مقدّمة:
بتاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر 2019، وافق مجلس الشيوخ الأميركي على “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين”. وقد مرّ مشروع القانون بمراحل متعددة قبل أن يرى النور، وكان لأفراد كثر من الجالية السورية المؤيدة للثورة والمعارضة لنظام الأسد دورٌ كبيرٌ في صدوره، بدءًا من التواصل مع المصوّر في الشرطة العسكرية المنشق عن نظام الأسد، لتأمين سبل تقديم شهادته أمام الكونغرس، وصولًا إلى لحظة توقيعه من قبل الرئيس ترامب، وطوال الأشهر الستة التي تلت ذلك لبدء سريانه.
في إجابته عن سؤال حول القوى التي ساهمت في استصدار قانون قيصر، يقول رئيس المجلس السوري الأميركي الدكتور زكي لبابيدي: “أسهم كثير من أعضاء الجالية في إنجاز القانون، سواء أكانوا يعملون في منظمات أو من خارج تلك المنظمات الست التي كانت فاعلة في ذلك الوقت، وهي منظمة طوارئ سورية، والمجلس السوري الأميركي، وأميركيون من أجل سورية حرة، والمعهد السوري للتقدم، ومنظمة كيله، ومنظمة سوريون مسيحيون من أجل السلام. وقد دفعت الجالية مبالغ مالية كبيرة لتأمين عقد لقاءات مع أعضاء الكونغرس (أعضاء مجلس الشيوخ أو أعضاء مجلس النواب) لتمرير قانون قيصر، وكان هذا الأمر مهمًا جدًا، ولذلك تم العمل عليه سنوات عديدة، ولم تبخل الجالية بجهد كي يتم تمرير القانون” [1].
احتاجت الجالية السورية إلى خمسة أعوام من العمل المتواصل والدؤوب، للوصول إلى توقيع الرئيس الأميركي ترامب “قانون قيصر”، فقد اضطرت إلى تمريره في مجلس النواب مرّة في عهد أوباما، ومرّتين في عهد ترامب، لكنّه كان يسقط كلّ مرة في مجلس الشيوخ، بسبب معارضة السيناتور راند بول. وأخيرًا تمّ تمرير القانون في مجلس الشيوخ، كجزء من قانون موازنة الدفاع الوطني للسنة المالية 2020، وبتاريخ 20/12/2019، وقّعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
توصيف القانون:
يُعدّ قانون قيصر أحد أشكال العقوبات القاسية التي يمكن أن تفرضها دولة على دولة أخرى، وتأتي أسباب القسوة من عوامل عدّة، لعلّ أهمّها أنّ القانون يمتلك أدوات تنفيذه؛ فالولايات المتحدة الأميركيّة ليست كأي دولة أخرى في العالم، لأنها تستطيع أن تلحق الضرر بأي دولة أو شركة أو منظمة أو فرد تستهدفه بعقوباتها؛ وذلك بسبب قوّتها الاقتصادية وتحكّمها إلى درجة كبيرة في النظام المالي العالمي، من خلال المؤسسات المالية والبنوك، ومن خلال قوّة عملتها المسيطرة على نسبة كبيرة من التبادلات التجارية العالمية.
يمكن مقارنة قانون قيصر، من حيث القوّة، بالعقوبات التي يفرضها مجلس الأمن تحت الفصل السابع، على الرغم من اختلاف آليات تنفيذ كلّ منهما. غير أنّ قانون قيصر لم ينصّ على استخدام القوّة العسكرية لفرض العقوبات الواردة فيه، بعكس العقوبات الأممية المذكورة التي رأينا تطبيقها الصارم على العراق، بعد احتلال الكويت عام 1990.
تبقى العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر عقوبات فردية وليست أممية، ويعود ذلك بالتأكيد إلى وصف القانون ذاته، فهو قانون أميركي لا يدخل ضمن منظومة القانون الدولي. ويترتب على ذلك مسائل مهمة تتعلق بتفسير أحكام القانون، عند وقوع التباس حول بعض المصطلحات، أو عند تقييم بعض الأعمال أو الإجراءات المنصوص عليها فيه. وكمثال على ذلك، يمكننا طرح معيار “الأهميّة” الواجب اتّصاف النشاط بها، وقد تحدّثت عنه الفقرة (دال) من المادة 101 من القانون، حيث نصّت على “تقديم خدمات بناء أو خدمات هندسية مهمة إلى الحكومة السورية، بشكل مباشر أو غير مباشر”.
فالذي يحدد ما هو مهم أو غير مهم، في معرض تقييم الخدمات المقدمة إلى الحكومة السورية، هو الإدارة الأميركية وأجهزتها المتخصصة، وليس أحد غيرها. كذلك ينطبق الأمر على حالات الاعتراض التي يمكن أن يلجأ إليها الأفراد أو التي يمكن أن تقدّمها الكيانات المدرجة على لائحة العقوبات، فهذه ستقدّم ضمن إطار النظام القانوني الأميركي حصرًا.
الفرق بين قانون “قيصر” وبين العقوبات الأميركية السابقة
سبق أن فرضت الإدارات الأميركية المختلفة عقوبات على سورية، قبل اندلاع الثورة السورية، فكانت العقوبات المفروضة عام 2004، بموجب الأمر التنفيذي 13388 لمواجهة سياسة النظام السوري بمواصلة احتلال لبنان ودعم الإرهاب ومتابعة برامج أسلحة الدمار الشامل والصواريخ، ثم تبعتها العقوبات المفروضة بموجب الأمر التنفيذي رقم 1399 التي جاءت بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري واثنين وعشرين لبنانيًا آخرين عام 2005، وبعد اندلاع الثورة السورية، فرضت إدارة الرئيس أوباما العديد من العقوبات على النظام السوري، من بينها القانون الخاص بمحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في سورية.
لكن ما يتميّز به قانون قيصر عن تلك العقوبات أنه: [2]
مفردات القانون ومطارح تطبيقه
توزّعت مواد قانون قيصر على أقسام عدّة، عالج كل قسم فيها موضوعًا محددًا، وفي كل قسم تمّ تحديد مطارح معيّنة لتطبيق العقوبات الواردة فيه، سنذكرها بحسب الترتيب التي وردت به.
أولًا: القسم الخاص بالإجراءات الإضافية المتعلّقة بالأمن الوطني الأميركي بخصوص سورية. ويشمل هذا القسم:
* تدابير متعلّقة بالبنك المركزي السوري، فقد نصّت المادة 101 من القانون على أن يحدد وزير الخزانة الأميركي، في موعد أقصاه 180 يومًا، إمكانية وجود أسباب منطقيّة للاستنتاج بأن البنك المركزي السوري هو مؤسسة مالية تعنى أساسًا بغسل الأموال [3].
* عقوبات مفروضة على الأشخاص الأجانب من غير الأميركيين، إذا قاموا عن عِلم بأيّ من النشاطات المنصوص عليها في المادة 102 من القانون، وهي:
أ – توفير دعم مهم مالي أو مادي أو تقني للحكومة السورية.
ب _ الدخول في صفقة كبيرة مع:
– الحكومة السورية أو أي كيان تملكه أو تسيطر عليه، أو مع شخصية سياسية رفيعة في الحكومة السورية.
– شخص أجنبي، مقاول عسكري أو مرتزق أو قوة شبه عسكرية تعمل عن عمد، بصفة عسكرية، داخل سورية لمصلحة حكومة سورية أو باسمها، أو حكومة الاتحاد الروسي، أو حكومة إيران.
– شخص أجنبي خاضع للعقوبات بموجب قانون الصلاحيات الطارئة الدولي (الأميركي طبعًا) في ما يتعلق بسورية أو أي حكم قانوني آخر يفرض عقوبات على سورية.
ج – بيع أو تقديم سلع أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات أو دعم مهم أو أي دعم آخر يسهّل بشكل كبير صيانة أو توسيع الإنتاج المحلّي للحكومة السورية للغاز الطبيعي أو البترول أو المنتجات البترولية.
د – بيع أو تقديم قطع غيار للطائرات، أو قطع الغيار التي تستخدم لأغراض عسكرية في سورية لصالح أو نيابة عن الحكومة السورية، لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة تخضع لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبل الحكومة السورية أو القوات الأجنبية المرتبطة معها.
هـ – توفير سلع أو خدمات مهمة مرتبطة بتشغيل الطائرات التي تستخدم لأغراض عسكرية في سورية لصالح أو نيابة عن الحكومة السورية، لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة تخضع لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبل الحكومة السورية أو القوات الأجنبية المرتبطة معها.
و – تقديم خدمات بناء أو خدمات هندسية مهمة إلى الحكومة السورية، بشكل مباشر أو غير مباشر.
* تشمل هذه العقوبات المنصوص عليها في المادة 102 ما يلي:
– الحجز على أملاك وأموال المخالف الموجودة داخل الولايات المتحدة أو في حوزة أو سيطرة شخص من الولايات المتحدة.
– إلغاء تأشيرات وسمات الدخول (الحالية) إلى الولايات المتحدة الممنوحة للمخالفين، وحرمانهم من الحصول عليها.
– المنع من الحصول على أي منفعة بموجب قانون الهجرة والجنسية.
* تطبّق هذه العقوبات على أي شخص ينتهك أو يحاول انتهاك أو يتآمر على الانتهاك، أو يتسبب في انتهاك هذه العقوبات.
ثانيًا: القسم الخاص بالمساعدة المقدّمة للشعب السوري
يشمل هذا القسم مجموعة من الأحكام التي نصّت عليها المادة 201 من القانون، وهي:
ثالثًا: القسم الخاص بالتعديلات على قانون محاسبة انتهاكات حقوق الإنسان في سورية لعام 2012، وتشمل: [5]
مجالات تطبيق القانون
واضح من قراءة نصوص قانون قيصر أنّه يفرّق بين نوعين من العقوبات: أحدها يمكن وصفه بـ “العقوبات القطّاعية” التي تستهدف قطاعات اقتصاديّة أو ماليّة محددة، مثل قطاعات الطيران والنفط والغاز والتكنولوجيا ومواد البناء والخدمات الهندسية، ومثل القطاعات المالية والمصرفية، وثانيها يوصف بـ “العقوبات الفردية” التي تستهدف فئات محددة من الأشخاص والكيانات التي تربطها بالحكومة السوريّة علاقات تعاون تساعدها في ارتكاب مزيد من الجرائم بحقّ المدنيين السوريين.
تهدف الفئة الأولى من العقوبات إلى حرمان الحكومة السورية من مواردها الاقتصاديّة والمالية، وكذلك الحدّ من خدمات التكنولوجيا التي تساعدها في تطوير قدرات أجهزتها الأمنية والعسكرية، والنتيجة الحدّ من قدرتها على الإضرار بالمدنيين في سورية.
أمّا الفئة الثانية، فتهدف إلى ردع المتعاملين مع الحكومة السورية بشكل خاص، بحيث يُجبرون على المقارنة بين الفوائد التي يمكن أن يجنوها من تعاملهم معها، وبين الخسائر المحتملة من منعهم من التعامل مع الحكومة الأميركية. كما تهدف إلى خلق حالة من الردع العام لكلّ من يفكر في التعامل مع الحكومة السورية، لكونه سيغامر بخسارة مصالح أكبر وأعمق يمثلها تعامله مع الحكومة الأميركية.
ومن النقاط المهمّة التي تجب الإشارة إليها، أنّ قانون قيصر لا يمنع المواطنين والأشخاص الأميركيين من التعامل مع الحكومة السورية فقط، بل يستهدف أي شخص غير أميركي طبيعي أو اعتباري، وكذلك الكيانات والدول الأجنبية.
ولا بدّ من ملاحظة أنّ القانون استخدم عبارة “الحكومة السورية”، عندما تكلّم عن مطارح تنفيذ العقوبات والأشخاص والكيانات المفروضة عليها في حال تعاملها معها، ولم يستخدم العبارة الرائجة في التعامل السياسي أي “النظام السوري”. مردّ ذلك -بطبيعة الحال- إلى الفرق بالمصطلحات بين لغة التشريع والقانون وبين لغة السياسة. لا يستخدم المشرّع مصطلحات عائمة غير معرّفة بموجب قواعد قانونية ثابتة، فلغة القانون تتسم بصفات عديدة من أهمّها العمومية والثبات، بينما يستخدم الساسة مصطلحات عائمة مرنة غير واضحة الحدود بشكل قاطع، للتعبير عن مواقف متغيّرة بتغيّر المصالح الموجبة لاتخاذها. وعندما استخدم القانون عبارة أو مصطلح “النظام السوري” في الفقرة 3 من البند 1 من المادة 301، في معرض اشتراطه “إطلاق سراح جميع المساجين السياسيين الذين يتم احتجازهم قسرًا في نظام السجون في نظام بشار الأسد”؛ فإنه كان يميّز بين الحكومة الرسمية التي لا تملك أي سيطرة فعلية على هذا الملف، وبين الأجهزة الأمنيّة صاحبة القرار الفعلي فيه.
لعلّ هذا التوضيح يُبدد بعض المخاوف التي ثارت في نفوس كثير من السوريين (التي عززتها بطبيعة الحال سياسة البروباغندا التي استخدمها النظام السوري لمواجهة استحقاقات هذا القانون) من أنّ العقوبات لن تستمر لتشمل سورية بعد حصول التغيير السياسي فيها. سيكون لشرح القسم المتعلّق بوقف تنفيذ هذا القانون، وللقسم الخاص بإنهاء العمل به، أثرٌ واضحٌ في إجلاء هذه المخاوف.
سيكون من المهمّ في هذا المجال التذكير بموقف عدد كبير من منظمات المجتمع المدني السوري التي وقّعت على ورقة تحدد فيها موقفها من العقوبات المفروضة على سورية، والتي تشمل بطبيعة الحال الموقف من قانون قيصر، على الرغم من عدم الإشارة إليه في تلك الورقة، لكن وحدة السبب والأهداف بين هذه الإجراءات والعقوبات تجعلنا نفترض وحدة الموقف منها.
ورد في تلك الورقة ما يلي:[6]
تعليق تطبيق القانون
تحت بند العنوان الثالث: أحكام عامة، نصّت المادة 301 من قانون قيصر على الحالات التي يمكن فيها تعليق تطبيق هذا القانون، وهي:
أولًا: بصفة عامة – يجوز للرئيس أن يعلق كليًا أو جزئيًا فرض العقوبات التي يتطلبها هذا القانون لفترات لا تتجاوز 180 يومًا، إذا قرر الرئيس أن المعايير التالية قد استوفيت في سورية:
ثانيًا: يجب على الحكومة السورية أن
ثالثًا: أن تسمح الحكومة السورية بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين الذين شردهم النزاع.
رابعًا: أن تتخذ الحكومة السورية خطوات يمكن التحقق منها، لإقامة مساءلة ذات معنى لمرتكبي جرائم الحرب في سورية والعدالة لضحايا جرائم الحرب التي يرتكبها نظام الأسد، بما في ذلك المشاركة في عملية حقيقية وموثوقة للحقيقة والمصالحة.
إذن، يحق للرئيس الأميركي -وفقًا لنص قانون قيصر- وقف تنفيذ العقوبات المفروضة بموجب هذا القانون، في مدّة أقصاها 180 يومًا، إذا تحققت الشروط المذكورة أعلاه، وهذا هو السبب الأول والمعلن من وراء صدور القانون.
يقدّم الرئيس الأميركي خلال 30 يومًا، من تعليق فرض العقوبات، إحاطة للكونغرس يقيّم فيها الوضع الناشئ عن وقف تطبيق القانون. ويقوم الرئيس بإعادة فرض أيّ عقوبة معلّقة التطبيق، في حال وجد أنّ معايير التعليق المنصوص عليها في القانون لم تعد مُستوفاة.
استثناءات تطبيق القانون
نصّت المادة 302 من قانون قيصر على نوعين من الاستثناءات، تحت مسمّى التنازلات والإعفاءات، وهي التالية:
أولًا: الإعفاءات
تعفى الأنشطة والمعاملات التالية من العقوبات المأذون بها بموجب هذا القانون:
1 – أي نشاط يخضع لمتطلبات الإبلاغ، بموجب العنوان الخامس من قانون الأمن القومي لعام 1947.
2 – أيّ معاملة ضرورية للامتثال لالتزامات الولايات المتحدة بموجب:
أ – الاتفاقية المتعلقة بمقر الأمم المتحدة، الموقَّعة في 26 حزيران/ يونيو 1947، ودخلت حيز التنفيذ في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة.
ب – اتفاقية العلاقات القنصلية، المبرمة في فيينا في 24 نيسان/ أبريل 1963 ودخلت حيز التنفيذ في 19 آذار/ مارس 1967.
3 – أي اتفاقية دولية أخرى تكون الولايات المتحدة طرفًا فيها.
ثانيًا: التنازلات العامة
بصفة عامة، يجوز للرئيس، لفترات لا تتجاوز 180 يومًا، التنازل عن تطبيق أي حكم من أحكام هذا القانون، بالنسبة إلى شخص أجنبي، إذا كان الرئيس يقرّ لجان الكونغرس المناسبة بأن هذا التنازل في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.
ثالثًا: التنازلات الإنسانية
بصفة عامة، يجوز للرئيس أن يتنازل عن تطبيق أي حكم من أحكام هذا القانون على المنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدة الإنسانية التي لا يغطيها التفويض الموصوف في القسم 201، إذا أقرّ الرئيس، لفترات قابلة للتجديد لا تتجاوز سنتين، للجان الكونغرس المناسبة بأن هذا التنازل مهم لتلبية الحاجة الإنسانية ويتسق مع مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.
وبناء على ذلك؛ يمكننا القول إنّ القانون قد نصّ على استثناء حالات محددة من العقوبات المنصوص عليها في القانون، وتنحصر هذه الحالات بما يتعلق بتلبية الحاجة الإنسانية ولا يتعارض مع مقتضيات الأمن القومي الأميركي، وبمقتضيات اتفاقيّة مقر الأمم المتحدة واتفاقية العلاقات القنصلية، وأحكام أي اتفاقية دولية تكون الولايات المتحدة طرفًا فيها.
تاريخ انتهاء سريان القانون
نصّت المادة 305 على أن “ينتهي سريان هذا القانون، بعد 5 سنوات من تاريخ سن هذا القانون”.
سيكون لذلك أثر إيجابي بالنسبة إلى الجالية السورية في الولايات المتحدة، فإذا ما فاز الديمقراطيون بالانتخابات القادمة، ومن المتوقّع أن يعرقلوا تنفيذه كما فعل الرئيس أوباما سابقًا؛ فإنهم لن يتمكّنوا من التأثير بشكل كبير على مساعي تجديده، باعتبار أنّ فترة ولايتهم ستنتهي قبل انتهاء مدّة سريانه. سيسمح هذا الأمر للجالية السورية المساندة للثورة بتكثيف جهودها لتمديد العمل بالقانون، في حال عدم تحقق عملية الانتقال السياسي في سورية خلال هذه الفترة.
آثار تطبيق القانون
تتوزّع آثار تطبيق القانون على نواحٍ عدّة، يجب النظر إليها جميعًا لتغطية النتائج المحتمل ترتّبها عليه.
أولًا: الآثار السياسية
أوقف القانون المساعي السياسية التي يبذلها عدد من أنظمة الحكم العربيّة لإعادة تأهيل النظام السوري، وأعاق بشكل كبير جهود روسيا لاختراق الساحة العربية، من خلال دول محددة مثل الجزائر والسودان والإمارات العربية المتحدة ولبنان والعراق.
سيمنع القانون روسيا من ترجمة انتصاراتها العسكرية التي حققتها باستخدام العنف المفرط والأسلحة المحرّمة دوليًا، إلى نتائج سياسيّة. وسيكون من المستحيل على روسيا الادعاء بأنّها صنعت السلام بعد أن انتصرت عسكريًا، لأن السلام يحتاج إلى الاستقرار الاقتصادي، وهذا لن يتحقق بدون عودة السكان النازحين واللاجئين إلى مدنهم وقراهم، وهذا لن يتم دون تحقيق انتقال سياسي يزيل السبب الذي دفعهم إلى النزوح والهجرة، ولن يتحقق رجوع هؤلاء إن لم يكن هناك برنامج واضح المعالم ومدعوم دوليًا لإعادة الإعمار، وهذا الأخير لن يتم بدون تحقق الشروط التي حددها القانون.
لا شكّ في أنّ روسيا تحاول مقايضة الملف السوري مع الأميركيين بملفات أخرى أكثر استراتيجية وحساسية وارتباطًا بأمنها القومي ومجالها الحيوي، مثل ملف القرم والملف الأوكراني، لكنّها ليست في موقع يسمح لها بفرض شروطها، فهي الخاسر الأكبر من حالة الاستنزاف الدائم مع عدم القدرة على التعويض في ظلّ الانهيار الكبير الذي وصلت إليه الأوضاع المالية والاقتصادية في سورية. لذلك سيضاف هذا الأمر إلى سجلّ الانتكاسات التي مُنيت بها السياسة الخارجية الروسية.
ولا شكّ في أنّ بإمكان المعارضة السورية أن تجني بعض المكاسب السياسية، إن استطاعت أن تستغلّ فرصة الضغط الهائلة التي يوفرها القانون على الدول الإقليمية وعلى الفاعلين الدوليين في الملف السوري، لكن عليها أولًا أن تستعيد شرعيتها الشعبية التي فقدتها خلال السنوات الماضية، لأسباب كثيرة لا مجال للتطرّق إليها الآن، وعليها ثانيًا أن تشكّل خلّية أزمة سياسية لتجديد المطالبة بحقوق السوريين، وبيان تقاطع ذلك مع مصالح الدول المختلفة في استتباب الأمن والاستقرار والسلام الدوليين. إضافة إلى ذلك عليها أن تعمل على استثمار الجاليات السورية المساندة للثورة والمقيمة في أوروبا، لاستصدار قوانين عقوبات شبيهة بقانون قيصر، لأنّ حرمان النظام السوري وداعميه من التعامل مع الدول الأوروبية سيشكل نقطة فارقة في مسار التحوّل السياسي في سورية، لأنه ببساطة يحاصر ويحدّ من أسباب إعادة تأهيل هذا النظام وإعادته للساحة الدولية.
سيدقّ القانون مسمارًا كبيرًا في دفّة العلاقة بين النظام السوري والنظام الإيراني وتوابعه الإقليمية مثل “حزب الله”. وسيشدد الحصار على موارد الطرفين من العملات الصعبة، وسيصعّب على حلفاء النظام إمداده بالمعونات والمساعدات ومقوّمات الاستمرار في الحرب على الشعب السوري.
ثانيًا: الآثار الاقتصادية
سيكون للقانون تأثير هائل على إعاقة جهود إعمار سورية، في ظلّ استمرار نظام الأسد في الحكم. أي إنّ هذه العملية ستتوقف إلى حين تحقيق الاشتراطات التي نصّ عليها القانون. ومن المعروف أنّ أكبر الممولين المحتملين لإعادة الإعمار هم الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الخليجية، مثل السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت. وسيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على هذه الجهات التفكير في تمويل إعادة الإعمار في سورية في ظلّ نفاذ أحكام قانون قيصر.
سيؤثر القانون -بلا شك- على الوضع المعيشي للسوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام، وسيحدّ من قدرة مؤسسات الدولة على تأمين الوقود وقطع غيار الطائرات والتكنولوجيا الخاصة بالاتصالات وغيرها من المواد والخدمات التي يحتاج إليها المواطن. لكنّ الأولوية كانت على الدوام -بالنسبة إلى هذا النظام- تأمين إمدادات الجيش والأجهزة الأمنية، وآخر ما كان يفكر فيه تأمين احتياجات المواطنين.
سيؤثر القانون على مصادر القطع الأجنبي الرسمية للنظام السوري، ولذلك سيلجأ النظام -كعادته- إلى إفراغ جيوب السوريين منها باستصداره القوانين والقرارات التي تحرّم التعامل بها خارج إطار مصارفه ودورته المستندية، سيحاول أن يجبر المواطنين السوريين على استلام حوالاتهم المالية التي يرسلها إليهم أبناؤهم من خارج القطر، وفق أسعار الصرف التي يحددها هو. وستنهار الليرة السورية أكثر فأكثر، حتى تصبح بلا أي قيمة عمليًا. لكنّ السبب الأساس في ذلك ليس القانون بحدّ ذاته، بقدر ما هو الخراب والدمار الذي سببته سياسة النظام ذاتها بتدمير مصادر الإنتاج الزراعي والصناعي ومقومات التجارة والسياحة.
الآثار القانونية
سيدعم القانون جهود جمع الأدلّة التي تتعلق بانتهاكات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سورية، وقد يكون لذلك أثر ملحوظ في المستقبل على سير التحقيقات بشأن هذه الانتهاكات الجارية، في سورية، وعلى مسيرة الملاحقات القضائية الجارية لمرتكبيها، خارج سورية.
خاتمة
قانون قيصر ليس أوّل العقوبات المفروضة على سورية، فقد خبرت البلاد عقوبات كثيرة، خلال الخمسين عامًا الأخيرة التي حكمتها فيها عائلة الأسد. لكنّ قانون قيصر -بكل تأكيد- هو الأشدّ ممّا سبقه، وستكون له تأثيرات مديدة تحيق -بالدرجة الأولى- بالزمرة الحاكمة في سورية، أفرادًا ومجموعات.
[1] – موقع “سوريتنا” الإلكتروني – تاريخ 16/6/2020
[2] دراسة بعنوان “لمحة مختصرة عن بعض أنظمة العقوبات المفروضة على سوريا” – البرنامج السوري للتطوير القانوني. تاريخ 29/3/2020 صفحة 24-25
[3] – الترجمة الرسمية لقانون قيصر للغة العربية والمعتمدة من وزرارة الخارجية الأمريكية. موقع “كلّنا شركاء”
https://www.facebook.com/1023344049/posts/10221053427658371/?d=n
[4] – دراسة بعنوان “لمحة مختصرة عن بعض أنظمة العقوبات المفروضة على سوريا” – البرنامج السوري للتطوير القانوني. تاريخ 29/3/2020 صفحة 35
[5] – المرجع السابق- صفحة 34
[6] – رؤية منظمات المجتمع المدني السوري حول العقوبات المفروضة على سوريا – البرنامج السوري للتطوير القانوني – تاريخ النشر 14/11/2019