عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، السبت 25 نيسان/ أبريل، ندوة حوارية بعنوان (تأثيرات كورونا على النظام السياسي العالمي)، شارك فيها كلٌّ من الكاتب والمحلل السياسي عمر قدور، والكاتب الصحفي معن البياري، رئيس قسم الرأي في صحيفة (العربي الجديد).
ناقشت الندوة الآثار المتعددة التي يُحتمل أن يُحدثها وباء كورونا في السياسة العالمية، وإمكانية حدوث هزّات كبرى على المستوى الدولي، والعلاقات المتوقعة بين اللاعبين الدوليين، والأحلاف المرتقبة والتيارات والاتجاهات في السياسة العالمية، بعد هذه المحنة التي عانتها كلّ البشرية.
وركزت الندوة على كيفية قيام اللاعبين الدوليين بإعادة تموضعهم -سياسيًا- على الساحة الدولية، ومدى إمكانية تراجع الدور الأميركي، مقابل صعود الدور الصيني، وحقيقة المساومات السياسية الأميركية مقابل الصحة لإيران، وأثر غياب سياسة موحدة للاتحاد الأوروبي، وتأثير انتشار الوباء على الصراعات في المنطقة العربية، وخاصة سورية واليمن وليبيا.
وحول سؤال عن إجراءات الحظر الكامل التي اتبعتها الصين في البداية، وطبقتها بقية الدول بعد ذلك، هل تُعدّ مؤشرًا على غياب الديمقراطية وحل مشاكل الدول بهذه الطريقة، أجاب معن البياري قائلًا: “الإجراءات الطبية التي تم اتخاذها للحفاظ على الصحة والسلامة العامة هي بروتوكولات اعتمدتها منظمة الصحة العالمية، وتأخذ بها الدول عادةً، وهي ليست إجراءات محلية قطرية وأساليب متبعة للوقاية من المرض، وهناك بالفعل مخاوف من أن تقيّد هذه الإجراءات الحريات والتحركات، خاصة في المجال السياسي، وأن تستغل بعض الدول غير الديمقراطية ذات النظم الاستبدادية هذه الحال، وتستثمرها من أجل فرض مزيد من الرقابة على الناس والحد من حرياتهم، وهناك أمثلة على ذلك في الصين، حيث إن الحكومة الصينية قمعت الطبيب الصيني الذي كان أول من تحدث وحذّر من فيروس كورونا، وأجبرته على الصمت، لذلك فإن هذه المخاوف مطروحة حتى في الدول الديمقراطية، وقد تحدث العديد من المحللين عن هذه النقطة. وأعتقد أن هذا الأمر لن يكون سهل الحدوث في البلدان الديمقراطية؛ لأن لديها قوانين وصحافة حرة ووسائل وأقنية للتعبير عن الرأي وبرلمانات منتخبة، وعلى ذلك؛ لا نستطيع أن نبالغ بأن نُظهر خشية كبرى من هذا الأمر”.
وعن التراشقات الإعلامية والاتهامات المتبادلة بين أميركا والصين، وإمكانية أن تتحول إلى حرب باردة بين الطرفين، وعن سعي الصين للسيطرة على العالم بذريعة فيروس كورونا، أجاب عمر قدرو: “لا أظن أن هناك حربًا، بالمعنى الذي يتمناه كثيرون في المدى القريب جدًا، بين الولايات المتحدة والصين، أو بين الصين والغرب عمومًا، فالصين -كما نعلم- هي مضيفة لكثير من الشركات الغربية، وفك الارتباط ليس سهلًا على كلا الطرفين، فمثلًا الولايات المتحدة اتخذت قرارًا مدفوعًا بحالة الحرب عمليًا، بالسيطرة على الشركات الأميركية، وضمن هذا القرار سيطرت واشنطن على ما تصنعه الشركات الأميركية من كمامات في الصين، وتم الحديث عن عمليات قرصنة، لأن دولًا أخرى كانت قد طلبت الكمامات من الشركات الأميركية نفسها، إذًا، هناك تداخل يمنع الحرب في المدى القريب، لكن في المقابل هناك تأثيرات سوف نشهدها لاحقًا، كالانسحاب التدريجي لبعض الشركات الأميركية من الصين إلى بلدان أخرى، قد تكون في شرق آسيا، والهند مرشحة لأن تكون ملاذًا للشركات الغربية التي تبحث عن يد عاملة، ولا تريد تكرار التجربة الصينية. وما حصل فعليًا هو أننا اليوم أمام نظام شمولي في الصين، تسبب -نتيجة صمته وتكتمه وبطء تعاطيه مع فيروس كورونا- في خسائر بشرية وخسائر في اقتصاديات العالم كله، ومن هنا جاءت فكرة أن تدفع الصين ثمن ذلك، لكن ذلك لن يكون سريعًا، ولن يكون بطريقة الحرب الاقتصادية السريعة الساحقة”.
ثم أجاب معن البياري عن سؤال مطروح: هل سيبقى النظام الشعبوي هو المسيطر على العالم، أم أن الشعوب -بعد ما حدث- ستعيد التفكير في من يقودها، خاصة بعد هذا التفاقم في الوضع وفشل معظم الحكومات في إدارة الأزمة، وقال: “يفترض أن تعيد أزمة كورونا الحالية للعقل مكانته وأهميته، وأن ترجح قيمة العقل في معالجة كثير من الأمور والقضايا. وأرى أن الخطاب الشعبوي لن ينتهي، وستبقى هناك بعض الأصوات الشعبوية، ولكني أعتقد أنها ستشهد بعض الانحسار، إذا ما راجعت الشعوب نفسها في موضوع الانتخاب. وعلى سبيل المثال، أذكر أن الرئيس البرازيلي صرّح، منذ ثلاثة أسابيع، بأنه لا يوجد شيء اسمه فيروس كورونا، وأن ما يحدث هو مؤامرة شركات، أدت إلى انتشار الوباء في البلاد بنسب عالية. ثم أيقن الرئيس البرازيلي بعد ذلك أن هناك بالفعل وباءً عالميًا، لذا أتصور أن الشعبويين الذين يمثلهم الرئيس البرازيلي ورئيس وزراء الهند والرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ستنخفض أسهمهم لدى الشعوب، بسبب إدارتهم للأزمة الحالية وسياساتهم التي هددت حياة الناس، وهذا سيحد لاحقًا من قبول الشعبويين في مناصب الحكم والسلطة”.
وتحدث قدور عن الدور الذي تلعبه أزمة كورونا في الانتخابات الأميركية المقبلة، خاصة بعد تساهل الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع هذه المسألة في البداية، وقال: “تغيير الرئيس في الولايات المتحدة، سواء هذه المرة أو حتى في المرة السابقة، يعني بالضرورة أن هناك تغييرًا في السياسات، فالكلام على أن هناك مؤسسات أو دولة عميقة هي التي تدير الأمور هو كلام له طابع المؤامرة، وهو غير صحيح بتقديري، ونحن حاليًا أمام رئيس نصح بحقن أجسام المرضى بالمعقمات والمطهرات الطبية، ولكن مع ذلك تم انتخابه كرئيس، بالرغم من كل المعطيات السيئة التي تدور حول طريقة تفكيره، وهو الآن يحكم أميركا، وعلى أبواب الترشح في الانتخابات الجديدة، لذا ما سيحكم الانتخابات المقبلة ليست شخصية ترامب فقط، بل أداء الخصم، وفي الحقيقة أداء الديمقراطيين في الولايات المتحدة لا يبشر بالكثير، إضافة إلى أن منافسه جو بايدن ليس بالشخصية المحببة، لذلك هناك مخاوف حقيقة من تكرار تجربة الانتخابات الماضية، وبقاء ترامب في السلطة لولاية رئاسية جديدة. ومع الأسف، صعود التيار الشعبوي في الغرب مرتبط بالأزمة المالية العالمية التي حدثت عام 2008، واليوم العالم مقبل على أزمة اقتصادية أضخم بكثير، وهذا الأزمة قد تُستغل من التيارات الشعبوية، من أجل صعود جديد، خاصة أن قوى اليسار في الغرب ضعيفة حاليًا، وقوى اليمين التقليدي الأقرب للمفاهيم الاجتماعية أيضًا ضعفت، لذلك نحن أمام وضع سياسي مضطرب جدًا، ومن الصعب توقّع نتيجة إيجابية لأزمة كورونا، في ما يتعلق بالانتخابات في المدى القريب، ربما يحدث ذلك على المدى البعيد”.
وعرّجت الندوة على موضوع الصراعات الدامية في بعض دول الشرق الأوسط، وفرضية محاولة بعض الأطراف حسم الصراعات، في دول مثل سورية وليبيا واليمن، مستغلة أزمة فيروس كورونا وانشغال العالم بها، وحول ذلك أجاب البياري: “مع الأسف، كان هناك نوع من الرهان بأن يُلزم الجانب الإنساني الدولَ المتقاتلة في سورية، وأيضًا النظام السوري، بالتوقف عن القتل والدمار، وأن تستطيع هذه الأزمة إعادة تفعيل المسار السياسي، والبحث عن آفاق أخرى غير القتال والحرب، لكن هذا لم يتحقق، مع الأسف، والأوضاع ما زالت سيئة، بدليل ما يتداول حاليًا عن استعداد النظام لحملة على مدينة إدلب تُنهي خصومه فيها. وكذلك الوضع في ليبيا لا يقلّ جنونًا وكارثية، وما زالت حالة القتال واستهداف المستشفيات مستمرة، والأمر ذاته ينطبق على اليمن، حيث لم نلحظ في أي من تلك الدول أي إدراك لخطورة هذا الوباء، بطريقة تدفع بالتفكير نحو التسويات السياسية أو السلام أو الذهاب إلى آفق آخر. وأعتقد أن هذه الأنظمة لا تكترث لوباء كورونا، وهم مستمرون في ممارساتهم، على الرغم من انشغال العالم بمكافحة الوباء”.
وفي ختام الندوة، أجاب المشاركون عن أسئلة المتابعين وتعليقاتهم عبر صفحة المركز على موقع (فيسبوك).
تأتي هذه الندوة ضمن حزمة من الندوات التي تتناول آثار فيروس كورونا، على السياسة العربية والعالمية والاقتصاد والمجتمع، على اعتبار أن هذا الوباء هو الشاغل الأساس في المرحلة الراهنة، على مستوى العالم، والمحرّك لكثير من القضايا المحلية والدولية، وستركز كل ندوة على جانب من جوانب هذه الآفة، وتداعياتها وآثارها الكارثية.