على الرغم من أن المساعدة العسكرية الروسية لسورية لم تنقطع منذ عام 1954، فإنها بدأت في منتصف عام 2012 تعويض الخسائر العسكرية للنظام، ووفّرت له معدّات جديدة وتدريبات خاصّة، وفي نهاية أيلول/ سبتمبر 2015، بدأ مسار التدخل العسكري بشكل مباشر، وبدأت المعارك، بعد أن “كانت القوات المسلحة السورية قد استنفدت نفسها تمامًا، إذ تدهورت معنويات أفرادها وتدهور فيلق الضباط، وأظهرت القوات المسلحة كفاءة منخفضة للغاية في القيادة والسيطرة”[1]، وفق ما قاله الكولونيل العام ألكساندر دفورنيكوف (القائد الأول للقوات العسكرية الروسية في سورية)، فضلًا عن تفسّخ القوات المقاتلة الموالية للأسد، حيث أضحت مجموعةَ ميليشيات محليّة الانتماء، تتحالف مع كل الفصائل والرعاة المحليين والأجانب وأمراء الحرب المحليين[2]، وتؤدي ما يشبه مخطط ابتزاز ضخم، وتدير و/أو تهيمن على أنشطة اقتصاد الحرب وتحميها.
وفي نهاية عام 2017، عُيّن مستشارون روس من الرتب العليا في الجيش الروسي، في مجالات المخابرات والمدفعية والهندسة وغيرها من المجالات، في جميع وحدات الجيش تقريبًا، فرقًا وألوية وكتائب، وساعدوا في “التخطيط للعمليات، وقيادة تلك الوحدات أثناء قيامها بمهامها القتالية”[3]، بحسب ما أشار إليه الجنرال فاليري جيراسيموف (رئيس الأركان آنذاك). وبعد تشكيل روسيا “الفيلق الرابع”، بدأت بتشكيل “الفيلق الخامس” في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، بعدما وجدت أن القوات النظامية وغير النظامية الموالية لحليفها غير فعّالة، وقد تشكّل الأخير من عناصر متطوّعين، بطريقة مغايرة للأصول المعتادة في التجنيد كي تتجنب الفرار من الجيش، وراوحت الرواتب فيه بين (200 -300$) شهريًا، وهو مبلغ جيد نسبيًا قياسًا بالأجور في سورية، وأضيف إليه أيضًا ميليشيات غير نظامية، مثل “كتائب البعث” و”قوات الدفاع الوطني”، وأفراد قدامى مسرحين، للتغلب على نقص الموارد البشرية[4]، كما أضيف إليه في عام 2018 عناصر من محافظة درعا، وقّعوا على “مصالحة” مع النظام، وفي آب/ أغسطس 2019، انضمت إليها “قوات النمر” التي كانت تتبع للمخابرات الجوية، ويقودها سهيل الحسن، وتغيّر اسمها إلى “قوات الفرقة 25 مهام خاصة”، وتضم مجموعات/ ميليشيات مقاتلة عدة، منها “فوج الهادي”، “فوج حيدر”، “قوات الطرماح”، “فوج طه”.
بعض الملاحظات على التغييرات الروسية في الجيش السوري
هناك شكوك حول امتلاك، أو حجم امتلاك، عملية التغييرات في الجيش من قبل الجانب السوري، وتُعزز هذه الشكوك الصورة غير الدبلوماسية والمكررة التي حرص على تصديرها الجانب الروسي إعلاميًا، وهي تكرّس الوصائية الاستعلائية على نظام الأسد، ونذكر، على سبيل المثال، حادثة منع ضابط روسي الأسدَ من اللحاق ببوتين، في أثناء زيارة بوتين إلى قاعدة حميميم في سورية في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2017[5]، وفي تلك الزيارة، عُقد لقاء بين بوتين والأسد ومجموعة من الضباط الروس، إضافة إلى ضابط سوري وحيد اختاره الروس، وهو سهيل الحسن، وقد أشاد بوتين في تلك الجلسة بشجاعة “الحسن”، وكرمته وزارة الدفاع الروسية في 19 آب/ أغسطس 2017 في قاعدة حميميم، ولا يُرجّح أنّ الأسد الذي اعتاد أن يُعلي ويخفض من دور الأشخاص كان مرتاحًا لتكريم الحسن، أو في اختياره للجلوس مقابله، وهو المعروف، أي الحسن، بإلقاء الترهات والخطب الحمقاء أمام عناصره[6].
ولا يمكن للمرء أن ينسى المشهد المذلّ لجلوس وزير الدفاع السوري علي عبد الله أيوب، على كرسي منخفض، بعكس نظيره الروسي، إبّان اجتماع بوتين مع الأسد في مقر تجمع القوات الروسية في دمشق في 7 كانون الثاني/ يناير 2020[7]. ومنذ منتصف عام 2016، حرصت القيادة الروسية على خرق القواعد المعمول بها بين الدول، وسرّبت للإعلام مفاجأة الأسد بزيارة وزير الدفاع الروسي شيرغي شويغو لسورية، حين قال له مرحّبًا: “أنا سعيد جدًا بلقائكم هنا، مفاجأة سارة، لم أكن أعلم أنكم ستأتون شخصيًا”[8].
تنسجم التغييرات التي أحدثتها وقادتها روسيا الاتحادية في الجيش، مع سياستها حيال القضية السورية، فالجيش، كمحتكر للعنف، حمى وسوف يحمي السلطة السياسية التي ترغب في تعويمها روسيا، سواء بقي الأسد أم غادر، وبالتالي ستظل هذه التغييرات تحمي السلطة بالقوة الروسية، بصفتها موكلة دوليًا، حتى الآن، بالحلّ في سورية، وبالفيتو الروسي في مجلس الأمن، الأمر الذي سيعقد مستقبلًا إعادة هيكلة القطاع الأمني، كجزء ضروري في مسار الانتقال السياسي.
ويمكننا أن نلحظ بعض الثوابت الروسية في عملية التغييرات:
- – يتم “تحديث” الجيش بشكل يلائم الحفاظ على استقرار الأمن الداخلي وإحباط أي انتفاضة أو تمرّد، أي إنه موجّه نحو الداخل فقط.
- – المحافظة على تطييف مراكز صنع القرار في الجيش.
- – تقليص النفوذ الإيراني على الجيش[9]، وحصر ميليشياتها و/أو إدارة ميليشياتها في أماكن محددة.
- – تجاهل أهمية المساءلة والمحاسبة، والتفريق بين مرتكبي انتهاكات القانون الإنساني الدولي أو قانون حقوق الإنسان، لفرز المدانين بارتكاب جرائم خطرة.
- – إبقاء أنشطة اقتصاد الحرب، أو لنقُل “الانتهاكات المقترنة بالفساد الواسع النطاق والجرائم الاقتصادية”[10].
- – تجاهل وإهمال فحص أهلية المنضويين في الفيلقين الرابع والخامس، من حيث المشاركة في جرائم اقتصادية، و/أو ارتكاب جرائم حرب، و/أو جرائم ضد الإنسانية.
- – تجاهل آليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج من جهة، وحصر عملية جبر الضرر التي يقوم بها النظام، بمصابي الجيش وبالموالاة فقط، وهي وصفة سحرية لتجذير المظالم وتكريس التمييز بين المواطنين، واستمرار النزاع العسكري.
- – تجاهل أهمية الحصول على معلومات من المقاتلين تفيد في مسار معرفة الحقيقة، مثل تحديد المسؤوليات، وتسلسل الأوامر، والأسلحة المستخدمة والمقابر والألغام…إلخ.
حصد الدور الروسي في سورية مزايا متعددة، عبر وصايتها الحالية على سورية، منها تعزيز نفوذها الدولي، ووصولها إلى المتوسط عبر قاعدتها البحرية في مرفأ طرطوس، واستعراض قوتها العسكرية والسياسية انطلاقًا من قاعدة حميميم، وتجريب أسلحتها في سورية، لكن على روسيا أن لا تتجاهل التصريح الأميركي المتكرر الذي جاء على لسان جيفري، بأن سورية تتحول إلى مستنقع لروسيا، وخاصة أن تأخير الانتقال السياسي الحقيقي سيُجذر تقاسم نفوذ الدول المؤثرة والمشاركة بالنزاع، سواء بجيوشها وميليشياتها وقواعدها أو بنفوذها، وعليها أن لا تتجاهل أيضًا بأن ليّ عُنق الحقيقة، وتجاهل آثار الصراع وأسبابه الجذرية وحقب الاستبداد الكارثية التي أدت إلى تفتت الدولة وتقويض سيادتها، لن يفيد السوريين والسوريات في إنهاء الصراع والاستبداد، فسورية بحاجة إلى انتقال سياسي حقيقي وعدالة انتقالية تحولية، لمنع تكرار جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ومحاسبة مرتكبيها، والقطاع الأمني[11]-بكل مؤسساته- بحاجة إلى إعادة هيكلة كجزء من سياسة شاملة لإصلاح المؤسسات.
[1] – أنطون لافروف، “كفاءة القوات المسلحة السورية: تحليل للمساعدة الروسية”، 26 آذار 2020، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، شوهد في 6/11/2020، في: https://carnegie-mec.org/2020/03/26/ar-pub-81214
[2] – لمى قنوت، “منهجية النظام السوري خلال الصراع منذ بداية الثورة في آذار 2011″، 9/4/2017، الحوار المتمدن، شوهد في 21/11/2020، في: https://bit.ly/3n8b912
[3] – يزيد الصايغ، “الاعتبارات السياسية السورية تغلب على الإصلاحات العسكرية الروسية”، 26 آذار/ مارس 2020، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، شوهد في 7/11/2020، في: https://bit.ly/3a1Q84y
[4] – مصدر سابق، أنطون لافروف.
[5] – “شاهد… ضابط روسي يمنع الأسد من مرافقة بوتين”، الحرة، 11 كانون الأول/ ديسمبر 2017، شوهد في 18/11/2020، في: https://arbne.ws/39XLkNz
[6] – “(الدفاع) الروسية تكرم النمر الوردي السوري… من هو؟”، الخليج أونلاين، 19/8/2017، شوهد في 18/11/2020، في: https://bit.ly/3na9DeW
[7] – جمانة حمدي، “سخرية من (تقزيم) وزير الدفاع السوري في اجتماع مع بوتين”، عربي 21، 7 كانون الثاني/ يناير 2020، شوهد في 18/11/2020، في: https://bit.ly/379Cv1g
[8] – “الأسد (فوجئ) بقدوم وزير الدفاع الروسي: لم أكن أعلم بزيارتكم”، الخليج أون لاين، 19/6/2016، شوهد في 18/11/ 2020، في: https://bit.ly/3757RGh
[9] – على سبيل المثال، ينسب إلى إيران وميليشيا “حزب الله” رعاية وتدريب الفيلق الأول الموجود في الجنوب السوري.
[10] – على سبيل المثال، بعض أنشطة الفرقة الرابعة خلال النزاع، نهب الممتلكات العامة والخاصة في المناطق التي يعيد النظام سيطرته عليها، والترفيق، أي مرافقة الشاحنات التجارية من منطقة إلى أخرى، وفرض الإتاوات المالية على الحواجز/ المعابر أثناء نقل البضائع من منطقة إلى أخرى، إضافة إلى الهيمنة على المرافئ والاستفادة من تجارة الترانزيت، وإدارة عمليات التهريب (آثار ومخدرات). للمزيد: أيمن الدسوقي، “شبكة اقتصاد الفرقة الرابعة خلال الصراع السوري”، 13 كانون الثاني 2020، Middle East Directions، شوهد في 18/11/2020، في: https://bit.ly/3oKwXAu
[11] – يشمل القطاع الأمني “الهياكل والمؤسسات والأفراد المسؤولين عن الإدارة والحكم والرقابة الأمنية، ويمكن أن يشمل كذلك الدفاع وإنفاذ القانون، والإصلاحيات، وأجهزة المخابرات والمؤسسات المسؤولة عن إدارة الحدود والجمارك وحالات الطوارئ المدنية. وفي بعض الحالات، يشمل عناصر الجهاز القضائي المسؤول عن فحص حالات الشبهة في السلوك الإجرامي وإساءة استخدام السلطة. وينبغي أن يشمل قطاع الأمن أيضًا إدارة وهيئات الرقابة، وفي بعض الحالات، قد يشمل مقدمي الخدمات الأمنية غير الرسمية أو التقليدية.”. للمزيد: إصلاح القطاع الأمني، عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، شوهد في 14/4/2020، في: https://bit.ly/3qRQIHU