عُقدت أمس السبت 18 نيسان/ أبريل 2020، عبر البث المباشر، ندوة بعنوان “هل فيروس كورونا مؤامرة؟“، أدارتها ربا حبّوش وشارك فيها كلٌّ من عزام أمين وطارق دعنا، وتركز النقاش على أكثر الروايات الرائجة حول “نظرية المؤامرة”، الأميركية منها والصينية، وحول رأي المؤمنين بهذه النظرية، وما الذي يُنعش انتشار نظرية المؤامرة التي تدعمها شائعات كثيرة وحقائق قليلة، وما هي الدوافع النفسية والاجتماعية لتصديق أن هذا الوباء مؤامرة، وهل تختلف نسبة التصديق بين مجتمع وآخر؟ كما تطرق النقاش إلى الجدل السياسي بين أميركا والصين حول عملية تسييس انتشار الوباء، وعلاقته بمحاولة كل طرف الحصول على قيادة العالم، ما جعل بعض الناس يعتقدون أن ما يحدث هو حرب بيولوجية وتصفية حسابات.
وردًا على سؤال، حول سبب ميل الناس إلى تصديق نظريات المؤامرة والإشاعات أكثر من تصديق الحقائق العلمية، وإن كان هذا الأمر يختلف بين مجتمع وآخر، أجاب عزام أمين: “يمكننا أن نلاحظ أن نظرية المؤامرة تزداد وتنتشر في أوقات عدم اليقين والخوف، أي أوقات الأزمات والأحداث الكبرى، ففي هذه الأوقات يكون لدينا حدث كبير، ولا نملك معلومات لتفسيره، والإنسان -بطبعه- لديه دوافع لشرح وتفسير كل ما يوجد في بيئته، وهذا الدافع يجعلنا نقع فريسة لنظرية المؤامرة، لأنها تقدم شرحًا وتبسيطًا، قد يكون منطقيًا في كثير من الأحيان. ويمكننا القول إن نقصان الدليل هو بحد ذاته دليلٌ على نظرية المؤامرة”.
وتابع: “غالبًا ما نرى أن الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة يقعون ضحية تحيزات معرفية وإدراكية، فلدينا التحيز التوكيدي الذي يدفع الفرد إلى البحث عن كل حجة أو دليل يدعم معتقداته، ويهمل الحجج التي تُشكك بالأفكار التي يؤمن بها. وهناك أيضًا التحيز التناسبي القائم على فكرة أن الأحداث الكبرى لا يمكن أن تحدث مصادفة، ولا بد أن يكون هناك مسبب كبير لها، أو أن تكون وراءها أياد خفية وغايات كبرى. أما التحيز الأخير فنسميه التحيز الإسقاطي، وهو يرتبط بالسمات الشخصية للمؤمنين بنظرية المؤامرة، وغالبًا ما يكون هؤلاء ميّالون إلى التشكيك وعدم الثقة بالآخرين”.
وبالرغم من أن نظرية المؤامرة تأتي من حدث مجهول غير مفسّر للإنسان، كما ذكر عزام أمين، فإن هناك حقائق كثيرة وصراعات سياسية دولية، ربما قد تكون سببًا في جعل الناس يصدقون نظرية المؤامرة، وحول هذا الأمر، أجاب طارق دعنا: “من الضروري في البداية أن نضع إطارًا مفاهيميًا مبسطًا، لتحديد دقة ومعنى مفهوم نظرية المؤامرة، فهو مصطلح يطلق على صناعة اختلاق سيناريوهات وتفسيرات مضللة حول حدث معين، وغالبًا ما تكون ذات أبعاد خادعة، وفي أغلب الأحيان تكون نظريات لا عقلانية، لأنها تتناقض مع أبسط الحقائق في الواقع، لكن هناك أيضًا منظرين محترفين يدّعون العقلانية، عن طريق التلاعب بالحقائق والوقائع، والوصول إلى استنتاجات بعيدة عن المنطق. وإذا أردنا أن نتحدث عن نظرية المؤامرة المتعلقة بفيروس كورونا؛ فعلينا أن نركز على المؤامرة ذات الصدمة السياسية التي تحاول تفسير الأحداث، من منظور علاقات القوى السياسية فيما بينها، بهدف تحقيق مآرب استراتيجية معينة، وبما أننا أمام حدث كبير يتعلق بوباء عالمي، فإن الناس سيميلون إلى البحث عن جهة خفية وقوية تقف وراء هذا الأمر، وربما هذا ما يرسخ في أذهان البعض فكرة الصراع السياسي بين أميركا والصين، لكونهما قطبين كبيرين على مستوى العالم”.
وفنّد عزام أمين أيضًا العديد من نظريات المؤامرة الرائجة حاليًا، حول سبب انتشار فيروس كورونا المستجد، كالنظرية التي تقول إن الفيروس تم تصنيعه في مختبر مدينة ووهان الصينية الطبي، من أجل القيام بحرب بيولوجية، وأيضًا تصريحات مسؤولين أميركيين زاروا المختبر عام 2018، وقالوا إنه لا تتوفر فيه شروط السلامة الكافية، كذلك ما صرّح به أخيرًا البروفسور الفرنسي الحائز جائزة نوبل، لوك مونتانييه، بأن الخصائص التي نجم عنها فيروس كورونا لا يمكن أن تحصل بطريقة طبيعية، وإن الخطأ ربما يكون قد حصل في مختبر مدينة ووهان الصينية، وعلّق قائلًا: “حقيقة أن أي تفنيد لنظريات المؤامرة سيؤكد شكوك المؤمنين بها، فلو افترضنا أن كلام البروفيسور الفرنسي صحيح؛ فإن هذا الأمر بحد ذاته تأكيد بوجود مؤامرة متمثلة بالتستر عن الخطأ الذي حصل في المختبر. وفي المقابل، الصين لم تكن تسعى لتصنيع الوباء، لكن الأمر خرج من يدها، وهذا كل ما في الأمر”.
ناقشت الندوة أيضًا المسؤولية التي تتحملها الصين، كونها سببًا في انتشار المرض، بغض النظر عن الأسباب، والروايات القائلة إن أميركا غضّت البصر عنها، حتى تحقق مكاسب سياسية، وهل فعلًا الاتحاد الأوروبي، الذي أصبح بؤرة حاضنة للوباء، غضّ البصر عن هذا الفيروس، للتخلص من كبار السن والفئات المستضعفة والفقراء، وغير ذلك من المواضيع التي تجعل الناس يميلون إلى تصديق نظريات المؤامرة المثارة حول فيروس كورونا المستجد. وحول ذلك تحدث طارق دعنا: “الحديث في هذا الأمر يجب أن يكون علميًا بالمطلق، والعلماء والأطباء هم مصدر المعرفة الأساسي في هذه القضية، ومعظم الأطباء أجمعوا على أن الفيروس انتقل إلى الإنسان من نوع معين من الحيوانات، عبر وسيلة لم يتم تحديدها بدقة حتى الآن، فنحن لم نصل إلى مرحلة من التقدم الفكري البشري، حتى يستطيع الإنسان تطوير أو خلق فيروس بهذا الشكل، ولذلك يجب الاستناد إلى كلام العلماء، لا إلى الأطراف السياسية الدولية، خاصة أن هناك عملية تسييس كبيرة تجري الآن، حيث بدأنا نرى ونسمع خطابات للرئيس الأميركي دونالد ترامب، كل يوم تقريبًا، حول أسباب وظروف انتشار (الفيروس الصيني) كما يسميه”.
وفي ختام الندوة، أجاب المشاركون عن أسئلة المتابعين، حول مستقبل النظام السياسي والاقتصادي العالمي بعد انتشار هذا الوباء، ومدى صدقية نظريات المؤامرة في ظل الخسائر الكبيرة التي تتكبدها الدول، ومدى قدرة منظمة الصحة العالمية على الاستجابة للأزمات العالمية.
ربا حبوش، عملت في قناة (anb) مذيعة أخبار ومقدمة برامج سياسية لمدة عام، انتقلت بعدها إلى قناة الشرقية، وقدّمت برنامجًا عن الشأن السوري، كما عملت مذيعة في قناة الفلوجة العراقية، كمذيعة أخبار ومقدمة برامج سياسية، انضمت إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وشاركت في ورشات عمل عديدة.
عزام أمين، هو أستاذ مساعد في علم النفس الاجتماعي، في كليّة علم النفس والعمل الاجتماعي، في معهد الدوحة للدراسات العليا، درس علم النفس في جامعة دمشق، وحاز دكتوراه في علم النفس الاجتماعي، من جامعة ليون الثانية في فرنسا.
طارق دعنا، هو أستاذ مساعد في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، في معهد الدوحة للدراسات العليا، تتعلق اهتماماته البحثية بقضايا الاقتصاد السياسي، والمجتمع المدني والحركات الاجتماعية، والعلاقة بين الدولة والمجتمع، حاصل على دكتوراة في العلوم السياسية من إيطاليا.