أولًا: مقدمة وتعريف
تكتسي هذه الدراسة عن نظام الحكم المناسب لسورية المقبلة أهميّة خاصة لسببين: الأول كونها قضية سياسية ودستورية كبرى، حساسة وراهنة. والثاني هذه الرغبة العامة الشديدة، غير المتبصرة، نحو تبني نظام الحكم البرلماني، كردة فعل آلية وطبيعية على حقبة الاستبداد المريرة التي عانتها البلاد نحو خمسة عقود.
هي قضية سياسية ودستورية كبرى وحساسة، لأن اعتماد نظام حكم معين يلعب دورًا حاسمًا في تقرير مصير البلاد، في خروجها مما هي فيه بداية، ثم في تعافيها، فانطلاقها نحو المستقبل. وهي قضية راهنة، لأن العملية السياسية المنوط بها معالجة الصراع في سورية، والتي يبدو أن القيادة فيها انعقدت لروسيا بـ (إشراف أممي)، ذهبت إلى أن كتابة الدستور هي المدخل الأفضل لهذه المعالجة، وفبركت لهذه الغاية لجنة دستورية تعمل على تعديل الدستور الحالي، أو كتابة دستور جديد يكون أساسًا لإنهاء هذا الصراع والانتقال بالبلاد إلى مرحلة جديدة. وقد وضع هذا الأمر القضايا الدستورية، وعلى رأسها قضية نظام الحكم، على نار حامية، وبذلك وجب الاشتغال عليها من قبل كل المختصين والمعنيين، لفتح النقاشات، ونشر التوعية، وإيصال الأفكار إلى المعنيين، ومنهم أعضاء اللجنة الدستورية.
أما بخصوص السبب الآخر الذي يضفي أهمية خاصة على هذه الدراسة، وأقصد تلك الرغبة العارمة في تبني نظام الحكم البرلماني كردة فعل على حقبة الاستبداد المريرة، فثمة خشية مبررة، من هذه الاندفاعة العاطفية المتسرِّعة، المحكومة بهاجس الخوف من عودة الاستبداد، بغض النظر عن الهواجس الأخرى.
ستقول هذه الدراسة إن المسألة على قدر كبير من التعقيد، وتحتاج إلى صيغة دستورية إبداعية مفصلة على القياس السوري، تأخذ بعين الاعتبار هواجس السوريين من مسألة عودة الاستبداد، وحاجتهم إلى نظام حكم يستطيع أخذهم نحو المستقبل، وسط هذا البحر الموّار بكل أنواع المشكلات والهموم والصعوبات.
لا يهدف هذا الجهد إلى اقتراح حلول ووصفات جاهزة، بقدر ما يرمي إلى الإضاءة على أبعاد القصة وشروطها وتعقيداتها، كمحاولة لتجنب الانزلاق نحو خيارات قد لا تكون الأفضل في هذه المسألة البالغة الأهمية.
تتألف هذه الدراسة من فصول عدة، تتناول فصولها الثلاث الأولى، باختصار شديد، أنواع أنظمة الحكم الثلاث الرئيسة، البرلماني والرئاسي والمختلط (شبه الرئاسي). من حيث تطورها التاريخي، ومن حيث الإيجابيات والسلبيات، والشروط الموضوعية لنجاحها. ويضيء الفصل الرابع على أنظمة الحكم التي حكمت سورية في المئة سنة الأخيرة. أما الفصل الخامس، فيحاول استشراف واقع السوريين وواقع برلمانهم الوليد عشية انتهاء الصراع، ما يشكل جزءا رئيسًا من الشروط الموضوعية التي يجب أخذها بعين الاعتبار أثناء التفكير بنظام الحكم الملائم. وأخيرًا هناك الخاتمة والاستنتاجات، إضافة إلى ملحق يتضمن بعض الضمانات المقترحة لتحصين النظام السياسي ضد تسلل الاستبداد.
لن تتوسع هذه الدراسة في الجوانب التاريخية والنظرية العامة، لكونها معروفة ومتاحة في معظم المصادر، وستكتفي بالتركيز على خلاصات تفيد غرض البحث والنقاش الذي هو موضوع الفصلين الأخيرين.
يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل