحسب ما ذكرت العديد من التقارير الإعلامية، فإن هذه الصفقة تمنح الصين امتيازات كبيرة، خاصة في مجالات استثمارات الطاقة.[43]
وعلى ما يبدو، نظرًا للجغرافية السياسية المهمة والحساسة لإيران، واحتوائها على ثروات ومنابع الطاقة الضخمة، إلى جانب السوق الصينية التي تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في كميات النفط المستهلكة عالميًا،[44] يمكن أن تعدّ إيران جائزة كبيرة سيسيل لعاب الصين لها.
ثانيًا عمدت طهران إلى استخدام نفوذها السياسي، وأحيانا العسكري، في ما تطلق عليه عمقها الاستراتيجي في المنطقة، وذلك من أجل تنفيذ تكتيكاتها التحايلية، وهذا ما شاهدناه في بوابة العراق وسورية حتى الآن، حيث سعت طهران لاستخدام نفوذها في هاتين الدولتين، في سبيل تحقيق مصالحها الاقتصادية المتمثلة ببيع نفطها من خلال بوابات تلك الدول. ولطالما تفاخر المسؤولون الإيرانيون بسيطرتهم على أربع عواصم عربية، وبتحكّمهم في قرار العراق وسورية ولبنان واليمن، وجعلها كواجهة تتحكم فيها طهران من الخلف، لتنفيذ مآربها السياسية والاقتصادية، وكل هذه عوامل ساعدت طهران إلى حد كبير في تنفيذ تكتيكاتها التحايلية.
فضلًا عن أن قوة إيران العسكرية في منطقة مضيق هرمز، وقدراتها العالية على خلق اضطرابات شديدة في حركة تنقل النفط في أهم شريان أساسي لتجارة النفط العالمي[45]، كان أحد الأسباب التي دفعت دولة الإمارات إلى تغيير سياساتها الخارجية تجاه إيران، والعمل على توسيع تعاونها الاقتصادي مع طهران، تحاشيًا لأي أعمال عدوانية من جانب طهران قد تؤدي إلى زعزعة استقرار المضيق المائي الأهم في العالم، وسيؤثر ذلك سلبًا على النمو الاقتصادي والتنمية والاستثمارات الأجنبية في هذا البلد. وهذا يعني أن طهران تمتلك أدوات فاعلة لمد نفوذها الاقتصادي، إلى جانب نفوذها السياسي والعسكري، في المنطقة، وهذه الأدوات ساعدتها إلى حد كبير في تخفيف وطأة سياسية التصفير الأميركية.
ثالثًا لدى إيران حدود برية واسعة، يصل طولها إلى أكثر من 5 آلاف كيلومتر[46]، مع بلدان تفتقر نسبيًا إلى الثروات النفطية الهائلة التي تمتلكها إيران، كأفغانستان وباكستان وتركيا، وفي الوقت نفسه تتمتع طهران بعلاقات سياسية واقتصادية جيدة نسبيًا مع جيرانها، وهذا الأمر وفّر هامشًا كبيرًا لها للتحايل على العقوبات النفطية، خاصة إذا ما نظرنا إلى معدل صادرات المشتقات النفطية الإيرانية لهذه البلدان، وعمليات التهريب الضخمة للمشتقات النفطية التي تجري على حدود تلك الدول مع إيران.
رابعًا التكتيكات التحايلية التي استخدمتها طهران هي تكتيكات مبتكرة وفريدة من نوعها، ولا يمكن حصرها، فهذه التكتيكات ليس وليدة اللحظة، إنما هي محصلة خبرة أربعين عامًا من التحايل على العقوبات الأميركية. الأمر يشبه إلى حد كبير لعبة المتاهة، التي أصبحت طهران تتقن كل مساراتها وطرق حلها، وأماكن الفخاخ فيها، وذلك باستخدام تكتيكاتها التحايلية المرنة، ومهما طال الطريق وصعب داخل هذه المتاهة، فستصل شحنات طهران النفطية بسلامة لمقصدها في النهاية.
خاتمة:
بغضّ النظر عن تصريحات المسؤولين الإيرانيين الذي تحدثوا بأن العقوبات الأميركية قللت من اعتماد طهران على عوائد النفط ومشتقاته، ونظريات المرشد الأعلى الإيراني القائمة على ضرورة تحرير الاقتصاد الوطني من الاعتماد على عوائد النفط؛ تبقى الصادرات النفطية ومشتقاتها الشريان الأساسي للاقتصاد الإيراني، وتحتل الجبهات الأمامية، في هذه الحرب الاقتصادية التي يمكن وصفها بالمعركة الوجودية بالنسبة إلى النظام الإيراني.
لذلك، فستبقى التكتيكات التحايلية قائمة بقوة، في استراتيجية النظام الإيراني لمواجهة العقوبات الأميركية المشددة، ومهما كانت الصعوبات والتحديات، فستعمل تكتيكات التحايل النفطي، كأعواد القصب في مواجهة الرياح العاتية لسياسة تصفير النفط الإيراني، تنثني دون أن تنكسر، عندما تشتد رياح العقوبات، لكنها ما تلبث أن تنتصب بسرعة، عندما تجد أن الفرصة قد أصبحت سانحة للتحايل عليها.
[1] علي قديمي – بي بي سي فارسي – لم يتم تمديد إعفاءات العقوبات؛ هل ستفلس الحكومة الإيرانية؟ – https://bbc.in/2DvxWCl
[2] المرجع رقم ١
[3] محي الدين حسين – DW عربية – كيف ستتعامل إيران مع العقوبات الأمريكية الجديدة؟ – https://bit.ly/3jcaj1Z
[4] وزير النفط الإيراني: لا نعلن عن خططنا.. في أوقات الحرب – إيران إنترناشيونال – https://bit.ly/3jfbfCG
[5] رويترز: محاولة إيران استخدام ناقلات النفط الأجنبية سرًا – موقع راديو فردا الإيراني –
[6] السبيل الأكثر أمانًا للتحايل على العقوبات – موقع مشرق نيوز الإيراني – https://bit.ly/2Wlv3dP
[7] العراق يساعد الحكومة الإيرانية على الالتفاف على العقوبات – DW فارسي – https://bit.ly/3h0mahr
[8] المرجع رقم 7
[9] إيران تتحايل على العقوبات الأميركية من خلال العراق – موقع مشرق الإيراني – https://bit.ly/3etFpyb
[10] تبادلات النفط الإيرانية مع العراق تتم باليورو والدينار – موقع مشرق الإيراني – https://bit.ly/38XzFf6
[11] المرجع رقم 9
[12] العراق ثالث أكبر منتج للنفط بحلول 2030 – الجزيرة نت – https://bit.ly/2WmM2MA
[13] هوك يهدد من يشتري نفط إيران.. ويؤكد: طهران تبيع نفطها للصين على أنه عراقي – إيران إنترناشيونال – https://bit.ly/32l8wl9
[14] زعمت أنه عراقي.. عقوبات أميركية على شركات في الإمارات تبيع نفطا إيرانيا – موقع الحرة – https://arbne.ws/3h2Qwjk
[15] ضياء قدور – هل غيّرت الإمارات من سياساتها اتجاه إيران؟ – الجزيرة نت – https://bit.ly/2OtKQTe
[16] المرجع رقم 15
[17] نهاية تفاؤل إيران بمرونة الإمارات – إنديبندنت فارسي – https://bit.ly/3fyTzQ1
[18] المرجع رقم 17
[19] إيران تهرّب النفط عبر الإمارات للتحايل على العقوبات – العربي الجديد – https://bit.ly/3j7Da7u
[20] المرجع رقم 19
[21] ماليزيا؛ بوابة سجن العقوبات النفطية الأميركية المفروضة ضد إيران وفنزويلا؟ – راديو فردا الإيراني – https://bit.ly/31tcUfO
[22] المرجع رقم 21
[23] المرجع 21
[24] كيف اقتنصت الصين شحنات النفط الفنزويلّي رغم العقوبات الأميركية؟ – موقع الطاقة – https://bit.ly/2CCmTGK
[25] معركة خفض أسعار النفط: السعودية آلمت إيران أكثر من الجميع – نص قمت بترجمته لموقع جسر برس – https://bit.ly/3etlVd7
[26] المرجع رقم 25
[27] المرجع رقم 25
[28] إيران تشحن كميات كبيرة من النفط الخام إلى سوريا – موقع الحرة – https://arbne.ws/3eyHAAJ
[29] ضياء قدور – موقع جسر برس – خسائر النظام الإيراني النفطية في ظل العقوبات الأميركية – https://bit.ly/32kGpSR
[30] هل تسعى إيران لبناء قواعد بسوريا فتضغط على القواعد الروسية؟ – الجزيرة نت – https://bit.ly/2CzkCMH
[31] للمرة الخامسة.. النفط الإيراني لا يجد من يشتريه – إيران إنترناشيونال – https://bit.ly/2WiW8y4
[32] إيران تعرض مليوني برميل من النفط في بورصة الطاقة – إيران إنترناشيونال – https://bit.ly/2OtYZzO
[33] دالغا خاتبن أوغلو – هل تجاوزت صادرات البنزين الإيرانية صادرات النفط الخام؟ – موقع DW فارسي – https://bit.ly/3h1Q5Wv
[34] المرجع رقم 33
[35] المرجع رقم 33
[36] المرجع رقم 33
[37] هل تمكنت الولايات المتحدة من تصفير صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر؟ – راديو فردا الإيراني – https://bit.ly/33yKeEF
[38] المرجع رقم 37
[39] “رويترز”: إنتاج النفط الخام الإيراني في أدنى مستوياته خلال أربعة عقود – إيران إنترناشيونال – https://bit.ly/2WoRXkj
[40] المرجع رقم 39
[41] ضياء قدور – قانون قيصر معضلة الأسد وحلفائه الإيرانيين – تلفزيون سوريا – https://bit.ly/2C4WOAr
[42] المرجع رقم 37
[43] “خيانة ونهب”.. تسريب تفاصيل اتفاق الربع قرن السري بين إيران والصين – موقع الحرة – https://arbne.ws/2WDNb2L
[44] كم نستهلك من النفط؟.. حقائق عن الذهب الأسود بالعالم – الجزيرة نت – https://bit.ly/2Zv1aJI
[45] ضياء قدور – هل تستطيع إيران إغلاق مضيق هرمز عسكريًا- مركز أبحاث ودراسات مينا – https://bit.ly/30gyseL
[46] جغرافيا إيران – موقع ويكيبيديا – https://bit.ly/32mn1F6